قانون 80 الخاص باستثمارات النفط: أثره على نمو الاقتصادي وتطوير الصناعة النفطية في العراق
انفوبلس/ تقرير
يُعد قانون رقم 80 الخاص باستثمارات النفط العراقي لسنة 1961 من أهم الأحداث التي شهدتها صناعة النفط، ليس في العراق فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط، مما دفع البعض إلى أن يُقِر بأن القانون يعادل في أهميته وخطورته تأميم صناعة النفط في إيران، إذ إنه فتح المجال لعقد اتفاقيات جديدة في الأراضي التي تخلّت عنها الشركات وبشروط أفضل، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والعوائد، ولاشك في أن القانون أرسى الأساس الصحيح لإقامة صناعة نفط وطنية باسترداده الكثير من الحقول المكتَشَفة، مما يُمكِّن الدولة من استثمارها بصورة مباشرة، كما أنه أثبت سلطة الدولة على الشركات العاملة لديها وحقّها في وضع القوانين.
*نُبذة تاريخية
أصدر الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم قانون رقم 80 لعام 1961 والذي استعاد بموجبه معظم الأراضي العراقية غير المستثمرة التي كانت تحت امتياز الشركات النفطية والتي كانت تشكل نحو 95% من مساحة العراق، وكان هذا القانون بمثابة الخطوة الأساسية الأولى لتأميم النفط الذي تحقق لاحقاً في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم.
صدور القانون رقم80 لسنة1961 الذي أدّى إلى توقف المفاوضات بين العراق والشركات التي بدأت في 20 آب 1958 وصدور بيان انقطاعها الذي أكد عزم الحكومة آنذاك على الخطوات الشرعية الكفيلة بضمان حقوق العراق، إلى تحول مهم في العلاقات بين العراق وشركات النفط، إذ تبنّى العراق لأول مرة في تاريخه مبدأ تعديل اتفاقيات الامتياز عن طريق التشريع من جانب واحد، ولذلك شكّل عبد الكريم قاسم لجنة خاصة عُهِد إليها دراسة الموقف وإعداد المقترحات اللازمة لإصدار التشريع.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن القانون قد انتزع من الشركات نحو 99 ونصف بالمئة من الأراضي العراقية، وقد ألزم القانون الشركات بتقديم المعلومات الكاملة عن الأراضي التي عادت إلى الحكومة وقد تباينت الآراء حوله، إذ رأى البعض أنه لم يمس مصالح الشركات بصورة مباشرة، وأن الاحتياطي الذي بقي لها كان كثيرا وأن الهدف من صدوره هو إعادة ثقة الجماهير بالسلطة، بل إنه لم يحقق منفعة مادية مباشرة للعراق، بينما رأى البعض الآخر فيه، إنه ضربة قاصمة للشركات، كما أنه مزّق الفرضية التي روّجت لها الشركات وهي قدسية امتيازات النفط وخروجها على نطاق حق السيادة للدولة وعدم المساس بها إلا بموافقة الشركات، وإلى جانب ذلك يُعد إصدار القانون حدثاً مهماً في صناعة النفط العالمية بوصفه أول عمل ناجح ينطوي على استرداد حق من حقوق الدول المنتجة بواسطة تشريع منفرد، ويضع الخطوة الأولى في طريق إخضاع امتيازات النفط إلى متطلبات السيادة الوطنية .
*تأثيره على نمو العراق الاقتصادي
من مرحلة قانون رقم 80 لسنة 1961 لغاية الاحتلال الاجنبي عام 2003، تم استكشاف 52 تركيبا منها 38 حقل نفطي بنسبة نجاح 73% وتمت إضافة 72 مليار برميل إلى الاحتياطي، ونتيجة لذلك تم عند الاحتلال تحديد المخزون النفطي بمقدار 450 مليار برميل والاحتياطي الثابت الممكن استخراجه بمقدار 116.7 مليار برميل.
ومرحلة ما بعد الاحتلال عام 2003 أشارت الأرقام الأخيرة لوزارة النفط عام 2010 إلى أن الاحتياطي الثابت أكثر من 143 مليار برميل قابل للاستخراج، وبهذا أصبح العراق من الدول الخمسة الأولى في ترتيب الاحتياطي للنفط الخام.
وعام 2017 أعلن وزير النفط العراقي إضافة 10 مليار برميل للاحتياطي المثبّت ليصبح 153 مليار برميل ليعود العراق ويصبح ثاني بلد بالاحتياطي في النفط التقليدي بالعالم.
وبحسب آخر الإحصائيات، شكّلت احتياطيات العراق النفطية نسبة 8.4 بالمئة من احتياطيات العالم، فضلا عن الأرخص استخراجا حسب شركة bp البريطانية.
وقالت الشركة في تقرير، إن "احتياطيات العراق النفطية بلغت 145 مليار برميل"، مبينة أن "هذه الاحتياطيات تشكّل نسبة 8.4 بالمئة من احتياطيات العالم النفطية".
* مراحل تطور الصناعة النفطية في العراق بعد قانون رقم (80)
1-مرحلة قانون رقم 80 لسنة 1961 لغاية التأميم
بموجب قانون رقم (80) تم إلغاء امتيازات الشركات كافة على الأراضي العراقية غير المستثمرة والبالغة 95% من مجموع أراضي العراق، وبضوئه تم تأسيس شركة النفط الوطنية عام 1964 والتي باشرت بإعادة تقييم المسوحات الزلزالية واستقطاب كفاءات عراقية وتشكيل فرق مسوحات زلزالية.
2- مرحلة تأميم شركة نفط العراق في حزيران عام 1972 ثم لاحقا عمليات شركة نفط البصرة في عامي 1973 و1975.
بعد مفاوضات طويلة ومعقّدة لم توافق شركة نفط العراق على مطالب الحكومة العراقية مما أدى إلى إعلان تأميم عمليات شركة نفط العراق في حزيران عام 1972 وقد تم تأميم شركة نفط البصرة عامي 1973 و1975 أما عملية شركة نفط الموصل فقد تم التنازل عنها لصالح العراق في 1 اّذار عام 1973 وقد شهدت الصناعة النفطية خلال فترة السبعينيات ما بعد التأميم نموّاً وتوسعاً كبيراً تزامن ذلك مع ارتفاع كبير بأسعار النفط العالمية مما أدى إلى قيام وزارة النفط بالاستثمار في مجال تطوير الحقول وزيادة الطاقات الانتاجية وإنشاء خطوط أنابيب سواء للتصدير أو للنقل الداخلي للمشتقات النفطية والغاز والغاز المصاحب وإنشاء موانئ تصدير النفط الخام في تركيا والخليج العربي وتطوير طاقات التصفية وخزن النفط وصناعة الغاز، كما وضعت شركة النفط الوطنية خططاً طموحة لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 5.5 مليون برميل باليوم بعد أن تم اكتشاف العديد من الحقول العملاقة مثل مجنون والحلفاية وغرب القرنة وغيرها، وكذلك وضعت الوزارة خطة لمضاعفة طاقة التصفية وتصنيع الغاز لاستثمار كامل الغاز المصاحب وتجهيزه للمعامل والمصانع ومحطات توليد الكهرباء.
3- أيلول عام 1980 بداية الحرب العراقية الإيرانية لغاية 8/8/1988 توقفت كل تلك الخطط إلا إن وزارة النفط استطاعت خلال هذه الفترة إنجاز مشاريع كبرى مثل أنبوب النفط العراقي السعودي ومصافي بيجي ومضاعفة طاقة الأنبوب العراقي التركي ومجمّعي غاز الشمال وغاز الجنوب.
4-عند دخول العراق إلى الكويت في آب 1990كانت طاقة العراق الإنتاجية 3.8 مليون برميل باليوم أما طاقة التصفية فكانت 680 ألف برميل باليوم
5-عام 1991 تعرّضت المنشآت النفطية في حرب الخليج الثانية إلى تدمير شامل بلغ في قسم منها 100% إلا إن الكوادر العراقية أثبتت قدرتها على إعادة إعمارها غير أن الصناعة النفطية دخلت مرحلة جديدة من المعاناة بعد سلسلة من عمليات التدمير والقصف والحصار وشحّة الموارد المالية وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية وغيرها.
6- ما بعد الاحتلال في نيسان 2003
تعرّضت منشآت النفط الاستخراجية والتحويلية لعمليات منظّمة في أعمال النهب والسلب والحرق سبّبت أضرارا كبيرة جدا وقد دخلت أميركا بقوة في وزارة النفط حاملة أجندات وتطلعات لتحويل النفط العراقي إلى المشاركة بالإنتاج لكنهم تفاجئوا بقدرات الخبراء النفطيين العراقيين وأن العمليات النفطية تُدار بشكل متميز لا يحتاج لهم إلا بإصلاح الأضرار وإنشاء مشاريع تطويرية.
وكذلك كان هنالك توجه خلال الأعوام 2006–2007 لإبرام عقود المساعدة الفنية (TECHNICAL SUPPORT CONTRACTS –TSC) يتم بموجبها اعتماد الجهد الوطني في تمويل وتنفيذ مشاريع التطوير وبمساندة الشركات النفطية العالمية، وبالرغم من المناقشات التفصيلية والدراسات التي أُجريت لتحديد المتطلبات وبلورة صيغ العقود إلا إنها لم ترَ النور وذلك بسبب تفشي الرشى وكذلك الإجراءات التي تؤمّن إلغاء قرار التأميم بصيغة غير مباشرة.
وتخطّت عائدات عام 2022 النفطية في العراق 115 مليار دولار، وفق أرقام أولية أصدرتها وزارة النفط، وهي الأعلى منذ التراجع الكبير في أسعار النفط خلال فترة انتشار كوفيد.
ويملك العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، واحتياطات هائلة من الذهب الأسود الذي يمثّل نسبة 90% من إيراداته.
وأفاد بيان صادر عن وزارة النفط العراقية بأنّ العراق حقق "أكثر من 115 مليار دولار من تصدير النفط الخام لعام 2022"، بكمية مليار و209 ملايين برميل، بحسب إحصائية أولية، أمّا معدّل التصدير اليومي فقد بلغ 3 ملايين و320 ألف برميل.
وفي العام 2020، بلغت إيرادات النفط العراقية 42 مليار دولار، وفق أرقام رسمية. أما في 2021، فسجل العراق 75 مليار دولار من الإيرادات النفطية. وفي 2019، بلغت الإيرادات 78,5 مليار دولار.