ما هي؟ وكيف تعمل؟ المركزي العراقي يصدر ضوابط ترخيص "البنوك الرقمية" بسبب عدم ثقة المواطنين بالبنوك الخاصة فضلاً عن العقوبات التي تلاحقها.. تعرف على التفاصيل
انفوبلس..
في الثامن والعشرين من آذار الماضي، أصدر البنك المركزي العراقي ضوابط ترخيص المصارف الرقمية في العراق، وهي تلك المصارف التي تقوم بتقديم خدماتها عن طريق القنوات أو المنصات الرقمية باستخدام التقنيات الحديثة كشبكة الإنترنت وتطبيقات الهاتف المحمول وتخضع بشكل كامل لرقابة وإشراف البنك المركزي العراقي.
سنوات طويلة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في العراق كانت كفيلة بخلق بيئة من انعدام الثقة دفعت الكثير من العراقيين إلى الابتعاد عن البنوك إذا ما فكروا بإيداع أموالهم. أما الملاذ الآمن في هذه الحالة فهو المنزل. النزعة هذه ساهمت في تقويض قدرة العراق على تطوير نظامه المصرفي الذي تُعيقُهُ أصلًا الأُطر القانونية والتنظيمية القاصرة وتأثير نموذج الاقتصاد الرَّيعي السائد في البلاد والذي يعتمد على عائدات النفط.
لكن، وعلى الرغم من أن النقد لا يزال يحتل الصدارة في العراق عندما يتعلق الأمر بالتعاملات المالية، إلا أن بعض الناس يتطلعون إلى ما وراء النظام المصرفي التقليدي بحثاً عن فرص في الخدمات المصرفية الرقمية. فهم يعتقدون أن هذا التوجه سوف يوسع وصول الجمهور العراقي إلى الخدمات المالية ويساعد في التنمية الاقتصادية.
للاطلاع على ضوابط الترخيص اضغط هــنــا
في العراق سبعة بنوك حكومية وأكثر من 50 مصرفًا محليًا خاصًا ونحو 40 مصرفًا تجاريًا وأكثر من 12 مصرفًا أجنبيًا خاصًا. وتعتمد غالبية هذه البنوك بشكل كبير على مبيعات العملات الأجنبية للبنك المركزي العراقي لتأمين ميزانية عمومية مربحة بدلًا من الاستثمارات التقليدية. الفساد هو أيضًا مصدر قلق كبير. فالبنوك في العراق متهمة بالمساعدة في تهريب مبالغ كبيرة خارج البلاد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
انعدام الثقة في البنوك لا يتوقف على المصارف الخاصة إنما يمتد أيضًا ليطال البنوك التي تملكها الحكومة ويشعر به الجميع من دون استثناء وحتى موظفي الدولة.
لا ينبغي التقليل من حجم المشكلة. فقد قدر مسؤول في أحد البنوك المملوكة للدولة متحدثًا شريطة عدم الكشف عن هويته أنه من بين ما يقرب من 76 تريليون دينار عراقي (58.46 مليار دولار أميركي) نقدًا متداولًا في العراق، يتم إيداع نحو الخمس فقط في البنوك. ويمثل اكتناز المدخرات في المنازل خطرًا لأن العملة الورقية يمكن أن تتلف أو تُفقد أو تُسرق.
يوافق الخبير الاقتصادي العراقي حيدر الشاهين على أن الاحتفاظ بالنقود في المنزل ينبع من انعدام الثقة في النظام المصرفي للبلاد، واصفًا إياه بأنه متخلف مقارنة بذاك في الدول المجاورة. على سبيل المثال، لا تسمح البنوك العراقية للمودعين بسحب أموالهم دفعة واحدة، بل تجبرهم بدلًا من ذلك على سحب مبالغ أصغر على أقساط. كما كانت هناك حوادث موثقة حيث سرق أصحاب البنوك أو المجرمون أموال المودعين وفروا من البلاد.
وتابع الشاهين، أن البنوك المحلية "غير قادرة على العمل مع العراقيين لإنشاء بنية تحتية اقتصادية بسبب ضعف النظام المصرفي وهي لا تفي بالتزاماتها تجاه العملاء"، معربًا عن أسفه لكون "العراق لا يزال يفتقر إلى تشريع يضمن الودائع في البنوك".
وفي هذا السياق أيضًا، قال علي دعدوش، الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة بغداد، إن على الحكومة وضع خطة لتطوير القطاع المصرفي وتنفيذ الإصلاحات بالإضافة إلى إطلاق حملات لتثقيف الجمهور حول فوائد إيداع أموالهم في المصارف.
وتابع دعدوش قائلًا: "يجب خلق بيئة جيدة لتشجيع الاستثمار ووضع التأمين على الأموال من خلال اعتماد قوانين تحمي المستثمرين وبخاصة المستثمرون المحليون". وأضاف أن "الخدمات كالإعفاءات والخصومات الضريبية أو توفير الحماية والأمن للمستثمرين" ستُساهم في مكافحة اكتناز السيولة في المنازل.
ويبقى أنه من شأن هذا الإجراء أن يترك العراقيين يقفون في طابور أمام البنك ينتظرون إيداع أموالهم وهي ممارسة تركها العالم خلفه منذ زمن.
ويأمل بعض الاقتصاديين والخبراء المصرفيين أن يفكر العراق جديًا بإنشاء نظام مصرفي رقمي حيوي وأن يتخذ خطوات عملية لتحقيق ذلك. هم يعتقدون أن هذا من شأنه أن يوفر للمستهلكين وصولًا أفضل إلى أدوات مثل الدفع الإلكتروني وتحسين تقديم الخدمة.
وعلى عكس البنوك التقليدية، ليس للبنوك الرقمية وجود في واجهة المتجر ولكنها تستخدم الإنترنت لخدمة العملاء من خلال تطبيقات الهاتف المحمول ومنصات الإنترنت.
وفي هذا السياق، قالت الباحثة المصرفية ميسم عبد الكريم: "تساهم البنوك الرقمية في توسيع وصول الناس إلى الخدمات المصرفية والمالية عن بعد وتوفيرها لهم من دون أي قيود". وفي حديثها قالت إن "التحول نحو البنوك الرقمية أصبح ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها. علاوة على ذلك، فإن الاتجاه المتزايد لدمج الصناعات المالية بالتكنولوجيات الحديثة سيخلق منتجات جديدة تغير بشكل جذري طريقة عمل المؤسسات المصرفية والمالية".
وبرأي عبد الكريم، فإن الانتقال إلى الخدمات المصرفية الرقمية سيغير سلوك كل من الشركات والمستهلكين بطريقة "شاملة".
وأوضحت، أنه بالنسبة للبنوك، ستؤدي التغييرات إلى تحسين خدمات العملاء وتقليل تكاليف التشغيل وتحسين الكفاءة. كما ستجلب عملاء محليين وإقليميين ودوليين جدد. وأوضحت الباحثة المصرفية أنه بمجرد أن تقرر البنوك تقديم نطاقات جديدة من الخدمات الرقمية، سيبدأ الجمهور في استخدام هذه المنتجات الجديدة.
وتابعت: "كما أنه من شأن هذه التغييرات أن تغير الطريقة التي تقدم بها المؤسسات خدماتها ومنتجاتها للعملاء لتصبح أسرع وأكثر سلاسة وتتماشى مع سلوك العملاء وتلبي رغباتهم واحتياجاتهم. كما ستسمح بالتكيف مع الاتجاهات الرقمية والتكنولوجية الجديدة".
ومع ذلك، فإن هذه المنصات لا تزال في مهدها في العراق. لتسهيل تقدمها، يتعين على الحكومة وضع أطر تنظيمية جديدة للتحكم في الخدمات المصرفية الرقمية.
في أوائل عام 2021، أطلق البنك المركزي العراقي خدمة التسجيل في الخدمات المصرفية الرقمية. وفقًا للمركزي، يعد البرنامج "نظامًا ماليًا رقميًا متكاملًا" يعزز الاستقلال عن الأنظمة التقليدية. وأضاف بيان صادر عن البنك المركزي أن هذا "سيحول العراق إلى دولة أقل اعتمادًا على السيولة ما سيمكن الدولة من محاربة الفساد والتهرب والبيروقراطية".
تُعد القدرة على إجراء المدفوعات الإلكترونية جزءًا ضروريًا من أي نظام مصرفي رقمي. في الوقت الحاضر، الشكل الأكثر شيوعًا لمثل هذه التحويلات التي يعاني منها العراقيون هو في الواقع استخدام الحكومة للبطاقات الذكية لتوزيع رواتب القطاع العام. لكن ينتهي الأمر بمعظم الناس بسحب رواتبهم نقدًا، ما يؤدي إلى إخراج الأموال من النظام المصرفي الرقمي.
وللوقوف على هذه الظاهرة، قال الخبير المصرفي قيس الخفاجي، إن معظم العراقيين يستخدمون الهواتف الذكية للاتصال والألعاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بينما يستخدم المستهلكون في جميع أنحاء العالم أجهزتهم أيضًا في المعاملات المالية. هناك فرصة محدودة للعراقيين ليحذوا حذوهم لأن البنوك وتجار التجزئة لم يفعّلوا الدفع الإلكتروني بعد.
من وجهة نظر الخفاجي، إن تبني الأنظمة الرقمية من شأنه أن يشجع الجمهور على الاستفادة من الخدمات المالية عبر الإنترنت. ويجادل بأن الحكومة يمكن أن تفرض دفع فواتير الكهرباء والمياه وغيرها من المرافق الأساسية إلكترونيًا أو حتى أن تقدم إعفاءات ضريبية لتشجيع اعتماد التحويلات الإلكترونية.
ومع ذلك، فإن قول هذا أسهل من فعله. فالتشريعات المصرفية والمالية في العراق عفا عليها الزمن ولا يمكنها استيعاب الأنظمة الرقمية الحديثة.
ويرى مظهر محمد صالح، المستشار المالي لمكتب رئيس الوزراء العراقي أن "الطبيعة الريعية للنظام المصرفي العام والخاص هي إحدى العقبات الرئيسية التي تعيق تطوير ثقافة مصرفية حديثة".
على سبيل المثال يحدد قانون المصارف رقم 94/2004 عددًا من "الأنشطة المحظورة" التي تجعل البنوك تتجنب القيام باستثمارات كبيرة وطويلة الأجل خوفًا من فقدان السيولة النقدية. وقد شجع هذا المستهلكين على استخدام الخدمات المصرفية والمالية التي تجيزها الشريعة الإسلامية بدلًا من ذلك.
ونتيجة لذلك، قال صالح إن معظم البنوك لديها نطاق أصغر من العمليات التي يمكن أن تقدمها لعملائها مقارنة بنظرائها الأجانب. وتشمل هذه نافذة مبيعات العملات الأجنبية للبنك المركزي العراقي وإصدار خطابات الاعتماد وتسوية الرواتب.
وتابع قائلًا إن "معظم هذه الأدوات مرتبطة بشكل مباشر بالنشاط الريعي للحكومة وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة".
في المحصلة، على الرغم من الاحتمالات المشجعة في الأفق الرقمي، من المرجح أن يبقى النظام المصرفي العراقي في عصر النقد بالمستقبل المنظور.