النسبة الفعلية أقل من 1%.. ضعف الثقة يخفض الإيرادات الضريبية.. الحكومة تصرفها على النفقات التشغيلية وهي مخصصة للخدمات الأساسية

انفوبلس..
تمثل الايرادات الضريبية نسبة ضئيلة جداً في الناتج المحلي العراقي حيث تصل إلى أقل من 1%، ويعود ذلك بالدرجة الأساس إلى ضعف الثقة بين المواطن والحكومة وسوء إدارة الملف من قبل الأخيرة، فماذا نعرف عن النظام الضريبي في العراق؟ وما أنواع الضرائب؟ وكيف يمكن خلق ثقة متبادلة؟
واقع حال
وحول هذا الملف، قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إنه "في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتفاوت نسبة الإيرادات الضريبية من القطاعات غير النفطية إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 5% و15%، وذلك وفقًا للتشريعات والسياسات المالية لكل دولة. فعلى سبيل المثال، بلغت هذه النسبة في المملكة العربية السعودية حوالي 9%".
وأضاف: "أما في العراق، فوفقًا للبيانات الرسمية لعام 2024، قُدِّر الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 320 تريليون دينار عراقي، في حين بلغت الإيرادات الضريبية لنفس العام نحو 7 تريليونات دينار عراقي. هذا يعني أن نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق كانت حوالي 2.2% فقط".
وتابع: "تُعتبر هذه النسبة منخفضة جدًا مقارنةً بالدول الأخرى، على الرغم من وجود تشريعات تنظم الإيرادات الضريبية، مثل قوانين الضريبة والتعرفة الجمركية. وإذا ما استثنينا الضرائب المحصلة من موظفي القطاع العام، الذين لا يساهمون بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي بسبب ظاهرة البطالة المقنعة، فقد تنخفض نسبة الإيرادات الضريبية الفعلية في العراق إلى أقل من 1%، وهي من أدنى النسب مقارنة بمختلف الدول".
ونوه إلى أن "هذا التراجع يعود بشكل رئيسي إلى ضعف ثقة المواطنين النشطين اقتصاديًا في كيفية استخدام الإيرادات الضريبية وطرق إنفاقها".
وبين: "تسود ثقافة مجتمعية ترى أن الضرائب تُستخدم لتغطية النفقات التشغيلية للحكومة، وأن جزءًا كبيرًا منها قد يكون عرضة للفساد والهدر، مما يتناقض مع أهداف قوانين الضريبة التي تهدف إلى زيادة الإيرادات العامة لتمويل الخدمات الأساسية كالصحّة والتعليم والبنية التحتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية".
وأكد، أن "التحدي الأكبر لزيادة هذه الإيرادات الضريبية يكمن في ضرورة بناء ثقة المواطنين بأن دفع الضرائب سينعكس إيجابًا عليهم وعلى أسرهم. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مبدأ الشفافية الذي يجب أن تمارسه الدولة أثناء جمعها للضرائب".
وأشار إلى أنه "على الدولة أن تتجنب استخدام أموال الضرائب لسد احتياجاتها التشغيلية أو لدفع رواتب القطاع الحكومي، خاصةً أن المواطن ليس مسؤولًا عن قرارات التوظيف التي قد لا تساهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي. لذلك، يجب على الدولة أن تتيح للمواطنين اختيار مجالات إنفاق أموال ضرائبهم، سواء في القطاع الصحي أو التعليمي أو البنية التحتية او أي قطاع آخر يراه الشخص مناسبا لاحتياجاته ، من خلال تضمين خيارات في استمارات التحصيل الضريبي توضح مواطن الانفاق التي يختارها".
بالإضافة إلى ذلك، رأى العبيدي أنه "يجب تعزيز مبدأ الشفافية بنشر بيانات دقيقة وواضحة بشكل شهري عن الأموال التي تم جمعها ومجالات إنفاقها، وفقًا لاختيارات دافعي الضرائب. عندها، يمكن بناء نوع من الثقة بين المواطن والنظام الضريبي، مما يشجعه على دفع المستحقات بشكل أكبر".
وأوضح أن "الاستمرار في استخدام أموال المواطنين لتغطية أخطاء الحكومات المتعاقبة، فلن يعزز مفهوم النظام الضريبي ولا القدرة على جمع إيرادات ضريبية مستحقة. وسيدفع ذلك المواطنين إلى البحث عن طرق للتهرب أو تقليل هذه المدفوعات، وربما يكونون مستعدين لدفع رشاوى لتقليل قيمة الضريبة المستحقة عليهم".
أرقام سابقة
وقبل نحو عام من الآن، أعلنت الهيئة العامة للضرائب في العراق توجُّه الحكومة إلى تحصيل الضرائب من 85 جهة جديدة لم تُشمل سابقاً ضمن جباية الضرائب، من بينها شركات سيارات التاكسي والإعلانات وعلى المشاهير والفنادق والمطاعم.
وبحسب إحصائية رسمية سابقة للهيئة العامة للضرائب، فإن إيرادات الضرائب للعام 2023 بلغت 5 تريليونات و500 مليار دينار (بحدود 4 مليارات دولار) خلال تسعة أشهر بنسبة نمو تصل إلى 150 في المائة.
وقال رئيس الهيئة العامة للضرائب، علي وعد علاوي، إن هيئته أضافت رسوماً على بعض الشركات التي كانت غير خاضعة لجباية الضرائب في العراق، والتي لديها تطبيقات (التاكسي) مثل تاكسي المطار وتاكسي كريم وتاكسي بلي، وبقية شركات تأجير السيارات.
وبيّن علاوي، أن هذا القطاع كان غير خاضع للضريبة، وتم تحصيل موافقة رئاسة مجلس الوزراء من أجل إخضاعه للضريبة بنسبة 15 في المئة.
ورغم الاعتراضات على تلك الخطوة من قبل الممولين، إلا أن عدداً من المختصين في الشأن الاقتصادي أكدوا، أن قرار فرض الضرائب على هذه الفئات له انعكاسات إيجابية تزيد من حجم إيرادات الدولة المالية، فضلاً عن تفعيل الدور الرقابي والقانوني واستحداث آليات عمل مشتركة بين مؤسسات الدولة العراقية لا تقتصر على الهيئة العامة للضرائب.
وبيّن الخبير الاقتصادي، ضرغام محمد علي، أن فرض الضرائب يحتاج إلى آليات تنسيق وشراكة بين الهيئة العامة للضرائب والفعاليات المذكورة وإصدار إجازات رسمية لهذه الفعاليات لتكون أنشطتها تحت رعاية من الدولة.
وأضاف علي، أن أنشطة بعض الفئات التي تم تحديدها لجباية الضرائب، غير قابلة للقياس، وهو ما يشكل صعوبة رقابية، خصوصاً أن مواقع التواصل لا تملك ممثلين أو وكلاء في العراق.
ووفق الخبير فإنه في، حال وجود ممثلين تجاريين فإن فرض ضريبة دخل هو أمر قانوني، كونه نشاطاً تجارياً خاضعاً للقانون، ويعمل داخل حدود الدولة العراقية واستثمار هذه الفئات يتيح الفرص لتطوير هذه الأنشطة.
وأشار إلى أن الإيرادات المتحصلة من هذه الفئات تصنف باعتباره إيراداً حكومياً إضافياً لتمويل الموازنة بعيداً عن القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تعتمد عليها الدولة كالنفط، مشدداً على أهمية استحداث آليات جديدة لعمل الشركات الإلكترونية في عموم العراق.
من جانبه يرد الباحث الاقتصادي، علي العامري، على بعض المنتقدين قائلا إن الضرائب تعتبر مصدراً رئيسياً من مصادر الدخل القومي والإيرادات الحكومية لأي دولة، وتتيح فرص تمويل الخدمات العامة والمشروعات التنموية، فضلاً عن تحقيق جوانب كبيرة من التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد أن الضرائب من شأنها إعادة توزيع الموارد والدخل، بالإضافة إلى وظائف أخرى تتعلق بالسياسات النقدية والسيطرة على مستويات التضخم والركود والعجز على حد سواء.
وبيّن العامري، أن الضرائب تلعب دوراً حيوياً في دعم الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية في البلاد، مثل تمويل القطاع الصحي والتعليم وتطوير البنية التحتية التي تشمل الطرق والجسور والمطارات والمستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى دعم القطاع العام وتمويل الإدارة الحكومية والجهات الأمنية والقوات المسلحة.
وأشار العامري، إلى أن الضرائب في العراق تثير جدلاً كبيراً لما فيها من علامات استفهام متعددة تتعلق بعمليات التهرب الضريبي ووجود هدر كبير في المبالغ المستحصلة منها.
وأوضح، أن حجم المبالغ التي أهدرت تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار، بسبب ضعف الأداء في تطبيق القانون، وإصدار العقوبات المخففة في حق المخالفين والمتخلفين عن سداد أموال الضرائب مما أفقد المواطن الثقة بهذا القطاع.
وشدد العامري على أن شمول الفئات الجديدة بالضرائب يدعو إلى التفاؤل، من خلال تحصيل الدولة مبالغ إضافية لموازنتها السنوية.
أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن قانون الضرائب العراقي رقم 113 لسنة 1982 شدد على فرض الضرائب في حق الحرف والأعمال التي تمارس للأفراد والشركات.
وأضاف التميمي، أن العراق يفتقر إلى قانون الجرائم الإلكترونية الذي يُنظم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، مما يدعو للرجوع إلى قانون الضرائب العراقي رقم 113 لسنة 1982 بعد أخذ الموافقة الرسمية من مجلس الوزراء العراقي للشروع في تنفيذ فقرات هذا القانون.
وأكد التميمي، أنه لا توجد استثناءات من هذا القانون، وفي حال مخالفة هذا القانون يتم تطبيق المادة رقم 329 من قانون العقوبات العراقي وفق العناصر الجزائية المتمثلة بالحبس والغرامة.
وبيّن أن توجه الهيئة العامة للضرائب الأخير جديد، ولا يمكن أن يكتمل قانونياً إلا بعد تشريع البرلمان العراقي لقانون الجرائم الإلكترونية في ما يخص الفئات المشمولة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير على السوشيال ميديا، لتنظيم عمل القانون.
وتساءل التميمي، عن الجهة التي ستراقب هذه الفئات، إذ لا يمكن لجهة واحدة مراقبة الفئات والمشمولة وتحديدها، ما لم يتم التنسيق بين الجهات المعنية المتمثلة بوزارة الاتصالات والهيئة العامة للضرائب وهيئة الإعلام والاتصالات، من خلال توجيه رسمي صادر عن مجلس الوزراء العراقي.
أهمية الضرائب في العراق
تعتبر الضرائب من المصادر الرئيسية لتمويل الحكومات في جميع أنحاء العالم، والعراق ليس استثناء. إن الضرائب تلعب دوراً حيوياً في دعم الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية في البلاد. تتضمن بعض الاستخدامات الشائعة للضرائب في العراق:
- تمويل الصحة والتعليم: من خلال جمع الضرائب، يمكن للحكومة توفير الرعاية الصحية والتعليم الجيد للمواطنين.
تطوير البنية التحتية: تشمل البنية التحتية الطرق والجسور والمطارات والمستشفيات والمدارس. إن جمع الضرائب يمكنه تمويل هذه المشاريع الضرورية لتحسين الحياة في العراق.
- دعم القطاع العام: الضرائب تلعب دوراً في دعم القطاع العام وتمويل الإدارة الحكومية والجهات الأمنية والقوات المسلحة.
ما هي الضرائب في العراق؟
تُعرّف الضرائب في العراق على أنّها إيرادات مالية إلزامية يتمّ فرضها من قبل السلطات المختصة (المديرية العامة للضرائب)، وتشمل الأنشطة، والنفقات، والدخل، والوظائف، بما في ذلك الأفراد والمؤسسات، ويتم تحديد الضرائب مسبقاً من قبل الجهات المختصة بنسبة مئوية معينة في العراق، وتشمل الضرائب في العراق الأفراد سواء كانوا موظفين أو مستهلكين نهائيين، والشركات التجارية المسجلة في البلاد، وتتولى المديرية العامة للضرائب في العراق مسؤولية تحصيل الضرائب وإدارتها وتنفيذ القرارات الضريبية.
يتعين على المواطنين والشركات في العراق فهم أهمية الضرائب، ففهم الضرائب يعد أمراً حيوياً لهم على حد سواء، إذ يساعد على توفير الشفافية والإلمام بحقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة، بالإضافة إلى ذلك، يساعد فهم الضرائب في تحقيق التوازن المالي وتمويل البنية التحتية والخدمات العامة الهامة، وبدون الضرائب قد يكون من الصعب توفير هذه الخدمات وتطوير الاقتصاد.
ويختلف مفهوم الضرائب وطرق دفعها وسدادها إلى الجهاز الضريبي في الدولة، وبناءً على ذلك تنقسم الضرائب في العراق إلى نوعين رئيسيين:
أولاً: الضرائب المباشرة:
تشير هذه النوعية إلى الضرائب التي يتم فرضها مباشرة على الأفراد والمؤسسات، ويتحمل الشخص أو المؤسسة دفعها مباشرة للحكومة دون وساطة، وتشمل هذه الضرائب ضريبة الدخل، وضريبة الشركات، وضريبة العقارات، وتتميز الضرائب المباشرة بأنه لا يمكن نقلها من الشخص أو المؤسسة المكلفة بها إلى شخص آخر أو جهة أخرى، فالشخص أو المؤسسة الخاضعة للنظام الضريبي هي المسؤولة عن دفع الضريبة مباشرة للحكومة بدون وسيط.
ثانياً: الضرائب غير المباشرة:
تشير هذه النوعية إلى الضرائب التي تفرض على الأفراد والمؤسسات، ويتم دفعها للحكومة عن طريق جهة أخرى غير الجهة التي فرضت عليها الضريبة، ويتم دفع هذه الضرائب من قبل المنتجين أو التجار أو بائعي التجزئة، ويتم احتسابها على المستهلك النهائي كجزء من ثمن السلعة أو الخدمة، وبالتالي يكون المستهلك النهائي هو الذي يدفع الضريبة ويتحمل أعباءها مقابل حصوله على السلع أو الخدمات، وتشمل الضرائب غير المباشرة ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.
تتميز الضرائب غير المباشرة بعدة مميزات، ومنها:
الالتزام الضريبي:
يتطلب من مقدمي الخدمات أو بائعي السلع الالتزام بدفع الضرائب غير المباشرة للحكومة، وتحتسب هذه الضرائب كجزء من قيمة السلعة أو الخدمة التي يتم تقديمها للمستهلك النهائي.
الالتزام بالدفع ومنع التهرب الضريبي:
من الصعوبة التهرب من دفع الضريبة غير المباشرة، حيث تُطبق هذه الضرائب مباشرة على السلع والخدمات.
تشجيع الاستثمار والادخار:
تسهم الضرائب غير المباشرة في تحفيز الأفراد على الاستثمار وتطوير أموالهم ومدخراتهم من خلال توفير بيئة اقتصادية تشجع على الأنشطة التجارية والاستثمارية، وهذا يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الوضع المالي الشخصي.
أنواع الضرائب في العراق
تفرض الحكومة في العراق عدة أنواع من الضرائب، وتشمل هذه الضرائب:
ضريبة الدخل:
هي الضريبة التي يتم فرضها على الأرباح المالية الناتجة عن التصرف في الأموال غير المنقولة وحقوق التصرف فيها من العقارات والأراضي، بالإضافة إلى الأرباح الناجمة من العمل والمهن الحرة مثل الرواتب والمخصصات وغيرها، والتي يحصل عليها الشخص من القطاع العام أو الخاص، تشمل أيضًا بدل إيجار الأراضي الزراعية، وأي ربح يحققه الفرد ولم يخضع لأي ضريبة أخرى خلال فترة زمنية معينة تحددها القوانين الضريبية، وذلك بعد استقطاع المصروفات والتسهيلات القانونية والإعفاءات الشخصية.
2. ضريبة الإنتاج:
يتم فرض ضرائب الإنتاج كوسيلة للوصول إلى السلع الاستهلاكية في مرحلة الإنتاج المحلي، وتُفرض الضرائب إما كمبلغ ثابت يُضاف إلى سعر الوحدة أو كنسبة مئوية من قيمة السلعة، ويتم تحصيل الضرائب من المستهلكين مباشرة أو تفرضها الدولة في مرحلة سابقة للإنتاج.
3. ضريبة المبيعات:
تفرض ضريبة المبيعات بنسبة 10٪ على جميع الخدمات التي تقدمها فنادق ومطاعم الدرجتين الممتازة والأولى، وتقوم الهيئة العامة للضرائب بتحصيل هذه الضريبة وتشكيل شعبة خاصة تسمى “شعبة ضريبة المبيعات” لإدارة سجلات المنشآت السياحية المشمولة بالتعليمات ومتابعة جمع الضريبة، وتتولى الهيئة مهمة المراقبة والتدقيق لضمان صحة جمع وتحصيل هذه الضريبة، وتطلب من المنشآت السياحية إصدار قوائم تثبت الخدمات المقدمة ومبلغ ضريبة المبيعات المستوفاة وفقًا للنسب المحددة.
4. ضريبة القيمة المضافة:
لم تفرض حتى الآن في العراق، فيما تسعى السلطات إلى تطبيقها أسوة بمختلف بلدان العالم حتى دول الجوار.