انتشار الدينار "المزوّر" يثير مخاوف المواطنين والتجار.. ماذا يقول الخبراء والبنك المركزي؟

انفوبلس/ تقرير
في ظل الأزمة المالية ونقص السيولة التي يمر بها العراق، تشهد الأسواق العراقية في الأيام الأخيرة موجة واسعة من الشائعات حول انتشار كميات كبيرة من فئة (25، و50) ألف دينار عراقي "مزورة" ويُقال إنها قادمة من الخارج، فما حقيقة الأمر؟ وماذا يقول المواطنون والتجار والسلطات الحكومية ومنها البنك المركزي عن ذلك؟
وجاء ذلك مع تزايد التصريحات والمؤشرات والتلميحات الرسمية والحكومية، عن وجود أزمة مالية في العراق، بعد أشهر من التصريحات التي كانت تقتصر على أعضاء في مجلس النواب والتي تحاول الحكومة ووزارة المالية نفيها بين الحين والآخر.
*المواطنون والتجار
يؤكد مواطنون وتجار أنهم لاحظوا تدفق كميات من هذه الأوراق النقدية "المشبوهة"، إذ يقول تاجر يعمل في سوق الشورجة بالعاصمة بغداد، إن "هناك حديثاً متزايداً بين التجار عن تدفق كميات من فئة (25) ألف دينار مزورة، حيث لاحظ بعض التجار اختلافات طفيفة في ملمس الورقة النقدية وألوانها"، مشيراً إلى أن "التجار يتعاملون بحذر شديد حالياً عند استلام هذه الفئة".
من جهته، يوضح صاحب مكتب صرافة في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد، أن "المخاوف من انتشار العملة المزورة ليست جديدة، لكن في الأيام الأخيرة زادت الشكاوى من بعض المواطنين الذين اكتشفوا أنهم حصلوا على أوراق مزورة عند التعامل بها في بعض المحال"، مؤكداً أن "هذه الحالات لا تزال محدودة، لكن هناك حاجة لرقابة أكثر تشدداً من قبل البنك المركزي والأجهزة الأمنية".
وعبّر مواطنون عن قلقهم من انتشار هذه العملة المزورة في الأسواق المحلية، وسط مخاوف من تعرضهم لعمليات نصب واحتيال قد تسلبهم أموالهم، مشيرين إلى أن غياب الرقابة قد يسهل وقوعهم في هذا الفخ الذي يهدد استقرار التعاملات النقدية في الأسواق العراقية.
ومع انتشار نوع من فئة الـ 25 ألف دينار و50 ألفا كذلك، في الاسواق العراقية مؤخراً، يصعب على المواطنين الاعتياديين تمييزه، حيث لا يمكن كشف الفئة المزوّة سوى بالأجهزة المخصصة. كما تشير المعلومات إلى أن هذه العملية قد تكون منظمة، وتهدف إلى سحب الدولار من الأسواق المحلية ونقله إلى الخارج، ما يثير تساؤلات حول الجهات المسؤولة عن هذا الأمر.
ويتزامن ضخ العملة المزورة في الأسواق العراقية، مع استمرار تراجع قيمة صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، الأمر الذي يشكل خطرًا حقيقيًّا على قوة الدينار العراقي في الأسواق المالية داخليًّا وخارجيًّا، بحسب خبراء في الشأن الاقتصادي.
وبحسب مصادر أمنية رفيعة المستوى فإن الأجهزة المختصة بمكافحة الجرائم الاقتصادية شددت من رقابتها على الأسواق، وخاصة مكاتب الصرافة، لضمان عدم تداول أي عملة مزورة"، مشيرة إلى أنه "تم اعتقال عدة أشخاص متورطين في محاولات تمرير أوراق نقدية مزورة خلال الفترة الماضية".
وبحسب مراقبين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإن الخوف من العملة المزورة بات مثار قلق للكثير من العاملين في السوق وأصحاب المحلات وغيرها، فالسقوط في هذا الفخ أمر وارد جدا مع ارتفاع تداول هذا النوع من العملات، وخصوصا فئة 25 الف دينار وكذلك فئة 50 الف دينار، فالمزيفة والاصلية متشابهة الى حد ما. وخطورة هذا النوع من العملات قد تضرب عصب الاقتصاد كما يقول خبراء فأحد أكبر سلبيات انتشارها هو التضخم فضلا عن فقدان الثقة بالعملة من قبل المواطن.
*حديث البنك المركزي
مصدر مسؤول في البنك المركزي العراقي، رفض الكشف عن اسمه، يؤكد أن "الحديث عن انتشار واسع لأموال عراقية مزورة فئة (25) ألف دينار قادمة من الخارج غير صحيح إطلاقاً"، مضيفاً أن "المعايير العالمية التي تعتمدها العراق في طباعة العملة تجعل من الصعب للغاية تزويرها، خصوصاً الفئات الكبيرة".
وشدد المصدر على أن "الفرق الرقابية التابعة للبنك المركزي، بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة بمكافحة الجرائم الاقتصادية، تعمل باستمرار على التصدي لمحاولات تزوير العملة، وقد تمكنت من إحباط العديد من المحاولات قبل انتشارها في الأسواق"، مشيراً إلى أن "أي عملة مزورة يتم تداولها تكون مكشوفة بسهولة للمواطنين بسبب صعوبة تقليد التفاصيل الأمنية الموجودة في العملة الوطنية".
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي مضر السبتي، أن "انتشار العملة المزورة، حتى لو كان على نطاق ضيق، يمكن أن يؤثر على ثقة المواطنين بالعملة المحلية ويؤدي إلى تزايد الطلب على الدولار كملاذ آمن"، مضيفاً أن "الأمر يتطلب شفافية أكبر من قبل البنك المركزي، بحيث يتم نشر بيانات دورية توضح حجم محاولات التزوير ومدى نجاح الجهات الرسمية في مكافحتها".
بدوره، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي دريد العنزي أن "إصدار العملات المزورة يرتبط بمحاولة الاستفادة من الاقتصادات الأكثر استقراراً، وبالنظر إلى الاستقرار النسبي في العراق، فإن ذلك قد يكون مغريًا لبعض الدول التي تتعرض اقتصاداتها إلى هزة أو اختلالات"، داعياً الى "ضرورة توخي الحذر من مثل هذه العمليات".
في حين يصر البنك المركزي العراقي على عدم وجود انتشار واسع للدينار المزور، تستمر المخاوف في الأسواق مع حديث بعض التجار عن حالات محدودة من التزوير. ومع تصاعد الجدل، تبقى الحاجة إلى تعزيز الرقابة المالية والتعامل بشفافية مع المواطنين لضمان عدم تأثر ثقة الشارع العراقي بعملته الوطنية.
وفي هذا السياق، كشف البنك المركزي العراقي بداية العام الجاري، عن مجموعة من العلامات الأمنية الحديثة التي تم إضافتها إلى الأوراق النقدية المتداولة كخطوة نوعية تعكس الحرص على مواكبة التطورات العالمية في مجال طباعة العملات وتأمينها.
وكشف البنك المركزي العراقي في 19 يناير/كانون الثاني، النقاب عن العلامات الأمنية للأوراق النقدية المتداولة، بهدف توعية الجمهور، فضلا عن الشركات والمصارف التجارية التي تتعامل بهذه الأوراق بشكل يومي، مستعرضا هذه العلامات الأمنية المحسنة، عبر نشرة فنّية، أشار فيها إلى إدخال علامات بارزة على الأوراق النقدية الجديدة لتمكين ضعاف البصر من التعرف على فئات الأوراق باللمس.
النائب بالبرلمان العراقي هيثم الزركاني، أكد أن حديث البنك المركزي عن خطوات لإصدار عملة ذات رصانة أمنية هو جهد يستحق الثناء. وقال الزركاني أن أي خطوات لجعل العملة العراقية رصينة ومقبولة عالميا بالغ الأهمية، خاصة أن العملة العراقية نادرا ما يتم التعامل بها في دول الجوار بسبب عدم استقرار أسعار الصرف وعدم اعتراف بعض الدول العربية والأوروبية بها كعملة عالمية.
وأرجع الزركاني هذا الضعف إلى حالات التزوير، مشيرا إلى أن إصدار عملة تراعي الجوانب الأمنية وتلبي احتياجات ذوي الإعاقة البصرية يمثل خطوة مهمة على الصعيد الأمني والإنساني والاقتصادي في آن واحد، من دون هدر للموارد أو التقليل من شأن العملة العراقية في الأسواق العالمية.
وسبق للبنك المركزي العراقي أن أصدر في عام 2018 طبعة ثانية من الأوراق النقدية للفئات (25000، 10000، 1000، 500، 250)، كما أدخل في عام 2013 بعض التحديثات الفنية والتقنية على إصدارية 2003 عدا فئة (50) دينارا التي سُحبت من التداول عام 2015، كما أصدر في نهاية 2015 فئة (50000) دينار ليكمل السلسلة الحالية المتداولة.
ويُعرِّف البنك المركزي العراقي بحسب ما نشره على موقعه الرسمي، التزوير بأنه تغيير للحقيقة بقصد الغش بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغيراً من شأنه أن يسبب ضرراً، في حين أن التزييف ينصب على التقليد مثل العملات سواء كانت ورقية أو معدنية أو الطوابع البريدية والمالية والأوراق ذات القيمة والمسكوكات، ويكون ذلك عن طريق تقليدها بأي طريقة لتكون مشابهة للأصل، وهو يعد تعدياً على سيادة الدولة وذمتها المالية وله عديد من الآثار والمساوئ على اقتصاد الدولة وسمعتها وثقة الدول والجمهور في عملاتها.
ووضع البنك المركزي العراقي بموجب قانونه المرقم 56 لسنة 2004 القسم الحادي عشر بنوداً وأحكاماً على جريمة التزييف ومنها المادة 50 : "يعتبر كل شخص يسكُّ أو يُشرِع في الإعداد لسكِّ نقود مزيفة مرتكباً لجناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد على 50 مليون دينار (38.8 ألف دولار أميركي) أو الحبس لمدة لا تزيد على 5 سنوات أو كلاهما معاً"، بينما المادة 51 في تعريف (الحيازة) تنص "يعتبر كل شخص يقوم متعمداً الغش مع معرفته بذلك (شراء أو قبول أو عرض بشراء قبول، حيازة أو امتلاك، استجلاب إلى العراق) النقود المزيفة مرتكباً لجناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد على 50 مليون دينار (38.8 ألف دولار) أو الحبس لمدة لا تزيد على 5 سنوات أو كلاهما معاً".
وتشير المادة 52 (ترويج النقود المزيفة) في الفقرة الأولى، إلى أن "كل شخص يقوم متعمداً الغش مع معرفته بذلك (ترويج النقود المزيفة أو إبداء استعداده لترويج نقود مزيفة أو لاستخدامها كنقود أصلية، تصدير أو إرسال أو قبول النقود المزيفة خارج العراق) يكون مرتكباً جناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد على 100 مليون دينار (75.7 ألف دولار) أو الحبس لمدة لا تزيد على 10 سنوات أو كلاهما معاً"، بينما المادة 53 (النقود الرمزية والرقائق المعدنية الشبيهة بالعملات) فتلفت إلى أن "كل شخص يقوم بقصد الغش مع معرفته بذلك (تصنيع أو إنتاج أو بيع أو حيازة) أي شيء يقصد استخدامه في أعمال التدليس بدلاً من العملات النقدية المعدنية أو العملات الرمزية التي صممت لتشغيل الآلات التي تعمل بمثل هذه العملات، يكون مرتكباً جناية يعاقب عليها القانون بدفع غرامة لا تزيد على 25 مليون دينار (19 ألف دولار) أو الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو كلاهما معاً".
وتُفرض الغرامات من قبل البنك المركزي على المصارف بالتعويض خمسة أضعاف الورقة النقدية المزيفة بموجب قراره المرقم 12/1163 في 1 مارس (آذار) 2015، كما تصادر الأوراق النقدية المزيفة من قبل البنك المركزي ولا تُعاد للمصارف أو الزبون بموجب إعمام البنك المرقم 12/9977 في 20 يناير (كانون الثاني) 2012.