حديث متواصل عنه بعد سقوط نظام بشار الأسد.. هل يعيد العراق إحياء خط النفط مع سوريا؟
انفوبلس/ تقرير
يُثار منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ملف خط النفط بين العراق وسوريا، وسط أسئلة من قبل متخصصين اقتصاديين ومدونيين على مواقع التواصل الاجتماعي عنه، وهل يمكن إحياؤه مع المتغيرات الأخيرة، ويسلط تقرير "انفوبلس" الضوء على أهمية وتفاصيل المشروع وقصته التاريخية الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1952.
انتهى حكم عائلة الأسد لسوريا رسمياً فجر الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، حيث غادر بشار الأسد البلاد متجهاً إلى روسيا، لتُطوى صفحة 53 عاماً من سيطرة "سلالة الأسد" على سوريا، في لحظة تاريخية للبلاد.
*أهمية وتفاصيل المشروع
ويكشف المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، عن أهمية وتفاصيل مشروع خط النفط بين العراق وسوريا.
ويقول صالح، إن "خط النفط العراقي - السوري المعروف بخط (تابلاين) يُعد أحد المشاريع الحيوية التي شكّلت جزءاً من صناعة النفط في الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً خلال القرن العشرين، وقد أمّمت سوريا خط النفط العراقي - السوري من الجزء الواقع في أراضيها عام 1972 مباشرةً بعد قيام العراق بتأميم نفطه في ذلك العام، وبعد عشر سنوات أوقف النظام في سوريا عام 1982 استمرار تدفق النفط العراقي عبر التابلاين لخلافات بين النظامين جراء الحرب العراقية – الإيرانية".
ويضيف، إن "العراق سيبقى بحاجة العودة إلى توسيع ممرات تصدير النفط الخام إلى زبائنه عبر المتوسط، وأوروبا تحديداً، وهو أمر يحتاج بعض الأولويات منها: أولاً إعادة التفاوض بشأن رسوم المرور والتحميل وأهلية البنية التحتية السورية للتصدير، وثانياً تأهيل خط الأنابيب المذكور داخل سوريا والعراق دون ضرر أو ضرار للبلدين وفق أسس مدروسة، لا سيما أن جزء من خط الأنابيب هو مؤمّم من قبل سوريا بالأساس"، منوهاً إلى أن "إنشاء الخط بدأ من حقول كركوك في شمال العراق، مروراً بالأراضي السورية، وانتهى عند ميناء طرابلس في لبنان وميناء بانياس في سوريا. ويمتد الخط لمسافة 800-900 كيلومتر".
ويشير صالح إلى، أن "العمل بالأنبوب اكتمل تحديداً في العام 1934"، لافتاً إلى أن "الطاقة التصديرية اليومية لخط الأنابيب العراقي السوري (خط كركوك - بانياس) كانت تُقدّر بحوالي 1.4 مليون برميل يومياً في ذروته التشغيلية. وهو أحد أهم خطوط تصدير النفط العراقي خلال القرن العشرين لغاية اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، ليُستبدل بالتصدير عبر الخليج وإنشاء الخط العراقي - التركي بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980".
ويختم صالح بقوله، إنه "قبل أواخر التسعينيات، شغّل العراق الخط بشكل جزئي إلى سوريا فقط باتفاق سُميّ بالاتفاق الحدودي وهو (النفط مقابل السلع السورية) بعد إجراء بعض الإصلاحات الجزئية على الخط العراقي - السوري وبطاقات تصديرية محدودة، ذلك إبّان الحصار الاقتصادي على العراق، وجاءت الخطوة عملاً بالمادة 50 من الميثاق الذي تضمّن (إذا اتخذ مجلس الأمن ضد أية دولة تدابير منع أو قمع فإن لكل دولة أخرى - سواء أكانت من أعضاء الأمم المتحدة أم لم تكن - تواجه مشاكل اقتصادية خاصة تنشأ عن تنفيذ هذه التدابير، الحق في أن تتذاكر مع مجلس الأمن بصدد حل هذه المشاكل)".
ويمثل أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري، المعروف باسم خط أنابيب "كركوك - بانياس"، شرياناً حيوياً لاقتصادي العراق وسوريا، كون هذا المشروع يعتبر قديماً وهو أول منفذ للعراق لتصدير النفط إلى جميع بقع العالم.
هدف المشروع
ويكشف المختص في الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، عن هدف العراق من وراء إعادة تشغيل مشروع خط النفط كركوك - بانياس، لافتاً إلى مرام اقتصادية وأخرى استراتيجية، مؤكداً أن الخط مع سوريا "ممكن أن يكون بديلاً عن خط جيهان التركي".
ويقول السعدي، بالنسبة للخط المقترح لتصدير الطاقة من العراق إلى البحر المتوسط عبر سوريا، إن "هذا المشروع يهدف إلى إحياء خط أنابيب قديم يربط حقول النفط العراقية بميناء بانياس السوري على البحر الأبيض المتوسط، المشروع يعكس التوجه العراقي الحالي للبحث عن منافذ تصدير جديدة تقلل الاعتماد على خط الأنابيب الممتد إلى ميناء جيهان التركي، الذي يتعرض بشكل متكرر لمخاطر أمنية وسياسية".
ويذكر السعدي، إنه "تاريخياً، يعود هذا الخط إلى عقود مضت، لكنه توقف عن العمل بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة. وإن التوجه الحالي لإحيائه يعتمد على، كيف ستكون العلاقات العراقية - السورية، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي وتطوير البنية التحتية المشتركة".
السعدي يضيف، إن "هذا الخط ممكن أن يكون بديلاً عن خط جيهان التركي، خاصة إذا كانت هناك توترات إقليمية مع تركيا، لكونه يوفر منفذاً بحرياً مباشراً إلى الأسواق الأوروبية ودول المتوسط"، مستدركاً بأن "هذا المشروع يواجه تحديات عديدة، أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في سوريا الآن خصوصاً مع غموض ملامح الحكومة الجديدة فيها وتوجهاتها، وأيضاً الحاجة لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة وتكاليفها، فضلاً عن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا حتى الآن".
ويختم المختص في الاقتصاد الدولي بقوله: "كمختصر، يوفر المشروع فرصاً اقتصادية كبيرة للعراق، بما في ذلك تعزيز موقعه كمصدر رئيسي للطاقة بالمنطقة، وزيادة العوائد الاقتصادية من خلال تقليل الاعتماد على وسيط واحد للتصدير"، مشيراً إلى أن "التعاون مع سوريا في هذا المجال، يعزّز التكامل الإقليمي ويمكن أن يكون بداية ناجحة للعلاقات الثنائية بين البلدين".
في المقابل، كتب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي على صحفته الشخصية في "فيسبوك"، أن "ما يجري في سوريا حالياً يثبت خطأ التفكير بإعادة إحياء خط أنبوب النفط (العراقي - السوري)، إذ إن خطوط أنابيب النفط ينبغي أن تمر عبر أراضي دول مستقرة أمنياً وسياسياً".
وفي العام 2007 اتفق العراق مع سوريا على إعادة تأهيل هذا الخط، إلا أن العقد الذي أُبرم مع شركة "ستروي ترانس" غاز التابعة لمجموعة غازبروم الروسية، أُلغي في عام 2009 بسبب ارتفاع التكاليف ولأسباب أخرى غير معلنة.
إعادة إحياء المشروع هو قرار "سياسي"
ويقول المتخصص في مجال النفط والطاقة، محمد هورامي، إن "أنبوب النفط العراقي السوري (بانياس) يُعد مشروعاً استراتيجياً ذا أهمية كبيرة لكل من العراق وسوريا، لما يوفره من منفذ حيوي على البحر الأبيض المتوسط يعزز التجارة النفطية بين البلدين ويفتح آفاقاً واسعة لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية بتكلفة أقل".
ويعود تاريخ خط أنابيب "كركوك - بانياس" إلى عام 1952، حيث تم بناؤه بطول 800 كيلومتر بقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل نفط يومياً، وقد لعب هذا الخط دوراً حيوياً في تصدير النفط العراقي وتأمين مصالح الدول الكبرى في المنطقة.
ومع ذلك، والحديث لهورامي، فإن الظروف السياسية الراهنة والتوترات الأمنية على الحدود (العراقية - السورية)، تجعل إعادة تشغيل هذا الأنبوب صعبة للغاية في الوقت الحالي. ويشير هورامي، إلى أن "العلاقات السابقة بين البلدين كانت قوية جداً خصوصاً بعد تعزيزها من قبل الوساطات الإيرانية، إلا أن مشروع الأنبوب لم يشهد أي تقدم يُذكر"، مبيناً أن "زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأخيرة إلى دمشق ولقاءه بالرئيس بشار الأسد، ثم زيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد، لم تُتخذ عبرهما أي خطوات فعلية لإحياء المشروع".
بينما يعود تاريخ إنشاء أنبوب "كركوك - بانياس" إلى العام 1952، حيث قامت شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية بتنفيذه بهدف نقل النفط الخام من حقول كركوك الغنية في العراق إلى ميناء بانياس على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وعلى الرغم من أهميته الاستراتيجية، إلا أن الأنبوب تعرض لتوقف متكرر على مر السنين بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة.
ويتابع هورامي، قائلاً إن "هذه الأحداث تُظهر أن العوامل الإقليمية والسياسية لا تزال تعرقل تحقيق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للبلدين، رغم الأهمية الكبيرة لأنبوب بانياس كمنفذ للعراق على البحر المتوسط، ولا تحبذ المصالح الإقليمية الكبرى تفعيله، كما هو الحال مع العديد من المشاريع الاستراتيجية الأخرى للطاقة التي ظلت حبيسة التصريحات دون تنفيذ فعلي".
وبحسب الخبير العراقي، فإن العلاقات العراقية التركية شهدت مؤخراً تحديات جديدة مع توقف تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، مما يعزز أهمية إيجاد منافذ بديلة كمنفذ "بانياس"، إلا أن القرار النهائي يبدو أنه يخضع للاعتبارات السياسية أكثر من المصالح الاقتصادية للشعبين العراقي والسوري.
ويُعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك" بمتوسط إنتاج يومي يبلغ أكثر من 3 ملايين برميل يومياً، في حين يشكل النفط في العراق أكثر من 90% من إجمالي الصادرات، كما يعد مصدراً مهماً في تمويل الموازنة المالية العامة ومشاريع التنمية داخل البلاد.
ويمتلك العراق، بحسب الخبير في الشأن النفطي، بلال خليفة، منفذاً وحيداً لتصدير النفط عبر الخليج العربي، بعدما توقفت صادراته عبر ميناء جيهان التركي نتيجة قرار محكمة التحكيم التجارية العام الماضي وقرار المحكمة الاتحادية.
ويقول خليفة، إن "أول منفذ لتصدير النفط العراقي كان عبر الأراضي السورية، حيث تم إنشاء أنبوب نفطي يصل إلى سوريا ولبنان وحيفا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، واكتمل في الأربعينيات ومع ذلك تم إلغاء هذا المسار بعد إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي".
ووفقاً خليفة فإن الأنبوب النفطي السوري تم تأميمه في الثمانينيات، لكنه توقف عن العمل منذ ذلك الحين، وأصبح بحاجة إلى صيانة كبيرة، مستطرداً بالقول "كانت هناك نية لدى الحكومة العراقية لإعادة تشغيل الأنبوب السوري إما من خلال صيانته أو إنشاء أنبوب بديل، لكن العقوبات المفروضة على سوريا، وخاصة قانون قيصر، والظروف السياسية منعت تحقيق ذلك".
ويضيف خليفة، أن "إعادة تشغيل الأنبوب تعتمد على عدة عوامل أبرزها تقديم تطمينات وضمانات من السلطات السورية الحالية، فضلاً عن تحقيق الاستقرار الأمني واستتباب الأوضاع في سوريا".
ويختتم خليفة، إن "الأنبوب السوري يُعد خياراً أفضل للعراق مقارنة بخيار أنبوب العقبة لأسباب عدة أبرزها (قربه من الأسواق الأوروبية مما يقلل تكاليف النقل، انخفاض الكلفة الإجمالية مقارنة بمسار العقبة، عدم وجود أي قيود متعلقة بالتعامل مع إسرائيل، مرونة أكبر للعراق في خيارات التصدير، وتجنب المرور عبر قناة السويس، مما يخفض رسوم العبور ويوفر في التكاليف".
وفي تعليق سابق، قال باسم العوادي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، إن "العراق يفكر بإحياء خط تصدير النفط الذي يمر بميناء بانياس، إذ يبحث العراق عن منافذ جديدة لتصدير النفط"، مشيراً إلى أن "العراق اليوم بات على استعداد لمناقشة أمر إعادة تأهيل خط النفط المار بين كركوك وبانياس مع سوريا".
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، قد أعلن قبل أيام، عن مخطط حكومي جديد للتعامل مع سوريا ما بعد بشار الأسد، تتألف من 11 مساراً، مُبدياً عزم البلاد على إعادة نشاطها الدبلوماسي في دمشق بكادر أكبر، ورسم خطط استثمارية جديدة في الدولة الجارة وتوسيع منافذ التجارة الثنائية خصوصاً عبر البحر الأبيض المتوسط.
يشار إلى أن التبادل التجاري بين العراق وسوريا محدود جدا إذ لا تزيد صادرات سوريا الى العراق المسجلة في الهيئة العامة للكمارك العراقية عن 58 مليون دولار عام 2023 مقابل صادرات عراقية إلى سوريا بقيمة 27 مليون دولار.