منقذ سوق النفط قد يكون فريسة السياسة.. واشنطن تسعى لتدمير "أوبك بلس" ومخاوف من تخاذل سعودي

تحالف حقق الكثير لأعضائه
منقذ سوق النفط قد يكون فريسة السياسة.. واشنطن تسعى لتدمير "أوبك بلس" ومخاوف من تخاذل سعودي
انفوبلس/..
قبل سنوات لم يكن لتحالف "أوبك بلس" وجود، لكن اليوم تحول إلى أحد أقوى التحالفات المؤثرة في سوق الطاقة العالمي، بعد أن أصبح اللاعب الأكبر في تحديد مصير أسعار النفط. فهل بات هذا التحالف مهدداً من الداخل والخارج؟ وهل أصبحت واشنطن تتعامل معه كعقبة يجب تجاوزها؟ هذه الأسئلة سيجيب عنها تقرير شبكة انفوبلس خاصة مع وجود حديث عن إمكانية أن تخذل السعودية شركاءها في هذا التحالف.
*من الولادة إلى السيطرة
في نهاية 2016، ووسط اضطرابات سوق النفط وتدهور أسعاره بسبب طفرة النفط الصخري الأميركي، نشأ تحالف جديد بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك و10 دول نفطية أخرى غير منضوية فيها، أبرزها روسيا. الهدف كان واضحاً: ضبط المعروض النفطي، واستعادة التوازن المفقود.
كانت هذه لحظة مفصلية. فبعد 56 عاماً من تأسيس أوبك، ومرور السوق بفترات من الهيمنة المطلقة ثم التراجع، جاء تحالف “أوبك بلس” ليمنح المنظمة دفعة جديدة من القوة، ويضيف إلى طاقتها الإنتاجية نفوذاً إضافياً عبر شركاء كالعراق وروسيا والمكسيك وكازاخستان.
ويُعد هذا التحالف بين منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك بلس" ذا أثر كبير على أسعار النفط عالميا، فتكون قرارات ومخرجات اجتماعاتهما محل ترقب ومتابعة دائمة.
أعلنت المنظمة هدفها وهو "تنسيق وتوحيد السياسات النفطية بين الدول الأعضاء" لتأمين التسعير للمنتجين، والإمدادات للمستهلكين، والعائد على رأس المال للمستثمرين.
*الأعضاء
أعضاء أوبك الأساسيون هم : العراق وإيران والسعودية والجزائر وأنغولا والكونغو وغينيا الاستوائية والكويت وليبيا ونيجيريا والإمارات وفنزويلا والغابون،،وانسحبت منها كل من قطر عام 2019 والإكوادور عام 2020.
الأعضاء العشرة الذين انضموا لتشكيل "أوبك بلس": روسيا وأذربيجان والبحرين وبروناي وماليزيا وكازاخستان والمكسيك وعمان والسودان وجنوب السودان.
*هيمنة السوق.. بالأرقام
تسيطر أوبك على 40% من إمدادات النفط العالمية، و80% من الاحتياطي العالمي، ومع "أوبك بلس" فهما تسيطران على 55% من الإمدادات عالميا، و90% من الاحتياطي.
وبسبب الحصة السوقية التي تمتلكها المنظمة تؤثر قراراتها على السوق العالمية، وتجتمع "أوبك" وحليفتها "أوبك بلس" دوريا لتنظيم كمية النفط الخام التي ستطرح في الأسواق.
وقالت كيت دوريان، من معهد الطاقة في المملكة المتحدة، "إن أوبك بلس تطرح آلية العرض والطلب بهدف خلق التوازن في السوق"، وعندما يتراجع الطلب عن النفط يبقي التحالف الأسعار مرتفعة عن طريق خفض الإمدادات.
*محطات
إثر الظروف غير المستقرة التي عانى منها الاقتصاد العالمي في المنتصف الثاني من عام 2014، إذ أدى مزيج من المضاربة وزيادة العرض والطلب إلى انكماش سوق النفط، اجتمع أعضاء أوبك مع 10 دول أخرى منتجة للنفط من أجل إعادة التوازن في السوق عام 2016، فظهرت "أوبك بلس".
وأعلنت "أوبك" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 البدء بخفض الإنتاج لضبط الأسعار، مع تعهدات بالتزام "أوبك بلس".
وخفّضت السعودية إنتاجها بـ500 ألف برميل يوميا، وروسيا بـ350 ألف برميل. وتم التوصل إلى الميثاق الرسمي لاتفاق "أوبك" وشركائها في اجتماع بفيينا في يوليو/تموز 2019.
عقدت منظمة أوبك -بحضور الأعضاء العشرة الذين انضموا إليها لتشكيل "أوبك بلس"- ندواتها الدولية الخامسة (2012) والسادسة (2015) والسابعة (2018) على التوالي، وجمعت فيها عددا غير مسبوق من ممثلي الدول المنتجة والمستهلكة وشركات النفط الوطنية والدولية، إلى جانب الصحفيين ومحللي الصناعة.
وإثر تأثر السوق عالميا بجائحة كورونا (كوفيد-19)، ركزت "أوبك بلس" على خفض إنتاج النفط للمساعدة على استقرار أسعاره، مما أدى إلى انخفاض الطلب وأسعار النفط بشكل كبير.
عام 2021 ارتفعت إنتاجية النفط في منظمة "أوبك" حتى بلغت 27.882 مليون برميل يوميا، أي بما يزيد على "أوبك بلس" بحوالي 116 ألف برميل باليوم، فتأثرت السوق العالمية للنفط، حتى قررت المنظمتان التعاون وخفض معدل الإنتاج بحوالي مليوني برميل، وذلك للحد من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط لموازنة العجز الذي سببته روسيا بحربها على أوكرانيا. على إثر ذلك حدثت أكبر وأطول تعديلات إنتاج طوعية في تاريخ سوق النفط.
واستُثنيت 3 دول أعضاء في تحالف "أوبك بلس" من التخفيض بسبب الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها، وهي فنزويلا وإيران الخاضعتان لعقوبات اقتصادية أميركية، وكذلك ليبيا التي شهدت نزاعا لفترة طويلة.
وقد اعترفت بأهمية هذه الجهود العديد من الدول والمنظمات، بما في ذلك وزراء الطاقة لمجموعة العشرين والأرجنتين والبرازيل وكندا وكولومبيا والنرويج والمنظمة الأفريقية لمنتجي النفط والوكالة الدولية للطاقة ومنتدى الطاقة الدولي والعديد من المنتجين المستقلين.
وظل إنتاج روسيا للنفط أعلى من 10 ملايين برميل يوميا عام 2022 رغم العقوبات التي فرضت عليها إثر حربها على أوكرانيا عام 2022، علما أن إنتاج روسيا وتأثيرها على السوق أكبر بكثير من إنتاج دول "أوبك بلس" الأخرى، لذا تعد أكبر مؤثر من هذا التحالف الوليد على قرارات منظمة "أوبك".
أنتجت "أوبك" و"أوبك بلس" معا حوالي 59% من النفط العالمي، أي ما يقارب 48 مليون برميل يوميا للعام 2022، ومن ثم أثرتا على توازنات سوق النفط العالمية وأسعار النفط أكثر من أي وقت مضى.
وفي أبريل/نيسان 2023، اتفق أعضاء أوبك بلس على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام. ثم اتفقت دول أوبك بلس يوم 30 نوفمبر/تشرين الأول على خفض الإنتاج العالمي للنفط في السوق العالمية بنحو 2.2 مليون برميل يوميا في الربع الأول من عام 2024، بما في ذلك تمديد التخفيضات الطوعية من السعودية وروسيا بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا.
*هل تنقلب الرياض على شركائها؟
مع كل قرار جديد بخفض الإنتاج، تتجه الأنظار نحو السعودية، التي تبدو مواقفها وكأنها تميل أكثر إلى التهدئة مع واشنطن، خصوصاً حينما تعارضت مصالح البيت الأبيض مع خطط أوبك بلس في تقليل الإنتاج لرفع الأسعار.
ورغم أن الرياض لطالما برّرت قراراتها بأنها “اقتصادية بحتة”، فإن هناك من يرى أنها تخفف الضغط الأميركي على حساب تماسك التحالف.
*الضغوط الأميركية
منذ عهد الرئيس ترامب الأول وحتى إدارة بايدن وصولا الى صعود ترامب مجددا، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها من “أوبك بلس”. فكل خفض للإنتاج يعني رفعاً لأسعار البنزين في الولايات المتحدة، وهو أمر حساس سياسياً. لذلك، استخدمت واشنطن أوراق ضغط متعددة: من التهديد بتشريعات “نوبك”، إلى التلميح بسحب القوات من الخليج، وصولاً إلى المفاوضات غير العلنية مع الرياض.
لكن رغم ذلك، صمد التحالف، بل وواصل اتخاذ قرارات تخفيضية كبرى، أبرزها في أبريل 2023، حين قررت الدول الأعضاء تقليص الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل، قبل أن تعلن لاحقاً عن خفض إضافي بلغ 2.2 مليون برميل مع بداية 2024.
*ما هو "نوبك"؟
وسط حالة الغضب في الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر مستهلك للنفط عالميا، عاد الحديث عن مقترح تشريعي يُعرف باسم "نوبك" ويقضي بمعاقبة الدول التي تمارس ما يمكن اعتباره ممارسات احتكارية مرتبطة بقطاع النفط.
عقب إعلان تحالف "أوبك بلس" قرار خفض الإنتاج، حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر في بيان من أن "ما قامت به السعودية لمساعدة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في الاستمرار في شن حربه الوحشية والبشعة ضد أوكرانيا سيبقى في ذاكرة الأمريكيين طويلا".
وأكد شومر، وهو من الحزب الديمقراطي، أن جميع السبل التشريعية للتعامل مع هذا الإجراء قائمة، ومن بينها تشريع "نوبك".
وعلى مدار أعوام عديدة، فشلت محاولات لتمرير نسخ سابقة من "نوبك". ولكن لجنة في مجلس الشيوخ مررت نسخة لمشروع القانون في مايو/ أيار 2022.
وإذا حظي التشريع المقترح بدعم مجلسي النواب والشيوخ، ووقعه الرئيس الأمريكي، سيغير من قانون مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة ليرفع الحصانة السيادية التي تحمي الدول الأعضاء "أوبك بلس" وشركاتها الوطنية من المقاضاة.
وليس من الواضح بعد طبيعة الآلية التي سيتم اللجوء إليها لمقاضاة الدول الأخرى، في حال إقرار التشريع، كما أن الولايات المتحدة نفسها قد تتهم بمحاولة التلاعب بالأسواق من خلال ضخ الملايين من البراميل من احتياطي النفط لديها لاحتواء ارتفاع الأسعار.
كما توجد مخاوف من أن يعود مشروع القانون بالضرر على منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة نفسها. فضلاً عن مخاوف من لجوء بعض الدول المتضررة للتصعيد، وهو ما يفاقم التوتر ويرهق الاقتصاد العالمي المتضرر بالفعل من تبعات وباء كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا.
*رفع الإنتاج
وافقت 8 دول في تحالف أوبك بلس الخميس الماضي، على المضي قُدماً في خطة رفع إنتاج النفط بزيادته بمقدار 411 ألف برميل يوميا في مايو/أيار، في قرار غير متوقع دفع أسعار النفط لمواصلة خسائرها.
وواصل النفط -الذي تراجع فعلا بأكثر من 4% بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين- انخفاضه بعد بيان أوبك، مع تراجع خام برنت بأكثر 6% إلى 70 دولارا للبرميل.
وانخفض برميل خام برنت 6.55% إلى 70.1 دولارا في أحدث تعاملات، في حين هوى خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 7.06% إلى 66.64 دولارا للبرميل الواحد.
وكان من المقرر أن ترفع 8 دول أعضاء في أوبك بلس، المجموعة التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا، إنتاج النفط بمقدار 135 ألف برميل يوميا في مايو/أيار ضمن خطة للتخفيف التدريجي لأحدث خفض لإنتاجها.
لكن بعد اجتماع للدول الثماني عقد عبر الإنترنت الخميس، أعلنت أوبك أنها ستزيد إنتاجها بمقدار 411 ألف برميل يوميا في مايو/أيار، وأشارت المنظمة إلى "استمرار أساسيات السوق القوية وتوقعات السوق الإيجابية".
وذكرت أوبك في بيان، مشيرة للكميات، أن "هذا يتضمن زيادات مقررة من الأصل لمايو إضافة لزيادتين شهريتين.. قد يجري إيقاف الزيادات التدريجية أو عكسها وفقا لظروف السوق المتغيرة".
ويمثل رفع الإنتاج في مايو/أيار الزيادة التالية في خطة اتفقت عليها العراق وروسيا والسعودية والإمارات والكويت والجزائر وكازاخستان وسلطنة عمان للتخفيف التدريجي لأحدث خفض لإنتاجها بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا، والذي دخل حيز التنفيذ هذا الشهر.
*الاجتماع المقبل
وقالت أوبك في البيان ذاته، إن الدول الثماني ستجتمع في 5 مايو/أيار المقبل لاتخاذ قرار بشأن إنتاج يونيو/حزيران.
وتطبق أوبك بلس كذلك تخفيضات أخرى في الإنتاج قدرها 3.65 ملايين برميل يوميا حتى نهاية العام المقبل لدعم السوق.