بديل السجائر يفوقها خطورة.. تحرك نيابي لحظر الـ"فيب" ومكافحة التدخين.. تعرف على مخاطره الكبيرة

انفوبلس..
في خطوة برلمانية بالغة الأهمية، صوتت لجنة الصحة والبيئة النيابية على حظر شامل للسجائر الإلكترونية (الفيب) في العراق، وسط تحذيرات طبية من مخاطر صحية خطيرة أبرزها "رئة الفشار". القانون الجديد يشمل قيوداً صارمة على التدخين بكافة أشكاله، مع فرض غرامات وتشديد الرقابة، في محاولة لمواجهة تفاقم الظاهرة، لاسيما بين الشباب، وحماية الصحة العامة من الأضرار البيئية والطبية المتزايدة.
حظر نيابي
يوم أمس، أعلن رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية، النائب ماجد شنكالي، تصويت لجنته بالإجماع على حظر "الفيب" بشكل كامل.
وقال شنكالي: "صوَّتنا اليوم في اللجنة على حظر استيراد وبيع وتسويق وإنتاج وتصنيع الفيب بالكامل".
وأشار إلى أن "دولًا متقدمة مثل بريطانيا، التي تمتلك أبحاثًا وفحوصات متقدمة، قررت منع الفيب ابتداءً من 1/6"، منوهًا بأن "القانون قد تم التصويت عليه، وقرار الحظر موجود، وسندرجُه في القانون ليُطبَّق".
أما فيما يتعلق بـ"السجائر والأرجيلة "، فقد أوضح شنكالي: "قمنا بتقنين استخدامها، بحيث يُمنع بيع السجائر لمن هم دون 18 عامًا، وتُمنع النركيلة بالكامل في الأماكن المغلقة، ويُسمح بها فقط في الأماكن المفتوحة، أما في مؤسسات الدولة والقطاع العام، فممنوع التدخين منعًا باتًا، باستثناء الأماكن المفتوحة فقط".
وأعلنت اللجنة في وقت سابق، من اليوم التصويت على قانون الحماية من أضرار التبغ.
رئة "الفشار"
وفي الآونة الأخيرة، تتزايد التحذيرات الطبية من السجائر الإلكترونية التي يسود الاعتقاد لدى كثير من الناس أنها آمنة ولا تُسبب نفس أضرار التدخين التقليدي، حيث يؤكد الأطباء أن التدخين الإلكتروني يُمكن أن يسبب مشاكل صحية خطيرة تلازم صاحبها إلى الأبد.
وذكر تقرير نشره موقع "ساينس أليرت" المختص إن مراهقاً أميركياً أصيب مؤخراً بحالة طبية غريبة تُسمى "رئة الفشار" بعد تدخينه السجائر الإلكترونية سراً لمدة ثلاث سنوات.
وتُعرف "رئة الفشار" علمياً باسم "التهاب القصيبات المسدودة"، وهو مرض نادر لكنه خطير ولا شفاء منه، ويُلحق الضرر بالممرات الهوائية الدقيقة في الرئتين، ما يؤدي إلى سعال مستمر وأزيز وإرهاق وضيق في التنفس.
و"ثنائي الأسيتيل" هو مُنكّه يُصبح ساماً عند استنشاقه، ويُسبب التهاباً وتندباً في القصيبات الهوائية (أصغر فروع الرئتين)، مما يُصعّب مرور الهواء عبرها بشكل متزايد، مما يؤدي إلى تلف رئوي دائم.
في حين أن "ثنائي الأسيتيل" هو السبب الأكثر شيوعاً لهذا المرض، يمكن أن تحدث حالة "رئة الفشار" أيضاً بسبب استنشاق مواد كيمياوية سامة أخرى، وهي مواد تبين أنها موجودة في أبخرة السجائر الإلكترونية.
ويؤكد التقرير أنه لا يوجد لهذا المرض أي علاج، حيث بمجرد تلف الرئتين، يقتصر العلاج على إدارة الأعراض فقط وبالتالي يظل المريض يعاني من هذا المرض طول حياته.
ويقول الأطباء إن الوقاية من هذا المرض وليس البحث عن العلاج هي أفضل وسيلة دفاعية.
ويحظى التدخين الإلكتروني بشعبية خاصة بين المراهقين والشباب، ويرجع الأمر جزئياً لوجود الآلاف من منتجات التدخين الإلكتروني المنكهة. وقد تحتوي السوائل الإلكترونية على النيكوتين، لكنها تحتوي أيضاً على خليط كيمياوي مصمم لجذب المستخدمين، والعديد من هذه المُنكّهات مُعتمد للاستخدام في الطعام، إلا أن هذا لا يعني أنها آمنة للاستنشاق.
ويعود مصطلح "رئة الفشار" إلى أوائل القرن الحادي والعشرين عندما أصيب العديد من العمال في مصنع فشار يعمل بالميكروويف بمشاكل في الرئة بعد استنشاق مادة كيمياوية تُسمى "ثنائي الأسيتيل"، وهي نفس المادة المستخدمة في إعطاء الفشار نكهته الغنية والزبدية.
جولة سابقة
وبين تحذيرات الأطباء ومصالح الأسواق، يسير البرلمان العراقي بخطوات متسارعة نحو إقرار قانون التبغ، وسط انقسام حاد بين مؤيدين يعتبرونه رادعاً للظواهر السلبية، ومعارضين يحذرون من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية. مشروع القانون الذي طال انتظاره عاد في الآونة الأخيرة إلى الواجهة بقوة، حاملاً معه جدلاً محتدماً حول حماية الصحة العامة من جهة، وحماية مصادر الدخل والتجارة من جهة أخرى.
وفي أواخر نيسان الماضي، أعلنت لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب، أبرز فقرات مسودة قانون التبغ الجديد، مؤكدة أن القانون سينظّم آلية استيراد واستهلاك التبغ وسيفرض غرامة فورية على المخالفين.
وقال رئيس اللجنة، ماجد شنكالي: إن "قانون التبغ المعروض أمام اللجنة يتضمن منع تدخين الأركيلة لمن هم دون سن 18 عاماً، إضافة إلى حظرها في الأماكن المغلقة، وسيمنع تدخين الأركيلة من قبل الرجال أو النساء بالقرب من الأطفال".
وأشار إلى، أن "القانون يمنع تدخين السجائر أو الأركيلة، بما في ذلك الإلكترونية، داخل المؤسسات الحكومية"، مؤكداً أن "القانون يتضمن فرض غرامة فورية قدرها 50 ألف دينار عن كل مخالفة".
وأضاف: "أدرجنا مادة في القانون تلزم بوضع لاصق على جميع منتجات السجائر والتبغ المستوردة، بما في ذلك الإلكترونية، للتأكد من دخولها البلاد بشكل رسمي، كما تفرض عليها ضريبة مبيعات".
وأوضح شنكالي، أن "القانون سينظم استخدام التبغ وفرض الضرائب عليه، ، كما سينظم آلية استيراد واستهلاك التبغ في العراق، إلى جانب تحصيل الضرائب من السجائر المستوردة"، منوهاً بأن "الضريبة المفروضة حالياً على السجائر المستوردة تساوي صفراً".
حصار قانوني
في هذا السياق، يؤكد النائب باسم الغرابي، عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، أن "القانون الذي يحمل الرقم 19 بصيغته الحالية لم يعد كافياً لمواجهة الواقع الجديد، موضحاً أن "القانون أُقرّ في وقت كانت فيه أنواع التدخين محصورة تقريباً في التبغ التقليدي، أما اليوم فقد دخلت إلى العراق وسائل تدخين حديثة كالأجهزة الإلكترونية و(الفيب) و(الشيشة الذكية)، وهي وسائل لا تتوفر عنها دراسات كافية او تقارير طبية تحدد مدى ضررها أو سُميتها، لكنها تُستخدم على نطاق واسع".
وأشار الغرابي إلى أن "هذه التعديلات تأتي في مرحلة مناقشات مستمرة داخل اللجنة البرلمانية، بعد أن تم الانتهاء من القراءة الأولى للقانون، تمهيداً لعرضه في جلسة القراءة الثانية".
وأضاف: "ندرس الآن الخيارات المتاحة، هل سيتم منع هذه الوسائل الإلكترونية كلياً، أم حظرها جزئياً، أم تقنينها ضمن أطر ضريبية وتنظيمية؟. لكن ما هو محسوم الآن هو فرض رسوم استيراد جديدة، بغية تقنين الكميات الهائلة من هذه الأجهزة التي تدخل عبر الحدود العراقية".
كما كشف الغرابي أن "التعديلات ستتضمّن مادة صريحة تمنع التدخين داخل جميع دوائر الدولة، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية على من يدخنون في الأماكن المغلقة والمطارات، حتى وإن كانت مخصصة للتدخين، موضحاً: "هناك غرف تدخين حالياً، لكنها غير صالحة ومخالفة للمواصفات العالمية المعمول بها، وبالتالي لا يمكن القبول باستمرارها على هذا النحو".
من جانبه، أوضح عمار العبودي، مستشار لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب، أن "القانون السابق لم يكن منسجماً مع الاتفاقية الإطارية الدولية لمكافحة التبغ، التي انضم إليها العراق منذ عام 2007".
وقال العبودي: "الاتفاقية تضع معايير واضحة تتعلق بالسيطرة على التبغ، كرفع الضرائب، وضع التحذيرات الصحية، وتحديد أماكن التدخين، وهي معايير لم تكن موجودة بالكامل عند تشريع القانون السابق".
وشدد العبودي على أن "التعديل الجديد سيتضمن تغطية شاملة لجميع أشكال التبغ والوسائل المستحدثة"، قائلاً: "بغض النظر عن الشكل أو الاسم، فجميعها تحتوي على التبغ، ولذلك سيشملها القانون بصيغته المعدلة".
وأكد أن "جوهر فلسفة القانون لا يهدف إلى تجريم التدخين، بل إلى حماية غير المدخنين وضمان ألا تتعدى حرية الفرد على صحة الآخرين، موضحاً: "لن نمنع التدخين تماماً، لكننا سنضع قيوداً صارمة على أماكنه. القانون الجديد يمنع التدخين منعاً باتاً في أي مكان مغلق، سواء كان مؤسسة حكومية أو اهلية أو عامة، وعلى المدخن أن يغادر هذه الأماكن ويتوجه للتدخين في بيته أو في أماكن مفتوحة".
وأشار إلى أن "العقوبات ستشهد تصعيداً كبيراً ضمن القانون الجديد، إذ سيتم رفع الغرامة المفروضة على المخالفين من 10 آلاف دينار عراقي إلى 50 ألف دينار، كما ستُمنح صلاحية فرض الغرامات لرؤساء الدوائر والمؤسسات".
وفي وقت تشير فيه تقارير وزارة الصحة إلى أن الأمراض المرتبطة بالتدخين، كأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة، أصبحت من بين الأسباب الرئيسية للوفيات في العراق، تتصاعد التحذيرات من التساهل في تطبيق قوانين مكافحة التبغ، خاصة داخل المؤسسات الصحية التي من المفترض أن تكون القدوة في هذا المجال.
عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، زينب الخزرجي، أبدت قلقها من ذلك مؤكدة أن "التدخين في مؤسسات الصحة، يدل على ضعف الوعي الصحي وعدم الاكتراث بصحة المواطنين".
وقالت الخزرجي، "أسفي على بعض الكوادر الطبية، من أطباء ومهنيين وصيادلة وموظفين، لانهم يمارسون التدخين داخل دوائرهم، وهذا يُقوّض جهود التثقيف الصحي ويضعف ثقة المواطن بالجهات الصحية نفسها. لهذا السبب، نحن في لجنة الصحة والبيئة ناقشنا بجدية تعديل قانون مكافحة التبغ، وسنعمل على تشريعه بما يضمن منع التدخين بشكل صارم داخل جميع دوائر الدولة، وعلى رأسها دوائر الصحة في عموم العراق".
وأشارت الخزرجي إلى أن "التعديلات ستتضمن غرامات مالية وعقوبات إدارية تصل إلى التوبيخ والانقطاع عن الدوام لكل من يثبت تجاوزه القانون، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص"، قائلة: "نحن نهدف إلى خلق بيئة خالية من التبغ في المؤسسات التي يُفترض بها أن ترعى الصحة لا أن تتسبب في الإضرار بها".
لعبة أطفال!
بكلمات تحمل مرارةَ التجربة وحرقة الواقع، عبّر جمال الطائي، وهو ناشط بيئي، عن قلقه المتصاعد إزاء ظاهرة التدخين التي لم تعد محصورة بين الكبار، بل تسللت إلى أصابع الصغار، حتى صار مشهد طفل لا يتجاوز العاشرة وهو يشعل سيجارة إلكترونية، واقعاً يومياً يثير الصدمة أكثر من الدخان نفسه.
يقول الطائي: "نحن كنشطاء ومراقبين للوضع البيئي نرى أن هذا القانون جيد، لكن الأمل الأكبر أن يتم تطبيقه لا في الدوائر الحكومية فقط، بل في كل الأماكن العامة والمستشفيات والمرافق الترفيهية، فحالات التدخين بمختلف أشكالها بدأت تتفاقم، لا سيما بين المراهقين، وهذا مؤشر خطير بيئياً وسلوكياً".
ويتابع: "ما رأيته أمس من طفل يحمل سيجارة إلكترونية ويتعامل معها وكأنها لعبة، يكفي ليجعلنا نصرخ بوجه هذا الاستهتار الصحي. هذه الظاهرة ليست مجرد عادة سيئة، إنها اعتداء على الهواء المشترك، على المرضى، وعلى الأصحاء. وقد أظهرت تقارير وزارة الزراعة استيراد كميات مهولة من السجائر والمعسل، ما يُشير إلى حجم المشكلة الذي تجاوز الإدمان الفردي ليصبح اقتصاداً موازٍ للصحة العامة".
ويختم الطائي: "نحن نرفع الصوت باسم البيئة، وباسم الإنسان، ونطالب بتطبيق هذا القانون الآن... لا غداً".
وفي موقف يعزز تطلعات الناشطين والمهتمين، أكد مدير عام دائرة الإعلام والتوعية في وزارة البيئة، أمير علي الحسون أن الوزارة تقف بكل أدواتها خلف هذا القانون. وقال: "هذا القانون نعده من أبرز الخطوات التي تأخرت كثيراً. فالتصنيع التبغي اليوم لم يعدّ محصوراً بالمقاهي والأماكن المفتوحة، بل تسلل إلى مؤسسات الدولة الرسمية، وهو ما يشكل خطراً مزدوجاً، طبياً وبيئياً".
وأضاف الحسون: "نحن في الوزارة ندعمه إعلامياً وقانونياً وفنياً، وبدأنا فعلياً بإطلاق حملات توعية بهدف ترسيخ ثقافة الالتزام بهذا القانون، والارتقاء بوعي المجتمع تجاه أضراره".
تحذيرات سابقة
وسبق أن حذرت وزارة الصحة من انتشار ظاهرة التدخين بشكل واسع في العراق، وأن الظاهرة تسجيل حالة وفاة كل 10 دقائق في البلاد، خاصة وأن أنواع السجائر والتبوغ التي تدخل البلاد غير خاضعة للرقابة والفحوصات المخبرية بشكل صحيح، وهو ما يؤثر على الصحة العامة.
وعلى الرغم من تلك التحذيرات المستمرة، إلا أن الظاهرة تتزايد في البلاد وأن نسبة المدخنين بين الشباب تتصاعد بشكل كبير دونما قدرة على وضع حد للظاهرة، حيث تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن نحو 40% من العراقيين ونحو 20% من تلاميذ المدارس من المدخنين، في حين قدّرت وزارة الصحة سابقاً وفاة شخص واحد كلّ عشرين دقيقة لأسباب تتعلق بالتدخين. وبحسب آخر تقديرات حكومية، فإن العراقيين ينفقون نحو 3 مليارات دينار (نحو مليوني دولار) على شراء التبغ بمختلف أنواعه باليوم الواحد.
وسبق أن أقر البرلمان العراقي عام 2012 قانون "حظر التدخين" في الأماكن العامة ووضع ضوابط معينة، إلا أن القانون لم يتم تطبيقه حتى اليوم بسبب مشاكل تتعلق بآلية التنفيذ والجهات المخولة بتنفيذه، وسبق أن أكدت وزارة الصحة أنها لا تتحمل مسؤولية عدم تنفيذ القانون، كما أن الجهات القضائية أكدت أنها لا تملك صلاحيات كافية لفرض عقوبات تردع منتهكي القانون، ما عطّل فرض تطبيقه.