ابتلعها السيسي وسكت.. استشهاد جندي مصري بنيران قوات الاحتلال في رفح يؤجج الشارع والنظام مستمر بالانبطاح
انفوبلس..
رغم مرور أكثر من 4 عقود على تطبيع النظام المصري علاقاته مع الكيان الإسرائيلي، لا يزال أغلب الشعب حتى اليوم رافضاً لوجود إسرائيل في المنطقة وغير راضٍ عن وجود علاقات لبلده معها، وهو ما تظهر ملامحه بين الحين والآخر حتى مع وجود نظام ديكتاتوري منبطح لواشنطن وتل أبيب كنظام السيسي، الأمر الذي يولّد توترات بين الحين والآخر كان آخرها حادثة تبادل إطلاق النار بين الجيش المصري وجيش الاحتلال في معبر رفح واستشهاد عنصر أمن مصري بعد ليلة عدوان دامية نفذها الاحتلال استهدفت مخيمات النازحين في مدينة رفح.
يوم أمس، أكد بيان عسكري مصري مقتضب استشهاد أحد عناصر التأمين في منطقة الشريط الحدودي برفح، نتيجة ما وصفه البيان الرسمي بحادث إطلاق نار يجري التحقيق فيه.
وزعمت التصريحات الإسرائيلية أن الجنود المصريين هم من بدأوا إطلاق النار، مع تأكيد عدم وقوع إصابات في صفوف القوات الإسرائيلية، فيما أكّدت مصادر مصرية أن الجانب الإسرائيلي بدأ إطلاق النار.
ولوَّح الاتحاد الأوروبي بالاتجاه نحو إعادة تفعيل بعثة الحدود عند رفح.
ويأتي هذا التطور الأمني اللافت في لحظة توتر في العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، بسبب سيطرة قوات هذه الأخيرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح منذ نحو 20 يومًا. ونتج عنه، وفق التصريحات المصرية، إغلاق المعبر وعرقلة دخول المساعدات.
وجاءت هذه التطورات على الشريط الحدودي بعد ليلة دموية نفّذت فيها إسرائيل قصفًا جويًا على خيام النازحين في رفح، وقتلت أكثر من 45 فلسطينيًا وأصابت ما يزيد عن 250.
ولاقت المجزرة إدانة أوروبية وأممية وعربية واسعة، ما يرفع من وتيرة الانتقاد العالمي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
حرب باردة
مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية أشرف أبو الهول، يشير إلى أن مصر تتعامل بحذر حتى الآن مع حادثة معبر رفح، حيث تجري تحقيقات لمعرفة ما حدث بالضبط. ويلفت إلى أن إسرائيل ادعت أن الجنود المصريين هم الذين بادروا بإطلاق النار.
ويشرح أبو الهول، أن "المنطقة التي حدث فيها هذا التراشق هي منطقة محصورة بين البوابتين المصرية والفلسطينية من معبر رفح، وبالتالي ليس هناك أي طرف آخر شاهد، لكن توجد كاميرات يمكن أن تظهر ما حدث".
ويردف بأن مصر أغلقت المعبر عندما احتلت إسرائيل الجانب الفلسطيني منه، حيث رفضت أن تسمح بدخول البضائع أو مرور الأفراد من المعبر إلّا إذا عادت السيادة الفلسطينية على المعبر، وهو ما أثار توترًا بين إسرائيل ومصر.
ويقول: "إن العلاقة الآن بين مصر وإسرائيل أشبه بالحرب الباردة وليس السلام البارد كما كنا نقول في الماضي"، لافتًا إلى أن مصر بدأت بخطوات تصعيدية ضد إسرائيل، بعدما اقتحمت هذه الأخيرة الجانب الفلسطيني من معبر رفح، حيث انضمت لجنوب إفريقيا في دعواها في محكمة العدل الدولية وتدرس تصعيدًا أكثر، لكنها في الوقت نفسه حريصة على إنهاء هذه الحرب وعلى مساعدة الجانب الفلسطيني".
هل تتأثر العلاقة؟
من جهته، يرى رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي، أن إسرائيل "ليست معنية بالتصعيد مع مصر"، مشيرًا إلى أن شخصيات في تيارات سياسية إسرائيلية هي المعنية بالتصعيد مع أطراف عدة، سواء مصر أو غيرها، وغالبًا في سياق شعبوي وخطابي". لكنه يرى أنه لا يمكن القول إن هذا الموقف يعكس سياسة إسرائيلية.
ويعتبر الشوبكي أن المستوى العسكري والأمني في إسرائيل غير مرتاح تمامًا لما يجري على الحدود المصرية الفلسطينية من توتير العلاقة "على اعتبار أن بقاء الحال على ما هو عليه مع مصر هو الأفضل في هذه المرحلة".
ويقول الشوبكي: "لا يمكن المساس بهذه العلاقة باعتبارها خطًا أحمر من منظور أمني"، أي من "رؤية أمنية بعيدة عن التجاذبات السياسية داخل إسرائيل".
في المقابل، يقوم السياسيون في إسرائيل بعملية توظيف لما جرى، أي أنهم ليسوا على قلب واحد، بحسب الشوبكي.
كما يلفت الشوبكي إلى أن هذا الحادث الأمني ليس الأول من نوعه، لكن الإعلان عن الحادث من قبل إسرائيل يدل على أن طرفًا ما يريد توظيف هذا الحادث.
بوابة التوترات
ومن القاهرة، كشف المتخصص في العلاقات الدولية إيهاب نافع أن ما حدث عند معبر رفح غير معهود ولا مسبوق، ما بين قوات مصرية وعناصر من قوات الاحتلال، ويؤكد في الوقت ذاته جاهزية الجيش المصري واستعداده الكامل لمواجهة أي طارئ على الحدود مع مصر، ولدى جنوده التعليمات الواضحة بأن أي خرق من قبل قوات الاحتلال يجري التعامل معه مباشرة، ودليل ذلك أن التفسيرات التي خرجت عقب الحادثة تشير إلى اختراق من قبل القوات الإسرائيلية لمنطقة محظورة على الحدود مع مصر.
ويشير إيهاب نافع أن هذه الحادثة تفسر مطالب مصر بعدم وجود قوات إسرائيلية على الحدود، لأنها تعلم أن ذلك يمثل بوابة للتوترات ربما تحدث بين القوتين بما يجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، والدولة المصرية تعتبر نفسها في حالة حرب، وقواتها موجودة ميدانيا وتتابع عن كثب كافة التطورات.
ويضيف نافع إن "مصر تسعى بكل السبل سواء السياسية أو الرسائل العسكرية أو التواصل الأمني للوساطة لإنهاء عملية الاعتداء السافر على أهلنا في قطاع غزة، ومناشدة المجتمع الدولي ومجلس الأمن للتدخل لوقف هذه الإجراءات العنيفة والتدخل الغير إنساني بإلقاء هذه القنابل الحارقة على المخيمات والنازحين وبالتالي الدولة المصرية".
اعتداء سافر
فيما يعتقد الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، أنه قياساً بالماضي لن يكون لهذه الحادثة تداعيات جمة، حيث جرت أحداث سابقة وتم تجاوزها، ولكن هذه المرة ما يميزها عن المرات السابقة بأن هناك احتقان واعتداء سافر من الإسرائيلي على الجيش المصري، وربما تتكرر مثل هذه الأحداث الفردية، لكن بنسبة ليست كبيرة.
وحول الخشية من تكرار هذه الحادثة يشير عريقات أنه في ظل الغطرسة والاستعلاء الإسرائيلي، هذه الأحداث لن تتوقف، لكن أن تصل الأمور لقرار رسمي بالمواجهة، فمن المبكر الحديث عن ذلك، لكنه يؤكد أن هذا الحدث سيزيد من التوتر في المنطقة، حيث لا يحق للإسرائيلي أن يتواجد في المنطقة التي أطلق النار منها على الجيش المصري، حيث هذه المنطقة تخضع للسلطة الفلسطينية، وقد استغل الجيش الاسرائيلي ذلك، وهذا في منتهى الوقاحة والاستفزاز.
رسائل خطرة
وحول تداعيات الحادثة على المستوى الداخلي الإسرائيلي، يرى المتخصص بالشأن الإسرائيلي إسماعيل مسلماني أن الحدث أخذ تناقضات كبيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث البعض منها قال أن الجيش الإسرائيلي هو الذي بدأ وأخرى قالت الجيش المصري.
ويشير مسلماني أن هذه الحادثة ربما تحمل رسائل كثيرة، حيث أن إسرائيل تريد أن تفرض أمراً واقعاً، بمعنى أن تدخل باتجاه معبر رفح ويكون لديها مساحة واسعة للسيطرة أكثر، كما وتسعى أن تفرض أمراً مغايرا للأحداث، بأن تدير المعركة من الجانب الأخر بحسب احتياجات الوضع اللوجستي العسكري لموضوع مدينة رفح، وربما تسعى إلى استشعار ردود فعل النظام المصري إزاء هكذا أحداث.
ويواصل مسلماني حديثه قائلاً "هذا الحدث ليس جديداً، لكنه يأتي الآن في سياق توتر العلاقات ما بين مصر وإسرائيل، نتيجة الاتهامات الأخيرة، مثل موضوع التلاعب في صياغة صفقة التبادل، إضافة إلى استياء المصريين من الوفد الإسرائيلي في طريقة العرض وعدم أخذ مواقف جدية، إلى جانب اقتحام رفح الذي هو يتجاوز اتفاقية كامب ديفيد المتعارف عليها في عام 1979، ويرى مسلماني أن إسرائيل تريد أن تفرض سلطتها وأن تغير أمراً ما في الفترة الراهنة.
الموقف الأمريكي
وبشأن الموقف الأميركي من توترات الحدود، يتوقع الدبلوماسي الأميركي السابق وليام لورانس أن تصدر في اليومين القادمين تعليقات وبيانات بشأن الحادثة دون اتهام أي جهة.
ويشير إلى أن واشنطن ستقوم بشكل غير علني بنقاش الأمر، كما يلفت إلى إصابة عدد من المصريين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. لكنه يعبّر عن مفاجأته من تصريح مصر بأنها ستقطع العلاقات بعد مهاجمة إسرائيل لمعبر رفح. ويقول: "أظهرت مصر صبرًا كبيرًا في هذا الموضوع".
ويؤكد لورانس وجود "نقاشات واسعة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وبين واشنطن والقاهرة بشأن ما يحصل عند الحدود وعند المعابر المختلفة الموجودة، وبشأن الترتيبات الأمنية في المستقبل".
ويوضح أنه "ليس هناك حتى الآن أي مقترح إسرائيلي يتماشي مع اتفاق كامب ديفيد أو الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالحدود والسيطرة عليها"، لكنه يرى أن الأمر بحاجة إلى دبلوماسية لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.
أصداء الحادث في الشارع
أثار خبر وقوع تبادل إطلاق نار بين الجيش المصري وجيش الاحتلال عند معبر رفح ردود فعل واسعة داخل الشارعين المصري والإسرائيلي.
واستذكر ناشطون الجندي المصري الشهيد محمد صلاح منفذ العملية التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين عند نقطة حراسة قرب معبر العوجة، العام الماضي، لافتين إلى أن جرأته على التخطيط والانطلاق وحده ربما تلهم جنودا مثله لا يقبلون ما يحدث على أراضي غزة من إبادة جماعية.
ورأى إعلاميون مصريون أن القاهرة سترد بكل حسم على أي محاولة للمس بأمنها القومي أو السعي لدفع الفلسطينيين إلى "التهجير القسري".
في الجانب الإسرائيلي، طالب ناشطون بإلغاء معاهدة السلام مع مصر والاستعداد للحرب معها، على خلفية "واقعة إطلاق جنود مصريين النار تجاه الجيش الإسرائيلي" على معبر رفح جنوب قطاع غزة، بينما حذر آخرون من خسارة "أكبر حليف عربي".
ورغم أن أي مصادر رسمية مصرية لم تؤكد حتى اللحظة هذه الأنباء، كما أن أي أطراف مصرية لم تتحدث حتى الآن عن تداعيات وتأثيرات ما وقع بشأن العلاقات بين الطرفين، فإن الخبر لقي ردود فعل واسعة من المدونين الإسرائيليين، وطالب بعضهم بـ"البدء بضربة استباقية وإعادة سيناء إلى إسرائيل، لأن مصر دولة عدو".
وقال المدون الإسرائيلي عميشاف ميليت "إن الوقت قد حان لنزع القناع عن اتفاق السلام".
أما المدون "يأجوج ومأجوج" فاتهم رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن بالغباء، قائلًا "أنت رئيس وزراء غبي وفاشل، انظر ماذا فعلت بنا. لقد بقينا بدون سيناء، وعلقنا أيضا في غزة، والجيش المصري يعزز قوته في شبه جزيرة سيناء، وسيتم إلغاء اتفاق السلام عاجلاً أم آجلاً.. وستكون هناك حرب في النهاية".
في المقابل، قال آخر "نفقد أفضل حليف عربي، مصر" أما تساحي فقال "مصر كانت وستبقى عدوا للأبد".