الأول منذ الحرب الباردة.. اشتباك مسلح بين القوات الروسية والأمريكية في دير الزور وهروب "قسد" من المعركة
انفوبلس..
منذ الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي، لم تحدث أية مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لكنها حدثت الشهر الماضي في مدينة دير الزور بسوريا.
مجلة مليتليري تايمز الأمريكية المختصة بالشؤون العسكرية كشفت عن تفاصيل اشتباك عسكري بالأسلحة الثقيلة بين القوات الأمريكية الخاصة في سوريا والقوات الروسية.
تفاصيل الاشتباك
وأوضحت المجلة في تقرير، أن "القوات الأمريكية وفي السابع من إبريل الماضي، اشتبكت بالأسلحة الثقيلة والمدفعية بالإضافة إلى الدبابات مع قوات روسيّة عرفتها على أنها تابعة لمجموعة فاغنر الخاصة التي تستخدمها الحكومة الروسية في حروبها الخارجية".
وتابعت، أن "الاشتباكات التي استمرت لأربع ساعات في محيط أحد مصافي النفط في دير الزور، انتهى بسيطرة القوات الروسية على نصف المصفى، حيث تمركزت بمواقع حصينة بمواجهة القوات الأمريكية التي يفصلها عنها نهر الفرات". مؤكدة، أن "تلك القوات ما تزال بمواجهة القوات الأمريكية حتى الآن".
الاشتباك الأول من نوعه بين قوة أمريكية وروسية منذ الحرب الباردة خلال ستينيات القرن الماضي، أثار "الذعر" وسط واشنطن التي تواصلت مع موسكو للحيلولة دون اتساع رقعة الاشتباكات التي استُخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة التقليدية كافة، قبل التوصل إلى اتفاق لإيقاف إطلاق النار عقب نفي موسكو تبعية قوات فاغنر لها.
وأشار التقرير إلى، أن القوات الخاصة الأمريكية استعانت بقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن لمساعدتها في صدّ الهجوم الروسي، إلا أن جزءا كبيرا من قوات قسد "هرب من المعركة"، فيما أكدت أيضا اعتماد قوات فاغنر الروسية على عناصر من قوات الجيش السوري لدعمها في الهجوم.
تبعات الهجوم العسكري ما تزال غير شاخصة حتى اللحظة خصوصا مع تدهور العلاقات الأمريكية الروسية نتيجة لدعم واشنطن أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
الضعف الأمريكي في المنطقة
مصادر عسكرية وصفت الاشتباك بـ"الأخطر" منذ عام 2014 حتى اليوم، والذي تزامن مع ظهور معلومات نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية حول وجود خطط للإدارة الأمريكية للانسحاب من العراق بشكل كلي، وتغيير الاستراتيجية والسياسة التي تعتمدها في العراق بشكل جذري، ليكون اعتمادها الجديد على عوامل داخلية لتحقيق أهدافها ومصالحها بدلا من التواجد العسكري المباشر.
الاشتباك الأخير مع القوات الروسية تبعه مجموعة من المضامين الإعلامية التي تحدثت عن تصريحات قائد أركان القوات الإيرانية الجنرال محمد حسين بغاري والتي أوردتها وكالة مهر نيوز الإيرانية، واكد خلالها على "ضعف" القوات الأمريكية في العراق، كاشفا عن نوايا إيرانية لـ"إخراجها" من البلاد بالقوة إن لزم الأمر.
الجنرال الإيراني والذي تحدث أيضا عن انسحاب الولايات المتحدة "المُذِل" من أفغانستان، أكد أن القوات الأمريكية في العراق وسوريا باتت الآن في وضع "حرج وضعيف"، مشيرا إلى كونها غير قادرة على مواجهة الفصائل العراقية أو التحركات التي تقوم بها الحكومة السورية لإخراجها من أراضيها.
صحيفة ذا كرايدل الأمريكية وفي تقرير نشرته الشهر الماضي، كشفت عن وجود "هُدنة" غير مُعلنة بين الفصائل المسلحة داخل العراق والتي تستهدف القوات الأمريكية بشكل مستمر، مدفوعة باتفاق ضمني مع حكومة محمد شياع السوداني لتحقيق "تقدّم داخلي" نحو إخراج القوات الأمريكية من البلاد بالطرق الدبلوماسية والسلمية.
تلك الهدنة اقترنت بتهديدات من الفصائل العراقية بمعاودة الهجمات ضد القوات الأمريكية مرة أخرى في حال فشلت الحكومة العراقية بإخراج القوات الأمريكية سلميّاً، تلك التهديدات ضد القوات الأمريكية وضعتها بخطر أكبر عقب الاشتباك مع القوات الروسية في سوريا، بحسب ما بيّنت شبكة ميلتيلري الأمريكية.
القوات الأمريكية والتي "فشلت" في تحقيق الأهداف من تواجدها داخل العراق بحسب معهد ومنظمة كوينشي الأمريكية، لم يعد لوجودها تأثير كبير على السياسة الخارجية الأمريكية التي قالت إنها باتت تعتمد على "عوامل داخلية أخرى" لتسيير مصالحها، في إشارة إلى قوى وأحزاب سياسية محلية بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها على الحكومة العراقية من خلال الملف الاقتصادي.
تواجد القوات داخل العراق أيضا ساهم في زعزعة استقرار البلاد وامن الولايات المتحدة الامريكية من خلال التوتر الذي تسببه بحسب المعهد، على الرغم من الإيجابيات التي تقدمها فيما يتعلق بالضغط على السلطات الإيرانية وتنفيذ العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران، بحسب وصفه، تلك الإيجابيات يمكن الاستعاضة عنها بالدعم المباشر الذي تقدمه واشنطن للحكومة العراقية لتحرص على تنفيذها.
الخطر الأكبر
الهدنة التي تحدثت عنها الصحافة الأمريكية وشبكة نيو اراب في العراق، والتي قدّمت "سلاما ضروريا" للقوات الأمريكية في المنطقة، لم تكن إلا بادرة لــ "خطر أكبر" يهدد وجودها، حيث تحدثت مجلة ميلتيلري بالتفاصيل، عن الهجوم الذي نفّذته قوات فاغنر، التي تُعرف بأنها شركة روسية تتعامل مع الحكومة السورية وتخدم مصالح موسكو وبدعم مباشر منها.
في ليلة الحادي عشر والثاني عشر من الشهر الحالي، تجمّعت قوات فاغنر الروسية مدعومة بقوات من الجيش السوري وعدد كبير من المدرّعات، الدبابات من طراز تي 72، والمدفعية، بالإضافة إلى بعض المسيّرات، وباشرت بالهجوم على المصفى الذي تحتمي به القوات الأمريكية الخاصة، حيث أكدت المجلة، أن القوات الأمريكية البالغ عددها 50 فردا، والمدعومة من قوات سوريا الديمقراطية قسد، وجدت نفسها بمواجهة قوة عسكرية تصل إلى 500 عنصر.
الهجوم الذي انتهى بسيطرة القوات الروسية على نصف المصفى النفطي، شهد انسحاب و"هروب" جزء كبير من قوات قسد التي كانت في طريقها لدعم الأمريكيين العالقين في المصفى، قبل أن تتدخل قوات القبّعات الخضر الخاصة لإنقاذ الموقف وإضافة نوع من "التوازن" للقوة العسكرية على الأرض.
الهجوم والذي وُصِف بأنه الأول من نوعه منذ عقود، مثّل تطورا غير مسبوق في الصراع الدائر حاليا بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث مثّل الآن بحسب المجلة، انتقال الصراع من أوروبا، إلى الشرق الأوسط، حيث القوات الأمريكية "ضعيفة" وغير قادرة على ردّ أي هجوم "فعلي" يطالها.
الضعف الحالي للقوات الأمريكية في المنطقة، وانشغالها بالصراع الدائر حاليا ضد روسيا في أوروبا، بالإضافة إلى "فشلها" في تحقيق أهداف الإدارة الأمريكية في المنطقة، مثّل النقطة الأخيرة التي أثارت الجدل داخل الأوساط السياسية الأمريكية المطالِبة بسحب قوات بلادها بالكامل من المنطقة، وخصوصا العراق، الذي تقع القوات الأمريكية داخله تحت مرمى نيران كل من روسيا وإيران، بالإضافة إلى الفصائل المسلحة الداخلية، بحسب وصفها.
خطة الانسحاب
الإدارة الأمريكية وبحسب ما كشف معهد ومنظمة كوينسي الأمريكي، باتت الآن "تتحرك" نحو الانسحاب فعليا من العراق بشكل كامل وخلال خطة تُنفّذ على خمسة أعوام. مؤيدو الخطة بحسب المنظمة الأمريكية، يرون بأن الحكومة العراقية باتت قادرة على حماية استقرار البلاد والسيطرة على داخله دون الحاجة لتواجد تلك القوات، الأمر الذي يعارضه العديد من الساسة الأمريكيين وصُنّاع القرار، الذين يرون بأن الانسحاب من العراق بشكل عاجل وسريع "يُهدد" الاستقرار الحالي وخصوصا بعد الانسحاب من أفغانستان.
صُنّاع القرار الأمريكيين في واشنطن، بحسب ما كشفت عنه المنظمة، اتجهوا نحو خطة تُرضي الطرفين تتضمن جدولة الانسحاب الأمريكي على خمسة أعوام مقبلة، يتم خلالها "تثبيت" المصالح الأمريكية و"منع" تكرار سيناريو عام 2014 والذي شهد انهيار القوات الأمنية العراقية أمام خطر عصابات داعش الإرهابية.
أوضاع القوات الأمريكية بحسب المنظمة، تختلف كليا عن المناطق الأخرى في العالم التي تحتوي على قواعد عسكرية دائمة، مبيّنة أن الشعب العراقي بشكل عام "لا ينظر بشكل إيجابي" لبقاء القوات الأمريكية على أراضيه بأي شكل من الأشكال ولمدة غير معلومة، الأمر الذي يجعل من بقائها داخل البلاد "أمرا صعبا" بحسب وصفها.
المنظمة بيّنت أيضا، أن من معوّقات الانسحاب الكبيرة، تحول الحديث عن وضع جدول زمني واضح في واشنطن إلى "أمر محرّم التداول" نتيجة لــ "خوف أمريكي" من تكرار تجربة أفغانستان مرة أخرى والتي تضمنت إلقاء اللوم بفشل القوة العسكرية في تنفيذ مهمتها على المعطيات السياسية الأمريكية، بالإضافة إلى القلق من وقوع عمليات "فساد" تؤثر على قدرة البلاد على مواجهة عوامل مزعزعة لاستقراره مثل التنظيمات الإرهابية.
القلق الأمريكي يتزايد بحسب المنظمة، ليس فقط كنتيجة مباشر لتعاظم مصادر الخطر على قواتها في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص، وما قد يقود إليه ذلك من تبعات سياسية ودبلوماسية سلبية كبيرة على الولايات المتحدة، بل أيضا "غياب وجود استراتيجية خروج واضحة من العراق"، بحسب تصريحات بعض الساسة الأمريكيين للمنظمة، والذين أكدوا أن بقاء الإدارة الأمريكية على منهاجها الحالي دون خطة خروج وجدول زمني واضح، ستؤدي في النهاية إلى "انسحاب سريع وفوضوي في المستقبل"، مما يعني تكرار سيناريو أفغانستان مرة أخرى.