بعد 8 سنوات على توليه الحكم.. سلمان بن عبد العزيز في سطور.. "انقلاب أبيض" وتكريس للقمع والاعتقالات.. لماذا غيّر شكل الخارطة السياسية للمملكة؟
انفوبلس/ تقارير
تولى الملك سلمان بن عبد العزيز، الحُكمَ في السعودية بعد وفاة الملك عبد الله بتاريخ 23 يناير 2015، وقد بدأت مع توليه العرش مرحلة غير مسبوقة من القمع اتسعت رقعتها وتنوعت أساليبها لتتجاوز كل درجات القمع المعهودة في الأزمنة السابقة، انتهكت السلطات بعهده القوانينَ المحلية والاتفاقيات والمواثيق الدولية وتجاوزت ما كان يعتبر خطوطاً حمراء، مثل اعتقال النساء والتعدي عليهن. واليوم وبذكرى مرور 8 سنوات على تولي سلمان بن عبد العزيز الحكم، سلّطت انفوبلس الضوء على أبرز ما حدث بعهده، وفصلت التغييرات السياسية الداخلية التي أحدثها في المملكة، كما لم تغفل عن توضيح "الانقلاب الأبيض" الذي حدث وأساليب الاعتقالات والقتل والسجن التي طالت جميع المعارضين لعل أبرزهم جمال خاشقجي.
*عهدٌ جديد واتساع في القمع
تعوّد المجتمع السعودي أن يبدأ مرحلة قمع جديدة تبدأ مع كل حاكم جديد للسعودية، وغالبًا ما تحاول السلطات الجديدة بشكل طفيف التبرؤ من القمع السابق لتبدأ بخطوات استرضائية للشعب، تليها حملات قمع بعد ذلك. بعد وفاة أي حاكم وتولي خلفه للحكم، جرت العادة أن يبدأ بالإفراج عن معتقلي الرأي السابقين، وبعد ذلك بفترة، يبدأ باعتقالات جديدة في عهده. إلا أن عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد محمد بدأ بكسرٍ لهذه العادة، حيث أبقيا جميع معتقلي الرأي السابقين في السجن، واستمرت المحاكمات السابقة من العهد السابق، وأنزلت أحكاما قضائية على أولئك النشطاء.
داخليًّا، شهدت البلاد توسعًا أكثر في الشرائح التي استهدفها القمع، وتوسع أيضًا في نوعية القمع، مع عودة أبشع أساليب القمع وأوسع التجاوزات للقوانين والأعراف. تنوعت أساليب القمع بين التشديد الملحوظ في العقوبات القانونية، والتوسع غير المبرر في أحكام الإعدام، وتزايد وتيرة الاعتقالات السياسية، وتكميم الافواه، وملاحقة النشطاء ومنع مؤسسات المجتمع المدني من العمل وتقييده، والسيطرة على جميع وسائل الإعلام أو التضييق عليها، وتهديد وتوجيه الكتاب والإعلاميين، واستمرار التمييز ضد الاقليات الدينية.
حصل توسع واضح في الشرائح المستهدفة عما كان معمولًا به لدى السلطات سابقًا، ليشمل الرجال والنساء، حتى من كبار السن، والقضاة، ونشطاء وكتاب وإعلاميين، واقتصاديين ورجال دين ورجال أعمال ومن أبناء الأسرة الحاكمة.
من أشد صور القمع الذي مارسته السلطات استخدامها للقوة المسلحة المفرطة، بما فيها المدفعيات، في احياء سكنية مكتظة بالسكان أثناء محاولتها هدم حي المسورة في العوامية، شرق السعودية، أثناء اشتباكاتٍ مع مسلحين.
*تعديلات داخلية هي "الأكبر" في المملكة
بعد اسبوع من توليه حكم المملكة، أجرى سلمان بن عبد العزيز آل سعود تغييرات وزارية وأميرية وُصِفت بأنها الأكبر في تاريخ المملكة. وبحسب ثلاثين مرسوما ملكيا قد صدرت، حيث أُقيل مدير الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز واثنان من أبناء الملك الراحل عبد الله عبد العزيز. كما أنشأ مجلسا جديدا للشؤون السياسية والأمنية. ولم تطُل التغييرات وزارات الخارجية والمالية والنفط.
وعيّن الملك، الفريق خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، رئيساً جديدا لجهاز الاستخبارات بعد إعفائه من منصبه بالجيش. كما أُعفي نجلا الملك الراحل كأميرين لمنطقتين مهمتين وهما مشعل بن عبد الله، أمير مكة، وتركي بن عبد الله أمير الرياض. في حين وصفت وسائل إعلام سعودية التغييرات بأنها الأكبر في المملكة.
كما عُين الأمير منصور، نجل ولي العهد مقرن بن عبد العزيز آل سعود، مستشارا في ديوان ولي العهد. وتم تغيير وزراء العدل والشؤون الاسلامية والزراعة. وعُين الدكتور عادل بن زيد الطريفي وزيراً للثقافة والإعلام. ودُمجت وزارتا التعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة. وتقرر تشكيل هيئة جديدة بدلا من المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن.
*مجلس أمني جديد
ووفق التعديلات، أقال الملك سلمان الأمير بندر بن سلطان، ابن أخ الملك الراحل، من منصبيه كأمين عام لمجلس الأمن الوطني ومستشار ومبعوث خاص للملك. واحتفظ الأمير متعب، نجل الملك الراحل، بمنصبه المهم وزيرا للحرس الوطني.
وشملت التغييرات أيضا تعيين الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد المسند رئيسا عاما لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلا من الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ.
وتتعرض الهيئة لانتقادات داخلية وخارجية بسبب ممارساتها التي توصف بأنها مخالفة لحقوق الإنسان. وأنشأ الملك هيئة جديدة جديدا باسم "مجلس للشؤون السياسية والأمنية" برئاسة وزير الداخلية .
ويضم المجلس 8 أعضاء آخرين من بينهم وزراء الخارجية والحرس الوطني، والدفاع، والشؤون الإسلامية والأوقاف، والثقافة والإعلام، ومدير الاستخبارات العامة.
*انقلاب أبيض
في عام 2018، وبالتزامن مع الذكرى الرابعة لمبايعة العاهل السعودي، الملك سلمان، وفي ظل سلسلة أزمات حادّة حوّلت الرياض إلى متهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المحافل الدولية؛ أصدر الملك سلمان أوامر اعتُبرت بمنزلة "انقلاب أبيض"؛ لكونها طالت مفاصل مهمة في الدولة السعودية، لا سيما الأمن العام والخارجية والإعلام.
وتأتي التغييرات الكبيرة في ظل التناقض بسياسة السعودية الداخلية والخارجية، منذ صعود نجم الأمير محمد بن سلمان، إذ فتح الباب أمام حقيقة الصراعات والنزاعات بين أفراد العائلة المالكة، التي باتت تأخذ منحى غير مسبوق في تاريخ الحكم منذ التأسيس، وتتناول حيثياتِها الصحافة الغربية قبل العربية والمحلية.
وفي إشارة مهمة إلى تضارب وجهات النظر والسياسات داخل الأسرة الحاكمة ردَّ الأمير السعودي، أحمد بن عبد العزيز، على متظاهرين هتفوا أمامه أثناء دخوله مقرّ إقامته في لندن، بعدد من الهتافات المندّدة بسياسات "آل سعود"، ووصفوهم بـ"المجرمين القتلة".
الأمير أحمد نفسه عاد إلى الرياض، فاتحاً الباب أمام احتمال تولي منصب ولي العهد بدلاً من محمد بن سلمان، لا سيما أن تصريحاً من وزارة الخارجية الروسية كشف عن تخلّي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن محمد بن سلمان في قضية خاشقجي، وضغطه على الملك سلمان لإيجاد بديل عنه.
*أرامكو أول الأزمات
يعتبر خبراء اقتصاد ومستثمرون أنَّ تدخُّل الملك السعودي في وقف طرح "أرامكو" صفعة قوية لـ"رؤية 2030" ولأحلام الأمير، الذي أراد ضمّ عملاق النفط الأضخم في العالم إلى صندوق الاستثمار السيادي، وطرح نسبة 5% (100 مليار دولار) فقط من الشركة، التي تقدَّر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار، للاكتتاب بالبورصة.
ومنذ صعود بن سلمان إلى سدة الحكم بشكل سريع، اتخذ عدة قرارات لم تعهدها المملكة في تاريخها الحديث؛ إذ طرح على السعوديين خطة اقتصادية أطلق عليها اسم "رؤية المملكة 2030"، تزامن هذا الإعلان مع حملات إعلامية ودعائية نسبت النجاح والتميُّز إلى هذه الرؤية قبل الكشف عن محتوياتها وبنودها، رغم الشكوك الكبيرة، وبالفعل بدأت تتلاشى مع ما تواجهه من صعوبات بدا أن ملك البلاد قد لمسها.
*حرب اليمن.. أسوأ قرار سعودي
اعتبرت الأمم المتحدة أن أسوأ القرارات التي اتّخذها ولي عهد السعودية منذ توليه منصبه بجانب وزارة الدفاع، هو قرار الحرب على اليمن، كما تقول إن هذه الحرب خلّفت أسوأ أزمة إنسانية على مر التاريخ.
خبراء بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أكدوا، في (28 أغسطس 2018)، أن الضربات الجوية التي شنّها التحالف، بقيادة السعودية في اليمن، سبّبت خسائر شديدة في الأرواح بين المدنيين، وبعضها قد يصل إلى "جرائم حرب".
وذكر الخبراء المستقلّون، في أول تقرير لهم لمجلس حقوق الإنسان، نشرته وكالة "رويترز"، أن تقريرهم "تم إعداده بكل استقلالية"، وأنه جاء بناء على تحقيق ميداني ومقابلات مع مسؤولين وشهود، مؤكّدين أن "السعودية والإمارات والحكومة اليمنية مسؤولون عن انتهاكات باليمن"، وأنه "حدّدنا أشخاصاً قد يكونون مسؤولين مباشرة عن ارتكاب جرائم حرب باليمن".
وكمحاولة للخروج من المأزق؛ بدأت السعودية بالتفاوض مع الحوثيين بوساطة أممية، لا سيما أن الحرب استنزفتها اقتصادياً وبشرياً، إلى جانب تمريغ سمعتها دولياً في التراب.
*قتل وسجن واعتقالات
ومن حرب اليمن إلى تقليص دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم نشاطات هيئة الترفيه، ثم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى اعتقالات العلماء والدعاة، كانت السعودية الجديدة زاخرة بقدر مثير للعجب من التناقضات.
فقد بدأت السلطات القضائية في المملكة تنفيذ محاكمات سرية أفرزت مطالب بإعدام دعاة ورجال دين بارزين؛ وهم: الشيخ سلمان العودة، والداعية المفكّر علي العمري، والشيخ عوض القرني.
واللافت للنظر أن الدعاة الثلاثة كان لهم من الحظوة والحضور ما جعلهم أبرز دعاة البلاد ممن أحاط بهم الشباب وطلبة العلم. وفي إشارة إلى تقدير السلطات لمكانتهم، كان الملك سلمان قد عزَّى الشيخ "العودة" بوفاة زوجته وابنه، العام الماضي، في حادث سير، إلا أن سياسة نجله تقود الشيخ نفسه إلى المشانق.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، جرى اعتقال العديد من رجال الدين والأكاديميين والناشطين ورجال الأعمال وأمراء كبار، ممن لم يُبدوا حماسة كافية لتوجهات السلطة الجديدة وسياستها الخارجية، وهو ما لم يعلّق عليه ملك البلاد مطلقاً، في ظل وجود عدد من أبناء إخوته بين من اعتقلهم نجله سابقاً بتهم فساد.
*آليات القمع
مارست السلطات السعودية في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان آليات وحشية لقمع أي حراك إصلاحي أو حقوقي أو سياسي، مستخدمة في ذلك عدة أساليب وآليات.
اعتمدت السلطات أسلوب بث الرعب بتنظيم حملات تخويف وترهيب لأفراد المجتمع، أفرادًا وجماعات، وشن حملات إعلامية لتشوه سمعة النشطاء المستهدفين. تلت حملة اعتقالات 15 مايو، على سبيل المثال، حملة إعلامية وصمت المعتقلات بالخونة وعملاء السفارات.
وبعد المطالبة بإعدام عدد من النشطاء والكتاب المعتقلين، تمت عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي رأى النشطاء في الخارج في وحشيتها عملية ترهيب وتخويف موجهة إليهم.
لعمليات التخويف هذه سابقتها في ممارسات السلطات الجديدة، أبرزها الإعدام الجماعي الذي نفذ في مطلع عام 2016، بذريعة مكافحة الإرهاب، رغم أنَّ عددًا منهم لم يمارس أي عمل عنفي، وكان من بينهم قاصرون مثل عليّ الربح، ومصطفى أبكر، ومشعل الفراج، وأمين الغامدي، إذ أعدموا إثرَ أعمال اتُّهِموا بارتكابها عندما كانوا دون سن الثامنة عشر، وعلى أعمال لا تعتبر جرائم شديدة الخطورة، ومع ذلك وصمتهم السلطات السعودية بالإرهابيين.
*المحصلة
شهد عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد نقلة نوعية في مستوى القمع، ولكن سيكون من الخطأ التوهم بأن المشكلة يمكن أن تختفي مع تغير الملك أو ولي العهد، فجذور المشكلة سابقة لسلمان وابنه، وتتجاوزهما. الخلل متأصل في هياكل ممارسة السلطة في السعودية، وهذه الهياكل هي التي شكلت الأساس الذي تمكن ولي العهد من عليه ممارسة انتهاكاته والاستمرار فيها دون أن يأبه لأي محاسبة.