جبهات إسناد غزة.. مراجعة شاملة لمن وقف مع فلسطين في محنتها.. لبنان، اليمن، العراق وإيران
انفوبلس..
منذ بدء حرب الإبادة الصهيونية تجاه قطاع غزة، رداً على طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، بدأت دول محور المقاومة بإسناد غزة بكل ما امتلكت من إمكانيات وموارد كان أبرزها الإسناد العسكري الذي بدأه حزب الله من لبنان وأكمله العراق واليمن والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
شبكة "انفوبلس" تلخص أبرز ما قدّمته تلك الدول الأربعة خصوصاً مع اقتراب وقف إطلاق النار وانتهاء العدوان على غزة.
*جبهة لبنان
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت أولى صواريخ حزب الله تجاه الأراضي المحتلة، في إطار ما أطلق عليه الحزب “معركة الإسناد” لجبهة غزة التي اشتعلت فيها الحرب صباح السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
لكنّ جبهة الإسناد التي دخلت الحرب ضمن نطاق حذر ومتريث ووفق تصعيد منضبط من الطرفين، تحولت فيما بعد إلى مواجهة شبه مفتوحة برا وجوا.
ورغم مرور مدة على وقف إطلاق النار في هذه الجبهة، لم يستعد سكان شمال الكيان الصهيوني حتى الآن ثقتهم في قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن، ولم يتمكنوا من العودة إلى مستوطناتهم. وفي استطلاع رأي أجراه مؤخرا معهد “مأجار موحوت” الإسرائيلي، عبّر 70% ممن تم إجلاؤهم من مستوطنات الشمال عن عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم، حتى إن توقفت الحرب الآن.
دخلت إسرائيل الحرب مع حزب الله بسقف تصريحات عالٍ، يصل إلى حد تدمير مقدّرات الحزب العسكرية وفرض منطقة خالية من السكان شمال الحدود الإسرائيلية، وتراجعت الأهداف تدريجيا حتى صرّح رئيس الأركان هرتسي هاليفي منذ أسبوع بأن اغتيال القيادات العليا للحزب يُعدّ كافيا لوقف الحرب.
خلال عام من الحرب، تحولت منطقة الجليل -شمال الأراضي المحتلة- ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية إلى منطقة مهددة ورخوة أمنيا، بينما كانت تتمتع طوال ما يقرب من عقدين باستقرار أمني مقارنة بمنطقة غلاف غزة جنوبا.
تتميز الجليل بكونها منطقة مرتفعات وجبال عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة آمنة في قمم المرتفعات، كما تمثل أهمية خاصة للتراث الصهيوني والوعي القومي الإسرائيلي، وتتميز مستوطناتها بمكانة رمزية خاصة في مشوار تأسيس إسرائيل، باعتبارها موطن قدامى المحاربين و”الكيبوتسات” (البؤر الاستيطانية) التي كانت تستقبل يهود الشام المهاجرين من لبنان وسوريا.
بيد أن الجليل الآن باتت منطقة مكشوفة أمنياً وطاردة للسكان، فقد اضطرت حكومة الاحتلال لتفريغ حوالي 28 مستوطنة من سكانها، وتعرّضت كافة المنشآت العسكرية والاستخباراتية فيها لنيران حزب الله بصورة أهدرت سمعتها الأمنية بشكل بالغ، مثل استهداف مقرّ الاستخبارات الإسرائيلية الرئيسي للمنطقة الشمالية في صفد، واستهداف مقر لواء غولاني -أهم ألوية النخبة الإسرائيلية العاملة في الشمال والذي يعرف بلواء رقم 1- في عملية دقيقة للغاية استهدفت تجمعا للجنود أثناء تناول الطعام.
يذكر أن لواء غولاني تتبع له الفرقة 36 التي تقود محور الجهد الرئيسي للعملية البرية جنوب لبنان من بلدة راميا إلى عيترون.
فضلا عن ذلك؛ أسهمت الحرب على جبهة لبنان، في تعميق الشرخ الذي أحدثه طوفان الأقصى في العقيدة القتالية الإسرائيلية.
فقد تجنّبت إسرائيل منذ تأسيسها الحروب الطويلة، واعتمدت مبدأ “الحروب الخاطفة” لتحقيق أهداف سريعة اعتمادا على التفوق التقني والاستخباري الذي بات يتعرض الآن لتساؤلات جوهرية عن مدى جدواه.
كما فشلت استراتيجية الدفاع السلبي والقائمة على ثلاثية المساحات الآمنة، وقدرة اعتراض عالية للنيران، وقدرة المستوطنين على التحمل. فتعرضت الارتكازات الثلاثة لتحديات تضرب في صميمها.
خلال شهر واحد، منذ بدء العملية البرية على جنوب لبنان في 30 سبتمبر/أيلول 2024، فقدت إسرائيل حوالي 95 جنديا قُتلوا في مسرح العمليات، وأُصيب أكثر من 750 ضابطا وجنديا، كما أُعطبت 38 دبابة “ميركافا” وأُسقطت 4 مسيرات إسرائيلية عالية التقنية من طراز هيرميس 450 وهيرميس 900.
ولا تشمل هذه الأرقام خسائر الجبهة الداخلية نتيجة عمليات القصف المستمرة والتي تخضع للرقابة العسكرية ولا تظهر أرقامها الحقيقية، وهذا فضلا عن 12 ألف عسكري استقبلوا في المستشفيات منذ بدء الحرب، منهم 1500 أُصيبوا مرتين بحسب بيانات مركز إعادة التأهيل.
وبالرغم من هذه الخسائر التي تُعد قياسية بالنسبة لما اعتاده الجيش الإسرائيلي، فلم يتمكن في المقابل من التقدم بصورة كافية على الحدود، ولم يستطع السيطرة على قرية واحدة كاملة، وأيّاً ما يكن من نتائج مستقبلية قد تجعل الاحتلال في وضع ميداني أكثر تقدماً، فهي لن تلغي حقيقة أن الخسائر في هذا الطريق كانت أكثر من المتوقع وأكبر مما تحتمله قدرات إسرائيل على المدى البعيد.
وعلى المستوى الاقتصادي، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن تكلفة توسيع الحرب في الجبهة اللبنانية خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين قد بلغت نحو 9 مليارات دولار، وإن هذه النفقات الكبرى تتطلب إعادة النظر في ميزانية إسرائيل مرة أخرى.
وتضم منطقة الشمال عدة مراكز اقتصادية وحيوية لإسرائيل، وبالأخص مدينة حيفا التي باتت في مرمى نيران حزب الله. وتمثل حيفا مركز ثقل تجاري وطاقوي بالغ الأهمية لإسرائيل، وإدخال حيفا وما حولها ضمن نطاق العمليات العسكرية يتسبب في خسارة ما يقرب من 150 مليون دولار يوميا، علما بأن منشآت الطاقة ومستوعبات “الأمونيا” والرصيف البحري في حيفا لم تدخل في بنك أهداف الحزب إلى اليوم.
كما قالت دراسة لمعهد أهارون للسياسة الاقتصادية، إنه مع استمرار السيناريو العسكري الحالي على الجبهة الشمالية، فإن نفقات الحرب قد تزيد بقيمة 111 مليار شيكل حتى نهاية عام 2024 فضلا عن عجز بنسبة 6.8%، لتكون نسبة الدَّين حوالي 71.6% في نهاية 2024.
كما بلغت خسائر قطاع السياحة في الشمال نحو 3.5 مليارات دولار إلى الآن، علماً بأن للجليل -خصوصا الجليل الأعلى- أهمية سياحية كبيرة، إذ يقصده سنويا حوالي 1.5 مليون سائح.
وكلّف إخلاء مستوطنات الشمال، البالغ عددها 28 مستوطنة - حتى فبراير/شباط الماضي - حوالي 613 مليون دولار (بتكلفة توازي 163 ألف دولار يوميا)، فيما خُصص نحو 1.7 مليار دولار لمواصلة تمويل إخلاء السكان حتى يوليو/تموز 2024.
وقالت القناة 14 الإسرائيلية، إن 6 آلاف طلب قُدِّم للتعويض عن منازل تضررت بفعل قصف حزب الله للمستوطنات الشمالية بمعدل حوالي 150 صاروخا يوميا، مشيرة إلى أن طلبات التعويض كلفت خزينة الدولة نحو 4 مليارات دولار. وقدّر “بنك إسرائيل” أن غياب 57 ألفا و600 شخص من طاقة العمل في مستوطنات الشمال يكلّف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 63.2 مليون دولار أسبوعيا.
أما زراعياً، فقد تعرّضت منطقة الجليل لخسائر فادحة، حيث قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنّ الخوف من نيران حزب الله يتسبب بتعطيل قدرة مزارعي الشمال على الوصول لبساتينهم، وقد بلغت الأضرار الناتجة عن ذلك نحو 500 مليون دولار.
في حين كانت محاصيل زراعية بقيمة 20 مليون شيكل (5.4 ملايين دولار) لا تزال على الأشجار في الجليل الأعلى، لكنها تضررت كليا بسبب نقص الأيدي العاملة الذي بلغ نحو 90%، كما تضررت صناعة الدواجن، وأُغلق 24 مرعى حيوانيا كبيرا لأسباب أمنية.
وأضرار القطاع الزراعي تحديدا، لا تُحتسب فقط في الميزان المالي، لكن ثمّةَ أبعادا أكثر عمقاً تتمثل في ضرب علاقة المزارع بالأرض وارتباطه بها، إذ يُنظر إلى مزارعي الشمال تحديدا في إسرائيل باعتبارهم مثالا في الوعي القومي، وبأنهم قاموا بدور هائل في حماية حدود الدولة وتمكين الاستيطان.
كذلك، فإن الطبيعة التضامنية لسكان “الكيبوتس” والمستوطنات الزراعية تجعل أية خسائر تلحق ببستان أو مزرعة خسارة جماعية يتحملها كافة السكان، لذلك فإن الخسائر الاقتصادية المتراكمة قد تؤدي على مدى زمني طويل إلى صعوبة في استعادة ترابط المستوطنين بالأرض وإعادة تماسك مستوطنات الجليل مرة أخرى.
ويُضاف إلى ذلك الأعباء الاقتصادية التي يتحملها هؤلاء المستوطنون بعد نقلهم خارج الشمال، فعلى الرغم من محاولة الحكومة تعويضهم، فإن ثمة أضرارا أكبر من قدرة الحكومة على التعويض.
وفي استطلاع رأي أجرته شركة مايند بول خلال سبتمبر/أيلول الماضي على 500 شخص ممن جرى إجلاؤهم من الشمال، قال 68% منهم إنهم لم يتلقوا أي مساعدة توظيف منذ بداية الحرب، وأفاد 32% بأنهم لا يجدون عملا حاليا ومهاراتهم المهنية تتآكل، وعبّر 31% عن كونهم مستعدين نفسيا للعمل بفرض إتاحته.
ويبدو أن هذه الخسائر العميقة التي سيكون لبعضها تأثير طويل المدى، تركت آثارا واضحة على التصور السياسي الإسرائيلي بشأن الأهداف التي يمكن تحقيقها على جبهة الشمال، فبعد الرفض الإسرائيلي لأية تفاهمات بمرجعية القرار 1701 والحديث عن عدم صلاحيته للتطبيق، عادت الأمور مجددا للقبول بنفس القرار مما يعني تخفيضا لسقف التوقعات.
وعلى الرغم من تعمد الاحتلال الإبقاء على قدر كبير من الغموض بشأن أهداف العملية البرية، فإن شهراً كاملاً من عملية واسعة تقودها خمس فرق من الجيش الإسرائيلي لا يبدو أن ما حققته حتى الآن من اختراقات محدودة يكافئ ما كان مُتوقعا عندما صرّح قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين قائلا “نحن مصممون على تدمير كل البنية التحتية، وإبعاد حزب الله من هنا، ومنعهم من شن أي هجوم ضدنا”.
*جبهة اليمن
مع بدء معركة طوفان الأقصى، أعلن اليمن موقفًا مؤيدًا للفعل المقاوم، وداعمًا للمعركة المباشرة مع العدو. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وارتفاع مؤشرات النزيف الفلسطيني، لم يكن أمام اليمن من خلال أنصار الله إلا أن يكون ضمن المعركة من خلال جبهة إسناد.
بعد 4 أيام من عملية طوفان الأقصى، و3 أيام من فتح حزب الله جبهة جديدة في جنوب لبنان، قال قائد حركة أنصار الله الحوثيين عبد الملك الحوثي في كلمة متلفزة بثتها قناة "المسيرة"، "نحن في تنسيق تام مع إخوتنا في محور الجهاد والمقاومة، لفعل ما نستطيع". وربط تدخل جماعته بتدخل الولايات المتحدة المباشر بالحرب.
ومرت جبهة إسناد اليمن لغزة، بخمس مراحل تصعيد، بدأت الأولى باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وفي المرحلة الثانية من التصعيد، دخلت السفن الأمريكية والبريطانية ضمن بنك الأهداف عقب قيام الجيش الأمريكي والبريطاني بشن ضربات صاروخية وغارات جوية على أهداف في اليمن منذ 12 يناير/كانون الثاني.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت أنصار الله بدء المرحلة الثالثة من التصعيد من خلال استهداف سفن العدو في المحيط الهندي.
وفي مايو/أيار، تم الإعلان عن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد من خلال توسيع منطقة عملية الاستهداف لتشمل البحر الأبيض المتوسط واستهداف السفن التي سبق لشركاتها الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة.
وفي يوليو/تموز، دشن الحوثيون المرحلة الخامسة من التصعيد باستهداف مدينة «يافا» تل أبيب بطائرة مسيرة في 19 يونيو/حزيران، ومن ثم بصاروخ فرط صوتي اخترق كافة منظومات الدفاع الإسرائيلية في 15 سبتمبر/ أيلول؛ وهو ما شكّل منعطفًا مهمًا في دور جبهة إسناد اليمن لغزة وفلسطين.
في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعترضت المدمرة الأميركية يو إس إس كارني أثناء تحركها في شمال البحر الأحمر 3 صواريخ سكود و 8 طائرات مسيرة أُطلقت من مناطق سيطرة حركة أنصار الله الحوثيين في اليمن باتجاه إسرائيل حسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية. وتزامن ذلك مع كشف وكالة بلومبيرغ أن السعودية أسقطت صاروخا أثناء مروره فوق أراضيها قادما من اليمن.
وتكررت الهجمات التي يشتبه بأن اليمن مصدرها في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما أعلنت القوات المسلحة المصرية عن سقوط طائرة مسيرة مجهولة الهوية قرب مبنى قريب من مستشفى طابا في جنوب سيناء، وإصابة 6 أفراد. وأضافت، أنها اعترضت طائرة مسيرة في خليج العقبة خارج المجال الجوي لمصر، وأن بعض حطام الطائرة سقط في منطقة غير مأهولة في منطقة نويبع.
بعد 3 أيام، أعلن الحوثيون رسمياً، وللمرة الأولى، وقوفهم خلف استهداف إسرائيل بمسيّرات وصواريخ عبر البحر الأحمر. أتى الاعتراف على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال التابعة للحوثيين غير المعترف بها دوليا عبد العزيز بن حبتور، الذي أعلن أن الحوثيين أطلقوا مسيّرات نحو إسرائيل رداً على العدوان المتواصل على قطاع غزة.
وأوضح قائلا، "نحن جزء من محور المقاومة. إننا نشارك بالقول وبالكلمة وبالمسيّرات". وأشار إلى أن "محور واحد وهناك تنسيق يجري وغرفة عمليات مشتركة وقيادة مشتركة لكل هذه العمليات"، مؤكدا أنه "لا يمكن أن نترك لهذا العدو المتغطرس الصهيوني أن يقتل أهلنا دون رقيب".
وكان أول حصاد للهجمات الصاروخية اليمنية على إسرائيل التي تكررت كذلك في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إعلان شركة العال الجوية الإسرائيلية وقف عبور طائراتها المجال الجوي لسلطنة عمان والسعودية في رحلاتها إلى جنوب شرق آسيا بسبب" المخاوف الأمنية".
وخلال الأسبوعين الأوليّين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023 تحولت أجواء البحر الأحمر إلى ميدان مجابهة، حيث تكرر إعلان الجيش الإسرائيلي إسقاط "تهديدات جوية" قادمة من اليمن باتجاه جنوب إيلات، واعتراض صاروخ باليستي قبل دخول مجاله الجوي. لكنه اعترف في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأن مسيّرة "مجهولة المصدر" أصابت مبنى في إيلات.
لكن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي توعد بالمقابل في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتوسيع مسار المجابهة المتواصلة في أجواء البحر الأحمر، لتشمل السفن العابرة للبحر الأحمر ومهاجمتها من السماء والبحر في الوقت ذاته. وقال في خطاب متلفز "سنظفر بسفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وسنُنكّل بهم، وفي أي مستوى تناله أيدينا لن نتردد في استهدافه ولْيعرف بهذا كل العالم". وفي ترجمة لهذه التهديدات استولت قوة كوماندوز حوثية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على سفينة "غلاكسي ليدرز" على بُعد 120 كيلومترا من سواحل اليمن، واحتجزت طاقمها المكوّن من 25 فردا ينتمون إلى 4 جنسيات. جاء الحادث مباشرةً عقب بيان تحذيري للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية الموالية لحركة أنصار الله الحوثيين يحيى سريع، أعلن فيه عزمهم استهداف السفن المملوكة، أو المشغّلة لشركات إسرائيلية، أو التي ترفع العلم الإسرائيلي.
وتكررت هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل، وامتدت جنوباً إلى المحيط الهندي حيث ألحقت طائرة مسيرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أضرارا بسفينة حاويات ترفع العلم المالطي، ويملكها رجل الأعمال الإسرائيلي عيدان عوفر دون وقوع إصابات بين أفراد الطاقم. وفي اليوم التالي هاجم الحوثيون سفينة مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي وترفع العلم المالطي أثناء مرورها عبر البحر الأحمر، إلى جانب مهاجمة مسيّرة يمنية سفينة كلاندار المملوكة لشركة الشحن الإسرائيلية زيم. ومع دخول حرب غزة شهرها الخامس كان عدد السفن التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي قد وصل، حسب وكالة أمبري للتأمين البحري، إلى 40 سفينة.
في النصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اتسع نطاق المواجهة بين أنصار الله الحوثيين والقوات الأميركية ليشمل القطع البحرية التي تجوب مياه البحر الأحمر . ففي 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أسقطت المدمرة الأميركية "يو إس إس توماس هندر" مسيّرتين انطلقتا من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وبعد 5 أيام أعلنت القيادة المركزية الأميركية أن صاروخين باليستيّين انطلقا من مناطق سيطرة الحوثيين باتجاه المدمرة "يو إس إس ميسون" في خليج عدن، وأنهما سقطا على بُعد 10 أميال منها.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي صدر بلاغ جديد يفيد بإسقاط المدمّرة الأميركية "يو إس إس كارني" طائرة دون طيار تابعة للحوثيين لدى اقترابها من المدمرة في مضيق باب المندب. وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى إسقاط المدمرة كارني خلال إبحارها جنوب البحر الأحمر طائرة دون طيار من طراز كأس- 04 الإيرانية أُطلقت من مناطق سيطرة حركة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
مع تكرار هجمات جماعة أنصار الحوثي على السفن التجارية وسفن الأسطول الأميركي واستخدامهم صواريخ بحرية وأخرى باليستية إلى جانب المسيّرات، بدأت الولايات المتحدة بداية من 5 ديسمبر/كانون الأول 2023 تحركاً من حلفائها لإنشاء تحالف يتولى صد وإحباط هجمات الحوثيين ووحدات الجيش اليمني الموالية لهم. وعقد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال جولته بالشرق الأوسط اجتماعا افتراضيا ضمّ وزراء ومسؤولي دفاع كبارا من 43 بلدا، بالإضافة إلى مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأبلغهم بأن هجمات الحوثيين أثّرت بالفعل في الاقتصاد العالمي، وستستمر في تهديد الشحن التجاري إذا لم يعالج المجتمع الدولي القضية بشكل جماعي.
على المستوى الاقتصادي، أدى تصعيد جماعة أنصار الله الحوثيين في البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى إضرابات في الشحن والتجارة العالمية. ففي 2023 على سبيل المثال؛ قُدّر عدد السفن التي عبرت من خلال المضيق المذكور بـ21ألفا و344، أي بمعدل 59 يوميا عبرت من الجنوب باتجاه قناة السويس المصرية، مما شكّل ما معدله 12 في المئة من التجارة الدولية.
وكان رد الفعل الأول والمباشر لشركات الملاحة الدولية على الهجمات هو تحويل مسار أساطيل السفن من البحر الأحمر وقناة السويس، إلى طريق بحري أطول وهو رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الأفريقية.
وقالت المنظمة البحرية الدولية في 3 يناير/كانون الثاني الماضي أن 18 شركة شحن بحري غيّرت مسار سفنها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح؛ بسبب الهجمات التي تستهدف السفن في البحر الأحمر. وفي اليوم التالي دعت وزارة الصناعة في كوريا الجنوبية شركات الشحن البحري لاستخدام طرق بديلة للبحر الأحمر لتجنب الهجمات. وفي اليوم الموالي أعلنت "ميرسك" الدانماركية عملاق النقل البحري، تغيير مسار جميع سفنها التي كان مقررا لها أن تمر من البحر الأحمر وخليج عدن، إلى مسار رأس الرجاء الصالح بالنظر إلى "بقاء الخطر الأمني في مستوى مرتفع في البحر الأحمر". وفي 16 يناير/كانون الثاني الماضي أدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر -حسب وكالة رويترز- ضمن المناطق عالية المخاطر، وذلك حتى قبل هجمات الحوثيين الأخيرة، وقالت إنه يتعين على السفن إخطار شركات التأمين الخاصة بها عند الإبحار عبر هذه المناطق ودفع قسط إضافي.
*جبهة العراق
على مدى عام منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، شاركت "جبهة المقاومة والإسناد" العراقية في إسناد المقاومة الفلسطينية ونفذت هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على مواقع حيوية في إسرائيل أوقعت إصابات بشرية وألحقت أضراراً مادية بالمنشآت التي استهدفتها.
وفي 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، كشفت المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله عن أسماء الفصائل المنضوية في جبهة "المقاومة الإسلامية في العراق" وهي "كتائب حزب الله"، "النجباء"، "كتائب سيد الشهداء"، و"أنصار الله الأوفياء"، والتي عمدت في بداية تأسيسها إلى استهداف المصالح العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، بتاريخ 17 تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته، رداً على العدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة على قطاع غزة. وبعد ذلك أخذت هجماتها بالصواريخ والمسيرات تتصاعد وصولا إلى أهداف إسرائيلية في فلسطين المحتلة.
وبلغت هجمات المقاومة الإسلامية في العراق نحو 250 هجوما شنتها الفصائل العراقية على الأراضي المحتلة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 وحتى الشهر ذاته في 2024 استهدفت غالبيتها منطقتي إيلات والجولان.
نفذت المقاومة الإسلامية في العراق أولى عملياتها العسكرية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شنت هجوما بطائرة بدون طيار من طراز "قاصف 2 كي"، استهدف القاعدة الأميركية حرير في محافظة أربيل بكردستان العراق.
ومنذ ذلك التاريخ، شنت هذه المقاومة مئات الهجمات التي استهدفت قواعد عسكرية أميركية في العراق وسوريا، ثم توسَّعَ نطاق هجماتها ليشمل أهدافاً في الأراضي المحتلة.
واستهدفت المقاومة الإسلامية في العراق القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وقالت في بيان إن ذلك يأتي في إطار ردها على "الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة بتوجيه وإدارة أميركية".
وتركزت الهجمات في العراق على قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدة حرير الجوية في محافظة أربيل، كما جرى استهداف السفارة الأميركية في بغداد في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وفي سوريا استهدفت الهجمات قواعد حقل غاز كونيكو وحقل العمر النفطي والقرية الخضراء في ريف دير الزور وقواعد خراب الجير ورميلان والشدادي في محافظة الحسكة، وقاعدة النتف الواقعة عند مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية.
ونُفذت معظم الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ كروز من نوع الأرقب، وأدخلت الفصائل في عملياتها للمرة الأولى صاروخا ذكيا قصير المدى من طراز "صارم" إلى الخدمة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في يناير/كانون الثاني 2024 أن عدد الهجمات التي استهدفت القوات الأميركية في العراق وسوريا بلغ 170 هجوما منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومنذ أبريل/نيسان 2024، تصاعدت وتيرة الهجمات بالطائرات المسيرة واتسع نطاقها ليستهدف أهدافا إسرائيلية حيوية في غور الأردن وبيسان والجولان المحتل وحيفا وبئر السبع وإيلات وطبريا وتل أبيب
واستهدفت هذه العمليات مطارات وموانئ ومحطات كهرباء ومواد كيميائية وقواعد عسكرية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 صرّح مسؤولون عسكريون أميركيون لوكالة "أسوشيتد برس" أن إسرائيل تتعرض لهجمات يومية بطائرات مسيرة من العراق وأن القوات الأميركية وشركاءها اضطروا لاعتراض هذه المسيرات.
وقال ضابط أمن إقليمي أميركي، إن حوالي 5 عمليات إطلاق تتم يوميا من داخل العراق تستهدف إسرائيل من قبل المقاومة الاسلامية في العراق.
ومن أبرز العمليات التي نفذتها المقاومة الإسلامية في العراق:
- 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023: إطلاق ثلاثة صواريخ استهدفت السفارة الأميركية وقاعدة مجاورة لها في بغداد.
- 28 يناير/كانون الثاني 2024: هجوم بطائرة مسيرة استهدف قاعدة عسكرية في الحدود الأردنية السورية أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة العشرات.
- 2 مايو/أيار 2024: هجوم بصواريخ كروز من نوع الأرقب استهدف مركزا في قاعدة غليلوت تابعا للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، ويُعد هذا الهجوم الأول من نوعه الذي يستهدف تل أبيب.
- 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024: هجوم بطائرة مسيرة استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي شمال الجولان السوري المحتل، أسفر عن مقتل جنديين وإصابة 25 آخرين.
*جبهة إيران
بعد أن تلقى الإيرانيون نبأ عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على الاحتلال الإسرائيلي بدأوا تنظيم احتفالات شعبية في كل مدن الجمهورية الإسلامية رافقتها تحركات عسكرية ودبلوماسية لدعم فلسطين حتى قبل بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
على المستوى الدبلوماسي، سارعت إيران، في السابع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى دعم عملية طوفان الأقصى على لسان المرشد الأعلى قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي والرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وذلك بالرغم من نفي طهران علمها بالعملية وعدم مشاركة الجمهورية الإسلامية في الهجوم.
يقول الباحث السياسي مجيد صفا تاج، إن الراحل عبد اللهيان قاد جهودا دبلوماسية كبيرة جدا على المستويين الإقليمي والدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وساهم في تقريب وجهات نظر الدول العربية والإسلامية لإدانة العدوان، وشارك بفاعلية في القمة الإسلامية الطارئة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
من ناحيته، يشير الباحث السياسي سعيد شاوردي إلى أن وزير خارجية إيران السابق حسين أمير عبد اللهيان كان أول من ألمح إلى إمكانية اتساع جبهات الحرب الدائرة في قطاع غزة ومحيطه إذا لم تنجح مساعي وقف العدوان، وشدد على أن إيران والمنطقة والفاعلين فيها "لن يبقوا متفرجين" إزاء هذا ا