خارطة توزيع متكاملة للسوريين خارج بلادهم.. أكثر من 4 ملايين في العراق
انفوبلس/ تقارير
تزامنا مع سقوط نظام بشار الأسد، برزت العديد من التساؤلات عن السوريين خارج سوريا، وأعدادهم، ومصيرهم، وخارطة توزيعهم لاسيما في العراق. انفوبلس سلّطت الضوء على هذا الملف وتوصلت إلى أرقام حصرية عن التواجد السوري بالعراق تفوق المعلنة بأضعاف، وشرحت بالتفصيل كيف ستؤثر عودة السوريين إلى بلادهم على الاقتصاد العراقي، فهل سينكمش السوق؟ أم ستنتعش الوظائف المحلية بعد أن هيمنت عليها العمالة الأجنبية طوال السنوات السابقة؟
عدد السكان السوريين
قبل معرفة أعداد السوريين في الخارج، وخارطة توزيعهم، لابد أولا من معرفة عدد سكان الشعب السوري، إذ واستناداً إلى معلومات منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية في سوريا، ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومؤسسات حقوقية وإنسانية، وحكومات الدول المستضيفة للّاجئين السوريين، أصدر مركز "جسور للدراسات"، إحصائيات بعدد السوريين داخل البلاد وخارجها حتى نهاية الربع الأول من عام 2023، كما أخذت هذه الإحصائيات في الحسبان التحولات الديموغرافية الجديدة لعدد اللاجئين السوريين بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في شباط/ فبراير 2023.
في محصّلة الدراسة، بلغ إجمالي عدد السوريين لعام 2023، ما يقارب 26.7 ملايين نسمة، منهم 16.76 مليون سوري داخل سوريا، و9.12 مليون سوري خارجها، و897 ألف مفقود ومغيّب.
كما أظهرت الدراسة أيضاً توزّع السوريين حسب مناطق السيطرة في سوريا؛ النسبة الأعلى من إجمالي عدد السكان (58%)، تعيش في مناطق سيطرة النظام السوري (قبل سقوطه)، أي نحو 9.6 ملايين نسمة تقريباً، و26% تعيش في مناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال وفي منطقة الـ55، وعددهم يقارب 4.3 ملايين نسمة، و16% تعيش في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شرق الفرات، أي نحو 2.6 ملايين نسمة.
اللجوء السوري من عام 2012 إلى عام 2023
بعد معرفة عدد سكان الشعب السوري، لابد من معرفة تاريخ اللجوء في سوريا منذ بدء الثورة ولغاية الآن، إذ أنه وفي مطلع سنة 2011، وقبل اندلاع الحرب الأهلية، قُدّر عدد اللاجئين السوريين بنحو 8،000 لاجئ، ثم ارتفع العدد بشكل هائل مع اشتداد أوزار الحرب حتى بلغ 5.18 مليون لاجئ في الفترة ما بين 2012 و2023، بحسب الإحصاءات التي نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
في سنة 2012، وصل عدد اللاجئين إلى 493 ألف لاجئ، ثم قفز العدد في السنة التالية إلى ما يقارب 2.5 ملايين لاجئ، واستمر في الارتفاع وصولاً إلى نحو 5.7 ملايين لاجئ في 2021.
بعد ذلك، حصل بعض التراجع في عدد اللاجئين نتيجة زيادة الضغوط عليهم من قبل الدول المستقبلة لهم، ودفعهم للعودة إلى بلادهم في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية عموماً بسبب تداعيات جائحة كورونا والصراع العسكري الدائر بين روسيا وأوكرانيا، فسجّل عام 2023 نحو 5.1 مليون لاجئ.
14.2 بالمئة من إجمالي اللاجئين في العالم سوريون
وفقاً لأحدث بيانات للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2023، يبلغ العدد الإجمالي للّاجئين على الصعيد العالمي نحو 36.4 ملايين لاجئ، ضمنهم 5.18 مليون لاجئ سوري مسجّل رسمياً، ما يعني أن اللاجئين السوريين يشكلون نحو 14.2% من إجمالي اللّاجئين، وهي النسبة الأكبر على مستوى العالم، وهم يتوزعون على 130 دولةً.
توزّع اللاجئين السوريين في دول الجوار
اللاجئون السوريون يقيمون بغالبيتهم في دول الجوار الخمس؛ تركيا، لبنان، الأردن، مصر والعراق، حسب ما أظهرته دراسة مركز "جسور للدراسات" لعام 2023.
تركيا هي البلد الذي رحل إليه العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، إذ يقدّر عددهم فيها بنحو 2.9 ملايين لاجئ، ما يعني أن 42% من اللاجئين السوريين يقيمون في تركيا. وتفيد أحدث إحصائية للمديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية، أن معظم هؤلاء اللاجئين يعيشون في إسطنبول ومدن الولايات الجنوبية، هاتاي وغازي عنتاب وأورفا وكهرمان مرعش.
وبالرغم من حصول أكثر من 193 ألف لاجئ سوري على الجنسية التركية حتى نهاية العام 2021، فإنهم لا يزالون يواجهون عقبات كثيرةً، أبرزها الأجور المنخفضة، ومشكلات الدمج الكامل للطلاب السوريين في نظام التعليم الحكومي.
لبنان يأتي ثانياً في قائمة الدول المجاورة المستضيفة للّاجئين السوريين، إذ يقدّر عددهم فيه بنحو 920 ألف لاجئ "مسجّل"، أي ما نسبته 13% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين. كما قدّرت الحكومة اللبنانية وجود 500 ألف لاجئ إضافي يقيمون بصورة غير قانونية على أراضيها. أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان صعبة جداً، إذ يعيش أكثر من 90% من الأسر السورية في فقر مدقع بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بلبنان منذ 2019.
الأردن يحلّ ثالثاً باستضافته نحو 610 آلاف لاجئ سوري مسجل، أي ما نسبته 9% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين؛ 19.5% منهم يعيشون في المخيمات، وأبرزها الأزرق والزعتري، ويتوزع الباقون على محافظات عمان والمفرق وإربد. كذلك في الأردن، ظروف عيش اللاجئين صعبة للغاية، فـ80% منهم يعيشون تحت خط الفقر، و60% في فقر مدقع.
مصر، الدولة الرابعة المستضيفة للسوريين، ويقيم فيها 398 ألف لاجئ سوري، أي ما نسبته 6% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين.
إما العراق، وبحسب المتداول، فيقيم فيه 320 ألف لاجئ سوري، يقيمون بغالبيتهم في إقليم كردستان ومعظمهم من السوريين الأكراد، لكن العدد الحقيقي يفوق هذا الرقم بأضعاف وهو ما ستشرحه شبكة انفوبلس بالتفصيل في قادم الأسطر بناءً على مصادرها.
أكثر من 4 ملايين سوريا في العراق
بالحديث عن أعداد السوريين في العراق، ركزت انفوبلس ليس على عدد اللاجئين المسجلين فقط، بل على جميع المتواجدين بما فيهم العمالة السورية.
إذ وبحسب مصادر خاصة لشبكة انفوبلس، فقد تجاوز عدد السوريين في العراق الأربعة ملايين، متوزعين بعناوين مختلفة بين لاجئين وعمالة ووافدين.
وتفيد المصادر، بأن سقوط نظام الأسد قد يؤدي إلى عودة غالبية اللاجئين كون العديد منهم كانوا من المعارضين.
وعن تأثر السوق العراقية بهذه العودة، يؤكد خبراء، أن الأمر يحمل الجوانب السلبية والإيجابية بذات الوقت، فعودة العمالة والوافدين السوريين إلى بلادهم ستربط السوق وتؤدي إلى انكماشه.
في المقابل، يرى الخبراء أن الجانب الإيجابي سيتمثل بتشغيل الأيدي العراقية، وانتعاش الوظائف بعد أن هيمنت العمالة الأجنبية على السوق طوال السنوات السابقة.
هل يتأثر العراق اقتصاديا بأحداث سوريا؟
بينما يستمر تقدم الجماعات الإرهابية المسلحة داخل الأراضي السورية، يخيّم ركود في الأسواق المحلية العراقية، وسط ترقب شعبي لاتجاهات الأحداث المتطورة وتبعات ما سيجري في ظل مخاوف متصاعدة من تأثر العراق بالصراع الدائر في سوريا.
وينشغل العراقيون في الوقت الحاضر بالبحث عن طرق وخيارات جديدة للتكيف مع الظروف الراهنة وما فرضته مستجدات الأحداث المشتعلة في سوريا، في ظل توقعات أن يكون لها تبعات على الاقتصاد العراقي.
ويظهر هذا في حالة الركود التي تشهدها الأسواق المحلية العراقية منذ بداية إعلان المجاميع الإرهابية المسلحة "عملية ردع العدوان" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وفي هذا الصدد، قالت المواطنة أم أحمد من بابل، إن "العراقيين مرت عليهم حروب وظروف اقتصادية صعبة، لذلك مثلت الأحداث في سوريا جرس إنذار لهم بأخذ الاحتياطات اللازمة تحسباً لما ستؤول إليه الأمور، لأن الوضع الأمني مرتبط بالوضع الاقتصادي والسياسي".
وعن الإجراءات التي اتخذتها السيدة، أوضحت أم أحمد، أنه "تم شراء المواد الجافة والتقليل من شراء الحاجيات غير اللازمة، في ظل مخاوف من ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء المواد الغذائية، إذا ما تطورت الأحداث في سوريا أكثر وتأثر بها العراق بشكل أو بآخر".
وهذا ما أكد عليه أيضاً رئيس مجلس الأعمال العراقي السوري، حسن الشيخ زيني، بأن "هناك حالة كساد في الأسواق العراقية وتراجع في الشراء من قبل المواطنين خوفاً من الحرب، وبات الشراء يقتصر على الحاجيات الأساسية".
وأضاف زيني، أن "العراق في حال مسك حدوده ولم يشارك بالحرب السورية فإنه لن يواجه أي مشكلة، لكن حتى في هذه الحالة قد تكون هناك تداعيات في المستقبل إذا ما تغيّر النظام في سوريا، حيث إن التداعيات قد تجر إلى العراق، وقد يحدث فيه تغييراً سياسياً أيضاً".
لكن زيني، وهو نائب رئيس غرفة تجارة بغداد سابقاً، رأى أن "سوريا لن تؤثر على الاقتصاد العراقي بقدر التأثير السياسي، لأن الاقتصاد العراقي قوي، وهناك إمكانيات مادية وثروات وبنى تحتية، وأن الخطط الحكومية تسير بالاتجاه الصحيح".
وعن احتمالية التأثر بنقل البضائع، بين أن "هناك خطوطاً للتجار تمر عبر سوريا وهي قليلة، وهذه يمكن تحوليها إلى بلدان أخرى ومن ثم تأتي إلى العراق، رغم أن المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق في سوريا لا تمنع تصدير البضائع من حلب".
وأشار إلى أن "هناك تجربة سابقة عند سيطرة داعش على الجهة الغربية في العراق، حيث كانت البضائع تصل من الأردن وتركيا إلى العراق، لذلك هناك بدائل ومنافذ كثيرة، وبالتالي لا يوجد تأثير على الاقتصاد العراقي في هذا الجانب".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، إن "كل أزمة تحصل قد تؤثر على العراق خصوصاً إذا ما كانت في دولة مجاورة، لكن العراق اليوم قادراً على تأمين أمنه الغذائي عبر توفير السلال الغذائية، كما هناك خزين استراتيجي من المواد الغذائية في البلاد، وهناك تقدم في تحقيق الاكتفاء الذاتي".
وأوضح عبد ربه، "كما أن الأحداث الراهنة في سوريا لن تؤثر على صادرات النفط، فهي تمر عبر البصرة جنوبي البلاد، وحتى تصدير كركوك هو يتم عبر تركيا وكوردستان، لكن قد تؤثر الأحداث على طبيعة الاستثمار وحجمه في العراق".
ودعا عبد ربه، الحكومة العراقية إلى أهمية "اعطاء تطمينات للمستثمرين ولرجال الأعمال بأن الوضع مسيطر عليه، وما حصل عام 2014 لا يمكن أن يتكرر في أي حال من الأحوال".
ويخشى العراق من عودة سيناريو أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث مساحة البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة.
بدوره، ذكر أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن "التأثيرات الاقتصادية المتوقعة على العراق نتيجة الأحداث الأخيرة في سوريا، هي ترتبط بعوامل متعددة تشمل التجارة، النقل، سوق العمل، والتداعيات الجيوسياسية".
وشرح السعدي، أن "العلاقات العراقية - السورية تتسم بترابط كبير، العراق يعتمد على سوريا كمعبر تجاري وإقليمي مهم. يعني أن التصعيد العسكري والاضطرابات في سوريا ستؤدي إلى تعطيل الطرق البرية والممرات الحدودية بين البلدين، مما ينعكس سلباً على واردات العراق وصادراته".
وبين أن "هذا التعطل سيزيد من تكلفة نقل البضائع ويؤثر على توافر السلع الأساسية التي تدخل السوق العراقية عبر سوريا، خاصة تلك المتعلقة بالمنتجات الزراعية والمواد الغذائية التي يعتمد عليها المستهلك العراقي".
ويقول السعدي، إن "تاريخياً، استخدم العراق الأراضي السورية لتصدير النفط عبر ميناء طرطوس، لكن الأحداث الأخيرة أضافت تحديات جديدة لتفعيل هذه الخطوط".
ورأى السعدي، أن "العراق يواجه الآن زيادة في تكاليف النقل إذا اضطر للبحث عن مسارات بديلة، مثل استخدام موانئ جنوبية أو عبر دول أخرى، ما يزيد من الضغط المالي على الاقتصاد العراقي الذي يعاني بالفعل من تحديات في التنويع الاقتصادي واعتماده الكبير على إيرادات النفط".
ولفت إلى أن "التأثيرات لا تتوقف عند التجارة فقط، فهناك ضغط إضافي على الخدمات العامة والبنية التحتية سيكون بسبب تدفق اللاجئين السوريين إلى العراق، هذه التدفقات تضعف القدرة الاستيعابية للاقتصاد العراقي، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات البطالة والاعتماد الكبير على القطاع الحكومي في توفير الوظائف، كما أن الأحداث الأمنية المتصاعدة على الحدود قد تفتح الباب لتسلل الجماعات المسلحة، مما قد يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".
وتابع: "أما من الناحية المالية، يواجه العراق تحديات تتعلق بتقلبات سعر الصرف نتيجة للتغيرات الإقليمية، خصوصاً في ظل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والتي تؤثر على حركة الأموال والتحويلات التجارية بين البلدين".
وأشار إلى أن "هذه التحديات قد تعمق أزمات السوق العراقية، خاصة مع وجود فجوة كبيرة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق الموازية، مما يزيد من تكاليف الاستيراد ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين".
وللتعامل مع هذه التداعيات، شدد السعدي، على ضرورة أن "يحافظ العراق على التوازن وأن لا يتدخل بشكل مباشر في الصراع ومسك الحدود بشكل كبير، بالإضافة إلى التركيز على تعزيز علاقاته التجارية مع الدول الأخرى، وخاصة دول الجوار، لتقليل اعتماده على الطرق البرية عبر سوريا".
وخلص إلى القول: "كما يتطلب الوضع سياسات حكومية تدعم القطاع الخاص وتطور البنية التحتية للنقل والتخزين، مما يمكن الاقتصاد العراقي من امتصاص الصدمات الخارجية بشكل أفضل".