رفض "حصار" المقاومة فاعتقلته فرنسا.. تعرف على القصة الكاملة لاعتقال مؤسس "تليغرام" ولائحة التهم الموجهة إليه
انفوبلس..
في بداية طوفان الأقصى، دأبت أغلب المنصات العالمية على الوقوف بصف الكيان الإسرائيلي بعدوانه على غزة، فحجبت أغلب مواقع التواصل الاجتماعي، حسابات قادة المقاومة وحذفت منشورات مؤيدة لفلسطين بحجة انتهاك المعايير، عندها برزت منصة "تيليغرام" الذي رفض مؤسسها الروسي "بافيل دوروف" بأكثر من مناسبة الرضوخ للضغوط الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية لحجب قنوات المقاومة على منصته، لينتهي به الأمر معتقلاً في فرنسا بقائمة طويلة من الاتهامات.
منذ مساء السبت الماضي 24 أغسطس/آب 2024، تعتقل السلطات الفرنسية مؤسس تطبيق تليغرام بافيل دوروف، في مطار لوبورجيه قرب باريس بموجب “مذكرة بحث” أصدرها محقّقون فرنسيون. وقُبض على الملياردير الروسي البالغ 39 عاماً والذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإماراتية خلال قدومه من أذربيجان، فيما لمّح سيناتور أمريكي لعلاقة “إسرائيل” باعتقال مؤسس دوروف بسبب رفضه الاستجابة لطلباتها المتكررة وحذف حسابات حركة حماس وغيرها.
لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الإثنين 26 أغسطس/آب 2024، قال إن اعتقال مؤسس تطبيق “تليغرام” في فرنسا “ليس قرارًا سياسيًا على الإطلاق”، مشددًا على أن “فرنسا تلتزم بحرية التعبير والتواصل”.
وفي تصريح عبر منصة “إكس”، قال ماكرون: “إن اعتقال رئيس تليغرام على الأراضي الفرنسية تم في إطار تحقيق قضائي جارٍ. هذا ليس قرارًا سياسيًا بأي شكل من الأشكال. يعود للقضاة أن يقرروا في هذا الأمر”.
وتقدر مجلة فوربس ثروة دوروف بنحو 15.5 مليار دولار. وأثار اعتقاله ردود فعل دولية، حيث انتقدت السفارة الروسية في فرنسا عدم تعاون السلطات الفرنسية معها، بينما دعا مشاهير مثل إيلون ماسك إلى إطلاق سراحه، مؤكدين أهمية حماية حرية التعبير.
وتأتي هذه الأحداث في ظل تاريخ طويل لدوروف في مواجهة السلطات الحكومية، حيث غادر روسيا في 2014 بعد رفضه الامتثال لمطالب الحكومة الروسية بشأن منصته السابقة “في كي”. ويقيم دوروف حالياً في دبي، حيث المقر الرئيسي لمنصة تليغرام.
الأسباب المعلنة للاعتقال
تقول السلطات الفرنسية إنها تحقق مع مؤسس تليغرام بشأن اتهامات بـ”الاحتيال وتهريب المخدرات والترويج للإرهاب والتنمر الإلكتروني وجرائم أخرى”، بحسب ما نقلت وكالة رويترز.
وكان المكتب المسؤول عن مكافحة العنف ضدّ القاصرين (Ofmin)، أفاد بأنّه أصدر مذكرة بحث ضد بافيل دوروف انطلاقا من دوره كمنسّق في تحقيق أولي في جرائم تراوح بين الاحتيال وتهريب المخدرات والمضايقة عبر الإنترنت والجريمة المنظمة، مرورا بتبرير الإرهاب والاحتيال، وفقا لمصادر مطّلعة على القضية، نقلت عنها رويترز.
شركة تليغرام ردّت في بيان على تلك الاتهامات بالقول، إن “دوروف ليس لديه ما يخفيه ويسافر بشكل متكرر في أوروبا”. وأضافت الشركة، إن “تليغرام تلتزم بقوانين الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية – حيث يتم الإشراف عليها وفقًا لمعايير الصناعة”. “من السخف أن نزعم أن منصة أو مالكها مسؤول عن إساءة استخدام هذه المنصة”.
من جهتها، أعلنت الامارات، الإثنين، متابعة قضية مواطنها بافيل دوروف مؤسس تليغرام المحتجز بفرنسا. وقالت الخارجية الإماراتية، في بيان، بأنها “تتابع عن كثب قضية المواطن الإماراتي بافيل دوروف، مؤسس تطبيق تليغرام، الذي ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه في مطار باريس لو بورجيه”. وأوضحت الخارجية أن “الإمارات تقدمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم كافة الخدمات القنصلية له بشكل عاجل”.
ولم توضح الخارجية الإماراتية أسباب توقيف دوروف في باريس. لكنها أشارت إلى أن “رعاية المواطنين وحفظ مصالحهم ومتابعة شؤونهم وتقديم كافة أوجه الرعاية لهم أولوية قصوى لدى الإمارات”.
علاقة "إسرائيل" بالقضية
في منشور على منصة إكس قال سام باركر، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية يوتا، إن “استهداف منصة تليغرام ومؤسسها بافيل دوروف، والذي اعتُقل في فرنسا، يعود لعدم حذفها المحتوى الذي لا ترغب إسرائيل برؤيته”.
وأوضح باركر، إن “تليغرام لا تزيل المحتوى الذي لا تحب إسرائيل أن يراه الناس، كما أنها لا تستثمر في آليات الرقابة بكثافة، ومتابعة الحسابات الإلكترونية”.
مشيراً إلى أن “العديد من منصات التواصل الاجتماعي، استثمرت بشكل كبير في الاعتدال، ما يسمح للأشخاص والمنظمات بالمساعدة في مراقبة المحتوى، وإزالة المنشورات التي تحرض على الإرهاب أو مقاطع فيديو 7 أكتوبر، لكن تليغرام لم تفعل ذلك”، ولدى الدول والمستخدمين البريد الإلكتروني ذاته الذي يرسلون إليه شكواهم”.
باركر قال، إن “إسرائيل لم تتمكن من وقف انتشار المحتوى الذي لا تحبه، في الوقت الذي كانت قادرة على القيام بذلك في منصات أخرى”. ولفت إلى أن تقارير إسرائيلية تحدثت عن إرسال وزارة عدل الاحتلال، أكثر من 40 ألف طلب ناجح إلى فيسبوك لإزالة محتوى تحت بند “غير قانوني”، وليس معنى ذلك أنها معادية لـ”إسرائيل، بل هي محتويات غير قانونية وفقا للمعايير الغربية، حتى أن تيك توك أزال أكثر من 20 ألف منشور بسبب بلاغات إسرائيلية، وعلى تليغرام كان العدد 1300 فقط”.
من جهتها، علقت صحيفة یدیعوت احرونوت على اعتقال دوروف بالقول، إن “شركته تحولت إلى سلاح بيد حماس وحزب الله وغيرهما بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد مكّنت هذه المنصة، على سبيل المثال، مقاتلي النخبة التابعين لحماس من نشر أهوال هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على نطاق واسع، بما في ذلك عبر البث المباشر”.
وأضافت الصحيفة العبرية: “شهدت قنوات حماس على تليغرام نمواً سريعاً في الأيام الخمسة الأولى من الحرب في غزة؛ على سبيل المثال، تضاعف عدد مشتركي قناة كتائب عز الدين القسام ثلاث مرات من 205 آلاف إلى ما يقرب من 620 ألف مشترك، إلى جانب زيادة عشرة أضعاف في عدد مشاهدات المنشورات”.
وتضيف الصحيفة أن التطبيق “لم يقم بحذف الكثير من القنوات التي قدمت إسرائيل طلبات إغلاق بحقها، إلا بعد ضغوط دولية متكررة، لكن قنوات أخرى لا تزال نشطة حتى يومنا هذا. على سبيل المثال، تضم قناة غزة الآن، المرتبطة بحماس، أكثر من 1.8 مليون مشترك حتى الآن وهناك الكثير من القنوات النشطة”.
تليغرام أقل الشركات تعاوناً مع "إسرائيل"
صحيفة هاآرتس العبرية كانت قد نشرت تقريراً قبل 3 أيام من اعتقال بافيل دوروف، قالت فيه إن “تطبيق تليغرام يشكل تحدياً هائلاً لإسرائيل منذ بداية الحرب. ففي حين قامت العديد من شركات التكنولوجيا بتبسيط الآليات التي يمكن من خلالها التواصل معها، فإن تليغرام يعتبر الأقل تعاونًا بينها جميعًا مع إسرائيل فيما يتعلق بطلبات الحكومة المتكررة لإغلاق قنوات تعمل ضد إسرائيل أو تسرب بيانات مسروقة من قبل قراصنة إيرانيين".
الصحيفة قالت، إنه في حين أن “العديد من منصات التواصل الاجتماعي استثمرت بشكل كبير في الاعتدال، مما يسمح للأشخاص والمنظمات بالمساعدة في مراقبة المحتوى، على سبيل المثال – إزالة المحتوى المعادي للسامية أو المنشورات التي تحرض على الإرهاب أو حتى إزالة مقاطع الفيديو من هجوم 7 أكتوبر – فإن تليغرام لم يفعل ذلك. ولدى الدول والمستخدمين على حد سواء عنوان بريد إلكتروني واحد يمكنهم إرسال مظالمهم إليه”!.
وظهرت خدمة تليغرام في بداية الحرب كـ”منصة رئيسية تستخدمها حماس وفصائل المقاومة الأخرى في حربها المعلوماتية ضد إسرائيل، وهي المنصة التي لم تتمكن إسرائيل من التعامل معها بشكل صحيح، حيث كانت تفتقر إلى قدرات المراقبة وفهم المنصة”، على حد وصف هآرتس.
في أواخر عام 2023، حاول الإسرائيليون العاملون في “صناعة التكنولوجيا الفائقة”، والذين شعروا بالقلق إزاء موجة المحتوى المؤيد لحماس، والتي تضمنت مقاطع فيديو من الهجوم الفعلي بالإضافة إلى تدفق مستمر من المواد الدعائية، الوصول إلى مؤسس تليغرام، بافيل دوروف.
ورغم نجاحهم في الاتصال بدوروف، الذي يعيش في الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه لم يتقبل هذه الطلبات الخاصة لتحسين التعاون. ورغم أن بعض الصفحات المرتبطة مباشرة بالجناح العسكري لحركة حماس تم حظرها محلياً في مرحلة لاحقة، إلا أن المبادرة الخاصة فشلت في اكتساب أي زخم حقيقي لدى مؤسس التطبيق لصالح إسرائيل.
وتوضح المصادر أن جوجل أو ميتا سوف تحذفان أي صفحة إذا ثبت ارتباطها المباشر بحماس، كما ستحذف أمازون موقعا إلكترونيا لاستضافة “مواد إرهابية”. وعلى تليغرام، لا يمكن حذف المحتوى بمثل هذه الحجج. ولن يتم حذف سوى السلع المسروقة بشكل واضح، مما يجعل ادعاءات المحتوى هي الطريق الوحيد الفعال للسلطات القانونية الإسرائيلية.
وتتحدث البيانات عن نفسها: فوفقا للأرقام الرسمية التي قدمتها إسرائيل، أرسلت وزارة العدل إلى فيسبوك أكثر من 40 ألف طلب ناجح لإزالة “محتوى غير قانوني”. وهذه ليست منشورات مؤيدة أو معادية لإسرائيل، بل هي محتوى غير قانوني وفقا للمعايير الغربية. وحتى تيك توك حذف أكثر من 20 ألف منشور أخطرت إسرائيل بحذفه. وعلى تليغرام، تجاوز هذا العدد 1300 بقليل.
كما كشفت صحيفة هاآرتس، فإن المواقع الإلكترونية اللامركزية التي تستخدم البنية التحتية غير الغربية بدأت في الظهور مع التسريبات الأولى التي قام بها قراصنة إيرانيون في وقت سابق من هذا العام. على سبيل المثال، اكتشف أري بن عامي، مؤسس شركة Telemetry Data Labs، وهي شركة تركز على تطبيق تليغرام وتتبع عمليات القرصنة والتسريب لصالح صحيفة هآرتس، أن موقع Cyber Courts، وهو موقع مخصص لاستضافة ملفات أي مجموعة قرصنة معادية لإسرائيل، يستخدم مواقع ويب لامركزية. ويقول إن هذه المواقع أصبحت منذ ذلك الحين رائجة في عمليات القرصنة والتسريب وتسمح للمتسللين بوضع التسريبات في أماكن لتخزينها.
رفض حجب حسابات حماس
في 13 أكتوبر الماضي وبعد نحو أسبوع من هجوم “طوفان الأقصى”، أعرب مؤسس تطبيق “تليغرام” دوروف عن معارضته لفكرة حجب حساب حركة “حماس” على التطبيق، معتبرا أن ذلك سيؤثر سلباً على إعلام الناس بشأن الأحداث في المنطقة. وجاء ذلك رداً على الدعوات الكثيرة التي وجهت إلى مؤسس “تليغرام” لحجب حسابات حركة “حماس” على “تليغرام” على بعد هجومها على “إسرائيل”.
وأعاد دوروف إلى الأذهان أنه في بداية الحرب كانت حركة “حماس” تنذر سكان مدينة عسقلان بضرورة مغادرة المنطقة قبل إطلاق رشقة من الصواريخ. وتساءل دوروف: “هل سيساعد حجب هذا الحساب في إنقاذ الأرواح أو سيعرضها للخطر؟”.
وأكد مؤسس التطبيق بحسب ما نقلت وكالة تاس، أن مستخدمي “تليغرام” يتلقون المعلومات فقط من الحسابات التي يتابعونها، وبالتالي لا يمكن استخدام حسابات “تليغرام” لتكثيف الدعاية، بل بالعكس يستفيد منها الباحثين والصحفيين والخبراء الذين يقومون بالتأكد من الحقائق. واعتبر حينها دوروف أن القضاء على مصدر المعلومات هذا قد يؤدي إلى “تعقيد الوضع الصعب أصلاً”، بحسب تعبيره.
يذكر أن تطبيق تليغرام يحظى بشعبية كبيرة في روسيا، خاصة بعد حظر شبكات التواصل الاجتماعي الغربية الأخرى. وينفي دوروف مراراً وتكراراً أي علاقات له بالحكومة الروسية أو أجهزة الاستخبارات. ومع ذلك، استمر الجيش الروسي في استخدام التطبيق للتواصل بين الوحدات على الأرض أثناء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. حيث واجهت الشركة اتهامات غربية بأنها تساعد في نشر “مقاطع الفيديو المروعة والتقارير الحقيقية والكاذبة من جبهة الحرب في أوكرانيا”.