شعار رمي اليهود في البحر.. من اتهام جمال عبد الناصر بإطلاقه وصولا إلى إيران.. كذبة عمرها 60 عاماً فمن أطلقها؟
شعار "رمي اليهود في البحر".. من اتهام جمال عبد الناصر بإطلاقه وصولاً إلى إيران.. كذبة عمرها 60 عاماً فمَن أطلقها؟
انفوبلس/..
منذ ستينيات القرن الماضي، تداول شعار "رمي اليهود في البحر" وأخذت الاتهامات تتوزع في كل فترة على جهة معينة يُنسب لها طرح الشعار أعلاه، بدءاً من أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ثم الإعلامي المصري الشهير أحمد سعيد، فالرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأخيراً وصل دور الاتهام إلى إيران التي نفت ذلك مؤخراً.
*أحمد سعيد وأحمد الشقيري
يعتبر أحمد سعيد، المذيع في "صوت العرب" من القاهرة حتى العام 1967، من أشهر المذيعين العرب حتى يومنا هذا، فقد كان وطنيًا مصريًا عروبيًا صادقًا، اشترك بالعمل الفدائي في قناة السويس قبيل ثورة تموز/ يوليو المصرية. حتى أن بعض الحكومات طالبت بإسكاته، مثل حكومة بريطانيا، إذ كان يحرّض ضد الاستعمار ويحث على قتل البريطانيين في عدن خلال حرب اليمن، ومع اقتراب حرب حزيران/ يونيو 1967 وتسخين الجبهات أصبح دوره أكثر أهمية.
اشتهر أحمد سعيد بقوة أدائه وبتعابيره المنتقاة التي ذهبت مثلا فيما بعد، حيث كان يعبّر عن لسان حال العرب واقتراب تحرير فلسطين وطرد اليهود منها.
عمل أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب من القاهرة منذ العام 1953 حتى أيلول/ سبتمبر عام 1967، أي حتى بعد الهزيمة بأشهر قليلة حيث قدّم استقالته. كان صوته وتعليقاته أحد رموز صوت العرب، فقد اشتهرت كلماته قبيل الحرب، مثل "سنُلقيهم في البحر"، التي كان أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأول، قد أطلقها من غزة قبيل حزيران.
ويرى المراقبون والباحثون أن كلمات أحمد سعيد وخطبه وشعاراته كانت مادة جيدة جدًا استغلها الإعلام الصهيوني بأخذها على محمل الجد ونقلها لشعب إسرائيل لتوحيده ورفع همّته للقتال لأن تهديدات أحمد سعيد كانت تحكي عن إلقائهم في البحر، كذلك استغلت لدى الأوروبيين لكسب تعاطفهم، فها هم العرب يريدون إلقاء اليهود في البحر، اليهود المساكين الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة المحرقة في الحرب العالمية الثانية.
*اتهام عبد الناصر
وحتى يومنا هذا ما تزال عبارة أن العرب أرادوا رمي اليهود في البحر تتردد، لا على ألسنة الفلسطينيين أو العرب، بل على ألسنة أبواق الدعاية الصهيونية التي يحلو لها باستمرار أن تصور اليهود وكيانهم الغاصب بمظهر الضحية البريئة التي يتربص بها الأعداء الحاقدون الكارهون من كل حدب وصوب، فما أصل هذه العبارة؟ وما مدى صحتها؟ وهل دعا العرب حقاً لإبادة اليهود من خلال إغراقهم في البحر؟
وبالعودة إلى ستينيات القرن الماضي، حينها ازداد تركيز الدعاية الصهيونية في الغرب على هذه المقولة، ما دفع بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليطلب من مساعديه البحث في وثائق الدولة وأرشيف تصريحات الزعماء العرب وجميع المصادر المتاحة عن أصل هذه العبارة، وبعد بحث مُضنٍ لم يتم العثور على أي أصل لهذه العبارة، فتأكد عبد الناصر من أن القصة ليست سوى تلفيق صهيوني يُراد به تشويه صورة العرب باعتبارهم يريدون أن يقيموا لليهود هولوكوستاً آخر، فإذا كان هتلر قد أحرق اليهود في أفران الغاز، فإن العرب يريدون إغراقهم في البحر!.
وبناءً على ذلك قام عبد الناصر بإبلاغ أصدقاء مصر في العالم العربي والخارج بهذه الحقيقة وكان من هؤلاء الوزير العمالي الأسبق في الحكومة البريطانية كريستوفر ميهيو.
لكن بعد رحيل الرئيس عبد الناصر عام 1970 عادت الأبواق الصهيونية لاستخدام اللازمة نفسها، مع إلصاقها هذه المرة بالرئيس عبد الناصر نفسه، ما استفزّ ميهيو الذي قرر أن يفضح الأكذوبة الصهيونية، فنشرَ عام 1973 في الصحف البريطانية إعلاناً قال فيه بأنه سيقدّم مكافأة قدرها خمسة آلاف جنيه استرليني لمن يستطيع أن يثبت أن عبد الناصر دعا لرمي اليهود في البحر، وفي عام 1974 كرر العرض نفسه لمن يستطيع أن يثبت أن أي أحد من الزعماء العرب دعا يوماً إلى رمي اليهود في البحر أو إبادتهم بأي طريقة.
أثارت حملة ميهيو جدلاً واسعاً و جنّدت القوى الصهيونية في بريطانيا كل طاقاتها من أجل إحباط مسعاه، وبالفعل أعلنت صحيفة "جويش كرونيل" الصهيونية بأن أحد محرريها عثر على الوثيقة المنشودة والتي لم تكن سوى قصاصة من صحيفة تعود إلى عام 1948 وتحتوي على تصريح لأول أمين عام لجامعة الدول العربية المصري عبد الرحمن عزام باشا، يقول فيه أن على اليهود الذين جاؤوا فلسطين عن طريق البحر، أن يعودوا من حيث جاؤوا، على ذات السفن التي حملتهم، عبر البحر أيضاً!.
وكان رد ميهيو بأنه فضلاً عن أن عبد الرحمن عزام ليس واحداً من الزعماء العرب، فإن العبارة التي قالها لا تحمل أي دعوة إلى رمي اليهود في البحر، وإزاء التعنّت الصهيوني لجأ الفريقان إلى القضاء البريطاني للبتّ في القضية، وبالفعل نظر القضاء البريطاني في الملف، وبعد الاستماع لآراء ميهيو والمحرر الصهيوني أصدر القضاء قراره في شباط فبراير من عام 1976، والذي جاء في صالح ميهيو، حيث ذكر قرار المحكمة صراحةً بأن جمال عبد الناصر أو أي أحد من الزعماء العرب لم يدعُ يوماً إلى رمي اليهود في البحر.
ورغم أن براءة العرب من هذه التهمة قد أثبتت بحكم المحكمة البريطانية، فما زالت أبواق الدعاية الصهيونية تستخدم هذه العبارة بسبب وبغير سبب، عملاً بمبدأ وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز القائل "اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك".
*إيران
وصلت الاتهامات بقول هذا إلى إيران هذه المرة، لكن الجمهورية الإسلامية نفت في أكثر من مناسبة هذا القول.
ومؤخراً، أكد قائد الثورة الإسلامية، السيد علي الخامنئي، "إن بعض الناس في العالم يتحدثون عن آراء الجمهورية الإسلامية بشأن المنطقة ويقولون زوراً إن إيران تعتقد أنه يجب رمي اليهود والصهاينة في البحر. لكننا لم نقل هذا أبداً. نحن لا نرمي أحداً في البحر".
وفي 2018، أيضاً قال السيد الخامنئي، إنه "كان جمال عبد الناصر يطلق شعار رمي اليهود في البحر ولكن نحن لم نقل ذلك منذ البداية".