أبناء مدرسة آل البيت (ع) في باكستان.. تاريخ من القمع والعنف ضدهم وهذه علاقتهم التاريخية بالعراق
انفوبلس/ تقرير
يرتبط تاريخ التشيّع في باكستان بتاريخ التشيّع في الهند لأنهما كانتا دولة واحدة حتى عام (1947) وهو عام استقلالها مع الهند عن بريطانيا وكان يطلق عليهما (شبه القارة الهندية).
دلّت المصادر والآثار التاريخية على أن الشيعة هاجروا إلى هذه الأرض في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) وأغلبهم من العلويين، وبعد تقسيم الهند كانت هناك هجرة جماعية للشيعة من الهند إلى باكستان وسكن أغلبهم كراتشي ومولتان ولاهور وتفرق البعض في المدن الباكستانية الأخرى.
حرص الشيعة في باكستان على إقامة الشعائر الحسينية غاية الحرص فلم يكن لهذه الشعائر دور كبير في إنماء الفكر الديني لدى المسلمين وتزويدهم بالثقافة العقائدية فقط، بل إنها جذبت الكثير من غير الشيعة إلى اعتناق مذهبهم والانتماء لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
يقول المؤرخ الفرنسي الدكتور جوزيف رينو في مقال له: إن العدد الكبير الذي يُرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه الشعائر، ففرقة الشيعة حتى في زمن السلاطين الصفوية لم تسعَ في ترقي مذهبها بقوة السيف بل ترقت بهذا الشكل المحير للعقول بقوة الكلام الذي هو أشد تأثيراً من السيف، ترقّت اليوم هذه الفرقة في أداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها، جمٌّ غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضا شاركوهم في أعمالهم".
كما لم يقف تأثير هذه الشعائر على المسلمين من غير الشيعة فقط، بل كان تأثيرها كبيراً على غير المسلمين، وقد دخل بسببها الكثير إلى الإسلام كما في كراتشي (مدينة في باكستان) حيث يسمى من يدخل الإسلام منهم (الخوجا). يقول السيد صالح الشهرستاني: إن في بعض المدن والمناطق الهندية أنشأ الهندوس المباني والعمارات وأوقفوها على الإمام الحسين وأطلقوا عليها اسم (الحسينية) تأسّياً بالمسلمين ويقيمون فيها شعائر الحزن والأسى والمآتم وأصبح اسم الحسين لديهم من الأسماء التي يتبرّكون بها ويقدسونها ولا يذكرون هذا الاسم إلا بكل احترام وتعظيم وتبجيل".
ويروي السيد عبد اللطيف بن أبي طالب بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي الشوشتري (1172 ــ 1219هـ)، مشاهدات حيّة أثناء رحلته إلى الهند عن الشعائر الحسينية هناك فيقول عن بعضها: إن العظماء والأثرياء والهنود فيها يقيمون المآتم العظيمة على الإمام الحسين ع في أماكنها الخاصة فإنهم فور رؤيتهم هلال شهر الأحزان يلبس الجميع لباس الحِداد والحزن ويلقون جانباً الملذات ولذائذ الحياة.
ويقول السيد إبراهيم الحيدري عن الشعائر في باكستان: وكانت المجالس تمتلئ في شهر محرم من المسلمين وغير المسلمين. ويقول الفيلسوف الألماني الدكتور "ماربين": وفي هذه المدة القليلة استوعبت ـ أي الشعائر ـ بلاد الهند من أولها إلى آخرها ويظهر أنها في كل يوم في زيادة.
ويأتي هذا التأثير الذي يصل إلى حد التولّه بتلك الشعائر نتيجة تقديس الباكستانيين لهذه الشعائر والتأكيد على إقامتها في شهر محرم في جميع المدن والقرى.
ومن أهم هذه الشعائر بعد مجالس المآتم والتعزية التي تذكر حادثة كربلاء هو تقديس (ذو الجناح) فرس الحسين ــ كما يسمونه ــ فيوضع على ظهره سرج ثمين وينثر الناس عليه باقات الورود، وكذلك (إمام برا) وهو علَم أخضر يرمز إلى راية العباس (عليه السلام)، وقد كُتِب عليه: (يا عباس). والشعائر الحسينية تُقام في كل مدن وقرى باكستان فلا تجد قرية أو مدينة تخلو من الشيعة.
*تاريخ طويل من القمع والعنف ضدهم
حرب الإبادة التي تُشن ضد أتباع أهل البيت عليهم السلام في باكستان، تجري أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، من دون التلويح في أفقها ما يشير إلى قرب نهايتها، أو أن هناك في العالم من يكترث بها ويُلقي نظرة الى ضحاياها، او يسمع أنينهم. واللافت أن التكفيريين الذين يقفون وراء هذه الحرب، ليسوا مجهولين، فقادتهم يتحدثون بالصوت والصورة وبشكل علني، عن هدف هذه الحرب، وهو القضاء على أتباع أهل البيت عليهم السلام، وإفراغ باكستان منهم.
التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجدا للمسلمين الشيعة في منطقة كوتشا ريسالدار في مدينة بيشاور العام الماضي، والذي أسفر عن استشهاد 56 شخصا وإصابة 190 آخرين، كان مجزرة بكل ما بالكلمة من معنى، فقد تمزقت أجساد الضحايا وتناثرت، في الوقت الذي كانوا يقفون بين يديه الله سبحانه وتعالى وهم يؤدون صلاة الجمعة آمنين في بيت من بيوت الله.
مجزرة بيشاور لم تكن الاولى، فقد سبقتها عشرات المجازر المشابهة، ضد أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولن تكون الأخيرة، بسبب تجاهل العالم والمنظمات الدولية، والإعلام والصحافة العالمية، لحرب الإبادة التي يتعرض لها المسلمون الشيعة، الذين باتت دور عبادتهم ومساجدهم، أهدافا سهلة للتكفيريين، الذين يقومون بتفجيرها بمن فيها، أنى شاؤوا.
اللافت، أن أتباع أهل البيت عليهم السلام، الذين يتعرضون لعمليات قتل ممنهجة دون رحمة في باكستان من قبل الجماعات التكفيرية، كانوا السباقين للالتفاف حول محمد علي جناح، الرجل الذي كان له الدور الأبرز في تأسيس دولة باكستان الإسلامية، وذلك من أجل حماية دينهم ولغتهم، ومن أجل أن يعيشوا مع إخوانهم المسلمين السُنة، في بلد يمارسون فيه عباداتهم بحرية كاملة وبدون خوف من الجماعات الهندوسية المتطرفة، التي كانت تنغّص عليهم حياتهم.
منذ تأسيس دولة باكستان في 14 أغسطس من عام 1947، عاش سُنة وشيعة باكستان، ولعقود طويلة، في سلام ووئام، لا يعكّر صفو عيشهم المشترك أي شيء، فإلههم واحد، ونبيهم واحد، ودينهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة. إلا أنه ومنذ سبعينيات القرن الماضي بدأت الافكار التكفيرية تتغلغل في المجتمع الباكستاني، حيث بدأ بعض المسلمين الباكستانيين يكفّرون كل مسلم لا يؤمن بأفكارهم الغريبة والشاذة، وخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام. وشهدت هذه الافكار رواجاً في ظل حكم الرئيس الباكستاني ضياء الحق، الذي قاد انقلابا عسكريا على الرئيس الباكستاني الشرعي ذو الفقار علي بوتو عام 1977، حيث تقرب ضياء الحق كثيرا من الجماعات التكفيرية، كما سمح لها بنشر أفكارها بحُرية، ومنذ ذلك التاريخ، بدأت الهجمات تستهدف أتباع أهل البيت عليهم الاسلام، وهي هجمات كانت في البداية لفظية، فلا تتدعى الفتاوى والخطابات التحريضية، إلا أنها ومع مرور الزمن وجدت من ينفذها ويتأثر بها.
"إن سنة باكستان مدعوون قبل الشيعة، للتصدي للفكر التكفيري الذي ينخر بعقول الشباب، ويحولهم الى قنابل موقوتة، يتم تفجيرها عن بُعد، فالذي يتحكم بصاعق هذه القنابل البشرية، لا يريد الخير للمسلمين السُنة قبل المسلمين الشيعة، فهو يستهدف بالأساس باكستان كبلد، ونحن هنا نضم صوتنا إلى صوت الذين يميلون للاعتقاد أن ما يحصل من مجازر في باكستان ضد أتباع أهل البيت عليهم السلام، ليس فعلا فرديا، ولا فعل جماعات صغيرة تتحرك بنوازع طائفية مقيتة فقط، فتجارب الدول التي مزّق التكفير نسيجها الاجتماعي ونشر فيها الفوضى والخراب، أثبتت أن هذه الجماعات مُسيّرة من قبل أعداء الأمة، فهي تضرب المسلمين الشيعة اليوم، وعندما تنتهي منهم، ستستهدف غدا المسلمين السُنة، وبعد غد الجيش الباكستاني، وسط دعوات للسلطات الباكستانية، العمل على التصدي للجماعات التكفيرية قبل فوات الأوان"، بحسب الكاتب منيب السائح.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن أكثر من 400 شيعي قُتِلوا في باكستان في 2012 "السنة الأكثر دموية" لهذه الطائفة في تاريخ هذا البلد.
*علاقتهم التاريخية بالعراق
كما كان العراق أول دولة عربية تعترف بباكستان، وتدعمها في أزمة البنغال، بعد استقلال باكستان عن الهند عام 1947. كانت العلاقات الثنائية بين العراق وباكستان باردةً أحياناً، وضبابية في أحيان أخرى، جرَّاء وجودهما في تكتلات عالمية مختلفة، وبسبب الأنظمة السياسية المختلفة التي حكمت العراق، إذ شهدت العلاقات بين البلدين عديداً من التقلُّبات على مدار أكثر من سبعة عقود.
ومع سقوط المقبور "صدَّام حسين" ونظامه في عام 2003، قدَّمت باكستان دعماً نسبياً للنظام العراقي الجديد، حيث تبادل عديد من المسؤولين الزيارات بين البلدين على مدى العقدين الماضيين، وكانت العلاقة مستتبة. ومع ذلك، ظهرت في العامين الماضيين علامات على بداية جولة جديدة من التفاعلات والعلاقات الواسعة.