العراق يتجه لصفقة رافال فرنسية لتحديث قوته الجوية بعد إلغاء مفاوضاته مع باكستان

ضغوط صهيونية تعرقل الصفقة
انفوبلس..
في ظل مساعي العراق لتعزيز قدراته الجوية وتحديث أسطوله العسكري، كشفت صحيفة Army Recognition البلجيكية، في تقرير حديث صدر يوم الثلاثاء، عن تطورات لافتة في المفاوضات الجارية بين بغداد وباريس بشأن صفقة محتملة لشراء مقاتلات رافال الفرنسية من الجيل المتقدم F4.
ووفقاً للمصادر، فإن المحادثات بين الجانبين تشهد تقدماً ملحوظاً، رغم عدم صدور إعلان رسمي حتى الآن، ما يعكس طبيعة التعقيدات السياسية والدبلوماسية المرتبطة بمثل هذه الصفقات الاستراتيجية.
ويأتي اهتمام العراق بهذه الطائرات المتقدمة نتيجة لعدة عوامل، أبرزها التدهور المستمر في جاهزية أسطوله من طائرات F-16 الأميركية، وذلك في أعقاب توتر العلاقات مع واشنطن وانسحاب متعهدي الصيانة الأميركيين، الأمر الذي ترك فجوة كبيرة في القدرات القتالية لسلاح الجو العراقي.
وفي محاولة لسد هذه الفجوة، بدأ العراق منذ أواخر عام 2020 في استكشاف بدائل أوروبية وآسيوية، شملت زيارة وفود عسكرية رفيعة إلى فرنسا، وطرح إمكانية شراء طائرات JF-17 من باكستان، قبل أن تشير تقارير إلى إلغاء الصفقة الباكستانية، مما مهد الطريق لتركيز الجهود نحو رافال.
وبحسب ما ورد، فإن الصفقة تشمل شراء 12 طائرة مقاتلة، مزودة بحزمة متكاملة من الذخائر والصيانة والتدريب، بكلفة تقارب 3 مليارات دولار، يُسدد جزء منها عبر شحنات نفطية إلى فرنسا في إطار ترتيبات "النفط مقابل المعدات".
كما تؤكد التقارير أن العراق يصرّ على الحصول على التكوين الكامل للطائرات، بما في ذلك صواريخ "ميتيور" جو-جو بعيدة المدى، رغم محاولات دبلوماسية ـ يُعتقد أن مصدرها إسرائيل ـ للحد من نقل هذه الذخائر المتقدمة.
وتشير هذه التطورات إلى تحول استراتيجي في سياسة العراق الدفاعية، وسعيه الحثيث نحو تنويع مصادر التسليح بعيداً عن الاعتماد الأحادي على الولايات المتحدة، في ظل بيئة إقليمية متقلبة وتحديات أمنية متنامية. فهل ستُتوَّج هذه المحادثات باتفاق نهائي يعيد رسم ملامح القوة الجوية العراقية؟
رافال دون "ميتيور" تقلق بغداد
وأبدى العراق في وقت سابق، اهتمامه بالحصول على 12 طائرة مقاتلة من طراز "داسو رافال" الفرنسية متعددة المهام لمهام الدفاعات الجوية، إلا أنه وفقًا لتقارير، هذه الطائرات لن تأتي مزودة بصواريخ جو-جو بعيدة المدى من طراز "ميتيور"، مما يقلل من فائدتها الإجمالية كمقاتلات تفوق جوي لبغداد، بحسب ما أوردته مجلة فوربس الأمريكية.
ونشرت صحيفة "لا تريبيون" المالية الفرنسية تقريرًا عن اهتمام العراق المستمر بطائرات رافال في 18 أكتوبر، وظهرت تقارير عن اهتمام العراق بشراء 14 من هذه المقاتلات لأول مرة في أوائل عام 2022، وكرر التقرير الأخير أن بغداد ستستخدم النفط بدلاً من العملة الأجنبية لدفع ثمن الطائرات، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة الصفقة حوالي 3 مليارات دولار، وقد قام العراق بالفعل بدفع 240 مليون دولار مقدمًا.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن العراق قد اشترى بالفعل رادارات “Thales Ground Master 403” ورادار “GM200” الفرنسيين، لكنه لم يطلب في النهاية نظام الدفاع الجوي SAMP/T، واختار بدلًا منه نظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي متوسط المدى KM-SAM.
ووفقًا للتقرير، كان العراق مهتمًا للغاية بمنظومة SAMP/T، لكن أوقات التسليم المعروضة اعتبرت طويلة جدًا، ولم يكن لدى فرنسا أنظمة يمكن أن تعيرها للعراق في الوقت الحالي.
وقد أعلنت بغداد في أوائل أيلول/2024 عن طلبية شراء 14 طائرة هليكوبتر للنقل التكتيكي بعيد المدى من طراز “إيرباص H225M كاراكال” من فرنسا، ومن المرجح أن تحل محل طائراتها الروسية من طراز M-17 التي أصبحت غير موثوقة بشكل مزمن منذ بداية الحرب الأوكرانية الحالية.
وعلى الصعيد الميداني، أشارت صحيفة “لا تريبيون” إلى أن فرنسا أرسلت أيضًا وفدًا رفيع المستوى إلى العراق لإبرام طلبية شراء مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طراز "القيصر".
أبرز ما ورد في تقرير صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية، هو أن العراق لن يتمكن من الحصول على صواريخ "ميتيور" مع طائرات "رافال"، وهو ما يقلص بشكل ملحوظ من القدرات الجوية الاستثنائية لهذه المقاتلات المتطورة من الجيل الرابع ونصف.
ضغوط صهيونية تعرقل الصفقة
عندما زودت الولايات المتحدة العراق بطائرات إف-16، وتحديدًا النسخة إف-16 آي كيو بلوك 52، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت تفتقر بشكل واضح إلى صواريخ إيه آي إم-120 ولم تأت إلا بصواريخ إيه آي إم-7 سبارو العتيقة نسبيًا
وتشير مصادر مطلعة، الى أن "الكيان الإسرائيلي الذي استخدمت طائراته المجال الجوي العراقي هذا العام للاعتداء على الجمهورية الإسلامية في إيران، مارس ضغوطًا على فرنسا لمنع تزويد العراق بهذه الصواريخ المتقدمة.
هذا الأمر ليس مستغربًا أو غير مسبوق، إنه تذكير آخر، كما هو الحال مع مصر، بأن القوى الغربية تتردد في بيع صواريخ جو-جو الأكثر تطورًا للعراق، في المقابل، لا تجد هذه الدول حرجًا في بيع هذه الصواريخ إلى تركيا أو دول الخليج.
فعلى سبيل المثال، أعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية في 11 أكتوبر عن بيع 220 صاروخ جو-جو من طراز AIM-9X بلوك 2 إلى السعودية، وذلك بعد موافقتها في عام 2021 على بيع 280 صاروخ AIM-120C. كذلك، تضمنت صفقة تركيا الأخيرة لمقاتلات F-16 بلوك 70، شراء 952 صاروخ AIM-120C و401 صاروخ AIM-9X بلوك II.
وعندما زودت الولايات المتحدة العراق بطائرات إف-16، وتحديدًا النسخة إف-16 آي كيو بلوك 52، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت تفتقر بشكل واضح إلى صواريخ إيه آي إم-120 ولم تأت إلا بصواريخ إيه آي إم-7 سبارو العتيقة نسبيًا.
وأصبحت هذه الصواريخ متوسطة المدى غير موثوقة بشكل متزايد بسبب أجهزة التوجيه المعطلة التي يفتقر العراق إلى قطع الغيار اللازمة لإصلاحها. ونتيجة لذلك، تدهورت قدرة القوات الجوية العراقية المحدودة بالفعل على الاشتباك الجوي بشكل أكبر.
ولتصحيح هذا الوضع، نظرت الولايات المتحدة في طلب استبدال صواريخ إيه آي إم-7 بصواريخ إيه آي إم-120 العام الماضي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت أي صفقة ستتم في النهاية أو أي نسخة من إيه آي إم-120 التي ستنقلها للعراق.
منذ إعلان صفقة الرافال العراقية قبل أكثر من عامين، كان واضحًا أن العراق يسعى لاستخدام هذه المقاتلات في الدفاع الجوي وليس للهجوم الأرضي، وبفضل هذه الطائرات والرادارات الفرنسية، سيكون العراق قادرًا على تعزيز مراقبة أجوائه التي تعاني من انتهاكات مستمرة لعقود.
وعلى الرغم من أن طائرات "رافال" المزودة بصواريخ "ميكا" ستثبت فعاليتها في مهام المراقبة الجوية، إلا أن غياب صواريخ "ميتيور" سيبقى عائقًا أمام تحقيق كامل قدراتها، وربما يجعلها أكثر عرضة للمقاتلات المعادية المزودة بصواريخ بعيدة المدى.
تعزيز الشراكة الدفاعية مع فرنسا
وفي سياق متصل، تؤكد الوقائع أن صفقة مقاتلات "رافال" ليست سوى واحدة من سلسلة صفقات تسليح متقدمة أبرمها العراق مع فرنسا، فقد أعلنت وزارة الدفاع العراقية، الأربعاء، عن تسلّم طائرتين فرنسيتين من طراز "إيرباص H225M كاراكال" كدفعة أولى ضمن عقد مبرم بين بغداد وباريس، يهدف إلى تزويد قيادة طيران الجيش بطائرات نقل تكتيكي بعيدة المدى.
وزير الدفاع العراقي، ثابت محمد سعيد العباسي، أكد في بيان رسمي عمق الشراكة بين العراق وفرنسا، مشيرًا إلى أن الطائرات ستدخل الخدمة في حزيران المقبل تزامنًا مع ذكرى تأسيس قيادة طيران الجيش، وأن استلامها سيتم تباعًا بعد إتمام عمليات التصنيع.
وتُعد طائرات "كاراكال" من بين الأفضل عالميًا في فئتها، حيث تتميز بقدرتها على تنفيذ مهام متعددة في ظروف جوية صعبة وتضاريس متنوعة، مما يعزز قدرات طيران الجيش العراقي في العمليات القتالية والمساندة.
كما أجرى وزير الدفاع جولة استطلاعية بإحدى الطائرتين بقيادة طيارين عراقيين، أثنى خلالها على كفاءة الكوادر العراقية وسرعة تأهيلهم على تشغيل هذه المنظومة الحديثة.
تأتي هذه التطورات لتعكس توجّهًا عراقيًا واضحًا نحو توسيع التعاون العسكري مع باريس، في إطار سياسة تنويع مصادر التسليح وتقليل الاعتماد على الشركاء التقليديين، وهو ما يُنتظر أن يُعيد تشكيل ملامح القوة الجوية العراقية في السنوات المقبلة.