الدبلوماسي الهادئ في قلب العاصفة.. عباس عراقجي قائد الدبلوماسية الإيرانية يتصدر جولة المفاوضات الجديدة مع واشنطن

انفوبلس/..
في لحظة حرجة من تاريخ المنطقة، وبينما تتعاظم التحديات وتتزاحم الملفات الشائكة على طاولة الدبلوماسية، يبرز اسم سيد عباس عراقجي، كواحد من ألمع العقول الإيرانية في ميدان السياسة الخارجية، ورمز من رموز الدبلوماسية الهادئة والصلبة في آن واحد. هو “سيد المفاوضات” بحق، الذي لا يخطو خطوة إلا بثبات، ولا ينطق إلا بلغة المصالح العليا، الممزوجة بالحكمة والتجربة العميقة.
من قلب المدرسة الدبلوماسية الإيرانية، تخرج عباس عراقجي ليكون مهندسا بارعا لجولات التفاوض، وصانعًا ماهرًا للخطاب السياسي الرصين. فهو شخصية لا يساوم على الثوابت، ولا يرهقه الضغط، ولا يفلّ من عزيمته طول المباحثات.
اليوم، يعود عباس عراقجي ليقود المفاوضات الإيرانية غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في جولة جديدة انطلقت أولى مراحلها، وسط ترقّب إقليمي ودولي واسع. وبقيادته لهذه الجولة، تستعيد الدبلوماسية الإيرانية روحها الثابتة، وتعيد التأكيد أن المفاوض الإيراني، حين يمثل بلاده، يفعل ذلك بوقار الدولة، وبإرث الثورة، وبإدراك عميق لتوازنات القوة والمصالح.
*القيادة بيد عراقجي
يقود وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي المحادثات في عمان اليوم السبت، مع الوفد الامريكي الذي يرأسه المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف.
إذ يواجه هذا الدبلوماسي المخضرم، الذي يوصف بـ “سيد المفاوضات”، أحد أكثر التحديات في مسيرته المهنية عبر قيادة المحادثات مع الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
رغم خبرته الطويلة لن تكون هذه المباحثات نزهة بالنسبة لعراقجي، وهو سليل عائلة من تجار أصفهان انضم إلى الثورة الإسلامية عام 1979 عندما كان شابا يافعا وقاتل في الحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن العشرين قبل أن يبدأ مسيرته الدبلوماسية، وفق ما جاء بالنص لتقرير نشرته رويترز.
*رسالة عراقجي
وفي خطوة دبلوماسية جديدة تسبق استئناف المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أبلغ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي نظيره العُماني بدر بن حمد البوسعيدي بمضامين الموقف الإيراني ومحاور الحوار المزمع، بهدف نقلها إلى الجانب الأمريكي عبر الوساطة العُمانية.
وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، اليوم السبت (12 نيسان 2025)، أن “الرسائل التي سلّمها عراقجي إلى الوزير العُماني تحمل مضامين سياسية بالغة الأهمية”، في إطار جولة جديدة من المحادثات التي تستضيفها العاصمة مسقط.
وأكد أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تزال ملتزمة بمبدأ الحوار لحل الخلافات، لكنها تشدد في الوقت ذاته على ثوابتها الوطنية، وعلى رأسها الرفع الكامل للعقوبات وضمان عدم تكرار السياسات الأمريكية السابقة”.
وقد وصل عراقجي، رئيس الفريق الإيراني المفاوض، إلى مسقط على رأس وفد رسمي، حيث التقى فور وصوله وزير الخارجية العُماني، وبحث الجانبان آخر التطورات الإقليمية والدولية، إلى جانب ترتيبات بدء المحادثات النووية غير المباشرة مع واشنطن.
وخلال اللقاء، أشاد عراقجي بالعلاقات التاريخية التي تربط إيران بعُمان، مثمناً دور السلطنة المتوازن في القضايا الإقليمية، واعتبر استضافتها للحوار الحالي “تأكيداً على نهجها البنّاء والمسؤول”.
من جانبه، عبّر الوزير العُماني عن ترحيبه بزيارة نظيره الإيراني، مشيداً بمتانة العلاقات بين البلدين، ومؤكداً أن اختيار مسقط لاستضافة هذه الجولة الحساسة يعكس الثقة التي تحظى بها سلطنة عُمان من جميع الأطراف.
كما أطلع البوسعيدي نظيره الإيراني على التحضيرات الجارية لبدء المحادثات، والتي تُجرى وسط أجواء من الترقب والحذر، في ظل الشكوك حول فرص تحقيق اختراق حقيقي في ظل استمرار الخلافات الجوهرية بين طهران وواشنطن.
*الشخص المناسب
ورغم ضعف التفاؤل في طهران بشأن إحراز تقدم في المحادثات، فإن المؤسسة السياسية تبدو واثقة من قدرة عراقجي على اللعب بأوراق إيران بـ “حنكة ودهاء”.
وفي السياق، قال المحلل السياسي سعيد ليلاز المقيم في طهران “عراقجي هو الشخص المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب”.
كما رأى أنه “أحد أقوى وزراء الخارجية في تاريخ إيران، ويمنحه الزعيم الأعلى صلاحيات كاملة، ويتمتع بدراية عميقة بجميع جوانب القضية النووية”، بحسب التقرير.
*“سمعة طيبة”
كذلك، وصف دبلوماسيون غربيون شاركوا في المحادثات بين إيران وست قوى عالمية في 2015، عراقجي بأنه “دبلوماسي جاد وصريح يتمتع بالكفاءة والمعرفة الفنية”.
ووقع اختيار الرئيس مسعود بزشكيان على عراقجي ليكون وزيرا للخارجية العام الماضي، بعدما اكتسب الرجل دمث الأخلاق سمعة طيبة باعتباره “سيد المفاوضات” الصعبة عندما اضطلع بدور رئيسي في المحادثات التي أسفرت عن إبرام الاتفاق النووي في عام 2015.
إلى ذلك، لعب عراقجي أيضا دورا محوريا في محادثات غير مباشرة سعت لإحياء الاتفاق خلال ولاية الرئيس الامريكي السابق جو بايدن (2021-2025)، لكنها باءت بالفشل.
ثم عُيّن لاحقا في منصب الأمين العام للمجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية، وهو هيئة مهمة تقدم المشورة لقائد الثورة الإسلامية سماحة السيد علي خامنئي، مما أدخله إلى الدائرة المقربة لمن له القول الفصل في شؤون البلاد.
*“عليم ببواطن الأمور”
وكان عراقجي المولود في طهران عام 1962 لأسرة ثرية تمتهن التجارة انضم للحرس الثوري بين 1980 و1988.
لكن بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، انضم لوزارة الخارجية في 1989 وأصبح سفيرا لبلاده لدى فنلندا من 1999 إلى 2003 ولدى اليابان من 2007 إلى 2011 قبل أن يصبح المتحدث باسم وزارة الخارجية في 2013.
ثم حصل على درجة الدكتوراه في السياسة من جامعة كنت البريطانية وعُيّن نائبا لوزير الخارجية في 2013.
إلى ذلك، أكد مسؤول إيراني كبير أن الرجل "عليم ببواطن الأمور السياسية ووثيق الصلة بالسيد الخامنئي، وتربطه علاقات جيدة بقائد الثورة وبالحرس الثوري وبكل الأطراف السياسية في البلاد”.
*الوظائف والمسؤوليات
في بداية مشواره الدبلوماسي، شغل عباس عراقجي -الذي يتقن اللغتين الإنجليزية والعربية– منصب القائم بأعمال البعثة الإيرانية الدائمة لدى منظمة التعاون الإسلامي عام 1994.
وفي عام 1999 عُيّن سفيرا لبلاده في فنلندا وإستونيا بشكل متزامن، ومكث في منصبه حتى عام 2003، وبعد عودته إلى طهران ترأس الدائرة الأولى لأوروبا الغربية في الخارجية لفترة عام تقريبا، ثم تقلّد رئاسة كلية العلاقات الدولية، وبقي في منصبه حتى عام 2005.
وبعد تولي منوشهر متكي وزارة الخارجية عام 2005، عُيّن عراقجي مساعداً له في الشؤون القانونية والدولية، وكان علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك، مسؤولا عن المفاوضات النووية، فشارك عراقجي في فريق بلاده التفاوضي ممثلا قانونيا عن وزارة الخارجية.
وفي عام 2007 تم تعيينه سفيرا لطهران في طوكيو لفترة 4 أعوام، وبعد عودته من اليابان عام 2011 انتقل إلى مديرية شؤون آسيا في خارجية بلاده.
وفي أواخر حقبة الرئيس المحافظ الأسبق محمود أحمدي نجاد تم تعيين عراقجي في مايو/أيار 2013 متحدثا باسم الخارجية خلفاً لرامين مهمانبرست لفترة لم تتجاوز 4 أشهر، ثم عينه وزير الخارجية الجديد محمد جواد ظريف نائبًا له للشؤون القانونية والدولية حتى عام 2017.
وخلال الولاية الثانية من رئاسة حسن روحاني للبلاد وتولي ظريف وزارة الخارجية، عُين عراقجي عام 2017 مساعدا للشؤون السياسية، ومكث في منصبه حتى 2021، واستقال من منصبه عقب فوز الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت عام 2021.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 عينه رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية كمال خرازي، أميناً للمجلس، ومكث في هذا المنصب حتى 21 أغسطس/آب 2024 حيث حصل على ثقة البرلمان الإيراني بعد ترشيحه من قبل الرئيس بزشكيان لتولي حقيبة الخارجية.
*المفاوضات النووية
عقب فوز روحاني في رئاسيات 2013، عين وزير الخارجية محمد جواد ظريف عباس عراقجي مساعداً له في الشؤون القانونية والدولية، فصار ثاني أكبر المسؤولين نفوذاً في وزارة الخارجية، حتى قاد فريق بلاده في المفاوضات النووية.
وبعد مفاوضات شاقة استمرت حوالي 18 شهرا، توصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقوى المجموعة السداسية يوم الثاني من أبريل/نيسان 2015 في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطار لحل ملف البرنامج النووي الإيراني.