الكيان المحتل يحذو حذو واشنطن ويقلّدها بالتكتّم على العدد الحقيقي للقتلى
انفوبلس..
بتاريخ طويل من التضليل الإعلامي الممارَس من قبل القوات الأمريكية حول مدى خسائرها وأعداد ضحاياها، سار حليفها في الشرق الأوسط الكيان الصهيوني على نفس النهج منذ عقود، ولكن مع حدوث طوفان الأقصى اتَّبعَ الكيان المحتل هذا الأسلوب بشكل فاضح وبمبالغات كبيرة.
محللون سياسيون اتفقوا على أن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي أن عدد مصابيه خلال الحرب بلغ ألفاً من ضباطه وجنوده، لا يمثل الحصيلة الحقيقية التي يرون أنها أكثر من ذلك بكثير، مؤكدين أن حالة التكتم على المعلومات في هذه الحرب غير مسبوقة.
وبالتزامن مع تصريحات لرئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، أقرَّ فيها بفشل الجيش والاستخبارات في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، اعترف "الجيش" بعد أكثر من 50 يوماً من بداية الحرب، أن 1000 من ضباطه وجنوده أُصيبوا بجروح مختلفة خلال أيامها، منهم 202 جراحهم خطيرة.
وجاء هذا الإعلان بعد أيام من تصريحات لرئيس جمعية المعاقين في جيش الاحتلال، قال فيها إن الحرب على غزة خلّفت 1600 معاق، معرباً في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي، عن توقعه أن تكشف الأيام التالية عن آلاف آخرين يعانون من اضطرابات نفسية جراء أهوال الحرب.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، قال إن هذه الحرب من بين مواجهات الاحتلال عبر تاريخه، شهدت أشد حالات التكتم ومنع وصول المعلومات للشعب الإسرائيلي، سواء من حيث مجريات العمليات العسكرية أو الخسائر المترتبة عليها.
وأرجع مصطفى ذلك إلى محاولة القيادة السياسية والعسكرية الحفاظ على الحالة المعنوية لدى الشارع وبقاء الدعم والثقة في الجيش والتي تخلخلت بشكل واضح بعد الإخفاق في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث ضُربت الثقة التاريخية بين المجتمع والمؤسسة العسكرية، حسب تعبيره.
ولفت في هذا السياق إلى أن الإعلام الإسرائيلي ظهر في صورة متواطئة بشكل فج مع الرواية الرسمية، وتبنيه لإعلانات الناطق باسم الجيش الذي ثبُت كذبه أكثر من مرة، واعتماده على معلومات غير دقيقة، كما تجنب ذلك الإعلام مواجهته بأسئلة حقيقية وموضوعية حول ما يجري في غزة.
بدوره، قال اللواء فايز الدويري، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن الأرقام التي أعلنها الاحتلال الإسرائيلي لا تمثل الحقيقة ولا نصفها، معرباً عن قناعته أن خسائره أكثر من ذلك بكثير استناداً لمعطيات أبرزها ما كشفه أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ووثّقه بمقاطع مصورة لم تُغطِّ جميع المواجهات.
وضمن تلك المعطيات التي اعتمد عليها الدويري في التشكيك بالرواية الإسرائيلية، تصريحات صحفيين من داخل الأراضي المحتلة، تحدث بعضها عن سقوط أكثر من ألفي قتيل إسرائيلي و11 ألف جريح، دون الحديث عن المصابين بآثار الصدمة النفسية للحرب، حسب قوله.
ويعارض الدويري تحليلات إسرائيلية ترى أن فترة الهدنة وصور الإفراج عن المحتجزين لدى حماس من شأنها أن ترفع الروح المعنوية لدى الجنود الإسرائيليين مما سيعزز من أدائهم في حال استمر القتال، مرجعاً ذلك إلى عدم تحقيق أي هدف عسكري على الأرض وأن المتجزين لم يُفرَج عنهم بعملية عسكرية وإنما بهدنة وتفاوض.
أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور خليل العناني، يرى أن الإدارة الأميركية باتت على قناعة تامة بأنه من الصعب أن تحقق إسرائيل هدفها الرئيسي المعلن وهو التخلص من حماس، وكذلك صعوبة إطلاق الرهائن عبر عملية عسكرية، لذلك تضغط من أجل الدخول في مفاوضات لإطلاق سراح باقي الرهائن.
ولفت إلى أن الإعلام الأميركي بدأ الحديث مؤخرا عن إمكانية الانتقال من هدنة مؤقتة لأخرى دائمة ثم لوقف إطلاق نار كامل، وهو تحول كبير في الخطاب، مشيرا إلى وجود إدراك أميركي يتخوف من تحول الحرب لصراع مفتوح إقليميا في حال طال أمدها أكثر.
ويرجح العناني وجود مراجعة أميركية داخلية غير معلنة فيما يتعلق بالبحث عن مخرج من هذه الأزمة تقوم على أمرين، أحدهما حفظ ماء وجه إسرائيل معها، والآخر الحيلولة دون منح حركة حماس نشوة الانتصار.
لكنه يرى في ذات الوقت أنه لم يتم التوصل بعد لرؤية أميركية واضحة تتعلق بالوضع في غزة لما بعد الحرب، والترتيبات الأمنية اللازمة حينها، والتي من الممكن أن تكون في إطار إيجاد منطقة أمنية وتواجد قوات دولية كقوات اليونيفيل في جنوب لبنان.
نبذة عن تاريخ الخسائر الأمريكية
في الوقت الذي تتحامى فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بظهر الولايات المتحدة الأمريكية؛ خوفاً مما قد يجنيه المقاتلون الفلسطينيون من عملية طوفان الأقصى، يتبادر إلى الأذهان الخسائر الكبيرة التي تلقتها القوات الأمريكية خلال محاولاتها السابقة التدخل في الشرق الأوسط، وحتى مع تزييفها للحقيقة وذكرها لأعداد ضحايا أقل بكثير من العدد الحقيقي إلا أنها تشكل لحظات فارقة بالوجود الأمريكي في المنطقة.
تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حافل بالعديد من التدخلات في صراعات الشرق الأوسط، والتي تكبدت في معظمها خسائر منها تفجيرا بيروت 1983 اللذان استهدفا المارينز الأمريكي.
في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1983، انفجرت شاحنتان مفخختان قرب عدّة مبانٍ في العاصمة اللبنانية بيروت، كانتا تؤويان جنوداً أمريكيين وفرنسيين من القوة المتعددة الجنسيات في لبنان (MNF)، ما أسفر عن مقتل 241 عسكرياً من قوات البحرية الأمريكية (المارينز)، و58 عسكرياً فرنسياً، إضافة إلى 6 مدنيين.
وكانت القوة المتعددة الجنسيات تتواجد في لبنان آنذاك بموجب قرار من الأمم المتحدة من أجل حفظ السلام خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي تفاصيل الحادثة، قام شخص انتحاري بتفجير شاحنة مفخخة في المبنى الذي كان بمثابة ثكنة للكتيبة الأولى من مشاة البحرية الثامنة الأمريكية (كتيبة الإنزال – BLT 1/8) من الفرقة البحرية الثانية، ما أسفر عن مقتل 220 من مشاة البحرية (المارينز) و18 بحاراً و3 جنود، بينما أصيب 128 جندياً أمريكياً آخر في الانفجار توفي 13 منهم لاحقاً متأثرين بإصابتهم.
وقدرت المتفجرات المستخدمة في التفجير الأول بما يعادل 9500 كيلوغرام من مادة TNT المتفجرة.
واعتبر هذا الاستهداف حينها هو أكبر استهداف من ناحية عدد القتلى في يوم واحد من قوات المارينز الأمريكية منذ معركة "أيو جيما" خلال الحرب العالمية الثانية مع اليابان.
وبعد دقائق من التفجير الأول، هز تفجير ثانٍ مبنى "دراكار" الذي تعسكر فيه القوات الفرنسية، ما قتل 55 مظلياً من الفرنسيين.
وحينها أعلنت "الجهاد الإسلامي" مسؤوليتها عن التفجيرات، وقالت إن الهدف كان إخراج القوة متعددة الجنسيات من لبنان.
في حين لا يزال برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يعرض حتى يومنا هذا مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول التفجير.
تفجير المدمرة يو إس إس كول (USS Cole) في اليمن
في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2000، تعرضت المدمرة البحرية الأمريكية USS Cole التي كانت ترسو في ميناء عدن في اليمن إلى تفجير انتحاري أدى لمقتل 17 عسكرياً أمريكياً.
وفي تفاصيل الحادثة، كانت المدمرة الأمريكية ترسو في ميناء مدينة عدن اليمنية، من أجل التزود بالوقود، ولكنها تفاجأت بانتحاريين يمنيين يقودان زورقاً صغيراً محملاً بنحو 225 كيلوغراماً من المواد شديدة الانفجار، اصطدما بالمدمرة الأمريكية وتسببا بفجوة كبيرة قدر طولها بنحو 12 متراً في جانب السفينة الحربية ليقتل 17 جندياً ويصاب 39 آخرون.
فيما بعد تم الكشف عن أن منفّذي العملية هما اليمنيان "إبراهيم الثور وعبد الله المساواة" اللذان يعتقد أنهما عضوان في تنظيم القاعدة.
وفي عام 2019، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن طائرات أمريكية استطاعت قتل "جمال البدوي"، الذي يُعتقد أنه أحد مخططي العملية، بينما يقبع المتهم الرئيسي بالتخطيط للهجوم، ويدعى عبد الرحيم الناشري وهو من مواليد السعودية، في معتقل أمريكي في خليج غوانتانامو.
غزو العراق
في 20 مارس/آذار من عام 2003، غزت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها العراق من أجل الإطاحة بنظام صدام حسين، متذرعة بحجة أنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ويشكل تهديداً للسلام الدولي، لكن معظم الدول رفضت دعم العمل العسكري ضد العراق.
وبحسب BBC البريطانية، فإنّ الغزو الذي استمر 8 سنوات و8 أشهر و28 يوماً كلف الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب اعترافات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، نحو 4487 جندياً أمريكياً، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا 32000 جندي، فيما تذكر مصادر أخرى أن الأرقام تتجاوز ما أعلنت عنه واشنطن بكثير.
وفقدت بريطانيا 179 من عسكرييها، من رجال ونساء في العراق، قضى منهم 136 خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما قُتل 139 عنصراً من قوات الدول الأخرى المشاركة بالتحالف الدولي، حسب موقع آي كاجولتيز (icasualties).
بينما قدَّرت وحدة البحوث في الكونغرس الأمريكي، أن تكون الولايات المتحدة قد أنفقت 802 مليار دولار أمريكي على تمويل الحرب على العراق.
اعتراف "اسرائيلي"
وبالعودة على خسائر الكيان الاسرائيلي الأخيرة، اعترف صحفي إسرائيلي بصعوبة الحديث عن الأعداد الحقيقية لقتلى جيش الاحتلال وجرحاه على يد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وقال مراسل “القناة 12” العبرية إنه يعترف بأنه لا يستطيع الحديث عن أعداد الجنود الإسرائيليين المتواجدين في مستشفى برزيلاي في عسقلان، أو أعداد الذين يُقتلون أو يُجرحون، وذلك بسبب الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وفق موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.