اليمن يُربك الحسابات الغربية.. خشية إسرائيلية أمريكية من تسرب تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية إلى صنعاء.. البحر الأحمر قد يكون ساحة حرب ممتدة

انفوبلس/..
لم يعد اليمن مجرد بلد يعاني ويلات الحرب منذ سنوات، بل تحوّل في الشهور الأخيرة إلى هاجس استراتيجي متصاعد لدى العواصم الغربية، خصوصًا واشنطن وتل أبيب، في ظل مخاوف جدية من تغيّر موازين القوى في المنطقة، بعد مخاوف من احتمال تسرب تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية الحديثة إلى الأراضي اليمنية، وتحديدًا إلى قبضة أنصار الله (الحوثيين).
وجاءت هذه التحذيرات على خلفية الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة، التي فجّرت تطورات غير مسبوقة على مستوى الجبهة الشمالية لإسرائيل، وأعادت تشكيل معادلات الردع التقليدية. لكن ما لم تكن تل أبيب مستعدة له تمامًا، هو أن ينفتح الباب الخلفي لها من جهة البحر الأحمر، حيث يقف اليمن على خط تماس جديد وفعّال، يهدّد حركة الملاحة الدولية، ويكسر احتكار إسرائيل لزمام المبادرة العسكرية.
*بعد الحرب.. هل ينفجر البحر الأحمر؟
مع اندلاع المواجهة بين إسرائيل وإيران، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام احتمال اتساع رقعة الحرب لتشمل “الوكلاء” الإقليميَّين لطهران، وفي مقدمتهم أنصار الله في اليمن. ورغم أن صنعاء لم تدخل رسميًا في المعركة، إلا أن واشنطن تابعت بقلق بالغ ما يمكن أن تفعله الحركة إذا ما قررت تفعيل وحداتها الصاروخية، أو تهديد الملاحة في مضيق باب المندب.
وفي حين حرصت طهران على إبقاء المواجهة مع إسرائيل ضمن حدود “الضربة والرد”، فإن المخاوف الغربية كانت تتمحور حول نقطة واحدة: ماذا لو نقلت إيران بعض تقنياتها الصاروخية التي استُخدمت ضد إسرائيل إلى اليمن؟ وما الذي يمكن أن تفعله “أنصار الله” بهذه التقنيات المتقدمة؟
وتبدو المخاوف الأميركية مفهومة في ظل الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، الذي تمر عبره نحو 10% من التجارة العالمية، وتشكل المضائق اليمنية أحد المفاتيح الحاسمة للتحكم به. وأي انفجار عسكري من صنعاء في هذا الاتجاه، يعني شللاً اقتصادياً عالمياً في المدى القصير، وتحوّلاً جيوسياسياً في المدى البعيد.
بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لم تتأخر تل أبيب في توجيه رسائل تحذيرية شديدة اللهجة إلى اليمن، على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال صراحة: “من يقترب من خطوطنا الحمر سيتلقى ضربة لا ينسى آثارها. وسنفعل مع الحوثيين ما فعلناه مع إيران”. لكن هذه التهديدات، رغم صراحتها، عكست ارتباكًا إسرائيليًا أكثر مما أظهرت قوة. فالاستخبارات الإسرائيلية، بحسب تقارير عبرية، تفتقر إلى معلومات دقيقة عن مواقع الصواريخ اليمنية، وتعجز عن تحديد بنك أهداف فعال لضربه، خاصة أن البنية التسليحية لـ”أنصار الله” تعتمد بشكل أساسي على منشآت تحت الأرض، يصعب رصدها حتى بالطائرات الشبحية المتقدمة مثل B-2.
كما أن طبيعة التضاريس اليمنية الجبلية تمنح المقاتلين ميزة جغرافية في مواجهة أي هجوم خارجي، وهو ما ظهر جليًا خلال الحرب الطويلة التي شنّها التحالف السعودي – الإماراتي وفشل في حسمها.
*التكنولوجيا الإيرانية في طريقها إلى اليمن؟
المخاوف الإسرائيلية لم تكن بمعزل عن تقارير استخبارية غربية رجّحت أن تكون إيران قد بدأت فعليًا بتوسيع دوائر دعمها التكنولوجي لـ”أنصار الله”، بما يشمل صواريخ دقيقة التوجيه، ومسيرات متقدمة، وأنظمة اتصالات عسكرية معقدة، تم استخدامها مؤخرًا في المعارك ضد إسرائيل.
وفي هذا السياق، اتهمت الحكومة اليمنية الموالية للتحالف العربي، على لسان وزير إعلامها معمر الإرياني، إيران بمحاولة إنشاء مصانع عسكرية في صعدة وحجة، تشمل إنتاج صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار، وهو ما “سيهدد طرق الشحن العالمية” وفق قوله.
وبينما لم تؤكد إيران رسميًا صحة هذه المعلومات، فإن خطاب قائد “أنصار الله”، عبد الملك الحوثي، كشف جانبًا من التعاون العميق مع طهران، حين قال: “نحن لا ندين العدوان الإسرائيلي على إيران فقط، بل نحن شركاء في الموقف وفي التحدي”.
*اليمن.. “إسرائيل الجديدة” في الحرب غير المتكافئة؟
تتجه الأنظار الأمنية في تل أبيب إلى اليمن ليس فقط كحليف لإيران، بل كنسخة جديدة من التحدي العسكري الذي عجزت عنه إسرائيل في غزة وجنوب لبنان. إذ تشير التقديرات إلى أن جماعة “أنصار الله” باتت تمتلك ترسانة صاروخية قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي عبر البحر الأحمر، وربما من أماكن أخرى مستقبلًا.
هذا التهديد الجديد لا يأتي فقط من نوعية السلاح، بل من عقلية استخدامه. فاليمن، بحسب الباحثة الإسرائيلية عنبال نسيم-لوفتون، قادر على توظيف ثلاث هويات متشابكة: زيدية دينية، قومية مناهضة للاستعمار، وتحالف إقليمي مع إيران.
“وهذه الهويات تمنح الحوثيين قاعدة دعم داخلية وتحالفات خارجية، تعزز شرعيتهم، وتمنحهم قدرة على التحرك الإقليمي بطريقة تشبه حزب الله في لبنان”، تقول الباحثة.
كما أن المجتمع اليمني، بحسب نسيم، أظهر قابلية عالية لدعم الخطاب المقاوم ضد إسرائيل، حتى في أوساط بعيدة عن بيئة “أنصار الله”، وهو ما يجعل من استهداف الجماعة مغامرة محفوفة بالعواقب السياسية والشعبية.
*واشنطن: الخوف من الانفجار الكبير
الولايات المتحدة تدرك جيدًا خطورة انزلاق اليمن إلى حرب مباشرة مع إسرائيل. ولهذا السبب، سارعت واشنطن إلى محاولة إقناع الرياض وأبوظبي بعدم الدفع نحو جبهة جنوبية ضد صنعاء، لأن أي تحرك من هذا النوع قد يؤدي إلى نسف وقف إطلاق النار غير المعلن، وعودة الحوثيين إلى الهجوم في البحر الأحمر.
بل إن مسؤولين أميركيين – بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” – أجروا اتصالات مباشرة مع سلطنة عُمان للعب دور الوسيط مجددًا مع “أنصار الله”، لمنعهم من الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، والتأكيد على أن نقل التكنولوجيا العسكرية الإيرانية إليهم “خط أحمر”.
لكن في المقابل، لا تملك واشنطن الكثير من أدوات الضغط على الحوثيين، خصوصًا في ظل التراجع الأميركي الإقليمي، والنجاحات الميدانية والسياسية التي حققتها الجماعة في الداخل اليمني.
*غارات إسرائيلية في العتمة.. وأثمان باهظة بلا نتائج
تحدثت مصادر عبرية عن تنفيذ إسرائيل لغارات سرية استهدفت مواقع في الحديدة وصعدة خلال فترة الحرب مع إيران، لكن اللافت هو أن هذه الغارات لم تحقق نتائج ميدانية حاسمة، كما لم يتم تبنّيها رسميًا من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويقول المحلل العسكري ألون بن ديفيد، إن “الغارات الإسرائيلية على اليمن مكلفة للغاية، نظرًا للمسافات الطويلة وتكاليف التشغيل، دون أن تُحقق أثرًا رادعًا حقيقيًا”.
وبحسب بن ديفيد، فإن طبيعة عمل الحوثيين “لا مركزية”، ما يجعل استهداف قياداتهم أو مراكز القيادة غير مؤثر فعليًا. كما أن الجماعة أثبتت مرونة عالية في التعامل مع الحصار وضرب الموانئ، حيث لجأت لاستخدام قوارب صغيرة ووسائل بديلة لنقل النفط والوقود.
*البحر الأحمر… ساحة الحرب المقبلة؟
يرى محللون في تل أبيب أن البحر الأحمر سيكون المسرح المقبل للمواجهة غير المتكافئة بين إسرائيل و”أنصار الله”، خصوصًا إذا تمكّن اليمن من تطوير منظومات صاروخية تستطيع استهداف السفن الإسرائيلية أو الأمريكية العابرة.
وتؤكد صحيفة “هآرتس” أن “الجيش الإسرائيلي يتعامل مع هذا الاحتمال بجدية بالغة”، وأن هناك تنسيقًا متزايدًا مع الأسطول الخامس الأميركي لمراقبة التحركات اليمنية، وخاصة ما يتعلق بصناعة المسيرات البحرية والانتحارية.
ولا تخفي واشنطن تخوفها من أن يؤدي هذا التصعيد إلى تعطيل الملاحة العالمية، خاصة في ظل ما يحدث في غزة ولبنان، ما يعني أن اليمن قد يصبح نقطة الانفجار الإقليمي الكبرى، في وقت تبدو فيه إسرائيل غير مستعدة لمواجهة متعددة الجبهات.
*صنعاء تتغير.. والغرب لا يفهمها بعد
الواقع اليوم يشير إلى أن اليمن لم يعد فقط “قنبلة موقوتة”، بل تحول إلى لاعب إقليمي حقيقي يملك أوراق ضغط فعلية على أمن إسرائيل، وعلى شريان الاقتصاد العالمي في البحر الأحمر.
ولعلّ أبرز ما يقلق واشنطن وتل أبيب، ليس فقط ما يمتلكه “أنصار الله” من سلاح، بل ما قد يصبحون قادرين على صناعته بمساعدة إيرانية، في ظل مشهد إقليمي تتراجع فيه الهيمنة الغربية، ويُعاد فيه رسم خرائط التأثير والنفوذ.
ومع أن إسرائيل تُلوّح بالقوة، إلا أن كل المؤشرات تشير إلى أنها تتعامل مع خصم عنيد، متماسك، ومنتشر في تضاريس لا تعرفها طائراتها، وفي بيئة اجتماعية - سياسية لا تفهمها جيدًا. وبين صواريخ اليمن ومسيرات إيران، يبدو أن زمن الردع الأحادي قد انتهى.