تاريخ الوجود "الإسرائيلي" في أربيل.. أسّس له "مئير داغان" بعد 2003 وزار أربيل وبارزاني بنفسه.. كلمة السر: النفط الرخيص واختراق إيران
انفوبلس/..
انتشرت نشاطات الكيان الصهيوني في العراق عبر المدارس والدوائر الاجتماعية في بغداد والموصل منذ عقود وحتى قبل قيام هذا النظام الزائف، وبعد احتلال فلسطين عام 1948، ركز جهاز التجسس الموساد ووكالة المخابرات المركزية الامريكية أنشطتهما في شمال العراق، وهي قضية تعترف بها العديد من الشخصيات الأمريكية البارزة.
منذ ذلك الحين، بدأ الوجود السري لجهاز التجسس الإسرائيلي "الموساد" في العراق ووجوده في الخفاء، وأثناء الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله عام 2003، ازداد نشاط الموساد على الأراضي العراقية، وتعاون العديد من عناصر المخابرات الدولية، بما في ذلك الأمريكيون، بشكل مباشر مع الموساد.
في عام 2003، كان هناك تنسيق كبير بين الموساد ووكالة المخابرات المركزية بشأن التجسس في العراق، وأخذت أشكال أنشطة جهاز التجسس الإسرائيلي في العراق خلال سنوات الاحتلال الأمريكي أشكالا مختلفة ومتنوعة على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي والأمني.
وتضمن عمليات التجسس الإسرائيلي في العراق، مراقبة العمليات الإرهابية في البلد ونقل العناصر الإرهابية إليه بالتنسيق مع أجهزة المخابرات التابعة للدول الخليجية وكذلك أجهزة المخابرات في تركيا ومصر والأردن والولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وإنشاء خلايا تجسس في عموم العراق تحت رعاية منظمات إنسانية أو مجموعات إعلامية.
وحشَّد رئيس الموساد مائير داغان، فريق مراقبة متخصص للتجسس على عدد كبير من الأساتذة والعلماء والخبراء والأطباء والطيارين في العراق، ومن ثم التنسيق مع وحدات الاغتيال المعروفة باسم 121 لتصفيتهم.
واستخدم جهاز التجسس الإسرائيلي 3 محطات رئيسية في إقليم كردستان ومؤخرا في البحرين والمملكة العربية السعودية لتعزيز وجود الموساد في أربيل بالعراق، وعمل على استقطاب شخصيات منتسبة لمنظمات خاصة ومثليين ومن يريدون تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني لتوسيع نشاطاته ونشر ثقافة التطبيع.
لا تقتصر أنشطة الموساد في العراق على دعم الجماعات الإرهابية والصراعات السياسية والطائفية وتفكك العراق، فإضافة إلى ذلك، فإن جهاز استخبارات الموساد له دور مباشر وفعال في مجالات أخرى، مثل توزيع المخدرات، وتهريب الأعضاء البشرية، وسرقة الآثار، وغيرها من الأنشطة غير القانونية في العراق.
جهاز الموساد نقل عددا من الشخصيات من إقليم كردستان العراق الى الأراضي المحتلة لإبرام اتفاقات معينة تخص الشؤون الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولعب النظام الصهيوني وخاصة الموساد دورًا مهمًا خلال احتجاجات 2019 في العراق، وتم استغلال بعض الناشطين وتوجيههم لإهداف معينة ودسّهم في التظاهرات.
ووفقا لسوق النفط العالمي، فإن النفط المسروق من إقليم كردستان العراق يُصدَّر مباشرة إلى فلسطين المحتلة ويصل إلى الصهاينة.
تاريخ التعاون الكردي الإسرائيلي
يعود تاريخ التعاون بين القوات الصهيونية والأكراد في العراق إلى ثلاثينيات القرن الماضي. حيث عيّنت الوكالة اليهودية ممثلاً لها يدعى "روفين شيلواه" مؤسس جهاز استخبارات الموساد في بغداد، ما يدل على أهمية العراق للصهاينة.
ونشر الصحفي الصهيوني وصانع القرار السياسي الإسرائيلي شلومو ناكادمون كتابًا عن التعاون بين النظام الصهيوني وجهاز التجسس الموساد والزعيم الكردي العراقي مصطفى البرزاني، الذي قاد الانتفاضة الكردية ضد الحكومات العراقية من عام 1963 إلى عام 1975. وفقًا للكتاب، لعبت إسرائيل دورًا رئيسيًا في التمرد، ويقر القادة الصهاينة صراحةً بأن أنشطة الموساد في شمال العراق لم تكن لأغراض إنسانية، ولكن لإضعاف العراق وزعزعة استقراره.
استمرت العلاقة بين الموساد وأكراد العراق في عهد مصطفى البارزاني قرابة 12 عامًا، وكان المستشارون العسكريون الإسرائيليون في معسكر مصطفى بارزاني كل هذه السنوات، وكان يتم استبدال الفرق الاستشارية التابعة للنظام الصهيوني كل ثلاثة أشهر، وكان يقود تلك الفرق بشكل دائم عضو كبير في الموساد، إلى جانب ضابط في الجيش الإسرائيلي ومستشار تقني. ساعد المستشارون العسكريون الإسرائيليون بارزاني على تعلم الأساليب الحديثة للحرب وحرضوا الأكراد على الانفصال والحصول على الاستقلال عن الحكومة المركزية العراقية. في الواقع، رأت إسرائيل في الأكراد العراقيين فرصة ثمينة لإضعاف الجيش العراقي.
يقول العالم الصهيوني إدموند جريب في كتابه "القضية الكردية في العراق"، إن السافاك شكلت جهاز استخبارات كردي معقداً في عهد شاه إيران والموساد، كان الهدف هو جمع المعلومات عن الحكومة والشعب في العراق.
وتحدث مسؤول عراقي عن العلاقات الإسرائيلية الكردية قائلا، إن "علاقات إسرائيل مع الأكراد تعززت في التسعينيات بسبب الصراع العنيف بين الأكراد ونظام صدام حسين. في الواقع، استغلت إسرائيل ضعف الأكراد في البيئة العربية داخل العراق وخارجه ودربت قوات البيشمركة".
وتهدف إسرائيل إلى تطوير الصراع العربي لكردي، وهناك مؤشرات عديدة تؤكد وجود عناصر يهودية وصهيونية في كردستان العراق، بل يمكن رؤيتها علناً في شوارع أربيل والسليمانية ودهوك.
خطة الاستيطان شمالي العراق
إضافة إلى ذلك، اتبع مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، نهج والده في الحفاظ على علاقات وثيقة مع النظام الصهيوني. وهذا هو السبب في أن ضباط الجيش الإسرائيلي درّبوا بسهولة أكثر من 130 ألفاً من قوات البيشمركة مقابل المعلومات التي قدمها الأكراد لإسرائيل.
وقال محمود عثمان مستشار مسعود بارزاني، إن "الإسرائيليين طلبوا منا معلومات عن الجيش العراقي وفي الوقت نفسه قدموا لنا معلومات عن تحركات الجيش العراقي". بل إن الإسرائيليين أقاموا مستشفى ميدانيًا في إقليم كردستان لتغطية نشاطاتهم التجسسية.
الصحفي الأمريكي واين مادسن، في تقرير حول النفوذ الإسرائيلي في العراق بالتعاون مع الأكراد، تحدث عن خطة الاستيطان التوسعية للنظام الصهيوني في شمال العراق وأكد أن إسرائيل تسعى للسيطرة على أجزاء من العراق لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" وهي التي تمتد من النيل الى الفرات.
ويتضمن تقرير المؤلف الأمريكي معلومات لم تُنشر من قبل، واستشهد التقرير بمعلومات تتعلق بخطة لنقل اليهود من الأراضي المحتلة إلى مدينتي الموصل ونينوى شمال العراق، وهؤلاء دخلوا العراق في شكل إرساليات دينية وزيارة للأضرحة اليهودية القديمة في العراق.
وحسب التقرير، فإن اليهود الأكراد يشترون أراضي في شمال العراق منذ عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة العراق، والتي يعتبرونها ممتلكات تاريخية يهودية. في الحقيقة، سبب تركيز الصهاينة على هذه الأجزاء من العراق هو أن لدى الإسرائيليين ذريعة للاستيطان في العراق.
لتحقيق ذلك، عملت عناصر الموساد مع الميليشيات المتمردة على مر السنين وشنت مجموعات مرتزقة أخرى هجمات ضد مسيحيين عراقيين وكلدان وآشوريين في الموصل والحمدانية والسليمانية ومناطق كردية أخرى لإجبارهم على الهجرة، ونسبتها إلى جماعات المقاومة لتسهيل توطين يهود إسرائيل في شمال العراق.
اختراق إيران عبر كردستان
وفي عام 1963، ذهب رجال الموساد للالتقاء بالملا مصطفى البارزاني الذي أخذ في التعاون مع إسرائيل، حيث أقامت له محطة بث وقدمت الأموال، ثم فيما بعد أرسلت بعثة عسكرية لتدريب المقاتلين الأكراد، البيشمركة. كانت إسرائيل قد اعتبرت القضية الكردية فرصة ذهبية، وذلك لإضعاف الجيش العراقي. وقد أرسل مصطفى البارزاني في أبريل 1963م، مبعوثًا خاصًا للاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون.
وتطورت العلاقة بإرسال أربعة عسكريين برئاسة المقدم تسودي ساجي في ديسمبر 1965م، لتدريب الأكراد على حرب العصابات والتخريب، وكان الإسرائيليون حريصون على أن يبدو في مظهر الأكراد، فارتدوا الزيّ الكردي. وتعددت الزيارة والتدريب سواء في إسرائيل أو في إيران وكردستان العراق، وزار رئيس الموساد مائير عمت أكثر من مرة كردستان، كانت الثانية في سبتمبر 1966م، كما زارت بعض القيادات الكردية إسرائيل وعلى رأسها مصطفى البارزاني حيث زارها عام 1968م، وكان الإسرائيليون يشجعون البارزاني على إقامة دولة وليس حكمًا ذاتيًا.
إن إٍسرائيل رأت في كردستان العراق هدفًا استراتيجيًا حيويًا، ودعمت فكرة انفصال الأكراد وإقامة علاقة معهم كمنطقة إستراتيجية للتجسس وجمع المعلومات وانفصالها يشكل خطوة لتفكيك العراق إلى دويلات كما تأكد فيما بُعد في استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات التي نُشرت عام 1982م، لتفكيك الدول العربية.
وحتى بعد توقيع اتفاقية الجزائر 1975م، بين إيران والعراق، لإنهاء الخلافات حول شط العرب، وتوقف الدعم الإيراني لأكراد العراق، إلا أن إسرائيل استمرت في دعمها للأكراد واستمر تبادل الزيارات وتقديم الدعم السياسي والعسكري وحتى في المجال الصحي والثقافي للأكراد باعتبار التعامل معهم كنزًا استراتيجيًا لإسرائيل.
وبعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران، أخذت إسرائيل تجد في كردستان أهمية استراتيجية للتجسس واختراق إيران من كردستان العراق، ومن خلال وجودهم في كردستان يمكن التغلغل في إيران والقيام بالاغتيالات، كما أشار الصحفي الأمريكي سيمون هرش في مقالة له في مجلة نيويوركر، بأن عملاء إسرائيليين بينهم عناصر في الموساد ينشطون في كردستان، وأنهم قاموا بعمليات تسلل من هناك داخل إيران للوصول إلى محيط المنشآت النووية فيها، وقد تم اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين كانت أصابع الموساد ظاهرة فيها.
اهداف إسرائيل في كردستان بعد 2003
تعددت أهداف إسرائيل في إقليم كردستان العراق بعد 2003م، فبالإضافة للأهداف الاستراتيجية، فقد ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بأن إسرائيل تستورد 77% من نفطها بأسعار مخفضة من منطقة كردستان العراق 2015م، وقدرت الصحيفة أن قيمة البترول المصدر حوالي مليار دولار، وقامت إسرائيل بإعادة تصدير جزءًا من هذا النفط.
وكشف الصحفي الأمريكي وين مادسن، عن مخطط إسرائيلي لاستيطان العراق، وقد ظهر دور بعض الأكراد في عمليات شراء الأراضي، في منطقة تعتبرها إسرائيل ملكية تاريخية لها وتعطيها طابع القدسية عند اليهود، وحسب الصحفي الأمريكي، فإن المخطط الإسرائيلي يهدف إلى توطين اليهود الأكراد في محل الكلدان والأشوريين. وفي تقرير مفصل أعده مركز دار بابل العراقي للابحاث فإن" التغلغل الإسرائيلي في هذا البلد طال الجوانب السياسية والتجارية والأمنية، وهو مدعوم مباشرة من رجالات مسؤولين من أمثال مسعود البرزاني، جلال الطالباني، كوسرت رسول مدير مخابرات السليمانية، مثال الألوسي، وهو نائب ورجل أعمال، كنعان مكية .." ؟ ويقوم بهذه المخططات كما يقول وين ماديسن، ضباط من جهاز الموساد الإسرائيلي وبعلم القيادات الكردية.
ولم يقتصر الدور الإسرائيلي على التجسس وإدارة الشركات، بل تولى عملية اغتيال العلماء العراقيين، ويكشف تقرير صدر عن مركز المعلومات الأمريكي (2005م)، أن الموساد قام باغتيال 530 عالمًا عراقيًا وأكثر من 200 أستاذ جامعي وشخصيات أكاديمية ما بين 2003-2006م، وتشير معلومات أن الموساد جند 2400 عنصر، إضافة إلى وحدة نخبة سرية أكثر من 200 عنصر مؤهل من قوات البيشمركة من أجل الاجهاز على العلماء وتصفيتهم. وذكر الدكتور إسماعيل جليلي في دراسة له " محنة الأكاديميين العراقيين " أبريل 2006 م، أن الموساد الإسرائيلي شن 307 اعتداء على الأكاديميين والأطباء، وتمكن من اغتيال 74% منهم.
ومن خلال وجودهم في كردستان يمكن التغلغل في إيران والقيام بالاغتيالات، كما أشار الصحفي الأمريكي سيمون هرش في مقالة له في مجلة نيويوركر، بأن عملاء إسرائيليين بينهم عناصر في الموساد ينشطون في كردستان، وأنهم قاموا بعمليات تسلل من هناك داخل إيران للوصول إلى محيط المنشآت النووية فيها، وقد تم اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين كانت أصابع الموساد ظاهرة فيها.