تحديات تنظيم مياه الفرات وسبل إعادة تشغيل خط النفط إلى طرطوس ضمن فرص التعاون الإقليمي بين العراق وسوريا
العراق وسوريا بعد الأسد
انفوبلس/..
تشكل المياه والطاقة محاور رئيسية في العلاقات بين العراق وسوريا، لكن النزاعات والأزمات التي مرّت بها المنطقة في العقود الأخيرة عطّلت الكثير من الخطط التنموية والتعاون الاقتصادي بين البلدين.
وفي ظل التحديات المستمرة، يبرز ملف تنظيم وضع نهر الفرات وسدوده كأحد القضايا الحيوية التي تستدعي التعاون المشترك لضمان الحقوق المائية لكلا البلدين، إضافة إلى النقاشات المتعلقة بإمكانية إعادة تشغيل أنبوب النفط الذي يصل إلى ميناء طرطوس السوري.
ورغم الإمكانيات المتوفرة للتعاون بين العراق وسوريا في مجالات الطاقة والتنمية، فإن الأزمات المتلاحقة والعنف المستمر في المنطقة حالت دون تنفيذ العديد من المشاريع الطموحة التي كان من شأنها أن تعزز العلاقات الاقتصادية وتساهم في استقرار البلدين.
إحياء الخط النفطي
وكانت الحكومة العراقية، قد أكدت في 17 تموز 2023، استعداد العراق لمناقشة سوريا في إعادة إحياء الخط النفطي الرابط بين البلدين وإلى البحر المتوسط.
وقال المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، إن "العراق يبحث عن منافذ جديدة لتصدير النفط العراقي"، مؤكدًا أن "العراق جاهز في أن يناقش مع سوريا ملف إعادة إحياء خط نفط العراق - ميناء بانياس إلى البحر الأبيض المتوسط، في حال تحسن ظروف سوريا، مما سيوفر للعراق أيضا فرصا جديدة لتصدير نفطه وإيصاله بصورة سريعة الى البحر الأبيض المتوسط والدول المُشترية".
وأوضح، إن "لدى سوريا موانئ كبيرة جدا ومعروفة على البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي إذا ما اقتنعت سوريا أن تنضم لخارطة طريق التنمية للربط البري والسكك من موانئها الى المثلث العراقي السوري التركي، فأنا أعتقد هذا أيضا سيوفر موارد مالية كبيرة".
وكان القيادي في تحالف الفتح على الفتلاوي، كشف، في 17 تموز 2023، عن خمسة محاور مهمة في زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى سوريا حينها، فيما أشار الى أن أبرزها يتعلق بخط طرطوس النفطي.
وقال الفتلاوي، إن "خمسة محاور مهمة تضمنتها زيارة السوداني الى سوريا يوم أمس وفي مقدمة هذه المحاور مستقبل خط النفط العراقي- السوري الممتدة الى ميناء طرطوس وإمكانية إحيائها من جديد.
وكان مستشار وزارة النفط العراقية أحمد العمر قد أوضح إمكانية تصدير النفط العراقي عبر ميناء بانياس السوري مستقبلا، وأضاف العمر أن هكذا المشروع سيغير خريطة صناعة النفط وإنتاجه في المنطقة ويمنح العراق أفضلية كبيرة على الجيران النفطيين الآخرين.
تاريخ تنظيم حصص المياه
بعد انهيار الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأت دول العراق وسوريا وتركيا في تحديد حدودها، ما أدى إلى تقسيم نهري الفرات ودجلة بين هذه الدول. مع انبعاث النهرين من تركيا، أصبحت الحاجة ملحّة لتوقيع اتفاقيات بين الدول الثلاث لتنظيم استخدام المياه.
أول اتفاق كان معاهدة لوزان 1923، التي نصت على تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا وسوريا والعراق لتنسيق مشاريع المياه. ثم جاءت اتفاقية 1946 لتقنين الانتفاع من مياه النهرين بعد استقلال العراق وسوريا.
في السبعينيات، بدأت الأزمة تتفاقم بعد أن بدأت تركيا ببناء سدود دون تنسيق مع العراق، ما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين، وأعلنت تركيا في 1978 أنها لن تُقيّد تدفق المياه إلى العراق. في 1987، تم التوصل إلى بروتوكول مع سوريا لإطلاق مياه من سدود تركيا، لكن الأزمة ظهرت مجددًا بعد بناء سد “أتاتورك” التركي.
مع بداية مشروع جنوب شرق الأناضول GAP في 1989، الذي يشمل 22 سدًا و19 محطة طاقة، تأثرت حصة العراق وسوريا من المياه بشكل كبير. خفّض المشروع من إمدادات المياه إلى العراق بنسبة 80% منذ عام 1975.
الأضرار التي نتجت عن سياسة تركيا المائية، دفعت وزارتَي الموارد المائية والزراعة العراقية إلى طلب إجراء مباحثات مع تركيا للتوصل إلى حل جدي للحصول على مستحقاتها من المياه، كما أن حدّة التصريحات العراقية اشتدت، فقد هدّد مسؤول عراقي بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا بسبب قطعها المياه.
ترى تركيا في المقابل، أن مشاريع بناء السدود والرَّي لا تساهم في تنمية أراضيها فقط، بل تعود بالنفع على جارتيها اللتين تتشاركان بنهري دجلة والفرات، وتتهم العراق وسوريا بسوء إدارة موارد المياه، كما أنها تُلزمهما بتنفيذ اتفاقية عام 1997 المتعلقة بمجاري المياه الدولية لغايات غير ملاحية، التي تتخذ من الاستخدام المنصف والعادل وعدم التسبب بأضرار إلى دول المجرى المائي الأخرى مبدأً أساسيًا لها، فضلًا عن مبادئ أخرى لاستخدام مياه الأنهار الدولية.
حصر الأسباب وسبل المعالجة
لا يمكن حصر أسباب وصول أزمة المياه في سوريا والعراق إلى ذروتها بسياسات تركيا المائية فحسب، وإنما هناك أسباب أخرى ساهمت بتفاقم الوضع، أبرزها سوء إدارة حكومة سوريا لموارد المياه.
ففي سوريا أدت سنوات من سوء الإدارة وغياب خطة واضحة لاستغلال الموارد المائية، التي تشكل عصب الحياة لملايين السوريين، إلى تفاقم أزمة المياه، وتشير مصادر الى أن محطات التنقية الأربعة الكبيرة في سوريا لم تتم إدارتها بالشكل الصحيح، وبدلًا من اتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة، فإن أعمال الصيانة لا تنشط إلا في حالة حدوث أعطال كبيرة فقط.
وكان تقرير أَعَّدته المنظمة الدولية للبحوث وقد صدر قبل أعوام، قد تحدث عن حصول تناقص حاد بالحصص المائية الواصلة ضمن حوض نهر الفرات، ليصل مجموع إيراداته إلى 32 مليار متر مكعب في الثانية، بحلول العام 2040، مقابل احتياجات العراق التي ستبلغ حينها 23 مليار متر مكعب، أما حاجة كل من سوريا وتركيا فستصل إلى 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن الواردات النهائية للنهر لن تكفي لتغطية احتياجات تركيا وسوريا، بينما سيخسر العراق موارد النهر بالكامل حينها.
الآن وبعد رحيل حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، قد يتجه العراق نحو إعادة تفعيل مطالب حصص المياه مع تركيا وسوريا لتخفيف حدة أزمة مياه الفرات، ويُحتمل أن تُبذل جهود لتوقيع اتفاقيات جديدة بين الدول الثلاث لتنظيم وتقاسم مياه النهر، مع التركيز على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الأطراف الثلاثة في الموارد المائية المشتركة.
في خطوة أخرى، قد يلجأ العراق إلى المجتمع الدولي لزيادة الضغط على تركيا وسوريا لضمان تدفق مياه الفرات إلى العراق. يمكن للعراق التوجه إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لتفعيل آليات قانونية تدعم حقوقه المائية في ظل الأوضاع المتغيرة في المنطقة بعد رحيل الأسد.