تزايد الملاحقات القضائية ضد جنود الاحتلال بتهم الإبادة في غزة.. هل بدأت المحاسبة الدولية؟

التقنيات الرقمية ستساعد بذلك
تزايد الملاحقات القضائية ضد جنود الاحتلال بتهم الإبادة في غزة.. هل بدأت المحاسبة الدولية؟
انفوبلس/..
العدوان الإسرائيلي على غزة الذي تسبب بوقوع العديد من الضحايا المدنيين، دفع لاتساع دائرة الملاحقات القضائية ضد جنود الاحتلال الصهيوني في العديد من دول العالم، وسط اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. حيث رفعت منظمات حقوقية وقانونية دعاوى ضد عدد من الجنود والضباط الإسرائيليين، متهمة إياهم بالمشاركة المباشرة في مجازر استهدفت المدنيين، واستخدام أساليب محرمة دوليًا في القصف والتجويع والاعتقالات الجماعية.
وفي أوروبا وأميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا، بدأت بعض الدول في تفعيل قوانين الولاية القضائية العالمية، التي تسمح بملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن جنسياتهم أو مكان وقوع الجريمة. كما تزايدت التحركات داخل المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال منذ بدء عدوانه على غزة، في وقت يحاول فيه المسؤولون الإسرائيليون مواجهة هذه الدعاوى عبر حملات دبلوماسية وضغوط سياسية على الحكومات الغربية لوقف أي إجراءات قانونية ضد جنودهم.
*ارتفاع الملاحقة
وفي 6 يناير/كانون الثاني الماضي، رصدت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) ارتفاعا في محاولات ملاحقة جنود إسرائيليين قضائيا في الخارج، مشيرة إلى تقديم نحو 50 شكوى ضد جنود احتياط.
وقالت إنه جرى فتح 10 تحقيقات ضمن تلك الشكاوى القضائية في الدول المعنية دون تسجيل أي اعتقالات.
ولم تحدد هيئة البث أسماء الدول المعنية، لكن صحيفة هآرتس أفادت قبل ذلك بيوم واحد بأن الدول هي جنوب أفريقيا وسريلانكا وبلجيكا وفرنسا والبرازيل.
*شكوى بالسويد
وفي أحدث تطور بهذا الخصوص، تقدمت مؤسسة "هند رجب" الحقوقية، بشكوى لدى السلطات السويدية ضد عسكري احتياط إسرائيلي مُقيم على أراضيها، بتهمة المشاركة في جرائم إبادة جماعية بقطاع غزة.
وتتخذ مؤسسة هند رجب من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا رئيسيا لها منذ تأسيسها في فبراير/شباط 2024.
وتقول المؤسسة إنها مكرسة بشكل أساسي للسعي إلى تحقيق العدالة، ردا على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وهند طفلة فلسطينية كانت في عمر 5 سنوات حين قتلها الجيش الإسرائيلي بقصف سيارة لجأت إليها مع 6 من أقاربها في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، في 29 يناير/كانون الثاني 2024.
*رصد وتتبع
ومن خلال متابعة موقعها الإلكتروني وحساباتها على منصات التواصل، يمكن رصد شكاوى قدمتها المؤسسة إلى محاكم في دول عديدة ضد جنود إسرائيليين بشبهة بارتكاب جرائم حرب بغزة.
وتتتبع المؤسسة تحركات الجنود الإسرائيليين، وتستعين بمقاطع فيديو وصور نشروها بكثرة على منصات التواصل خلال مشاركتهم في حرب الإبادة بغزة، وباتت أدلة إدانة لهم.
وفي أحد الأمثلة قالت المؤسسة "في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، نشر عمري نير -وهو جندي في كتيبة الهندسة القتالية 601 التابعة لقوات الجيش الإسرائيلي- صورة على إنستغرام".
وفي الصورة يظهر نير وهو يقف داخل منزل في غزة كان ذات يوم مُلكاً لعائلة فلسطينية قُتلت أو نزحت أثناء الإبادة الجماعية التي ما زالت ترتكبها إسرائيل، حسب المؤسسة.
وتابعت "أبرزت الصورة التي تمثل عرضا مرعبا للإفلات من العقاب، دوره (نير) في الإبادة الجماعية التي شهدتها غزة".
وزادت أنه "في هذا العام، بينما يسافر عمري نير إلى تايلند للاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة مرة أخرى، يبدو العالم مختلفا تماما لديه، فقد اكتشفت مؤسسة هند رجب وجوده في تايلند وتصرفت بحزم".
وأفادت المؤسسة بأنها رفعت دعوى ضده أمام المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياه بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وطلبت رسميا من السلطات التايلندية اعتقاله.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت هذه المحكمة مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
وإضافة إلى قضية نير، يتضمن موقع المؤسسة قضايا تم رفعها ضد جنود إسرائيليين في دول بينها البرازيل وتايلند وهولندا وسريلانكا وفرنسا.
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت -مؤخرا- إلى أن الجيش حثّ منذ مدة طويلة الأفراد الذين خدموا في غزة على تجنب نشر صور أو مقاطع فيديو من الحرب على وسائل التواصل، إذ يمكن استخدامها دليلا في تحقيقات جرائم الحرب.
*كيف يمكن تتبع جنود الاحتلال المشاركين بحرب غزة؟
مع الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تبرز تساؤلات جوهرية حول محاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحق المدنيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فعلى الرغم من محاولات التستر، يبقى تحقيق العدالة ممكناً على المدى الطويل بفضل التطور التكنولوجي، إذ يمكن للتقنيات الحديثة أن تلعب دوراً محورياً في كشف هويات الجنود المتورطين في جرائم الحرب في قطاع غزة.
*تقنيات التتبع
ويمكن لتقنيات التتبع المتقدمة أن تساعد -من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الجغرافية- في الكشف عن هؤلاء الجنود حتى في حالات محاولات إخفاء هوياتهم.
ويرى الباحث في السياسة السيبرانية خالد وليد محمود أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل البيانات الضخمة. وفي حالة الجنود الإسرائيليين في غزة، يمكن استخدامه للتعرف على وجوههم من خلال فحص الصور والفيديوهات، وربطها بهويات محددة باستخدام تقنيات التدريب على البيانات الكبيرة، مما يساعد في كشفهم بدقة.
ويتفق المتخصص في سياسات الذكاء الاصطناعي نبيل عودة مع هذا الرأي، حيث يشير إلى أن التجربة الأوكرانية -في استخدام التقنيات المتقدمة لتوثيق الانتهاكات وتحديد هوية الأفراد- قد تكون نموذجا قابلا للتطبيق في حالة المقاتلين الإسرائيليين في غزة.
فقد اعتمدت السلطات الأوكرانية على تقنية (Clearview AI) التي ساعدت في التعرف على هوية أكثر من 230 ألف شخص، سواء كانوا جنودا أو مدنيين روسا، من خلال تحليل الصور والفيديوهات المنشورة على الإنترنت.
ويضيف عودة أنه يمكن لتقنيات مثل (UKROPTOSS) التي تجمع بين التقارير الميدانية وصور الأقمار الصناعية توثيق الانتهاكات، وأن تساعد في تحديد أماكن وقوعها، بما في ذلك الهجمات على المدنيين والمرافق الحيوية، وتوثيق هذه الحوادث باستخدام صور وفيديوهات ذات توقيع زمني ومكاني دقيق.
كما يمكن الاعتماد على أدوات مثل (Palantir) القادرة على دمج البيانات من مصادر متعددة وتنظيمها بطريقة تسهّل العمل عليها، وهذا يتيح للمستخدمين، مثل الحكومات أو وكالات الاستخبارات، التعرف على الأنماط أو حتى تحديد الأفراد أو المجموعات المرتبطة بأنشطة معينة، مثل الجريمة أو الإرهاب، بناءً على تحليل البيانات، وفق حديثه.
*تحديد الموقع الجغرافي
تُعد التقنيات الحديثة المستخدمة في تحديد الموقع الجغرافي أداة قوية لتتبع تحركات الجنود المقاتلين في غزة، فعندما يتم تصوير الجنود في مناطق معينة باستخدام الهواتف المحمولة أو كاميرات الفيديو يمكن للـGPS المدمج أن يوفر بيانات دقيقة حول الموقع الجغرافي.
وفي العديد من الحالات، يقول الخبيران إنه يتم التقاط الصور والفيديوهات أثناء العمليات العسكرية، وهو ما يسمح للمحققين باستخدام هذه التقنية لمطابقة الصور مع المواقع الجغرافية.
وعلى سبيل المثال، إذا تم تصوير جندي في مكان معين، فإنه يمكن لمختصي التحقيقات الرقمية تتبع هذه الصورة من خلال البيانات الجغرافية المدمجة فيها لتحديد موقعه بدقة داخل قطاع غزة.
ويقول عودة إنه يمكن الاستعانة بمنصة (Bellingcat) التي تعتمد على تقنيات متقدمة لتوثيق المعلومات عبر الإنترنت، وخصوصًا في تحديد المواقع الجغرافية للأحداث من خلال تحليل الفيديوهات والصور.
وتستخدم المنصة أدوات مثل تحليل البيانات الوصفية وصور الأقمار الصناعية لمقارنة المناظر الطبيعية أو المباني المدمرة مع الخرائط الحديثة، مما يساعد في تحديد مواقع المقاتلين، حتى في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
*تحليل مواقع التواصل
تعتبر مواقع التواصل واحدة من أبرز المصادر للكشف عن هويات الجنود المقاتلين في غزة، حيث يقوم الجنود أنفسهم أو أفراد عائلاتهم أحيانًا بنشر صور أو معلومات تتعلق بتحركاتهم على منصات مثل فيسبوك وتويتر.
ويمكن أن تكون هذه المنشورات أداة قوية لتحديد هويتهم، إذ قد تحتوي على صور أو تعليقات تكشف عن أماكن وجودهم أو المهام العسكرية التي شاركوا بها، وفقًا للخبراء الذين تحدثوا للجزيرة نت. وتعتبر هذه المنشورات أدلة دامغة على تورطهم في الحرب، ويمكن استخدامها في المحاكم الدولية كجزء من التحقيقات في الانتهاكات المحتملة.
وتوفر هذه المواد تفاصيل دقيقة (عن هؤلاء المقاتلين) تساعد في توثيق الأنشطة العسكرية التي شاركوا بها بما في ذلك المواقع والأوقات المحددة، فعلى سبيل المثال وثق جنود الاحتلال أكثر من مرة من خلال صور وأشرطة فيديو لحظات تدميرهم لقطاع غزة خلال العمليات العسكرية هناك.
وأظهرت هذه المقاطع -وفق تحقيق مصور نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية- جنود الاحتلال يستمتعون بتدمير المنازل والبنية التحتية، بينما يتفاخرون باستخدام الأسلحة الثقيلة في تدمير المدن.
وكانت هذه الفيديوهات والصور تُلتقط عبر الهواتف المحمولة أو كاميرات الفيديو الخاصة بهم وبشكل متكرر، ويتم تداولها على منصات التواصل.
ويقول الباحث بالسياسة السيبرانية خالد وليد محمود إنه يمكن من خلال أدوات الاستخبارات من المصادر المفتوحة (OSINT) تحليل هذه المقاطع وتحديد الروابط الاجتماعية بين الجنود وأفراد آخرين من خلال متابعة تفاعلاتهم، مثل التعليقات والإعجابات والمشاركات. وبهذا يمكن معرفة جنسياتهم وزملائهم في الخدمة أو شركائهم بالعمليات، مما يساهم في توسيع دائرة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وتوثيق أدوارهم بشكل أوسع.
ويؤكد الخبراء أن "الذاكرة الرقمية" تعد أداة حيوية في تحقيق العدالة لأن الإنترنت لا ينسى، حيث تظل المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية محفوظة للأبد، حتى بعد محاولات حذفها أو تعديلها. وتبقى هذه المواد مثل الصور والتقارير متاحة ويمكن استرجاعها في أي وقت، مما يجعلها مصدرًا هامًا للأدلة القانونية.
ومن خلال هذه الذاكرة، يمكن للمحققين إعادة تحليل المواد المنشورة في المستقبل، مما يعزز استخدامها أدلة قانونية في المحاكمات، خاصة إذا تم تسريب معلومات أو نشرها عبر الإنترنت.
*تذاكر الطيران
بعد انتهاء الحرب في غزة، من المحتمل أن يبدأ الجنود، وخاصة المرتزقة وجنود الاحتياط، بالعودة إلى بلدانهم. ويمكن أن تكون تذاكر الطيران مؤشراً حول مشاركتهم في العدوان على غزة، كونها تقدم معلومات دقيقة حول مواعيد السفر ووجهات الرحلات، مما يساعد في تتبع تحركات الأفراد وتحديد ما إذا كانوا قد سافروا لمناطق النزاع أو عادوا بعد فترة متزامنة مع توقف العمليات العسكرية.
ومن جهته، يقول أستاذ القانون الدولي الجنائي رمزي الدبك إن تذاكر الطيران تعتبر جزءا مهما من عملية التحقيق مع المقاتلين العائدين من مناطق الحرب، ويمكنها أن تساعد على تتبع مسارهم وتحديد توقيت عودتهم.
علاوة على ذلك، يمكن مقارنة بيانات التذاكر مع أدلة أخرى مثل سجلات الفنادق أو المكالمات الهاتفية لتأكيد تحركات المقاتل، كما أن التذاكر قد تحتوي على معلومات شخصية مثل الاسم وتاريخ الميلاد والجنسية، مما يسهل تحديد هوية الجنود.