تسارع هجرة الكفاءات التقنية يهدد مستقبل قطاع التكنولوجيا في كيان الاحتلال

انفوبلس/..
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، يشهد الكيان الإسرائيلي نزيفًا متزايدًا في قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، حيث يغادر عدد متزايد من المهنيين البلاد بحثًا عن فرص أكثر استقرارًا وأمانًا في الخارج، وهذا النزوح الجماعي يُنذر بتقويض أحد أهم أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي، مما يُضعف قدرته على المنافسة والابتكار في الساحة الدولية.
تقارير متعددة تشير إلى تراجع حاد في الاستثمارات في الشركات الناشئة الإسرائيلية بنسبة 55% خلال عام 2023، مع تباطؤ ملحوظ في نمو التوظيف داخل القطاع.
بالإضافة إلى ذلك، يُحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى خروج إسرائيل من مصاف الدول المتقدمة، خاصة مع تزايد هجرة الكفاءات العالية، وهذا التدهور يُعزى إلى السياسات القمعية والعدوانية التي ينتهجها الكيان، والتي أدت إلى عزلة دولية متزايدة وتوترات داخلية متصاعدة، مما دفع العديد من المهنيين إلى البحث عن بيئات عمل أكثر استقرارًا واحترامًا لحقوق الإنسان.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن الكيان الإسرائيلي يواجه تحديات وجودية تهدد استمراريته، مع تزايد فقدانه لأبرز عقول ومهارات قطاع التكنولوجيا الفائقة.
"مقلق جداً"
كشف تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن ارتفاع عدد العاملين في قطاع "الهايتك" الإسرائيلي الذين غادروا الكيان منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، ويشير إلى أنّ الأمر "مقلق جداً".
تناولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في تقرير خاص، نقلاً عن "سلطة الابتكار" الإسرائيلية، عدد الإسرائيليين الذين غادروا الأراضي المحتلة، وأكّدت أنّ نحو 8,300 من العاملين في مجال "الهايتك" – عدد يشكل نحو 2.1% من مجمل العاملين في "الهايتك" الإسرائيلي – غادروا "إسرائيل" لفترة عام أو أكثر منذ اندلاع الحرب، وحتى تموز/يوليو 2024.
وأشار التقرير إلى أنّ هذا الأمر "مقلق جداً"، ويوضح حالة العمل في "الهايتك" لعام 2025، وفق ما نشرته صباح اليوم الاثنين، "سلطة الابتكار".
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ "جميع شركات الهايتك الإسرائيلية تشغّل اليوم نحو 440 ألف موظف في الخارج، مقارنةً بنحو 400 ألف فقط في البلاد".
وأشار التقرير استناداً إلى بيانات التعداد السكاني، وبيانات الخروج من "إسرائيل" أنّ "المعدل الشهري للمغادرة هو 826 شخصاً"، فيما كانت الذروة في أكتوبر 2023 نحو 1,207 أشخاص. الذروة السابقة، التي سُجلت في آب/أغسطس 2023، كانت 966 من عاملي "الهايتك".
وأشار التقرير إلى ازدياد في انتقال العاملين في مجال "الهايتك" إلى الخارج، بسبب حالة عدم اليقين الناتجة عن الوضع السياسي والأمني في "إسرائيل"، وذلك بخلاف السنوات الماضية، التي كان فيها معدل نمو التشغيل في "الهايتك" أسرع من باقي قطاعات الاقتصاد، فإنّه في السنة الأخيرة أصبح مشابهاً.
ووفقاً للمعطيات التي وردت في التقرير، فإنّ شركات "الهايتك" الإسرائيلية الخاصة (مثل Waze وGett وSygnia) تشغّل اليوم في الخارج أكثر من نصف موظفيها (240 ألف من أصل نحو 430 ألف) – ويشمل ذلك أيضاً موظفي البحث والتطوير لديها.
عدد كبير من موظفي الشركات في الخارج
في الشركات الإسرائيلية العامة، المدرجة في البورصة (مثل Check Point وNice وWix)، "الوضع أكثر إثارة للقلق": فهي تشغّل في البلاد فقط 60 ألفاً من بين 260 ألف موظف لديها.
أمّا في مجالات التسويق والمبيعات وخدمة الزبائن – التي تتطلب مهارات لغوية وكذلك حضور ومعرفة قريبة بالسوق في الخارج – فهناك نحو 75% من موظفيها يعملون خارج "إسرائيل".
في الشركات الإسرائيلية العامة، المدرجة في البورصة (مثل Check Point وNice وWix)، "الوضع أكثر إثارة للقلق": فهي تشغّل في البلاد فقط 60 ألفاً من بين 260 ألف موظف لديها.
عام 2024، قامت جميع شركات "الهايتك" الإسرائيلية بتوظيف 4,500 موظف بحث وتطوير و2,000 موظف مبيعات أو تسويق – في الخارج.
وبحسب "سلطة الابتكار"، فإنّ التشغيل في "الهايتك" الإسرائيلي في حالة جمود منذ عام 2022، رغم وجود نقص بـ17 ألف موظف في "الهايتك"، مشيرةً إلى أنّ هذا العام، ولأول مرة، سُجل انخفاض بـ5,000 شخص في عدد العاملين في الصناعة. بعد أن كان، بين 2012 و2022، الجزء النسبي من عاملي "الهايتك" من مجمل العاملين في الاقتصاد في نمو سريع، فإنه في السنوات الثلاث الأخيرة بقي حول 11.5% دون تغيير ملحوظ، وفق ما نقل التقرير.
وأوضح التقرير أنّ جزءاً من عاملي "الإدارة والإنتاج" – وهم العاملون الذين لا يشاركون في البحث والتطوير ولا يتطلبون تعليماً تقنياً – قد تقلّص بشكل ملحوظ، وأغلب فرص العمل هي لأصحاب التعليم والمهارات التقنية، معتبراً أنّ هذه النتيجة "تثير القلق" من احتمال المساس بالنشاط التجاري الشامل لشركات "الهايتك" الإسرائيلية.
في المقابل، تستمر فجوات الأجور بين عاملي "الهايتك" وباقي العاملين في الاقتصاد بالاتساع. ففي عام 2024، بلغ متوسط الأجور في "الهايتك" 32.3 ألف شيكل، وهو 2.8 ضعف متوسط الأجور في باقي قطاعات الاقتصاد. سبب ذلك، - بحسب التقرير - الزيادة في عدد العاملين في وظائف البحث والتطوير الذين يتمتعون بمستويات أجور عالية، والانخفاض في التشغيل في مجالات الإدارة والدعم.
صورة شاملة للتشغيل في "الهايتك"
كذلك يعرض التقرير لأول مرة صورة شاملة للتشغيل في شركات "الهايتك" الإسرائيلية. فمن بين نحو 400 ألف موظف في هذا القطاع في "إسرائيل"، هناك نحو 250 ألف يعملون في شركات إسرائيلية (خاصة وعامة)، ونحو 90 ألف يعملون في شركات متعددة الجنسيات. بالإضافة إلى ذلك، هناك نحو 50 ألف موظف يعملون في شركات تكنولوجيا معلومات وتقديم خدمات تقنية.
في عام 2024، أكّد موقع "ذي ماركر" الإسرائيلي أنّ موجةً جديدة من الإقالات من مجال التكنولوجيا الفائقة "الهايتك" تقترب، مشيراً إلى أنّ هذه الإقالات مجمّدة حالية بسبب الحرب.
وفي عام 2023، تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، عن تزايد تيار الإسرائيليين العاملين في مجال "الهايتك"، الذين يدرسون مغادرة كيان الاحتلال، وذلك على خلفية خطة التعديلات القضائية لحكومة الاحتلال، ووصف الوضع بأنه “في حضيض لم يشهده منذ سنوات".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد ذكرت تحت عنوان "كيف ألحقت الحرب مع حركة حماس الضرر بشركات التكنولوجيا والاقتصاد الإسرائيلي؟"، مشيرةً إلى أنّ "قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي وهو جزء رئيسي من الاقتصاد، تعرّض لصدمة بسبب نقص العمالة ومخاوف التمويل، مما قد يؤدي إلى تباطؤ أوسع في عام 2024".
هجرة يهودية عكسية
قبل طوفان الأقصى، كان تعداد اليهود في الأراضي المحتلة نحو 7 ملايين و145 ألف نسمة، ازداد 216 ألف نسمة عن عام 2022، لكن الزيادة في هذه الأعداد لم تطُل كثيرًا، حتى بدأ الطوفان وبدأت معه الهجرة العكسية على شكلَين: من الأراضي المحتلة إلى الخارج، ومن المستوطنات إلى المدن الكبرى في دولة الاحتلال.
وبحسب موقع "زمان إسرائيل" العبري، فإنه وفقًا لبيانات سلطة السكان والهجرة لدى الاحتلال، غادر نحو 370 ألف إسرائيلي الأراضي المحتلة منذ اندلاع طوفان الأقصى وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، أما في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 غادر نحو 139 ألفًا و839 إسرائيليًّا، وليس معلومًا ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علمًا بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب.
وأظهرت الأرقام المبكرة أيضًا أن عدد المهاجرين اليهود إلى “إسرائيل” قد انخفض في الشهر الأول بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إذ هاجر فقط ألفا شخص إلى الكيان الصهيوني بين بداية أكتوبر/تشرين الأول ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
نصف مليون إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال ولم يعودوا في الأشهر الست الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارًا مؤقتًا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة
وبحلول يونيو/حزيران 2024 ذكرت صحيفة “تيمز أوف إسرائيل” أن نصف مليون إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال ولم يعودوا في الأشهر الست الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارًا مؤقتًا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة.
وأكدت القناة 12 العبرية في تغطيتها أن الأدلة تشير إلى أن جل من فروا من دولة الاحتلال من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حتى مارس/آذار 2024 لا ينوون العودة مرة أخرى، وأنهم بدؤوا بالفعل الانتقال التام بحياتهم إلى خارج البلاد، وفي سبتمبر/أيلول 2024، كشفت معطيات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية عن تزايد ملحوظ في ظاهرة هجرة الإسرائيليين للخارج، حيث غادر أكثر من 40 ألفًا خلال الأشهر السبع الأولى من 2024.
ومع مرور أكثر من عام على طوفان الأقصى، أظهر استطلاع أجرته قناة “كان” التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية، أن 23% من الإسرائيليين فكروا خلال العام الأول الحرب، في مغادرة البلاد، بسبب الوضع السياسي والأمني الراهن، وأشار الاستطلاع إلى أن العلمانيين أكثر ميلًا للمغادرة مقارنة باليهود الحريديم (المتدينين).
ولم تقتصر الهجرة على الخارج فقط، فبينما بدأت الحرب في الجبهة الجنوبية لفلسطين مع قطاع غزة، وشمالًا مع “حزب الله” اللبناني، وجد الاحتلال نفسه أمام أكثر من نصف مليون مستوطن، كما أعلن جيش الاحتلال، قد فرّوا من مكان سكنهم بحثًا عن أمان في أراضٍ محتلة، كما أعلن عن خطة “هبوب الريح” لإخلاء المستوطنات الحدودية.
وبعد عام من الطوفان، أظهر استطلاع رأي لقناة “كان” العبرية أن 61% من المستوطنين لا يشعرون بالأمان في “إسرائيل”، و86% يقولون إنهم غير مستعدين للعيش بمستوطنات غلاف غزة بعد الحرب، وهو من ضمن المؤشرات التي وضعها إيلان بابيه ـ هو مؤرخ إسرائيلي بارز وأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة ـ حيث “لا يمتلك الجيش القدرة على حماية المجتمع اليهودي في الجنوب والشمال”.