تسريب الشاباك يزلزل كيان الاحتلال.. صراع الهويات يهدد بتفكك الداخل الإسرائيلي

انفوبلس/..
في تطوّر أمني خطير، فجّرت التسريبات الأخيرة المنسوبة لجهاز “الشاباك” داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي أزمة غير مسبوقة، كشفت عن تصدّع داخلي عميق وصراع محتدم بين مراكز النفوذ السياسية والأمنية.
التسريب، الذي يُعتقد أنه جاء من داخل المنظومة الأمنية نفسها، لم يكن مجرد خلل إداري، بل تحوّل إلى شرارة أشعلت الجدل حول طبيعة الصراع على هوية الكيان ومستقبله، في ظل استقطاب متصاعد بين معسكرين أحدهما علماني ليبرالي، والآخر ديني متطرف.
*غليان
واليوم الأربعاء، طلبت وحدة التحقيق مع أفراد المؤسسة الأمنية داخل وزارة القضاء، المعروفة بـ “ماحاش”، تمديد اعتقال الضابط في “الشاباك”، المكنّى بـ “أ”، الذي سرّب معلومات سرية إلى وزير وصحافيين اثنين، تتعلق بإدارة تحقيق سري حول تسلل الكاهانيين (أتباع الحاخام العنصري الراحل مئيركهانا، مؤسس حركة “كاخ” الإرهابية) إلى قيادة الشرطة. كما سرّب مستندات داخلية من الشاباك بشأن “السابع من أكتوبر”، تتناقض مع الرواية الرسمية للجهاز ذاته حول مسؤوليته عن الحدث الجلل، الذي تسبّب بخسائر فادحة وإهانة غير مسبوقة لإسرائيل، فاقت ما تعرّضت له في حروبها المتعددة مع العرب منذ نكبة فلسطين عام 1948.
ويُشار إلى أن الضابط “أ”، المعتقل منذ أسبوعين، قد اعترف بتورّطه في التسريب، وهو فعل محظور قانونيًا، إلا أنه يدّعي أنه قام بذلك “لإطلاعالجمهور على معلومات بالغة الأهمية”، في حين يزعم محاميه أن موكله اتخذ خطوة شرعية لأن “الديمقراطية تعني، من جملة ما تعنيه، الدفاع عن حق الجمهور في المعرفة”.
ويحاول طرفا الصراع الداخلي في إسرائيل توظيف هذه القضية للطعن في مصداقية ومكانة الطرف الآخر. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحاشى التدخّل في القضية خشية التورط في “تضارب مصالح”، خاصة في ظل التحقيق مع أحد مستشاريه المقربين من قبل الشاباك نفسه في قضية تتعلق بالمال والاختراق القطري. ورغم ذلك، شارك نتنياهو تغريدة نشرها عضو كنيست من حزبه (الليكود) دعت إلى التحقيق مع رئيس الشاباك، رونين بار.
أما “الليكود”، فقد جدد حملته على الشاباك، في بيان رسمي قال فيه: “أجزاء من الشاباك تحوّلت إلى ميليشيا خاصة تابعة للدولة العميقة”.
ويواصل وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، هجومه العنيف على المؤسسة الأمنية، داعيًا الإسرائيليين إلى شكر الضابط المسرّب “أ”.
*مقاطعة رئيس الشاباك
وفي ظل هذا التوتر المتصاعد، وكجزء من حملة المستوى السياسي ضد المؤسسة الأمنية، امتنع نتنياهو، أمس، بشكل غير مسبوق، عن دعوة مندوب من الشاباك لمرافقته في جولة أمنية ميدانية على حدود قطاع غزة. والأدهى من ذلك، أنه ألغى جلسة الكابنيت التي كانت مقررة ليل أمس، بسبب رفض الوزير المستوطن المتشدد بتسلئيل سموتريتش المشاركة فيها، معلنًا رفضه الجلوس إلى جانب رونين بار.
ورغم الحديث عن أن معظم وزراء الكابنيت يعارضون مقاطعة بار، فإن الاجتماع المخصص لمناقشة الحرب على غزة، ومستقبل صفقة التبادل، لم يُعقد، ما دفع عائلات المحتجزين الإسرائيليين إلى شن هجوم مضاد على الحكومة، متهمين إياها بالعبث بمصائر أبنائهم.
وفي تعليقه على التطورات، اتهم زعيم المعارضة، يائير لبيد، نتنياهو “بالسعي لتحويل الشاباك إلى شرطة سرية لحمايته الشخصية”.
ويعكس كاريكاتير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأربعاء، موقف المعسكر المعارض لنتنياهو، حيث يظهر الأخير محاطًا بالوزراء، وهو يقول: “نحن على بعد خطوة من تفكيك الشاباك”، في سخرية من تصريحه السابق، قبل عام، حين قال: “نحن على بعد خطوة واحدة من النصر المطلق وتدمير حماس”.
وفي مشهد يلخص الحالة الراهنة لإسرائيل عام 2025، يستعد وزير الأمن الداخلي، المدان سابقًا بالإرهاب، للسفر إلى الولايات المتحدة برفقة مستوطن متشدد من مستوطنة يتسهار، رغم حظر دخولهما إلى أمريكا سابقًا.
*بداية تفتت
يدفع هذا التسريب الخطير عددًا كبيرًا من المراقبين والمعلّقين في إسرائيل إلى الانشغال المكثف بالقضية، التي تعمّق حالة التشظي والانقسام الداخلي. ويذهب المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، إلى حد القول إن القضية تدلّ على بداية تفتت داخلي في جهاز “الشاباك”، مشيرًا إلى أن نتنياهو هو المستفيد الوحيد منها، كونها تصرف الأنظار عن الفضائح التي تحاصره وعن الحرب الفاشلة في غزة، معتبرًا أنه يحاول اليوم الانتصار على الشاباك بعدما فشل في تدمير “حماس”.
في السياق نفسه، تؤكد المعلّقة السياسية البارزة في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أريئيلا هوفمان، في مقال بعنوان “عندما تشرق الشمس على ميامي” (في إشارة إلى نجل نتنياهو الذي يعيش في ميامي، ويشتهر بتصريحاته المستفزة)، أن الضابط “أ” ليس بطلًا، ولا كاشفًا للفساد، ولا مناضلًا من أجل العدالة، بل هو شخص ذو دوافع سياسية، خان الأمانة والثقة، وانضم إلى قائمة غير مشرفة من المسرّبين.
ويذهب بعض المراقبين إلى القول إن إسرائيل اليوم تكابد حالة من التشظي والتمزق الداخلي تهددها أكثر من مجمل التهديدات الخارجية، على غرار ما حذّر منه الرئيس السابق رؤوفين ريفلين عام 2015، خلال مؤتمر هرتزلياللمناعة القومية، حين قال: “إن انقسامات الأسباط والقبائل داخل إسرائيل أخطر عليها من القنبلة الإيرانية".
*علامة فارقة
في ظل هذه السجالات، والكثير من القرائن، باتت إسرائيل عام 2025 مختلفة، فهي أكثر تطرّفاً وقومجية، وأقل ديمقراطية تجاه مواطنيها، قادتها أقل جودة ونظافة يد، ترجّح كفّة المصالح الفئوية، وهذا يفسّر عدم وقف الحرب، وتعطيل صفقة التبادل بمنهجية، وفق ما جاء في نص التقرير.