تُقدّر بأكثر من 175 مليار دولار "كريدي سويس" ينهار ومعه أموال صدام "الخفيّة".. قصة حساب سرقة النفط في سويسرا
انفوبلس/ تقرير
عاد انهيار بنك كريدي سويس السويسري التاريخي، قصة حساب سرقة النفط في زمن النظام البائد صدام حسين بسويسرا، حيث تُقدّر الأموال التي توجد فيه بأكثر من 175 مليار دولار ما بين عامي 1969 و1987، والتي قد أسالت لُعاب الكثيرين وأدت إلى مقتل ثلاث شخصيات عراقية ذات علاقة بها وهم سعد المهدي (ابن عم بعيد لصدام) وابن عمه حسام الفرزان وناظر العوجي.
وأثار الانهيار التاريخي لثاني أكبر بنك في سويسرا الرعب مجددا في أسواق العالم، وسجلت الأسهم الأوروبية، يوم أمس الأربعاء، أسوأ أداء يومي منذ أكثر من عام، كما تراجعت معظم أسواق الأسهم الخليجية، وافتتحت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت على انخفاض.
وفي أسواق النفط هوت أسعار الخام بأكثر من 5 دولارات، لتصل لأدنى مستوى في أكثر من عام إذ تسبب قلق يتعلق بوضع بنك كريدي سويس المالي في مخاوف في الأسواق العالمية وفاق أثر آمال تعافي الطلب الصيني على النفط.
جاء ذلك وسط هبوط قياسي جديد لسهم بنك كريدي سويس، أمس الأربعاء، أكثر من 30 بالمئة بعدما قال المساهم الرئيسي فيه إنه لن يقدم المزيد من المساعدة المالية للعملاق المصرفي السويسري المتعثر.
وانخفض سعر سهم ثاني أكبر بنك في سويسرا، في الساعة الـ 13:12 بتوقيت غرينتش، بنسبة 30,13 في المئة إلى 1,565 فرنكاً سويسريا فقط للسهم، ليصل إلى أدنى مستوى تاريخي جديد له.
وشهدت القيمة السوقية لمصرف كريدي سويس انخفاضات شديدة هذا الأسبوع بسبب مخاوف من انتقال عدوى انهيار مصرفين أمريكيين بالإضافة إلى تقريره السنوي الذي أشار إلى "نقاط ضعف جوهرية" في الضوابط الداخلية، وفقا لموقع "يورو نيوز".
وقال المحلل في شركة "فينالتو" التجارية نيل ويلسون: "إذا كان بنك كريدي سويس يواجه فعلا مشكلة وجودية، فإننا سنكون أمام واقع مرّ حقيقي. فالمصرف يُعتقد أنه أكبر من أن يقع".
وبنك كريدي سويس هو واحد من 30 مصرفا على مستوى العالم تُعد أكبر من أن تنهار، ما يجبره على تخصيص المزيد من السيولة النقدية لمواجهة أي أزمة. وسجل المصرف خسارة صافية مقدارها 7,3 مليارات فرنك سويسري (7,8 مليارات دولار) لسنة 2022 المالية. وزاد حجم خروج أموال العملاء من البنك في الربع الأخير إلى 110 مليارات فرنك سويسري (120 مليار دولار).
وكان البنك الأهلي السعودي، أكبر بنوك المملكة، قد استحوذ على حصة تقارب عشرة بالمئة العام الماضي في بنك كريدي سويس بعد مشاركته في زيادة رأس مال البنك، والتزم باستثمار ما يصل إلى 1.5 مليار فرنك سويسري (1.63 مليار دولار) فيه.
*قصة حساب سرقة النفط
في وقت سابق، سلّطت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية الضوء على الدور الذي لعبته مؤسسات وشخصيات سويسرية في كانتون تيشينو (جنوب البلاد) في إدارة أموال صدام حسين.
وكانت مجلة لينكياستا (L’inchiesta) السويسرية قد كشفت مؤخرا عن معلومات مشابهة أفادت بأن "خزانة أموال" صدام حسين كانت تُدار ما بين عامي 1969 و1987 في مدينة لوغانو من طرف ثلاث وسطاء من كانتون تيشينو وهم محام ومسؤولَين عن شركتَي ائتمان (متخصصة في إدارة الثروات).
المحامي أو المستشار القانوني المعني هو آليو بُورّادوري يبلغ اليوم 75 عاما وكان يُعتبر من أبرز الشخصيات العاملة في المجال التسويقي في الساحة المالية في كانتون تيشينو طيلة السبعينيات والثمانينيات وإلى بداية التسعينيات. ويُعدّ المحامي آليو بُورّادوري من أبرز الشخصيات التي قد تكون أدارت في تلك الفترة ثروات صدام حسين.
هذه المسيرة اللامعة اختُتمت بإدانة قضائية تمثلت في الحكم عليه بالسجن بثمانية عشر شهرا (مؤجلة التنفيذ) بتهمة التزوير وخيانة أموال اؤتمن عليها حيث استولى في التسعينيات بغير وجه حق على مبلغ يناهز ثمانية ملايين من الفرنكات كان مسؤولا عن إدارتها.
*الهيكل السرّي
وتفيد المعلومات المتداولة حاليا في سويسرا وبريطانيا أن الشبكة المالية التي كانت تُتيح لصدام حسين التصرف في الأموال المتأتية من العمولات المدفوعة من طرف الشركات المتعددة الجنسيات قد خطط لها منذ أواخر الستينيات برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام الذي كان رئيسا للاستخبارات العراقية قبل أن يشغل منصب مندوب العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف طيلة اثني عشر عاما.
وقال الصحافي السويسري باولو فُوزي (Paolo Fusi) - الذي كان أول من كشف عن الموضوع "إن الشبكة التي أُقيمت في التيشينو قد اُسست من قبل أن يصل صدام حسين إلى السلطة من داخل صفوف حزب البعث".
وفي عام 1968 تمثلت الخطوة الأولى لتجسيم المشروع في الجمع بين سعد المهدي (وهو أحد أبناء العمّ الأباعد لصدام حسين) وبين المحامي آليو بُورّادوري والوسيط المالي إنغلبرت شرايبر سينيور (Engelbert Schreiber Senior) من إمارة الليشتنشتاين.
ويبدو – من خلال التحقيق الذي نشرته صحيفة لينكياستا في شهر نوفمبر 2002 - أن الشخص الذي عـرّف الثلاثة على بعضهم قد يكون مصرفيا مصريا أسس مجموعة التقوى المالية الإسلامية التي وضعتها الولايات المتحدة على القائمة السوداء في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
*الشبكة المالية لصدام
ويضيف باولو فُـوزي أن "الهيكلة تشكلت شيئا فشيئا استجابة لاحتياجات حزب البعث بعد وصوله إلى السلطة وهو ما يعني عمليا استيراد أسلحة ومواد إستراتيجية لم يكن بالإمكان جلبها بطريقة أخرى".
وخلال تلك الفترة، أُسندت مهمة إدارة "خزينة صدام" – التي كانت تُستغل لتجميع العُمولات المدفوعة من طرف الشركات المتعددة الجنسيات – إلى مؤسسة مالية تحمل اسم "MEDP" كانت تتخذ من مدينة لوغانو السويسرية مقرا لها.
ومن هذه المؤسسة التي يمكن اعتبارها "غرفة عمليات مركزية" تفرّعت شبكة واسعة من الشركات الوهمية وغير المقيمة (Off Shore) في إمارة الليشتنشتاين وبنما والولايات المتحدة واليابان وفرنسا والصين وإيطاليا والنمسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والبرازيل.
ومثلما جاء في مذكرة منسوبة للمصرفي العراقي جواد هاشم (الذي يُوصف بأنه كان مُحاسب صدام) فإن جوهر المسألة أو "الحيلة" يتمثل في أن الأموال لم تكن في سويسرا ولكن في حسابات أجنبية تُدار اسميا من طرف شركات سويسرية".
من جهة أخرى، اهتمت مؤسسة MEDP في لوغانو بتنظيم عمليات نقل وترتيب إجراءات التأمين الضرورية لإرسال الأسلحة وقطع الغيار ومواد التكنولوجيا العسكرية إلى نظام صدام حسين.
وفي هذا السياق، فتح المدعي العام في باريس تحقيقا حول إمدادات الأسلحة التي خرقت الحظر المفروض على العراق منذ عام 1990، كما تُبدي السلطات القضائية الإيطالية اهتماما ببعض الوساطات التجارية التي لعبت فيها هذه المؤسسة دورا ما.
*أموال ودماء
ولكن ما هو حجم المبالغ التي مرّت عبر "خزينة صدام" في لوغانو؟ المعطيات المتوفرة لدى الصحفي السويسري باولو فُـوزي لا تزيد عن مؤشرات أولية حيث يقول "الرقم الذي توصلنا إليه نحن، أي الذي لدينا إمكانية توثيقه، يُناهز 175 مليار دولار".
ويبدو أن هذه الثروة الضخمة قد أسالت لُعاب الكثيرين وأدت إلى مقتل ثلاث شخصيات عراقية ذات علاقة بها وهم سعد المهدي (ابن عم بعيد لصدام) وابن عمه حسام الفرزان وناظر العوجي الذين أعدموا في ساحة عامة ببغداد عام 1986.
ويضيف باولو فُـوزي: لا بد من القول إن جنيف كانت – ولا تزال – موئلا لأكبر شبكة من الاستخبارات العراقية وهي التي كانت لديها وظيفة الرقابة "السياسية" على الهيكل الموجود في التيشينو. ففي اللحظة التي صدر فيها الأمر من جنيف بعدم الوثوق بالوكلاء العراقيين في سويسرا، تم إيقاف الثلاثة لدى عودتهم إلى بغداد يوم (19 شباط 1985) وإعدامهم في ساحة عامة (يوم 21 سبتمبر 1986) أي بعد خمسة عشر شهرا من السجن القاسي".
يُشار إلى أن أول المعلومات التي نُشرت عن "خزينة صدام في لوغانو" يعود تاريخها إلى ما يزيد عن عقدين.
ففي عام 1992 نشرت صحيفة الواشنطن بوست نتائج تحقيق أجرته وزارة الخزينة الأمريكية حول الطرق والمسالك التي كان يستعملها صدام حسين لتدوير أمواله.
وقد توصل المحققون الأمريكيون في ذلك الوقت إلى نتيجة مفادها أن بنوكا أمريكية كانت تقوم بعملية تبييض الأموال ثم ترسل منها – عبر اللوكسمبورغ - إلى حسابات مفتوحة لدى مصرفي كردي سويس (Crédit Suisse) و يو بي أس (UBS) السويسريين.
وفي تلك المناسبة قامت الحكومة الفدرالية – بناء على قراري 661 و670 الصادرين عن مجلس الأمن – بتجميد حوالي مليار فرنك من الودائع المصرفية والمساهمات المالية التابعة للحكومة العراقية في سويسرا.
وكشفت تسريبات في العام الماضي، عن وجود عدد كبير من الشخصيات العربية البارزة ضمن القائمة المسرّبة حول حسابات سريّة مشبوهة مودَعة لدى مصرف كريدي سويس "Credit Suisse"، ثاني أكبر البنوك السويسرية وأحد أكثر البنوك شهرةً في العالم.