تهجير ناعم تحت النار.. كيف تُحاك في الغرف المغلقة خطة تفريغ غزة من سكانها نحو ليبيا وإندونيسيا وإثيوبيا؟
انفوبلس/..
بينما تتصدر غزة عناوين الأخبار في العالم بسبب القصف والدمار والمجازر، تُدار خلف الستار مفاوضات أشد خطورة، تحمل في طياتها مشروعًا استراتيجيًا يهدد الوجود الفلسطيني في جوهره: خطة تهجير واسعة النطاق نحو دول بعيدة جغرافياً وغريبة ثقافيًا، تشمل ليبيا وإندونيسيا وإثيوبيا.
بحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن مدير جهاز الموساد الإسرائيلي، ديفيد برنيا، زار واشنطن مؤخرًا ليعرض على البيت الأبيض تفاصيل هذا المشروع، طالبًا دعمه الكامل لإقناع الدول الثلاث بقبول عشرات الآلاف من سكان غزة المهجرين قسرًا. برنيا أخبر مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف أن الدول المعنية “أبدت انفتاحًا مبدئيًا”، لكن البيت الأبيض لم يُعطِ أي التزام رسمي.
*خطة ترامب القديمة تعود بثوب جديد
ليست هذه أول مرة يُطرح فيها التهجير الجماعي للفلسطينيين كخيار سياسي، ففي وقت سابق، تحدث دونالد ترامب عن “إعادة إعمار غزة بعد إفراغها من سكانها”، واقترح ترحيل مليوني فلسطيني من القطاع. ورغم تراجع واشنطن رسميًا عن الخطة بعد احتجاج عربي واسع، إلا أن الفكرة لم تُدفن، بل تم تدويرها وتمريرها إلى الموساد للبحث عن منفذين محتملين.
وبحسب المسؤولين الإسرائيليين، فإن إدارة ترامب أوضحت لحكومة نتنياهو أن نجاح الفكرة مرهون بوجود دول تقبل استقبال هؤلاء الفلسطينيين، ما دفع إسرائيل لفتح قنوات سرية مع حكومات إندونيسيا وليبيا وإثيوبيا.
*ليبيا: تواطؤ من أجل البقاء في الحكم
الخطة الأكثر نضوجًا – بحسب التقارير – كانت باتجاه ليبيا، حيث كشفت شبكة NBC الأميركية في مايو/ ايار الماضي عن وجود خطة أميركية لنقل نحو مليون فلسطيني إلى ليبيا بشكل دائم، مقابل الإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة لصالح حكومة عبد الحميد الدبيبة. ورغم أن الخارجية الليبية نفت الخطة رسميًا، فإن المعطيات السياسية تشير إلى استعداد حكومة الدبيبةللمساومة على أي ورقة لضمان استمراريتها في المشهد الليبي المتقلب.
وتؤكد الباحثة الفلسطينية في الشؤون السياسية، إلهام الشمالي، أن “إسرائيل تستغل حالة الانقسام الليبي، وتستثمر في هشاشة الوضع الأمني والسياسي، وتُقدّم هذه البيئة كأرض خصبة لتفريغ غزة من سكانها”.
*إندونيسيا: العمل مَدخل للتوطين
في الجهة الأخرى من العالم الإسلامي، تحديدًا في إندونيسيا، تم تفعيل “برنامج تجريبي” لنقل مجموعة مكوّنة من 100 فلسطيني من غزة إلى جاكرتا بداعي العمل المؤقت. تقود هذا البرنامج هيئة “منسقية أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية” بقيادة الجنرال الإسرائيلي غسان عليان.
ورغم أن الحكومة الإندونيسية نفت رسميًا أي نية لإعادة التوطين القسري، وأكدت استعدادها فقط لإيواء الجرحى بشكل مؤقت، فإن المراقبين يعتبرون هذا البرنامج مدخلًا للتوسع لاحقًا في استقبال أعداد أكبر، خاصة في ظل غياب إمكانية عودة هؤلاء إلى غزة بسبب استمرار الحرب وإغلاق المعابر.
ووفق تقارير إسرائيلية، فإن الاتصالات مع جاكرتا تتم عبر قناة دبلوماسية سرية، رغم عدم وجود علاقات رسمية بين الجانبين، وسط مساعٍ إسرائيلية لدفع إندونيسيا نحو التطبيع كجزء من رغبتها في الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تُشترط فيها علاقات مع إسرائيل.
*إثيوبيا.. دولة “الفلاشة” وورقة سد النهضة
أما إثيوبيا، فهي الشريك الصامت في هذا المشروع. تُعتبر أديس أبابا من أبرز حلفاء إسرائيل في إفريقيا، وقدّمت عبر تاريخها جالية يهودية ضخمة (الفلاشة)، ما يجعلها خيارًا مفضلاً لدى إسرائيل لتكون جزءًا من خطة التهجير الجماعي.
وترى الشمالي أن العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية تعمّقت منذ توقيع اتفاق ثنائي في فبراير الماضي لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، خصوصًا في ملف المياه. وتُوظّف إسرائيل هذه العلاقة كورقة ضغط على مصر، في مقابل دعم غير مشروط لسد النهضة، فيما تسعى إثيوبيا من ناحيتها إلى استثمار هذا التقارب للحصول على اعتراف أميركي بسيادتها على “أرض الصومال” والانفصال عن الصومال الأم.
*أرض الصومال محطات بديلة
ضمن الخطة الكبرى التي حملها الموساد إلى واشنطن، كانت هناك أيضًا مقترحات باستخدام أراضٍ في السودان، الصومال، ومنطقة “أرض الصومال” شبه المستقلة، كوجهات بديلة للفلسطينيين. لكنّ هذه المقترحات لم تجد قبولاً واسعًا، إذ رفض السودان رسميًا الفكرة، بينما نفى مسؤولو الصومال وأرض الصومال علمهم بأي اتصالات بهذا الشأن.
*تل أبيب بوابة واشنطن
بحسب مصطفى شلش، مدير وحدة الدراسات العربية في مركز الدراسات الأوراسية، فإن اختيار الدول الثلاث (ليبيا، إندونيسيا، إثيوبيا) ليس عشوائيًا، بل يرتكز على حسابات دقيقة، إذ أن لكل منها قنوات اتصال مفتوحة مع إسرائيل، وتطمح لعلاقات اقتصادية وعسكرية مع واشنطن.
وبالتالي، فإن دعم إسرائيل يُعدّ بوابة الوصول إلى صانع القرار الأميركي.
ويضيف شلش أن “إندونيسيا تسعى للحصول على عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي تدرك أن التطبيع مع إسرائيل شرط غير معلن لهذا المسار”، ما يجعلها عرضة للابتزاز السياسي مقابل الحوافز الاقتصادية.
أما ليبيا، فهي بلد ممزق يبحث قادته عن اعتراف دولي بأي ثمن، وقد تكون ورقة التهجير إحدى أدوات المقايضة السياسية. وفي إثيوبيا، لا تُخفي الحكومة رغبتها في تسوية ملف سد النهضة عبر دعم إسرائيلي – أميركي، في مقابل فتح أراضيها لتوطين لاجئين فلسطينيين.
*السيناريو الإندونيسي غير واقعي
ورغم ذلك، يشكّك الباحث المتخصص في الشأن الإندونيسي، مصطفى زهران، في إمكانية تمرير هذا المشروع في إندونيسيا، مشيرًا إلى أن الحكومة الإندونيسية، بقيادة الرئيس برابوو سوبيانتو، ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية، ولديها ماضٍ في دعم الفصائل الفلسطينية المسلحة.
ويؤكد زهران أن أي محاولة لتوطين دائم ستواجه اعتراضًا شعبيًا وسياسيًا واسعًا، ويُضيف: “ما يجري الآن هو مجرد استقبال إنساني مؤقت للجرحى، ولا يتعدى هذا الحد. أما نقل أعداد كبيرة بهدف توطينهم، فمستبعد في ظل البيئة السياسية الحالية في جاكرتا”.
*تضليل أم واقع؟
في نهاية المطاف، يرى أستاذ العلوم السياسية المغربي، خالد يايموت، أن ما يُروّج عن “موافقة الدول الثلاث” على استقبال الفلسطينيين قد يكون مجرد تضليل إعلامي، هدفه الأساسي هو الإيحاء بوجود مخارج “آمنة” للفلسطينيين، لتبرير عمليات التهجير القسري التي تُنفذ فعليًا على الأرض عبر الحصار والقصف وتجريف البنية التحتية.
ووفق هذا المنظور، فإن إسرائيل، مدعومة بمواقف غربية، تعمل على خلق بيئة تجعل من البقاء في غزة مستحيلًا، وبالتالي دفع الفلسطينيين إلى “الرحيل الطوعي”، وفق أجندة معدّة سلفًا، تستخدم فيها لغة “العمل المؤقت” و”المساعدات الإنسانية” كغطاء لسياسة الإفراغ السكاني التدريجي.

