حصار غزة يكشف المواقف: كيف أظهرت قافلة الصمود والرفض المصري المتضامنين الحقيقيين؟

انفوبلس/ تقرير
بالتزامن مع اقتراب "قافلة الصمود" المغاربية التي تضم آلاف المتطوعين من الجزائر وتونس وليبيا - تحرك تاريخي لكسر الحصار المفروض على غزة - من الحدود المصرية، أُثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي حول الموقف المصري الرافض لدخولها الا بعد حصول الوفود على الموافقات المسبقة لزيارة المناطق الحدودية المحاذية لقطاع غزة، فما قصة هذه القافلة؟ وكيف أظهرت المتضامنين الحقيقيين عن مُدَّعي الدعم؟
انطلاق "قافلة الصمود"
بالكاد انتهت ملحمة "قارب مادلين" باحتجازه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وتوقيف طاقمه، حتى انطلقت محاولة تضامنٍ جديدة لكن هذه المرة من البرّ.. قافلة مغاربية ضخمة تحمل اسم "قافلة الصمود" انطلقت من تونس يوم الاثنين الماضي 9 حزيران/ يونيو 2025 متحدية كل التحذيرات عاقدة العزم على كسر الحصار المفروض على غزة.
وتضم القافلة -التي تنظمها "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين"- أكثر من ألف مشارك، بينهم تونسيون وجزائريون وليبيون وموريتانيون، لا يحملون إلا ما يعينهم على الرحلة التي قد تستغرق نحو أسبوعين.
وبحسب التقارير، فإن القافلة هي "أول محاولة عربية جادة تنهض الكتلة العربية الضخمة من المشاهدة المسترخية وهي تتابع هول المأساة الفلسطينية.. وتحفزها نحو اتخاذ خطوات فعلية، ولكن ليس بالفعل المسلح، بل بالاحتجاج المقلق لسكينة العالم المتواطئ على جريمة الإبادة للشعب الفلسطيني".
وعن عدد المشاركين في قافلة الصمود البرية لكسر الحصار على غزة، يقول وائل نوار أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة إن العدد فاق ألف مشارك استكملوا جميعا الوثائق المطلوبة للسفر. وأوضح نوار أن العدد كان في البداية 7 آلاف مشارك، لكنه انخفض بسبب عدم حصول آلاف الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة على ترخيص من أوليائهم.
وتأتي القافلة في سياق إنساني مأساوي فرضه الحصار الخانق على قطاع غزة، وفي سياق حرب الإبادة الإسرائيلية بحق أهالي القطاع، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
مع اقتراب "قافلة الصمود" المغاربية من الحدود المصرية، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا عبر صفحتها على فيسبوك، أعربت فيه عن ترحيب القاهرة بالمواقف الرسمية والشعبية الداعمة للفلسطينيين في غزة، مؤكدة في الوقت ذاته ضرورة حصول الوفود على الموافقات المسبقة لزيارة المناطق الحدودية المحاذية لقطاع غزة.
جاء ذلك في ظل مساعي آلاف المتضامنين للوصول إلى المنطقة ضمن "قافلة الصمود" القادمة من تونس ومبادرة "المسيرة العالمية إلى غزة".
من جانبها، أصدرت الهيئة التسييرية لقافلة الصمود بيانا وجهته إلى "الأخوة في مصر"، أكدت فيه أن القافلة ليست ذات طابع سياسي أو أيديولوجي محدد، بل هي قافلة شعبية مغاربية تضم مواطنين ومواطنات، من بينهم بعض الفاعلين المدنيين متنوعي الانتماءات.
وشدد البيان على أن القافلة لا تتخذ أي موقف منحاز ضد القاهرة، وأن تواصلها مع السلطات المصرية يقتصر على الجوانب القانونية والإدارية والأمنية المتعلقة بمسار القافلة على الأراضي المصرية، مثلما هو الحال مع السلطات الجزائرية والتونسية والليبية.
وأضاف البيان أن الهدف الوحيد لهذه القافلة هو المساهمة في كسر الحصار الجائر على أهل غزة ووقف الإبادة بحقهم، مؤكدا أنها لا تهدف إلى ممارسة الضغط على أي دولة تمر عبرها أو إحراجها. كما أبدت الهيئة اتفاقها مع الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
وفي سياق متصل، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو قيل إنها توثق محاولات بعض الراغبين في اللحاق بالقافلة جوا، وذلك عبر الوصول إلى مطار القاهرة الدولي، إلا أن السلطات المصرية قامت باحتجازهم وترحيلهم، بحسب ما أفاد به نشطاء على مواقع التواصل، ولم تعلق السلطات المصرية على هذه المنشورات حتى الآن.
وأثارت هذه الأحداث واقتراب قافلة الصمود من مصر حالة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي حول الموقف المصري والإجراءات القانونية المنظمة لدخول مثل هذه القوافل. كما اندلع سجال بين منتقدين للموقف المصري من جهة، وبين مؤيدين له ومنتقدين لعدم تنسيق منظمي القافلة مع السلطات المصرية من جهة أخرى.
وتساءل مغردون عن الأسباب التي قد تمنع قافلة الصمود من الوصول إلى رفح، للتظاهر ضد أفعال الاحتلال الإسرائيلي، على غرار ما فعله المصريون سابقا في رفح. وأشاروا إلى أنه ما لم تكن لدى السلطات المصرية معطيات أخرى غير معلومة، فإنه لا يوجد مبرر لمنع القافلة.
واعتبر مدونون أن قافلة الصمود تعد حركة رمزية معبرة كشفت عن صدق المشاعر تجاه غزة، وأظهرت المتضامنين الحقيقيين من غيرهم.
وأعرب مصريون عن تضامنهم الكامل مع القافلة، ورفضهم لكل أشكال التحريض والعداء ضدها، معتبرين أن المشاركين في القافلة يمثلون شرفا لكل المصريين، ودعوا لرفع القيود عنهم.
أين وصلت؟
وتواصل "قافلة الصمود"، اليوم الخميس، سيرها الى مدينة مصراته (200 شرق طرابلس)، والاتجاه شرقاً للمرور بمناطق الساحل الليبي، بعد أن قضى المشاركون ليلة أمس في مدينة زليتن المحاذية، في ضيافة منظمة حملة زليتن لدعم الأقصى.
وأفاد أحمد غنية، المنسق في الجانب الليبي للقافلة في المنطقة الغربية، بأن "التنسيقية من الجانب الليبي لا تزال تنتظر موافقة وزارة الداخلية بحكومة مجلس النواب لمرور القافلة إلى مناطق شرق البلاد"، مشيراً إلى أن التنسيقية كانت أبلغت الحكومة في بنغازي بشأن مرور القافلة "منذ أيام، لكن التجاوب لا يزال يسير ببطء".
وفيما عبر غنية عن أمله في أن توافق سلطات شرق ليبيا على مرور القافلة، رجح أن تتوقف في مصراته لبعض الوقت في انتظار الموافقة. وذكر غنية أن الاتصالات التي تجريها التنسيقية في الجانب الليبي ترافقها اتصالات ومساعٍ شخصية مع المسؤولين في حكومة مجلس النواب، وأعضاء بمجلس النواب أيضاً، لـ"تسهيل صدور الموافقة لمرور القافلة".
وتعد مدينة سرت (250 كم شرق مصراته، و550 كم غرب بنغازي) أولى المدن التي تقع تحت سلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في اتجاه مدن الساحل الليبي الشرقي.
ويأتي القلق حيال تأخر مرور قافلة الصمود إلى مناطق سيطرة حفتر شرقي ليبيا على خلفية بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية، أمس الأربعاء، عبرت فيه عن الترحيب بـ"المواقف الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، الداعمة للحقوق الفلسطينية، والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية السافرة والممنهجة بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة"، لكنها أكدت "ضرورة الحصول على موافقات مسبقة لإتمام تلك الزيارات (إلى المنطقة الحدودية مع قطاع غزة)، وأن السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر في تلك الطلبات هو من خلال اتباع الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة منذ بدء الحرب على غزة".
وأفادت الناشطة التونسية المشاركة في القافلة، جواهر شنة، بأن المشاركين التونسيين والجزائريين والليبيين سيناقشون في مصراته التنسيق بينهم للمضي في مسار القافلة، مؤكدة أن المشاركين في القافلة "مصرون على مواصلة مشوارهم".
وقالت شنة، "لقد قطعنا حتى الآن ألف كيلو متر في طريقنا لكسر الحصار عن إخوتنا في غزة، والجميع عازم على إتمام الرحلة... بيننا حقوقيون وأطباء ومحامون وأكاديميون ونشطاء من كل الشرائح، وكل العالم يعرف رسالتنا الإنسانية التي نهدف إليها".
وأضافت شنة أن المنسقين للقافلة اتصلوا بالسفارة المصرية في العاصمة التونسية قبل التحرك في تونس، موضحة: "لقد اجتمعنا مع سعادة السفير المصري، وأبلغنا هدفنا ورسالتنا قبل التحرك، وزودنا السفارة المصرية بكل الوثائق اللازمة، كقوائم أسماء المشاركين وجوازات سفرهم، وأرسلنا ذلك أيضاً إلى السلطات المصرية". وذكرت أن "الجانب المصري أبلغنا بالرد في وقت قريب، وانطلقت القافلة لنتسلم الموافقة من الجانب المصري في الطريق، لكننا بالأمس تابعنا بيان السلطات المصرية".
ومنذ دخول القافلة إلى الأراضي الليبية، لم تهتم وسائل الإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب بأخبارها، ولم تحتف كغيرها من وسائل الإعلام الليبية بمتابعة محطات وصولها وتنقلاتها وتفاعل الليبيين الواسع معها. وبعد انطلاقها من العاصمة التونسية، دخلت القافلة يوم الثلاثاء الماضي إلى الأراضي الليبية وسط ترحيب وتفاعل ليبي واسع، ووصلت إلى مدينة الزاوية (30 كم غرب طرابلس)، قبل أن تدخل في اليوم التالي إلى العاصمة، وتمر على ميدان الشهداء وسط المدينة، وأكملت مسيرها لتصل إلى مدينة زليتن (150 كم شرق طرابلس) ليل البارحة.
وتشارك عدد من المنظمات الليبية في القافلة، من بينها المنظمة الوطنية للعدالة المجتمعية والتنمية، ومنظمة القدس للإغاثة والتنمية، ومنظمة القدس قضيتنا، وجمعية التراحم والتواصل الخيرية، وحملة زليتن لدعم الأقصى، وجمعية الرحمة الخيرية، ومؤسسة وفاء للإغاثة والتنمية، ومنظمة حراك نفير، حملة قاطع وقاوم، ومؤسسة الرخاء الخيرية. وتقع المنظمات الليبية المشاركة في قافلة الصمود في مناطق غربي البلاد، فيما لم تعلن مفوضية المجتمع المدني في بنغازي حتى الآن ما هي المنظمات والجهات المشاركة في الحملة.
وبخصوص الجدل حول بيان الخارجية المصرية بشأن إجراءات الدخول إلى مصر، قال أحد المشاركين في القافلة، وسام الصغير، إنّ "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين واللجنة المكلفة بالإعلام بصدد متابعة المسألة، ولكنهم سيواصلون مسيرتهم نحو الحدود الليبية المصرية ونحو منطقة السلوم، وهم يتفاعلون مع المستجدات، ويأملون الحصول على تصاريح الدخول إلى مصر".
وأضاف "الأجواء نضالية، تاريخية، وحميمية بطريقة لا توصف، ولا يمكن للعقل تخيّلها لأنهم لم يتصوروا ما ستلاقيه حافلة الصمود من تفاعل خاصة في ليبيا، وأن هناك وحدة مغاربية تتجسّد يومياً على الميدان، وهي تتجاوز كل ما هو نظري في علاقة الشعوب العربية ببعضها".
وقال المتحدث الرسمي باسم القافلة، وائل نوار، في تدوينة له على صفحته فيسبوك: "إن من يتصور أنه سيعود بعد قطع أكثر من ألف كيلومتر من أجل مجرد بيان فهو ساذج"، مضيفاً: "يا غزة إننا قادمون وثقتنا في الشعبين الليبي والمصري لا حدود لها، وأن إرادتهم من إرادة الشعوب وإرادة الشعوب لا تقهر".
وأضاف نوار، إنّ المشاركين قطعوا نحو ألف كيلومتر وسيواصلون مسيرتهم إلى الحدود المصرية في انتظار حصولهم على التراخيص اللازمة للمرور، وأنهم سيتقدمون إلى آخر مكان يمكنهم الوصول إليه، مبيناً أنه إذا جرى إيقاف القافلة على الحدود المصرية "فسيمتثلون لذلك، ولكنهم لن يتوانوا عن المحاولة وبذل الجهد لحثّ السلطات المصرية على التعاون معهم".
وتضم قافلة الصمود التي انطلقت من تونس 15 حافلة، و150 سيارة، في خط سير يمر بمناطق غربي البلاد، وصولاً إلى سرت ثم بنغازي، ومنها إلى معبر السلوم الحدودي المشترك بين ليبيا ومصر، ومن ثم إلى قطاع غزة، وفق ما هو مخطط.
وكانت قافلة الصمود قد انطلقت من العاصمة تونس الاثنين الماضي، وعلى متنها 1500 ناشط تونسيّ، و200 جزائريّ، لكسر الحصار الإسرائيلي وإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ومنذ الساعات الأولى لفجر الاثنين، تجمّع المئات وسط العاصمة تونس من أجل توديع القافلة، ورافق موكب من السيارات حافلات النشطاء المشاركين، الموشحة بالأعلام الفلسطينية والتونسية، وسط ترديد شعارات "لبيك يا أقصى".
ومنذ أكثر من أربعة أسابيع، بدأت تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين التنظيم اللوجستي لانطلاق القافلة، وضبط قائمة المنظمين من نشطاء المجتمع المدني وسياسيين ونقابيين وكوادر طبية. وحول مشاركة الأطباء في قافلة الصمود، قال رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان، وجيه ذكار، إن عشرات الأطباء التحقوا بالقافلة وساهموا في الإعداد اللوجستي وتوفير معدات طبية وسيارة إسعاف لإدخالها إلى غزة.