دعوة أوجلان للسلام تصطدم بتصعيد عسكري تركي يُقوّض فرص الحل السياسي

مبادرة تصفعها المدافع
انفوبلس/..
في خطوة مفاجئة أثارت الكثير من التساؤلات، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) وقف إطلاق النار بشكل أحادي الجانب، واستعداده لعقد مؤتمره العام بعد أكثر من أربعين عاماً من الصراع المسلّح مع تركيا.
وأكد الحزب أنّ هذا الإعلان جاء استجابةً لدعوة تاريخية وجهها زعيمه المسجون عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحلّ التنظيم، في مسعى يُفترض أن يمهّد لحقبة جديدة من السلام في المنطقة.
لكن المفارقة الأشد بروزاً تمثّلت في استمرار تركيا في شنّ غارات جوية ودوريات طائرات دون طيار فوق مواقع الحزب، ما يحول دون إقامته لأي اجتماع آمن على أرض الواقع.
رغم إعلان PKK وقف إطلاق النار، فإنّ الجيش التركي لم يكتفِ بالتمركز على قمم الجبال، بل عمد إلى توجيه ضربات يومية تستهدف المدنيين ومواقع العمليات المحتشدة، ما يسقط مزيداً من القتلى والجرحى ويقوّض أي أمل في تقارب حقيقي .
وتستند هذه القوات إلى طائرات جوية مسيّرات (درون) تقدم عليها دون أي اكتراث بالقانون الدولي الإنساني، مستندةً في ذلك إلى توسيع دائرتها الأمنية على الحدود العراقية دون تنسيق مع السلطات المحلية هناك.
إرهاب دولة
ويصف قادة PKK هذه الممارسات بأنها “إرهاب دولة” يستهدف القضاء على أي فرصة للحوار الشامل، ويعكس بوضوح تبنّي أنقرة لسياسة الأمر الواقع القمعية في مواجهة الأقلية الكردية.
من جانبه، لم تُبدِ الحكومة التركية أي استعداد فعلي للجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ بل أصرّت على ربط أي وقف دائم لإطلاق النار بشروط تعجيزية، من بينها نفي أي رابط بين PKK وجناحاته في سوريا والعراق، ورفض إطلاق سراح أوجلان، بل وواصلت ملاحقة نواب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الأكراد داخل البرلمان التركي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة أنّ "مبادرة السلام" يجب أن تعتمد على "حلّ شامل للمسألة الكردية وفقاً لدستور الجمهورية"، واصلت تعزيز وجودها العسكري في المناطق المتاخمة لخط التماس، مدعومةً بترسانة ثقيلة من طائرات إف‑16 وطائرات هليكوبتر قتالية .
بين دعوات السلام والتهديد المستمر
إنّ التناقض الصارخ بين دعوات PKK الساعية لإنهاء عمر الحرب، وبين إصرار تركيا على الإبقاء على النار مشتعلة عبر القصف اليومي والتهديد المتواصل، يطرح إشكالية بارزة حول نوايا أنقرة الحقيقية تجاه الاستقرار الإقليمي .
فإذا كانت الخطوات الأحادية لحزب العمال تُعبّر عن رغبة حقيقية في إنهاء معاناة السوريين والعراقيين والكرد داخل تركيا، فإنّ سياسات الحكومة التركية تكشف عن مشروع سياسي يأبى السلام ويستثمر في التصعيد لضمان مكاسب انتخابية داخلية وتوسيع نفوذها الإقليمي .
وسط هذا المشهد الملبّد بغيوم الحرب والدخان المتصاعد، يظلّ المدنيون في مرمى النيران المتبادلة، يعانون حصاراً نفسياً ومادياً لا يقل خطورة عن الأسلحة المتطورة التي تستخدمها أنقرة .
ورغم دعوات المجتمع الدولي للالتزام بوقف أوسع لإطلاق النار والسماح بعقد مؤتمر حقيقي تحت رقابة أممية، تبدو الدولة التركية ماضية في نهج القمع، متجاهلة الدروب السلمية التي يمكن أن تُجنّب المنطقة مزيداً من الدماء والدمار .
يظلّ السؤال الأبرز قائماً: هل ستستفيق تركيا من وهم القوة الفوقية، لتلتفت أخيراً إلى إرادة حقيقية للسلام، أم أنّها مُصرّة على ممارسة منطق القصف والاحتلال تحت غطاء مكافحة الإرهاب؟
لا سلام دون حرية أوجلان
وفي ظل استمرار التصعيد العسكري التركي، أكد عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني، دوران كالكان، في تصريحات صحفية، أن "دعوة القائد عبدالله أوجلان، التي أطلقها في 27 شباط الماضي، كانت خطوة تاريخية تهدف إلى إحداث تحول حقيقي في الملف الكردي، ورغم مرور أكثر من شهر ونصف على هذه الدعوة، لم تطرأ أي تغييرات ملموسة على الظروف التي يعيش فيها أوجلان في سجن "إمرالي"، حيث لا يزال يعاني من العزلة الشديدة والتعذيب المستمر.
كالكان أشار إلى أن المفاوضات التي كان يُفترض أن تتم تحت إشراف أوجلان، والمنتظر أن تؤدي إلى عقد مؤتمر شامل حول القضية الكردية، تواجه معوقات حقيقية بسبب النظام القمعي التركي المستمر.
ومن وجهة نظره، لا يمكن للمجتمع الدولي أو أي طرف آخر أن يتوقع حلاً نهائياً للأزمة دون تغيير جذري في سياسة الدولة التركية تجاه الأكراد وتخفيف القيود المفروضة على اوجلان.
في هذا السياق، يعتبر الحزب أن أي تحول حقيقي في المسار السلمي يجب أن يبدأ بتوفير الظروف اللازمة لأوغلان لكي يعيش ويعمل بحرية، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن، وإذا استمرت تركيا في إصرارها على ممارسة سياسة الإبادة والتعذيب، فإن الآمال في الوصول إلى حلول حقيقية ستظل محكومة بالفشل.
يبدو أن هذه المعوقات السياسية والعسكرية تضع حزب العمال الكردستاني في موقف صعب، حيث يتزامن موقفه مع القصف التركي اليومي للمناطق الكردية، ما يعمّق الأزمة ويزيد من صعوبة أي جهود لإحلال السلام.
لا حلول بلا ديمقراطية
دوران كالكان: استمرار العمليات العسكرية، من قصف يومي واستخدام أسلحة محرّمة وسقوط شهداء من صفوف مقاتلي الكريلا، يتناقض بشكل صارخ مع أي دعوات لوقف الكفاح المسلح أو إلقاء السلاح
وفي سياق متصل، أعرب عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني دوران كالكان عن تحفظه إزاء التصريحات التي يتم تداولها حول وجود بوادر إيجابية، مشيراً إلى أنها ما زالت في إطار الأقوال دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع. وأكد كالكان على أهمية التريث والحذر في تقييم المرحلة، داعياً الرأي العام، لاسيما الكردي والديمقراطي، إلى عدم الانجرار وراء التصورات غير الواقعية أو التفاؤل المفرط، معتبراً أن ما يجري قد يكون جزءاً من "الحرب الخاصة" التي تستهدف تضليل المجتمع.
وأوضح، أن استمرار العمليات العسكرية، من قصف يومي واستخدام أسلحة محرّمة وسقوط شهداء من صفوف مقاتلي الكريلا، يتناقض بشكل صارخ مع أي دعوات لوقف الكفاح المسلح أو إلقاء السلاح.
وتساءل عن مدى مصداقية الجهات التي تطلق تلك الدعوات في وقت تواصل فيه شنّ الهجمات على الأرض.
كما أشار كالكان إلى أن الهجمات لا تقتصر على البُعد العسكري، بل تمتد إلى المجالين السياسي والاجتماعي، في ظل استمرار حملات الاعتقال والإقصاء السياسي، ما يعكس – حسب وصفه – غياب البيئة الديمقراطية المطلوبة لأي حل حقيقي.
وختم بالقول، إن "العقلية التي لا تستطيع ترسيخ الديمقراطية في تركيا، لن تكون قادرة على حل القضية الكردية"، مشدداً على أن تغييب الحل السياسي الحقيقي يرتبط أيضاً باستمرار الوضع القائم في إمرالي، في إشارة إلى عزلة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان.