صمدت أمام حروب صالح وفشلت السعودية بكسرها.. إليك تاريخ عاصمة أنصار الله "صعدة"

انفوبلس/ تقرير
مدينة ذات تاريخ عريق، واستطاعت الصمود في وجه حروب متعددة بفضل موقعها الجغرافي، والدعم الشعبي، والقيادة القوية، والعقيدة القتالية لمقاتلي أنصار الله اليمنية، وعلى الرغم من الحملة العسكرية المكثفة التي قادتها السعودية، فإنها لم تتمكن من كسر سيطرة أنصار الله هناك، فماذا تعرف عن تاريخ مدينة صعدة؟
تعتبر صعدة معقلًا تقليديًا لأنصار الله (الحوثيين) في اليمن، ونظرًا لأهمية صعدة التاريخية كمركز للحركة وانطلاقها منها، فإنه غالبًا ما يُنظر إليها على أنها مركز نفوذهم الرئيسي أو "عاصمتهم الروحية".
القصف الأخير على صعدة وآخر المستجدات
في وقت تواصل فيه ترتيباتها مع حكومة عدن بهدف تحريك ستة محاور عسكرية تتركّز في محيط محافظة صعدة، وسط مخاوف سعودية من ردّة فعل موازية، صعّدت واشنطن عملياتها الجوية أخيراً، بشكل لافت، ضد المحافظة الواقعة شمال صنعاء، مستخدمةً قنابل ارتجاجية شديدة الانفجار، أحدثت أضراراً بالغة في منازل المواطنين وممتلكاتهم، ومنفّذةً ما يزيد على الـ120 غارة هناك، بحسب مصادر يمنية.
ووفقاً لمصادر عسكرية مطّلعة، فإن القنابل التي استخدمتها واشنطن في قصف محيط مدينة صعدة خلال أيام عيد الفطر، هي من النوع الخارق للتحصينات، والذي يحدث شعاعاً أزرق وأبيض عند الانفجار. وأوضحت المصادر أن هذا النوع يُستخدم لإحداث دمار واسع وفرض معادلة رعب ضد السكان.
وأثار تركُّز الغارات على مدينة صعدة، التي يقطنها نحو 300 ألف نسمة من إجمالي سكان المحافظة البالغ عددهم نحو 1.2 مليون نسمة موزّعين على 12 مديرية تقع ثمان منها على الحدود مع السعودية، أثار مخاوف حقوقية من احتمال ارتكاب واشنطن مجازر ضد المدنيين، نظراً إلى عشوائية غاراتها وتنفيذها إياها في مناطق قريبة من تجمعات سكنية ومخيمات خاصة بالنازحين.
وقالت مصادر محلية في صعدة، إن العدوان الأميركي على المحافظة يأتي استمراراً لسياسة التدمير الممنهج الذي مارسته واشنطن ووكلاؤها في المنطقة، في إشارة إلى العدوان السعودي - الإماراتي على المحافظة نفسها، مشيرة إلى أن هذا الأخير، الذي أعلن صبيحة 26 آذار 2015، استهداف صعدة بالآلاف من الغارات تحت ذريعة القضاء على "الحوثيين".
وأضافت، إن إدارة دونالد ترامب تمضي على النهج نفسه في استهداف البنى التحتية والمنشآت الخدمية ومنازل المواطنين ومزارعهم في محيط المدينة وفي مديريات سحار وساقين وكتاف والصفراء، موضحة أن الطائرات الأميركية استهدفت مستشفى الأورام السرطانية في مدينة صعدة، ومحطة كهرباء ضحيان ومنازل مواطنين في منطقة الشغف في مديرية سحار، وأبراج الاتصالات التي تزوّد المحافظة بالاتصالات والإنترنت، ومزارع المواطنين في جنوب مدينة صعدة وشرقها. ونفت المصادر ما قالته "القيادة المركزية الأميركية" عن استهدافها مخازن للأسلحة أو قواعد إطلاق صواريخ في مديريات كتاف وسحار والصفراء وساقين ومجزر ومدينة صعدة.
وكانت محافظة صعدة، منذ مطلع العام الماضي، تحت الرصد الأميركي، إلا أن قوات صنعاء تمكّنت من إسقاط أربع طائرات مُسيّرة من طراز "أم كيو 9" في سماء المحافظة التي تحاول واشنطن تنفيذ خطة اغتيالات فيها، تحدّثت عنها وسائل إعلام أميركية. وجدّدت تلك القوات ردها على التصعيد الأميركي أخيراً، بتصعيد مماثل طال مرة أخرى حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" والبوارج والسفن الحامية لها في البحر الأحمر، بأكثر من عملية منذ صبيحة عيد الفطر، فضلاً عن إعلانها إسقاط طائرة أميركية من الطراز المذكور نفسه في أجواء محافظة الجوف الواقعة شمال صعدة.
من جهتها، استغلّت القوات الموالية لحكومة عدن، إجازة عيد الفطر لتنفيذ عروض عسكرية في جبهات مران وكتاف والملاحيظ وأزال والبقع، والتي تقع في محيط محافظة صعدة التي يربطها شريط حدودي يصل طوله إلى نحو 400 كيلومتر مع السعودية.
ويأتي ذلك في ظل تحركات يجريها السفير الأميركي في اليمن، ستيفين فاجن، منذ أشهر، مع الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي لتحريك جبهات الحدود بشكل خاص، إلا أن المساعي الأميركية تثير مخاوف سعودية، خاصة أن هذا الخيار قد يدفع حركة "أنصار الله" إلى إشغال جبهات جيزان ونجران وعسير، والتي لا تزال قواتها تتموضع في معظمها رغم دخول صنعاء في تهدئة مع الجانب السعودي تنفيذاً لاتفاقات غير معلنة بينهما.
إلى ذلك، تعرّضت صنعاء ومحافظتا حجة والحديدة لسلسلة غارات أميركية، أدّت إلى ارتفاع عدد ضحايا العدوان الأميركي على اليمن إلى 61 قتيلاً و139 جريحاً كلهم من المدنيين، منذ منتصف الشهر الماضي، وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في صنعاء.
ماذا تعرف عن تاريخ صعدة؟
صعدة مدينة يمنية تاريخية تقع في شمال غرب البلاد، وتعتبر معقلًا تاريخيًا للمذهب الزيدي. تأسست المدينة في القرن التاسع الميلادي، وازدهرت كمركز علم ودين وثقافة وتجارة، وكانت عاصمة للدولة الزيدية لقرون طويلة.
كما لعبت صعدة دورًا هامًا في تاريخ اليمن السياسي والديني والثقافي، وتحتوي صعدة على العديد من المعالم التاريخية والأثرية، مثل جامع الهادي والجبانة القديمة. وقد اشتهرت مدينة صعدة بأنها حلقة وصل بين اليمن والحجاز، وما زالت معالمها تعكس عظمة العمارة الإسلامية.
في القرن الحادي والعشرين، أصبحت صعدة مركزًا لحركة أنصار الله (الحوثيين)، وشهدت حروبًا عنيفة بين الحوثيين والحكومة اليمنية وما سُمي "التحالف العربي" بقيادة السعودية. تعتبر صعدة هدفًا استراتيجيًا للتحالف، حيث يسعى إلى تقويض قدرات الحوثيين وتقليل نفوذهم في المنطقة.
شهدت صعدة حروبا بين عامي 2004 و2010، وقد عُرفت بحروب صعدة، شنّها الرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين). وقد صمدت صعدة في وجه هذه الحروب لعدة أسباب، أولها طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة، حيث ساعدت التضاريس الصعبة في إعاقة تقدم القوات الحكومية وتوفير ملاذ آمن للمقاتلين الحوثيين. وثانيا الدعم الشعبي، حيث حظيت حركة أنصار الله بدعم كبير من السكان المحليين في صعدة، الذين شعروا بالتهميش من قبل الحكومة المركزية، بالإضافة الى القيادة القوية إذ تميزت قيادة أنصار الله، وعلى رأسها السيد حسين بدر الدين الحوثي ثم أخوه عبد الملك الحوثي، بالصلابة والإصرار.
ورابعا العقيدة القتالية، حيث امتلك مقاتلو أنصار الله عقيدة قتالية قوية وإيمانًا بقضيتهم، مما زاد من قدرتهم على الصمود، وكذلك تكتيكات حرب العصابات، إذ اعتمد الحوثيون على تكتيكات حرب العصابات التي أثبتت فعاليتها في مواجهة الجيش النظامي.
*فشل السعودية في كسر صعدة
تدخلت المملكة العربية السعودية بشكل مباشر في الصراع اليمني منذ عام 2015، وقادت تحالفًا عسكريًا واسعًا بهدف دعم الحكومة اليمنية واستعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك صعدة. ومع ذلك، فشلت السعودية في كسر صعدة لعدة عوامل:
ـ قوة وصلابة أنصار الله: حيث أظهر الحوثيون قدرة كبيرة على الصمود في وجه الحملة العسكرية السعودية المكثفة، واستمروا في السيطرة على صعدة.
ـ طبيعة الحرب المعقدة: فقد تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة ومعقدة، يصعب فيها تحقيق نصر حاسم.
ـ الاعتبارات الإنسانية: أدت العمليات العسكرية إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن بشكل كبير، مما زاد من الضغوط الدولية على التحالف بقيادة السعودية.
ـ التحديات الجيوسياسية: واجهت السعودية تحديات جيوسياسية وإقليمية معقدة، أثرت على قدرتها في حسم الصراع باليمن.