طهران تقاوم "الابتزاز".. قرار وقف التعاون مع الوكالة الذرية... لحظة كسر الهيمنة وإعادة ضبط المعادلة الدولية

انفوبلس..
في تطور ينتصر للشعب الإيراني ضد أعدائه، ولكنه يثير قلق الأوساط الدولية ويزيد من تعقيد ملف إيران النووي، أعلنت طهران وقف تعاونها الطوعي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة تُقرأ على أنها تصعيد محسوب في سياق التجاذبات مع الغرب، لكنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة وإشارات استراتيجية مدروسة بدقة.
بلاغ رسمي
في صباح اليوم، أبلغ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان رسمياً، منظمة الطاقة الذرية بإيقاف التعاون معها، وذلك تنفيذا لقرار مجلس الشورى الاخير بهذا الصدد.
وأفادت وكالة مهر للأنباء، بأن "بزشكيان أبلغ في رسالة رسمية، منظمة الطاقة الذرية ووزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي، بقانون إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ويستند القانون إلى المبدأين 123 و85 من الدستور الإيراني، والذي أقره مجلس صيانة الدستور بعد إقراره في جلسة علنية لمجلس الشورى الإسلامي يوم الأربعاء الماضي، ينص على وقف تعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى توفر الظروف المناسبة.
و بموجب هذا القانون، تُلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار إجراءات الضمانات الإضافية، ما لم يكن ذلك في إطار اتفاقيات صريحة لمجلس الشورى، وفقا لوكالة مهر.
ما الذي يعنيه القرار من الناحية التقنية؟
منظمة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة المخولة دوليًا بمراقبة الأنشطة النووية وضمان سلميتها. وكان التعاون الإيراني في السنوات الأخيرة، رغم كونه محدودًا ومتقطعًا، يشمل: "السماح للمفتشين بالوصول إلى المنشآت النووية، وتركيب كاميرات مراقبة في بعض المواقع الحساسة، وتقديم تقارير دورية عن حجم التخصيب ومستوى النقاء".
إيقاف هذا التعاون يعني أن إيران لن تسمح بعد الآن للمفتشين الدوليين بالدخول إلى منشآتها الحساسة أو مراقبتها بشكل شفاف، ما يُفقد المجتمع الدولي القدرة على تقييم حقيقة برنامجها النووي.
مبررات طهران
منذ انطلاق برنامجنا النووي قبل أكثر من عقدين، لم تتوقف الجمهورية الإسلامية عن التأكيد بأن هذا المشروع وطني، سلمي، ويأتي في إطار حقوق إيران المشروعة كدولة مستقلة ضمن معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT). لكن، وعلى الرغم من كل التعاون الذي قدمته طهران، وكل التنازلات التي قُدمت في إطار الاتفاق النووي لعام 2015، لم تقابلها الدول الغربية سوى بالغدر، والمماطلة، والخداع السياسي، مستخدمة وكالة الطاقة الذرية أداة ضغط سياسية لا مؤسسة تقنية محايدة.
لهذا، وبحسب مصادر إيرانية، فإن قرار إيران بوقف التعاون مع الوكالة، ووقف تطبيق بعض الالتزامات الطوعية، لم يكن مفاجئًا لمن يتابع مسار المماطلة الغربية، بل كان خطوة سيادية مشروعة تأخرت كثيرًا، تهدف إلى كسر نمط الابتزاز المستمر، وإعادة ضبط معادلة القوة بين طهران والعواصم الغربية التي اعتادت مخاطبتنا بلغة الإملاءات.
لقد جاء القرار بعد أن أصدر مجلس محافظي الوكالة الذرية، بتحريض من واشنطن وتل أبيب، قرارًا جائرًا يفتقد إلى الحياد والموضوعية، يتهم إيران بعدم التعاون، متجاهلًا أن طهران كانت من أكثر الدول تعاونًا مع المفتشين الدوليين، وأن الوكالة نفسها كانت قد أعلنت مرارًا في تقاريرها عدم وجود أدلة على انحراف البرنامج النووي الإيراني نحو أغراض عسكرية.
وبحسب المصادر، فإن الذين ينتقدون القرار في الغرب، أو حتى من بعض الأصوات الإقليمية الحليفة له، يتجاهلون أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحولت من هيئة رقابية فنية إلى واجهة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة وأوروبا لخنق إيران، وحرمانها من حقوقها الطبيعية في التقدم التكنولوجي والاعتماد على الذات.
بعضهم يدّعي أن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة العزلة الدولية. لكن، وبحسب المصادر، هل كانت إيران يوماً خارج دائرة العقوبات؟ منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، وهي تخضع لأقسى حملات العقوبات الاقتصادية، بينما لم تُقدم أوروبا على أي خطوة جادة لإنقاذ الاتفاق أو تخفيف الأضرار.
وتؤكد المصادر، إن وقف التعاون مع الوكالة، هو رسالة واضحة للعالم، مفادها أن عصر الانحناء قد انتهى، وأن إيران تمتلك من الإرادة والسيادة ما يجعلها قادرة على الدفاع عن حقوقها، دون رهبة من تقارير الوكالة ولا من تهديدات الكيان الصهيوني، الذي يعلم قبل غيره أن طهران لا تخضع للابتزاز، ولا تعيش على هامش الجغرافيا.
ومن نافذة أخرى، فإن هذا القرار يحمل بعدًا استراتيجيًا مهمًا في خضم التغيرات الإقليمية. في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة حروبًا بالوكالة، وحملات تهديد مفتوحة من الكيان الصهيوني، وإعادة اصطفاف في محور المقاومة، فإن إيران لا يمكنها أن تُبقي منشآتها النووية مكشوفة للمراقبة الغربية، التي قد تُستخدم لاحقًا في التحضير لعمل عسكري أو تخريبي.
كما أن الشارع الإيراني، الذي يعاني من آثار الحصار الاقتصادي، لن يقبل أن تُقدَّم تنازلات مجانية مرة أخرى. لقد نضج الوعي الداخلي، وبات واضحًا للجميع أن الغرب لا يفهم سوى لغة الردع.
وتعيد المصادر تجديد التأكيد على أن إيران لم ولن تسعى إلى إنتاج السلاح النووي، وهذا قرار استراتيجي ديني وأخلاقي قبل أن يكون سياسيًا. لكن إيران أيضًا، لن تقبل أن تُعامل كدولة من الدرجة الثانية. وإن وقف التعاون مع الوكالة لم يكن خرقًا للاتفاق، بل هو رسالة تحذير مدروسة، مفادها أن الزمن تغير، وأن من يريد اتفاقًا، فعليه احترام التوازن لا فرض الهيمنة، وهذا القرار لم يكن نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة في تاريخ الاستقلال النووي الإيراني.
أسباب القرار
وفقا لمحللين، هنالك دوافع متعددة وسياقات متراكبة لقرار طهران بإيقاف التعاون مع منظمة الطاقة الذرية أهمها هو إنه جاء كرد فعل على مشروع قرار في مجلس محافظي الوكالة يندد بعدم تعاون إيران، وهو ما اعتبرته طهران تصعيدًا غير مبرر".
أما السبب الثاني فإنه يمثل "ورقة ضغط تفاوضية، حيث تستخدم طهران هذا النوع من التصعيد كورقة ضغط في إطار مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن والدول الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي"، كما يأتي القرار بتوقيت إقليمي حساس، حيث جاء وسط تصعيد إقليمي واسع النطاق، من غزة إلى لبنان والعراق واليمن، ما يوحي برغبة إيران في فرض إيقاعها الخاص على المشهد".
وآخر الأسباب بحسب المحللين يتمثل بـ"تحولات داخلية في السلطة الإيرانية، حيث إن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وصعود قيادة جديدة قد يكون دفع النظام نحو تشديد الموقف النووي لتأكيد الاستمرارية وعدم التهاون".
النتائج السلبية المحتملة
يرى مراقبون ومحللون إن للقرار عدة نتائج سلبية محتملة، منها "تفاقم عزلة إيران الدولية، حيث ستتعزز قناعة الغرب بأن طهران تسير بخطى متسارعة نحو امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، مما يزيد من الضغوط والعقوبات المحتملة"، فضلا عن زيادة احتمالات الرد العسكري الصهيوني، حيث تعتبر تل أبيب توقف التعاون مع الوكالة مؤشراً خطيراً، وقد يدفعها لتسريع خططها الاستباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية".
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي القرار إلى "تعقيد المسار الدبلوماسي، فكلما تراجعت الشفافية، تراجعت فرص العودة للاتفاق النووي، وزادت الشكوك حول نوايا إيران، مما يقوّض المساعي الأوروبية والوساطات الدولية".
مخاطر القرار على طهران
تنتج سلبيات القرار العديد من المخاطر التي يمكن أن تؤثر على طهران ولو مؤقتا، ومنها ما يؤثر على الاقتصاد الإيراني ويجعله أمام ضغط أشد، حيث إن مزيداً من العزلة يعني حزم عقوبات جديدة، وتقلص الاستثمارات الأجنبية، وتفاقم أزمة العملة والبطالة.
كما قد يتسبب بتصعيد عسكري محتمل، فإن أي إشارة إلى قرب امتلاك سلاح نووي قد تُستخدم ذريعة لشن ضربات صهيونية أو أمريكية، مباشرة أو بالوكالة، بالإضافة إلى ذلك قد يسبب انهيار شبكة العلاقات الدبلوماسية، فالقرار قد يُفقد طهران ثقة حتى الدول الحليفة أو المتعاطفة مثل الصين وروسيا، التي تفضل إبقاء التعاون الفني قائماً مع الوكالة كوسيلة لضبط التوتر.
إيجابيات القرار من منظور طهران
رغم خطورة القرار وسلبياته المحتملة، إلا إنه لا يخلو من الايجابيات لطهران، فإنه يعزز أوراقها التفاوضية، حيث تراهن طهران على أن رفع مستوى التخصيب وإغلاق أبواب المراقبة سيجبر الغرب على تقديم تنازلات.
كما يمثل رسائل داخلية قوية، حيث يستخدم النظام هذه القرارات كدليل على "الصمود الثوري" والاستقلال، وهي أوراق مهمة في الداخل في ظل الأزمات المتعددة.
بالمقابل، يمثل إرباكاً للتحالف الغربي، حيث إن أي تصعيد من طهران يفتح شروخًا في الموقف الغربي بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ويمنح إيران فرصة للمناورة.