عام كامل على الحرب الأهلية في السودان.. وحوار البنادق يخلّف عشرات الآلاف من الضحايا.. تعرف على طرفي الصراع والسيناريوهات المتوقعة
انفوبلس/..
تدخل الحرب في السودان عامها الثاني وسط نزوح الملايين مع تحذيرات دولية من مجاعة هائلة في دولة دمرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل، في ظل أدوار مثيرة للجدل لدول إقليمية ما يتسبب بإطالة الحرب وتراجع الأمل في السلام.
تترك الحرب وراءها دماراً هائلاً ومعاناة إنسانية، ورغم الجهود الدولية، لا تزال بوادر الوصول إلى حل بعيد المنال في ظل اشتداد حدة الصراع مع مرور الوقت، حيث يخوض الجيش و"الدعم السريع" حرباً منذ منتصف نيسان2023، خلّفت حوالي 13 ألفا و900 قتيل ونحو 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
وحتى خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر المبارك، التي انتهت في 12 نيسان الجاري، استمرت المعارك بوتيرة شرسة بين الجيش و"الدعم السريع" في مناطق عدة، بل وتوسعت المعارك ودخلت مناطق جديدة، خاصة في قرى ولاية النيل الأبيض (جنوب) وقرى ولاية سنار (جنوب شرق)، وحافظت النقاط الساخنة سابقا على وتيرتها من الاشتباكات في الخرطوم والجزيرة (وسط) وولايات دارفور (5 ولايات- غرب) وكردفان (3 ولايات- جنوب).
قد يرى البعض أن سبب الأزمة هو التنافس بين الرجلَين القويَّين في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، وبين محمود حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات "الدعم السريع" أو الميليشيا الموازية للجيش، بينما يرى آخرون أن السبب هو تواضع وترفع الكفاءات السودانية عن المنافسة لاستلام زمام أمور السودان وتولي قيادته.
المفكر السوداني محمد محجوب هارون، يرى أنه "مع استمرار استنزاف الحرب للمقدرات البشرية والمادية للدولة والمجتمع، فإن الأداء العسكري للجيش الوطني، والقوى الأهلية المساندة له التي تقاتل إلى جانبه يتحسّن، في مقابل تراجع أداء الدعم السريع والجماعات الأهلية المتحالفة معه، خاصة فيما يلي العمل العسكري المنظّم تحت قيادة موحّدة.
ويعتقد محجوب هارون، أن "فُرص الجيش الوطني في السيطرة على نطاق واسع من العاصمة هي الأكبر، لكن تحقيق سيطرة واسعة للجيش على أقاليم السودان، لا سيما غربي البلاد، لن يكون في أمد قصير".
تأثير العوامل الخارجية
أما من ناحية العوامل الخارجية، إقليميا ودوليا، يعتقد هارون أن "الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه هو أن الموقف الخارجي، يتنازعه عاملان متكافئان إلى حد كبير، أولهما تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص"، على حد وصفه.
والثاني - بحسب هارون - يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثّر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأُفق.
لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى، كما يقول هارون، عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.
وأضاف هارون، أنه "لن يكون العامل الخارجي، بأيّ حال، أكثر تأثيرا من العامل الداخلي، فالذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير، والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل، القوى الرئيسية، في حالتنا الراهنة، هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية".
ووفق هارون، فإنه "يتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية منها افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة، ولتأثرها بسنوات الحكم العسكري-الإنقاذي الطويلة، وبسبب تشظيها، ولنشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد، وعدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلا عن تضعضُع الدولة السودانية، مما ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع".
استقطاب وانقسام السياسي
السياسي السوداني الدكتور الواثق كمير، يرى أن "الاستقطاب والانقسام السياسي لم يُسهم في تأجيج الأزمة فحسب، بل له السهم الأكبر في إفشال الفترة الانتقالية، وتوفير البيئة لتعقيد الأزمة، وانقلاب تشرين الأول 2021، واندلاع الحرب في نيسان 2023.
وأضاف كمير، في حديث صحفي، أن " أي حرب إذا طال أمدها سيكون لها عواقب وخيمة ونتائج كارثية، ورغم أن الحرب الحالية تبدو بين طرفين، فإنها أحدثت انقساما سياسيا واجتماعيا واضحا بحكم استنصار "مليشيا الدعم السريع" بحواضن اجتماعية، وادعاء بعض قيادتها بأن قتالهم ضد مؤسسي دولة 1956 "تاريخ استقلال السودان"، وكأنهم يتهمون السودانيين في وسط البلاد وشمالها الذين بدت لديهم روح عدائية لا تفرق بين الدعم السريع وقيادته وحواضنه الاجتماعية، وامتدت لتشمل دارفور والسودان".
السيناريوهات المتوقعة
وبحسب السياسي السوداني الدكتور الواثق كمير، فإن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحا على كافة الاحتمالات. ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية. ويرى أن سيناريوهات المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.
ومن السيناريوهات توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة. وهذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد، كما يرى كمير.
تحذيرات من مجاعة وشيكة
وحذرت الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة في السودان بعد دخول الحرب عامها الثاني بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي خلفت نحو 15 ألف قتيل وجعلت 25 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مساعدة.
وأفاد رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، جاستين برادي، بأنه "دون المزيد من الموارد، لن نتمكن من وقف المجاعة أو تقديم المساعدة الأساسية"، محذرا من "تنامي المعاناة واحتمال تزايدها".
وقال، إن "الظروف القاتمة على الأرض وصلت إلى مستوى الطوارئ بعد وقت قصير من اندلاع النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع".
وأكد، إنه "بسبب الوضع الأمني المتردي، اضطرت الوكالات الدولية إلى الانتقال من العاصمة الخرطوم بعد بضعة أسابيع فقط من اندلاع القتال إلى بورت سودان – شرق السودان".
وأشار المسؤول الأممي إلى أن "معظم الحصص الغذائية التي يتلقاها الناس من وكالات مثل برنامج الأغذية العالمي قُلِّصت الآن إلى النصف".