عبد الهادي العراقي.. من قائد في القاعدة إلى معتقل في غوانتانامو.. غموض ظروف اعتقاله وتطورات قضية تسليمه إلى العراق
انفوبلس/..
نشوان عبد الرزاق عبد الباقي، المعروف بلقب "عبد الهادي العراقي"، يُعد من أبرز القادة في تنظيم القاعدة، من مواليد مدينة الموصل 1961، انتسب الى الجيش العراقي خلال فترة الثمانينيات، حيث ارتقى إلى رتبة رائد، وانخرط في التسعينيات مع الجماعات المسلحة في شمال العراق، ثم انتقل إلى أفغانستان للمشاركة في القتال ضد قوات الاتحاد السوفييتي، ثم انتقل الى "تنظيم القاعدة" هناك.
تولى (عبد الهادي العراقي) منصب "ولاية العراق" في تنظيم القاعدة عبر أسامة بن لادن قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبعد الاحتلال قَدِم من أفغانستان الى العراق عبر تركيا، لكن إرادة دولية أو إقليمية ما، جعلت فريق عمله في بغداد يطالبه بالانتظار في إسطنبول لوقت أطول، وهذا الوقت طال وحال دون استلامه مسؤولياته، ليتم بعدها اعتقاله في عملية مباغتة عام 2006.
اقتيد بعد اعتقاله، إلى موقع سري تابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية قبل غوانتانامو، ووُجِّهت إليه الاتهامات في عام 2014، ونُقل إلى معتقل غوانتانامو، في يونيو 2022، اعترف بمسؤوليته عن مقتل 17 جنديًا من قوات الاحتلال في أفغانستان بين عامي 2003 و2004 ثم صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 30 عامًا في عام 2024، مع إمكانية إطلاق سراحه بعد 8 سنوات لاعتبارات معينة.
اعتراض على تسليمه للعراق
وأفاد تقرير أمريكي، بأن عبد الهادي العراقي، المعتقل في سجن جوانتانامو الأمريكي في كوبا، بتهم التورط في جرائم حرب في أفغانستان، تقدم بدعوى قضائية لمنع إدارة الرئيس جو بايدن من تسليمه الى العراق لاستكمال فترة سجنه.
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن عبد الهادي العراقي (نشوان عبد الرزاق عبد الباقي) البالغ من العمر 63 سنة، الذي سبق له أن أقر بذنبه حول جرائم حرب في أفغانستان، وبقتل جنود أميركيين، قد رفع دعوى أمام محكمة اتحادية، في محاولة لوقف نقله من سجن جوانتانامو إلى سجن الكرخ العراقي".
السجين عبد الهادي العراقي، وهو الذي يُقال عنه إنه كان المساعد المقرب لأسامة بن لادن، يُعد أحد آخر المعتقلين المتبقين في سجن خليج غوانتانامو، ومن المقرر نقله إلى سجن في مسقط رأسه بالعراق.
مبررات رفض نقله
وأشار التقرير، إلى أن "الالتماس الذي قدّمه محامو عبد الهادي العراقي، جاء بعد مفاوضات جارية منذ بعض الوقت لتسلميه الى الحكومة العراقية، برغم احتجاجاته ومحاميه من إمكانية تعرضه لسوء المعاملة وعدم توفر الرعاية الطبية اللازمة له"، لافتا الى أنه "يعتبر أكبر سجناء جوانتانامو عمراً، ويعاني من إعاقة كبيرة بسبب مرض أصاب عموده الفقري بالشلل، الى جانب خضوعه لست عمليات جراحية في السجن الأمريكي".
ونقل التقرير، عن محامي نشوان عبد الرزاق عبد الباقي، إشارته إلى أن "الخطة الامريكية تقتضي أن تحتجزه الحكومة العراقية في سجن الكرخ خارج بغداد، الذي كان مركزا أمريكيا للاعتقال سابقا يسمى "معسكر كروبر" الذي جرى فيه احتجاز مئات السجناء في السنوات قبل تسليمه الى السيطرة العراقية في العام 2010".
وبحسب التقرير، فإن التماس المحامين المؤلف من 27 صفحة، ينص على أن "السجين لا يمكن إيواؤه في سجن عراقي بسبب المشكلات العديدة التي يعاني منها نظام السجون العراقي، بالإضافة الى أن الحكومة العراقية ليست قادرة على تأمين الرعاية الطبية التي يحتاجها لحالته التي تفاقمت بسبب عدم كفاية الرعاية الطبية أثناء وجوده في سجن جوانتانامو".
وبحسب الالتماس المقدم، فإن السجين والمحامين اعترضوا على عملية النقل، مشيرين الى التزامات الولايات المتحدة وفقاً للقانون الدولي والدستوري بعدم إرسال شخص ما إلى بلد قد يتعرض فيه لسوء المعاملة. ونقل التقرير عن الناشط في "مركز ضحايا التعذيب" سكوت روم قوله إن تقارير وزارة الخارجية الاميركية المتعلقة بحقوق الانسان، تعتبر أن "السجون العراقية حافلة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب".
تخفيض المحتجزين في غوانتنامو
وذكّر التقرير، بأن عبد الهادي العراقي، أقر في العام 2022 بأنه مذنب بجرائم الحرب، وتحمل المسؤولية عن أفعال ارتكبها مقاتلون خاضعون لقيادته، وذلك في إطار في صفقة تسوية طُرحت عليه، ويفترض انتهاء فترة العقوبة عام 2032"، مضيفا أن "الصفقة نصت ايضا على احتمال أن يمضي عقوبته في الحجز لدى دولة أخرى أكثر قدرة على توفير الرعاية الطبية له".
ولفت إلى أن دعوى المحامي، تشكل محاولة لإحباط جهود إدارة بايدن، لتخفيض عدد المحتجزين في غوانتنامو، قبل أن يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه"، مشيرا الى أنه "جرى حتى الآن إعادة 4 سجناء، من بينهم رجلان ماليزيان اعترفا أيضا بارتكاب جرائم، الى بلدهما ماليزيا"، وتابع قائلا إنه "بخلاف السجين العراقي، فإن أيّاً من هؤلاء الرجال الـ 4، بمن فيهم أيضا مواطن تونسي وآخر كيني، تسليمهم إلى بلدانهم".
ومن غير المعروف متى ينوي البنتاغون تسليم عبد الهادي العراقي، الى بغداد، ولكن وزارة الدفاع أخطرت الكونجرس بالخطة في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، فيما نبّه التقرير، إلى أن إدارة ترامب قد تكون ملتزمة بالمتطلب القانوني المتمثل في إبلاغ الكونغرس ومن المحتمل أن يتم نقله من جوانتانامو في الأسبوع الذي يبدأ في 12 كانون الثاني الحالي.
مخاوف المحامين
وبينما رفض المتحدثون باسم وزارتي الخارجية والعدل مناقشة القضية، أوضح التقرير، أن محاميي الحكومة أبلغوا القاضي من المحكمة الجزائية الامريكية في مقاطعة كولومبيا، بأنهم يرغبون في الرد على سؤال الأمر القضائي الأولي بحلول يوم الاربعاء المقبل".
ولفت التقرير، إلى أن محامي عبد الهادي العراقي، هم بنجامين سي ماكموري وسكوت ك ويلسون، في ولاية يوتا، كما أن المحامية لدى وزارة الدفاع سوزان هينسلر وتمثله منذ العام 2017، وقّعت على طلب الالتماس أيضا والذي يتضمن التذكير بما ورد في تقرير لوزارة الخارجية الاميركي للعام 2023 حول المخاوف بشأن ما أسماه (انتهاكات حقوق الإنسان في العراق) حيث يشير بشكل محدد الى "ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة".
سيرته
واستعاد التقرير بعضاً من سيرة (عبد الهادي العراقي) مشيراً إلى أنه "وُلد في مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) عام 1961، وهرب من العراق عام 1990 لتجنب التجنيد في جيش صدام حسين قبل أول غزو أمريكي للعراق، ثم استقر في أفغانستان".
وتابع قائلا، إنه "خلال عامي 2003 و2004، في وقت مبكر من الغزو الامريكي، استخدم مقاتلو طالبان وتنظيم القاعدة تحت قيادته، بشكل غير قانوني، غطاء المدنيين في هجمات تسببت في مقتل 17 جنديا أمريكيا في أفغانستان".
وكان عبد الهادي العراقي، يعتمد على كرسي متحرك ومشاية بأربع عجلات، وجرى احتجازه لسنوات في زنزانة مجهزة بأماكن إقامة للأشخاص من أصحاب الإعاقات الجسدية.
عائلته تناشد بعدم نقله
وناشدت عائلة أحد قادة تنظيم القاعدة السابقين، والمعتقل حاليا في غوانتانامو، يوم السبت، السلطات الأميركية إطلاق سراحه، وعدم ترحيله إلى العراق، حيث قالت زوجته الأفغانية سونيا أميري، في حوار مع قناة تلفزيونية، إنها "تخشى الآن على صحته"، مستطردة بالقول "لقد كان من الصعب بالنسبة لي ولأطفالي سماع خبر نقله إلى العراق، فالوضع في السجون هناك سيئ للغاية، ولن يظل على قيد الحياة أكثر من بضعة أشهر إذا تم نقله إلى هناك".
وذكرت سونيا، إن "زوجها خضع لست عمليات جراحية في عموده الفقري في غوانتانامو، ولا يجب إرساله إلى العراق، بل يجب إعادته إلى أفغانستان"، مردفة: "أنا أفغانية وأطفاله الأربعة أفغان، سوف يبقى على قيد الحياة في غوانتانامو ولكن ليس في العراق".
ومن جانبه، قال ابنه عبد الله، الذي يقدر عمره بمنتصف العشرينيات، "عندما اعتقلوا والدي، كنت صبياً في السادسة من العمر، كان (والدي) يتمتع باللياقة البدنية، والآن أصبح مشلولا، كل هذا حدث له في غوانتانامو، لقد عانى كثيراً والآن حان الوقت ليعود إلينا".
كما قالت زوجته سونيا، "لم أكن أعرف شيئاً عما كان يحدث، تعرفت عليه باسم عبد الرحمن، وعند القبض عليه، أخبروني أن اسمه عبد الهادي".
الزرقاوي حل محله بظرف غامض
في خضم الوثائق التي كشفت عنها غارة أبوت آباد التي قُتل فيها زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن)، تبرز تساؤلات حول الصراع الداخلي الذي دار في صفوف التنظيم، خاصة فيما يتعلق ببروز (أبو مصعب الزرقاوي)، الأردني الأصل والمرتبط بتنظيم "أنصار الإسلام" في كردستان الذي كان يتزعمّه الملا كريكار، حيث تولى الزرقاوي ولاية العراق في التنظيم بدلاً من عبد الهادي العراقي الذي كان يُتوقع أن يتولى زمام الأمور.
الوثائق تشير إلى أن الزرقاوي، قائد جماعة التوحيد والجهاد، استطاع جذب الأنظار بين عامي 2003 و2004، ليعلن لاحقًا ولاءه لتنظيم القاعدة ويتحول إلى "القاعدة في العراق"، ورغم قسم الولاء لابن لادن في أواخر 2004، فإن علاقة الزرقاوي بالقيادة المركزية للقاعدة شابها الكثير من التوتر، فقد عجزت القيادة المركزية عن فرض سيطرتها على الوضع، ما أدى إلى تحول جماعة الزرقاوي إلى "دولة العراق الإسلامية" بحلول عام 2007، وهو انشقاق فعلي عن القاعدة.
ولكن ماذا عن عبد الهادي العراقي، الذي أُوكلت إليه ولاية العراق قبل الغزو الأمريكي في 2003؟ تشير مصادر إلى أنه قَدِم من أفغانستان إلى العراق عبر تركيا، ولكنه واجه عراقيل غامضة حالت دون وصوله إلى بغداد، ويبدو أنه كانت هناك إرادة دولية أو إقليمية لتجميد تحركاته، وعلى إثرها تأخر في إسطنبول حتى تم اعتقاله في عام 2006 وتسليمه الى واشنطن، هذه الأحداث المتشابكة تركت المجال مفتوحًا أمام الزرقاوي للظهور كواجهة التنظيم في العراق، وهو الذي كان سابقًا عضوًا في تنظيم "أنصار الإسلام" في كردستان.
هذه الأسئلة تظل عالقة، تُثير الفضول حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بالزرقاوي إلى الواجهة، بينما بقي (عبد الهادي العراقي) بعيدًا عن المسرح العراقي حتى اعتقاله، هل كان الأمر يتعلق بخلافات داخلية، أم أن هناك أبعادًا خارجية أثرت في سير الأحداث؟ الإجابات قد تكون مدفونة في خبايا تلك الوثائق أو في ظلال السياسة الإقليمية التي أحاطت بالعراق في تلك الفترة الحرجة.