علي مملوك يُزاح من رئاسة الأمن الوطني السوري وكفاح ملحم المقرب من الروس بديلا.. هل بدأت روسيا بهيكلة الأجهزة الأمنية الرفيعة؟
انفوبلس/ تقارير
دون إعلان رسمي، جرت تغييرات خلال الأيام الماضية على مستوى القيادات الأمنية الرفيعة في سوريا، تمثلت بإزاحة اللواء علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن الوطني وتعيين اللواء كفاح ملحم خلفاً له بعد أن كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية. ورغم أن التغييرات جاءت إثر الخروقات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن مراقبين وصفوها بأنها محاولة لـ "إعادة هيكلة" الأجهزة الأمنية السورية الرفيعة تحت إشراف روسي. فمَن هو مملوك؟ ومَن هو ملحم؟ ولماذا دخل الأول الى المستشفى بعد قرار عزله؟ وما المناصب التي شغلها الثاني؟ إليك كل ما تريد معرفته عن التغييرات الأمنية التي حدثت مؤخرا والدور الروسي فيها.
*إزاحة مملوك
بحسب ما أكدته مصادر في الجيش السوري، فإن التغييرات حدثت على مستوى مكتب الأمن الوطني، وهو أعلى وأقوى جهاز أمني في سوريا، والذي يُشرف وينسق الأنشطة والهجمات وعمليات الأجهزة والفروع الأمنية والاستخباراتية المختلفة في البلاد.
وقالت المصادر، إن التعديل الوزاري تضمن إقالة اللواء علي مملوك من رئاسة مكتب الأمن الوطني، وتعيينه مستشاراً أمنياً للرئيس بشار الأسد، ومملوك يُعد من أكثر الشخصيات المؤثرة والموثوقة في نظام الحكم السوري، والذي شارك في العديد من القرارات والسياسات الرئيسية لدمشق، خاصة فيما يتعلق بالحرب السورية وعلاقات سوريا مع الأطراف الإقليمية والدولية.
*مَن هو علي مملوك؟
اللواء علي مملوك، هو ضابط سوري، ونائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية منذ 9 يوليو 2019. لقبه أبو أيهم ومن مواليد دمشق 1946 البحصة، يعود تاريخ عائلته إلى أحمد باشا المملوك قبل مئة عام والمدفون في مقابر عائلة المملوك بمقابر الدحداح بدمشق كما أن لعائلته فروع في كل من لبنان وفلسطين ومصر.
يُعد مملوك أحد أبرز القادة الأمنيين السوريين حيث يحظى بثقة كبيرة من الرئيس السوري بشار الأسد وقد عيّنه رئيسا لمكتب الأمن الوطني خلفا لهشام بختيار الذي قُتل في تفجير بدمشق، وقد شغل سابقا منصب مدير أمن الدولة.
يعتبر مملوك "الصندوق الأسود" لبشار الأسد وفُرضت عليه كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية بتهم قمع التظاهرات أثناء الثورة السورية. كما أنه متهم حالياً بمحاولة تفجير الوضع في لبنان بالاتفاق مع الوزير اللبناني ميشيل سماحة الذي اعترف مؤخراً بنقله متفجرات بسيارته لتنفيذ اغتيالات لقائمة من الأشخاص بالاتفاق مع علي مملوك.
*لماذا دخل مملوك إلى المستشفى؟
بعد تداول أنباء عن عزله من منصبه، كشفت وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي"، عن نقل علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني "المقال" إلى المستشفى الماضية بسبب "مشاكل صحية"، إذ تحدثت وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي" عن نقل "علي مملوك" إلى المستشفى بسبب ما وصفته بـ "مشاكل صحية"، وجاء ذلك تزامنا مع تأكيد قرار تعيين كفاح ملحم - المُدرَج على لائحة العقوبات الأمريكية- رئيساً لـمكتب الأمن الوطني خلفاً لـمملوك.
ونقلت الوكالة عن مصدر في دمشق لم تسمِّه قوله، إن "مملوك تعرض لوعكة صحية أدت إلى دخوله إحدى المستشفيات"، دون أن توضح بأن قرار عزله من منصب رئاسة "مكتب الأمن الوطني" كان بسبب العارض الصحي أم نقل للمشفى بعد القرار.
*تعيين كفاح ملحم
عقب قرار الرئيس السوري بشار الأسد إزاحة علي مملوك من منصبه، أصدر أمرا بتعيين كفاح ملحم بديلا له بعد أن كان رئيساً لشعبة المخابرات العسكرية التي تعتبر من أهم وأبرز الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في سوريا، والمسؤولة عن الشؤون والقضايا العسكرية والدفاعية في البلاد.
وتمت ترقية وتمكين ملحم، وهو من المقربين والمخلصين للرئيس الأسد، والذي كان يلعب دوراً حيوياً وفعالاً في الحرب السورية والتنسيق والتعاون السوري مع القوات الروسية. وبالتعديل الجديد، اكتسب ملحم المزيد من السيطرة والنفوذ على الأجهزة الأمنية والوضع الأمني في البلاد.
مَن هو ملحم؟
هو ضابط عسكري سوري بارز ومن أبرز المقربين للأسد، أشرف على المخابرات العسكرية خلفاً للواء محمد محلا في 2019، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية. وظل ملحم في هذا المنصب لمدة أربع سنوات بقرار تمديد من الرئيس الأسد.
واللواء كفاح ملحم هو من الأسماء التي أدرجتها أميركا ضمن قائمة المطلوبين للخزانة الأميركية بسبب ما تقول إنها "انتهاكات نُسبت لهم أيام الثورة السورية بعد العام 2011 وتصفه بأنه أحد مهندسي معاناة السوريين".
وينحدر اللواء ملحم وهو علوي من بلدة جنينة بمحافظة طرطوس وانضم إلى الحرس الجمهوري ثم تدرّج في مناصب عديدة وعمل تحت إمرة باسل الأسد ومن ثم نقل إلى شعبة المخابرات العسكرية.
وكان ملحم في فترة اندلاع الثورة قائدا للفرع 248 الذي يوصف بأنه واحدا من أشد الفروع الأمنية. لكن في عام 2012 وبعد تدهور الوضع الأمني في حلب تم نقله للإشراف على فرع الأمن العسكري هناك.
*ما مصير مملوك بعد إزاحته؟
في هذا السياق، يرى الباحث السياسي في الشأن السوري محمد الزعبي أن عزل مملوك هو إشارة إلى نهاية حقبته الأمنية في منظومة الحكم الحالية، ففي سوريا، يتم تسمية كل مسؤول، سواء كان مقالاً أم متهماً أو مُطروداً، بلقب “مستشار”، وهذا اللقب يُلقى بظلاله على كل من يمتلك أي منصب قيادي، مما يشير إلى وضع يستلزم التحقيق والتفتيش.
ويقول الزعبي، "في حالة تورط أي مسؤول في فضيحة، يُعين كمستشار لتغطية الشراكات وإسكات الأصوات، إذ يُعرَّف المستشار في سوريا على أنه موظف بسيط يقضي يومه في الدوام لمدة ساعتين، يحتسي القهوة ويقرأ الجريدة في مكتبه".
كما أن المستشار في سوريا وفق حديث الزعبي، ليس مجرد وظيفة، بل هو عبارة عن إقامة جبرية، حيث يُمنَع من السفر وإصدار التصريحات الإعلامية، ويكون ملتزما بتعليمات الأجهزة الأمنية لمحاولة منعه من الانشقاق أو تسريب المعلومات والأسرار الدولية.
ما يلفت إليه الزعبي، إلى أن تعيين علي مملوك بمنصب مستشار هي ورقة نعي وعزاء مفتوحة، حيث يشكل رمزا لنهاية مسار مهني مظلم ومأساوي، وفقدان للكثير من المزايا والقوة التي كان يحظى بها سابقا، كأقوى رجل أمني في سوريا.
*"إعادة هيكلة" بإشراف روسي
التعديلات الكبيرة التي شهدتها سوريا في قيادتها الأمنية، دون أي إعلان أو تفسير رسمي، أثار العديد من التساؤلات والتكهنات حول دوافع ودلالات التغييرات، وعلاقتها بالتطورات والديناميكيات الإقليمية والدولية التي تشهدها سوريا وحلفاؤها، وحتى الخصوم.
هذا وقالت مصادر معارضة ومواكبة، وشبكات ووسائل إعلامية تابعة للحكومة السورية نقلا عن مراقبين، إن تعيين الأسد للواء علي مملوك مستشاراً له وإبعاده عن رئاسة مكتب الأمن القومي الذي يشرف على عمل كل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، يأتي في سياق محاولات لـ"إعادة هيكلة" هذه الأجهزة المتعددة تحت إشراف روسي.
وتحدث مراقبون في دمشق عن ضغط روسي على القيادة السورية لإصلاح مؤسسات الدولة وتخفيف القبضة الأمنية، وأيضاً تخفيف انتشار الحواجز الأمنية على الطرقات، كخطوة أولى في طريق الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد المستشري في جميع مفاصل الحياة العامة.
وقالوا، إن "القيادة السورية تسابق الزمن بغية تحقيق عدة أهداف عبر مسارين، أولهما إحداث تغييرات شكلية في بنيتها الأمنية والإدارية، تحقق من خلالها بعض الخطوات المطلوبة من الدول العربية المنخرطة في حل القضية السورية ومن خلفها الإدارة الأميركية، والثاني استملاك ما استطاعت من موارد وفعاليات اقتصادية، لبناء قوة اقتصادية تحكم من خلالها البلد، مهما كانت نتائج التدخلات والقرارات والحلول المفروضة لاحقاً على البلد".