فشل مشروع "حذف إيران من الخارطة" تحليل لخطاب الرئيس الأخير: بزشكيان يفكك أوهام تل أبيب ويعلن الجاهزية لضرب العمق الإسرائيلي مجددًا
انفوبلس/..
في لحظة سياسية متوترة تلي أخطر مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران والكيان الصهيوني، خرج الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن صمته في مقابلة متلفزة تابعتها وحللتها شبكة انفوبلس، قدم خلالها سردية صريحة، دفاعية وهجومية في آن، حول مسار الحرب، نتائجها، وما بعدها. المقابلة كانت أكثر من مجرد تصريحات بروتوكولية؛ لقد كانت خطابًا موجّهًا للإسرائيليين، ولحلفائهم الغربيين، ولشعوب المنطقة، وللداخل الإيراني كذلك. حملت رسائل متعددة المستويات، بلغة وازنة، جمعت بين الواقعية السياسية والاعتداد بالذات.
*أول ما بعد الحرب: قلب الطاولة على الرواية الإسرائيلية
من أبرز ما جاء في الحوار، تأكيد بزشكيان أن بلاده لم تُفاجأ بالحرب، وأن الجيش الإيراني كان في حالة استعداد قصوى، ولم يتصرف برد فعل بل نفذ “ضربات في العمق الإسرائيلي”، في تعبير مباشر ينفي رواية تل أبيب التي حاولت تصوير نفسها كضحية هجوم نووي محتمل، وكمحرّك رئيسي للدفاع عن الأمن الإقليمي.
الرئيس الإيراني شدد على أن بلاده لم تُهزم، ولم تُردع، بل على العكس، أثبتت أنها قادرة على اختراق منظومات الردع الإسرائيلية، وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف حساسة، وهو ما لم تعترف به إسرائيل بشكل علني، بحسب بزشكيان، في إشارة إلى ما سماه “التكتم عن حجم الخسائر الحقيقية”.
*الضربة في العديد: حدود اللعبة الأميركية
من التصريحات الأكثر إثارة للجدل في المقابلة، حديث بزشكيان عن استهداف قاعدة العديد الجوية الأميركية في قطر، لكنه فصّل بوضوح بين الدولة القطرية كحليف إقليمي، وبين القاعدة بوصفها نقطة انطلاق لهجوم أميركي على منشآت إيرانية. هذه المقاربة تعكس استراتيجية دقيقة، تُبقي خطوط التواصل مفتوحة مع دول الخليج، وتقطع الطريق على تل أبيب التي كانت تأمل في حشد إقليمي ضد طهران بعد الضربة.
وفي هذا السياق، أوضح الرئيس الإيراني أنه تحدث شخصيًا مع أمير دولة قطر، مؤكّدًا تفهمه لموقف القيادة القطرية وقلقها، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الرد الإيراني كان محصورًا بالمصدر المباشر للعدوان.
*اختراقات أمنية ومحاولة اغتيال: الفصل الأخطر في الحرب
وبحسب الرئيس، فإن إسرائيل سعت، بعد اغتيال قادة في الحرس الثوري، إلى تصفية القيادة السياسية الإيرانية لإحداث فراغ دستوري وخلخلة المشهد الداخلي، في خطوة تشبه السيناريوهات التي اتبعتها تل أبيب وواشنطن في دول أخرى شهدت انهيارات أنظمة.
هذا الإقرار الرسمي بمحاولة اغتيال رئيس الجمهورية، يُعد تصعيدًا غير مسبوق، ويؤشر إلى أن إسرائيل باتت تعتبر تغيير النظام الإيراني هدفًا مباشرًا للحرب، وليس فقط تحجيم نفوذه الإقليمي أو تعطيل برنامجه النووي.
*البرنامج النووي: من الخرسانة إلى العقول
أكثر ما أثار الجدل في تصريحات بزشكيان، هو ما قاله ردًا على المزاعم الأميركية التي تبناها دونالد ترامب، والتي ادعت تدمير البرنامج النووي الإيراني خلال الضربات الجوية الأخيرة. الرئيس الإيراني وصف هذه الادعاءات بـ”الوهم”، وأكد أن القدرات النووية الإيرانية ليست في البنى التحتية فقط، بل “في عقول علمائنا”، وهو تعبير ذو دلالات مزدوجة.
من جهة، يعكس هذا التصريح مدى تقدم المعرفة الإيرانية في المجال النووي، بحيث لم تعد طهران تعتمد على منشآت قابلة للتدمير، بل على شبكة من العقول والخبراء الذين يستطيعون إعادة بناء المشروع في حال تعرضه لأي ضربة. ومن جهة ثانية، يوجه رسالة إلى الغرب مفادها أن الضربات الجوية لا يمكن أن توقف مسار التخصيب، بل قد تعجّل بخروجه عن السيطرة.
*لا للحرب.. ولكن لا للاستسلام
الرئيس بزشكيان أوضح أن بلاده لا تسعى إلى الحرب، لكنها في الوقت نفسه ترفض أي قراءة لوقف إطلاق النار كهدنة دائمة أو علامة ضعف. بل شدد على أن طهران في كامل جهوزيتها للرد في حال أي تجاوز أو تصعيد جديد.
ورغم اعترافه بوجود اختراقات أمنية محدودة، فقد حمّل التكنولوجيا الأميركية المتطورة جانبًا من المسؤولية، في إشارة ضمنية إلى الدعم السيبراني الذي تلقته إسرائيل من واشنطن في عمليات الاختراق والتجسس.
*فشل مشروع “تفكيك إيران”
من أهم النقاط التي ركّز عليها بزشكيان، هو التأكيد على فشل “مشروع إسقاط النظام الإيراني وتفكيك الدولة”، والذي قال إن إسرائيل كانت تراهن عليه عبر الضربات الصاروخية وإثارة الفوضى السياسية والداخلية.
هذا التأكيد يحمل أكثر من رسالة: أولها للداخل الإيراني، حيث يهدف إلى تعزيز تماسك الرأي العام خلف القيادة السياسية بعد الحرب؛ والثانية للخصوم الإقليميين والدوليين، مفادها أن الرهان على تفكيك إيران لم ينجح، وأن الجمهورية الإسلامية لا تزال تقف على أقدامها سياسيًا ومؤسساتيًا.
*دبلوماسية ما بعد الحرب: لا خضوع ولا عزلة
رغم هذا الخطاب التصعيدي في مواجهة إسرائيل وأميركا، لم تغب عن حديث بزشكيان لهجة الانفتاح، فقد أكد على استعداد إيران للحوار، لكنه اشترط أن يكون على أساس “الربح للطرفين”، نافضًا بذلك الطاولة على سياسات الإملاءات الأميركية.
كما أبرز دعوته الواضحة إلى مشروع “الأمن الجماعي الإقليمي”، وهي إشارة إلى أن طهران لا تريد الاستمرار في لعبة المحاور، بل تطرح نفسها شريكًا في بناء هيكل أمني جديد يعكس التوازن الحقيقي في المنطقة، ويمنع التدخلات الأجنبية.
*التحول الإقليمي: لأول مرة تنحاز فيها دول المنطقة لإيران بهذا الشكل
ولعل من أكثر ما يفخر به بزشكيان، كما ظهر في المقابلة، هو ما اعتبره “تبدل الموقف الإقليمي”، مشيرًا إلى أن دولًا عربية -لم يسمّها- وقفت مع إيران خلال الحرب الأخيرة، بطريقة غير مسبوقة. هذا التصريح يوحي بوجود تبدلات استراتيجية في توازنات الإقليم، ويعيد طرح السؤال الكبير: هل بدأت طهران تؤسس لتحالفات جديدة تستند إلى واقع الحرب، لا إلى شعارات السياسة؟
*الخلاصة: خطاب بزشكيان… من الدفاع إلى إعادة التموضع
مقابلة الرئيس الإيراني لم تكن مجرد رد إعلامي على نتائج الحرب، بل كانت منصة لإعادة تعريف دور إيران الإقليمي وموقعها الاستراتيجي. من الواضح أن بزشكيان يهدف إلى طيّ صفحة “الدفاع عن النفس”، والانتقال إلى مرحلة أكثر هجومية وواقعية في الخطاب السياسي، قائمة على ثنائية القوة والدبلوماسية.
وفي هذا الخطاب، لم تكن إسرائيل هي العدو فقط، بل أصبحت مجرد أداة ضمن مشروع أميركي أوسع. وبالمقابل، بدا أن طهران تتجه لتوسيع تحالفاتها على قاعدة عقلانية، لا أيديولوجية، ترمي إلى إخراج المنطقة من وصاية المعسكرات الكبرى.