كابوس الولايات المتحدة.. البرنامج الصاروخي الصيني وتحديات الردع الأمريكي في القرن الحادي والعشرين

انفوبلس..
في ظل تصاعد التنافس العالمي على الهيمنة التكنولوجية والعسكرية، يكشف البرنامج الصاروخي الصيني عن تحول استراتيجي بالغ الخطورة يُقلق واشنطن بشدة، إذ تسعى بكين لتقويض النفوذ الأمريكي في آسيا والمحيط الهادئ عبر منظومة صاروخية متطورة ومتنوعة تشمل قدرات نووية وفرط صوتية وقصفاً مدارياً مفاجئاً، ما يهدد بإعادة رسم معادلات الردع العالمية حتى عام 2035.
وتتميز بكين بصواريخها بشكل بارز في مبادئها المتطورة لتدمير التهديدات الأمريكية المتقدمة ، والتي تستخدم مزيجاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز التي تُطلق من الجو والبر والبحر لاستهداف الأصول العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها في مسرح آسيا والمحيط الهادئ.
تعمل الصين أيضا على تطوير عدد من القدرات المتقدمة مثل الصواريخ الباليستية المضادة للسفن القابلة للمناورة ، والصواريخ MIRV ، والمركبات الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت HGV. يؤدي الجمع بين هذه الاتجاهات إلى قدرة العناصر الأساسية على استبعاد القوة الأمريكية مثل حاملة الطائرات والقواعد الجوية الأمامية من بحر الصين الجنوبي . وتمتلك الصين أيضا وحدة صغيرة نسبيا ولكنها متطورة من الصواريخ الباليستية النووية العابرة للقارات القادرة على ضرب الوطن الأمريكي، فضلا عن أسطول متزايد من غواصات الصواريخ الباليستية النووية.
- تمتلك الصين عددا مهولاً من هذه الصواريخ الباليستية الحاملة للصواريخ التقليدية والنووية، حسب الاحصائيات الأميركية, الصواريخ الصينية من حيث العدد و النوع:
1.صواريخ باليستية عابرة للقارات ICBM
* عدد القاذفات: 550
* عدد الصواريخ: 400
* المدى التقديري: أكثر من 5,500 كيلومتر
* تُستخدم لضرب أهداف على مسافات قارية بعيدة جداً، مثل القارات الأخرى.
2. صواريخ باليستية متوسطة المدى IRBM
* عدد القاذفات: 250
* عدد الصواريخ: 500
* المدى التقديري: بين 3,000 و5,500 كيلومتر
* تغطي هذه الصواريخ مدى أطول من الصواريخ متوسطة المدى التقليدية، وتستهدف مناطق إقليمية أبعد.
3. صواريخ باليستية متوسطة المدى MRBM
* عدد القاذفات: 300
* عدد الصواريخ: 1,300
* المدى التقديري: بين 1,000 و3,000 كيلومتر
* صواريخ قادرة على الوصول إلى دول مجاورة أو أقاليم إقليمية ضمن هذا النطاق.
4. صواريخ باليستية قصيرة المدى SRBM
* عدد القاذفات: 300
* عدد الصواريخ: 900
* المدى التقديري: بين 300 و1,000 كيلومتر
* مخصّصة لضرب أهداف على مدى إقليميٍّ قريب، مثل جيران الصين المباشرين أو مناطق داخلية من البلدان المجاورة.
5. صواريخ كروز تُطلق من الأرض GLCM
* عدد القاذفات: 150
* عدد الصواريخ: 400
* المدى التقديري: أكثر من 1,500 كيلومتر
* صواريخ كروز تتميز بدقة أعلى وقابلية تحليق ضمن ارتفاعات منخفضة، ما يصعّب اكتشافها.
- قدرة الصين على إنتاج الصواريخ (التوقعات السنوية)
* 100 رأس نووي
* 50 صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات (ICBMs)
* 30– 80 صاروخ باليستي متوسط المدى (IRBM)
* 100–200+ صاروخ باليستي قصير/متوسط المدى (MRBM/SRBM)
* 20–50+ صاروخًا فرط صوتي.
وثيقة استخبارية
قبل نحو شهر، كشفت وثيقة استخباراتية حديثة لـ وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) عن توقعات مثيرة لترسانة الصين و روسيا و إيران و كوريا الشمالية، الصاروخية بحلول عام 2035.
1. الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBM)
الصواريخ العابرة للقارات هي صواريخ أرضية المدى تتجاوز مداه 5,500 كيلومتر، وتحلّق على مسار باليستي بعد انتهاء مراحل الدفع، وحاملة عادة رؤوساً نووية.
الوضع الحالي
الصين: نحو 400 صاروخ.
روسيا: نحو 350 صاروخاً.
كوريا الشمالية: أقل من 10.
إيران: لا تمتلك أي صواريخ ICBM.
توقعات 2035
الصين: زيادة إلى 700.
روسيا: ارتفاع طفيف إلى 400.
كوريا الشمالية: قفزة إلى 50.
إيران: قد تمتلك نحو 60 صاروخاً بحلول ذلك التاريخ.
2. الصواريخ الباليستية المنطلقة من الغواصات (SLBM)
تنطلق هذه الصواريخ من غواصات نووية أو تقليدية، وتغطي كامل الأراضي الأمريكية دون إنذار مبكر.
الوضع الحالي مقابل 2035
الصين: من 72 إلى 132.
روسيا: ثابت عند 192.
لم تُدرَج كوريا الشمالية وإيران في هذه الفئة.
3.مسارات إطلاق ICBM ونظام القصف المدارى الجزئي (FOBS) :
- المسارات التقليدية للصواريخ الباليستية (ICBM):
تُطلق الصواريخ من أراضي الدول المعادية (مثل الصين/روسيا) نحو القطب الشمالي، ثم تنحدر نحو الولايات المتحدة.
ميزاته: مسار متوقع يمكن لأنظمة الإنذار المبكر (كالرادارات والأقمار الصناعية) رصده بسرعة.
عيب رئيسي: يُعطي وقتًا كافيًا للدفاعات الصاروخية للاستعداد (حوالي 20-30 دقيقة).
- مسارات أنظمة القصف المداري الجزئي (FOBS)، كيف تعمل؟ :
يُطلق الصاروخ إلى مدار أرضي منخفض (ارتفاع 160-1,000 كم).
يدور حول الأرض مرة واحدة أو أكثر.
ينزلق نحو الهدف من اتجاه غير متوقع (مثل الجنوب بدلًا من الشمال).
مميزاتها:
تقليل زمن الرحلة إلى 10-15 دقيقة فقط.
تجنب أنظمة الرصد التقليدية (لا تتبع مسارًا باليستيًا واضحًا).
القدرة على ضرب الأهداف من خلف الدفاعات الصاروخية.
- المسارات الإيرانية المحتملة بحلول 2035 – الخطوط الحمراء المتقطعة:
السيناريو: إذا طورت إيران تقنية FOBS، قد تستخدم مسارات:
عبر المحيط الهندي أو المحيط الهادئ للوصول إلى السواحل الأمريكية.
عبر القطب الجنوبي لتفادي أنظمة الرصد في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
التحدي: ستُصبح الضربات المفاجئة على المدن الساحلية الأمريكية ممكنة حتى بمدى صواريخ أقصر.
3. الأسلحة فرط صوتية المعزَّزة
هذه الفئة تضم نظامين رئيسيين:
- الصواريخ المعززة بالمناورة الهوائية (Aeroballistic): يجمع بين المرحلة الباليستية والمناورة في الغلاف الجوي لزيادة المدى، وقد تحمل رؤوساً نووية أو تقليدية.
مركبات الانزلاق فرط الصوتية (HGV): تُطلق بواسطة صاروخ باليستي ثم تنزلق على ارتفاعات تتراوح بين 15–50 كم بسرعات ≥ Mach 5، مع قدرات مناورة عالية.
التطور المتوقع
الأنظمة المعززة: من 600 حالياً إلى 4,000 في 2035.
مركبات الانزلاق: من 200–300 إلى نحو 1,000 بحلول.
4. الصواريخ المجنحة البرية
هي صواريخ تطير بارتفاعات منخفضة في الغلاف الجوي، تتميز بصعوبة الكشف والرصد. بعضها قادر على تحقيق سرعات فرط صوتية.
الأعداد الحالية مقابل 2035
روسيا: من 1,000 إلى 5,000.
الصين: من 300–600 إلى 5,000
يرسم التقرير صورة متطورة للتهديد الصاروخي الذي تواجهه الولايات المتحدة، مع توسع ملحوظ في قدرات الخصوم التقليدية والجديدة، لا سيما الصواريخ فرط الصوتية ونظم FOBS. إن فهم هذه الديناميكيات وتطوير أنظمة دفاعية مضادة يصبح أمراً ضرورياً لضمان الردع وحماية الأمن القومي الأميركي في العقد المقبل.
خارطة جديدة للقوى
وفي خضم سباق التسلّح العالمي الذي يتخذ طابعاً تكنولوجياً متقدماً وغير تقليدي، برز البرنامج الصاروخي الصيني كمصدر قلق بالغ لصنّاع القرار في واشنطن، بوصفه أحد أعمدة الاستراتيجية العسكرية الكبرى لبكين في مسعاها لتقويض التفوق الأمريكي، لا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
توسّع نوعي وكمّي يهدد التوازنات
الصين لا تكتفي بتراكم الأعداد، بل تدمج بين الكم والنوع في تطوير صواريخها. فبينما يشير التقرير الاستخباراتي الأمريكي إلى امتلاكها 400 صاروخ عابر للقارات اليوم، تتوقع التقديرات أن يصل هذا العدد إلى 700 بحلول 2035، وهو ما يضعها في مسار تصاعدي لا يسعى فقط للردع، بل أيضاً لامتلاك "خيار الضربة الثانية" في حال نشوب نزاع نووي مع واشنطن.
وتبرز الخطورة في تنوع المنظومة الصاروخية الصينية: من صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تستهدف المحيط الإقليمي، إلى أخرى عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى قلب الأراضي الأمريكية، فضلاً عن صواريخ كروز دقيقة يصعب رصدها، ومركبات انزلاقية فرط صوتية HGV يمكنها تجاوز أغلب الدفاعات الجوية التقليدية.
البُعد البحري: غواصات الرعب الصامتة
عنصر بالغ الأهمية في الحسابات الأمريكية هو تعزيز الصين لأسطولها من غواصات الصواريخ الباليستية النووية SLBM. فبحلول 2035، سترتفع قدرة الصين من 72 إلى 132 صاروخاً، ما يمنحها قدرة توجيه ضربات نووية من البحر، تقلص زمن الإنذار المسبق، وتحدّ من فاعلية أنظمة الدفاع الأمريكي.
إن امتلاك الصين مثل هذه القوة الصامتة يضع ضغوطاً غير مسبوقة على القيادة الأمريكية، لا سيما في ظل فشل التجارب الأمريكية الأخيرة في تطوير نظام دفاعي فعال ضد ضربات مفاجئة من البحر أو من الجنوب.
السلاح الأخطر: القصف المداري الجزئي (FOBS)
القلق الأمريكي لا يتوقف عند الصواريخ الباليستية التقليدية، بل يمتد إلى مفهوم جديد تم استحضاره من الحرب الباردة وأُعيد تطويره صينياً: "نظام القصف المداري الجزئي FOBS".
هذا النظام يُمكّن الصواريخ من الالتفاف حول الأرض من مسارات غير تقليدية، لا تمر عبر أقمار الرصد والرادارات الموضوعة باتجاه القطب الشمالي. وبهذا، تصبح الولايات المتحدة مكشوفة لضربات سريعة قد تستغرق 10 دقائق فقط من الإطلاق حتى الوصول، ما يخلخل مفهوم "الردع النووي المتبادل" الذي بُنيت عليه العقيدة العسكرية منذ عقود.
الصواريخ فرط الصوتية: تحدٍ تقني واستخباري
من ضمن أبرز ما يقلق واشنطن هو تسارع إنتاج الصين وروسيا للأسلحة فرط الصوتية، التي تتجاوز سرعة الصوت بأكثر من خمسة أضعاف، وتستطيع المناورة أثناء التحليق، مما يجعل اعتراضها شبه مستحيل بالتقنيات الحالية.
توقّع وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية أن يرتفع عدد هذه الصواريخ في الترسانة الصينية من 20–50 اليوم إلى أكثر من 1,000 بحلول 2035، في مقابل تأخّر نسبي في البرنامج الأمريكي الموازي.
هذا التفوّق النوعي يمنح بكين تفوقًا تكتيكيًا واستراتيجياً في أي صراع مستقبلي، لا سيما في بيئات مشبعة بالتقنيات المضادة.
أبعاد إقليمية ودولية
1. التهديد لانتشار القوات الأمريكية:
الصواريخ الصينية متوسطة وقصيرة المدى قادرة على استهداف القواعد الأمريكية في غوام، اليابان، كوريا الجنوبية، وحتى أستراليا. أيّ نزاع في بحر الصين الجنوبي سيعني ببساطة أن السفن الأمريكية – وفي مقدمتها حاملات الطائرات – ستكون أهدافاً مكشوفة في أولى دقائق الاشتباك.
2. التأثير على حلفاء واشنطن:
التنامي السريع في قدرات الصين الصاروخية يضع ضغوطاً على الدول الحليفة لأمريكا في آسيا، ويدفعها لإعادة حساباتها الاستراتيجية. البعض يفكر بتعزيز قدراته الدفاعية الذاتية، بينما قد ينزلق آخرون نحو الحياد أو الانفتاح على بكين، لتجنّب تحوّلهم إلى أهداف.
3. المحور الروسي – الصيني – الكوري الشمالي – الإيراني:
تشير الوثيقة الاستخباراتية إلى تصاعد مماثل في قدرات روسيا وإيران وكوريا الشمالية، مما يرسم صورة لتحالفات عسكرية عابرة للقارات تضعف الهيمنة الأمريكية التي ظلت قائمة منذ نهاية الحرب الباردة. المثير في الأمر أن الصين وإيران – رغم التباين – تبدوان مستعدتين لتقاسم التكنولوجيا، خاصة في نظم المسارات المدارية والصواريخ فرط الصوتية.
الولايات المتحدة: خيارات صعبة أمام تهديد صاعد
تدرك الولايات المتحدة أن الزمن لم يعد في صالحها. وبينما تعمل واشنطن على تحديث درعها الصاروخي وبرامجها الدفاعية، إلا أن الصواريخ فرط الصوتية ومسارات FOBS تتطلّب مفهوماً جديداً في الرصد والردع. التحول من الإنذار المبكر إلى الوقاية الاستباقية قد يدفع واشنطن لتبني خيارات أكثر عدوانية، مثل استهداف مواقع الإطلاق المحتملة أو تطوير أسلحة فضائية دفاعية.
لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، لأن أي تصعيد غير محسوب قد يفجّر حرباً نووية غير تقليدية.
ملامح عالم ما بعد الردع التقليدي
التحول الذي تقوده الصين في بنيتها الصاروخية يعكس استراتيجية عسكرية جديدة تهدف ليس فقط إلى حماية مصالحها، بل إلى شلّ التفوق الأمريكي وكسر قواعد اللعبة القديمة. وفي حين تحاول الولايات المتحدة استيعاب هذا التهديد عبر تقارير ودراسات وتحديثات دفاعية، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى تغيّر موازين القوى في العقد المقبل.
إن فشل واشنطن في احتواء هذا التمدد الصاروخي – تقنياً وجيوسياسياً – قد لا يعني فقط خسارة التفوق، بل انهيار منظومة الردع النووي العالمي التي حافظت على استقرار نسبي منذ عقود.