من حرب فيتنام إلى العدوان على غزة.. تاريخ الاحتجاجات الطلابية في أمريكا والغرب.. رحلة حافلة بالتغييرات الداخلية والخارجية
انفوبلس/..
لا تزال المظاهرات الطلابية المؤيدة لفلسطين وغزة، والمناهضة لاستمرار العدوان على قطاع غزة، تتصاعد في جامعات عدة بالولايات المتحدة الأميركية، وقد توسعت لتشمل جامعات أوروبية في عدة دول كفرنسا وألمانيا.
وقد استمر تنظيم الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأمريكية المرموقة عالميا، مثل، "هارفرد، وكولومبيا، برنستون"، فيما هددت السلطات الأميركية بإرسال قوات أمنية، لتفريقها.
وكان مجلس جامعة "كولومبيا" الأميركية قد صوت اليوم بالموافقة على قرار يدعو إلى إجراء تحقيق مع إدارة الجامعة، متهماً إياها بانتهاك البروتوكولات المعمول بها، وتقويض الحرية الأكاديمية، عقب اعتقال أكثر من 100 طالب متظاهر خلال الأيام الماضية، بسبب احتجاجهم على استمرار العدوان على قطاع غزة.
كما أصدرت قاضية محكمة مقاطعة ديكالب الأمريكية أمراً بإطلاق سراح جميع الطلبة والمدرسين المعتقلين من جامعة إيموري بولاية جورجيا الأميركية.
وقد انضمت جامعتا "جورج تاون"، و"جورج واشنطن" بالعاصمة الأميركية واشنطن، إلى الاحتجاجات المنددة بالعدوان على غزة.
ألمانيا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا
وفي العاصمة الألمانية برلين، أزالت الشرطة الألمانية الخيام التي نصبها متظاهرون خارج مبنى البرلمان، وأبعدتهم بالقوة، وأغلقت المنطقة المحيطة لمنع وصول محتجين آخرين.
وفي بريطانيا، التي تجري فيها تظاهرات بشكل منتظم كل يوم سبت، وتكون في لندن، وفي مدن أخرى، يحضرها عشرات الآلاف من الأشخاص.
ويقول مدير مركز السياسة البريطانية في جامعة "هال مات بيتش"، في تصريحات صحفية، إن أحد أسباب انخفاض الاحتجاجات العنيفة داخل الحرم الجامعي في بريطانيا، مقارنةً مع ما يحصل في الولايات المتحدة، بسبب أنها غالبية التظاهرات التي تحصل في بريطانيا مؤيدة للفلسطينيين، وهي تحصل كل يوم سبت.
حيث خرج العشرات من طلاب جامعة لندن في مظاهرات تضامنية مع غزة، ودعما لزملائهم من طلاب الجامعات الأميركية.
أما في أستراليا، فقد شهد محيط جامعة سيدني في استراليا مسيرة طلابية حاشدة، تضامناً مع الفلسطينيين، وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث رفع الطلبة العلم الفلسطيني، مرددين الهتافات المؤيدة لفلسطين.
وطالب المحتجون إدارة الجامعة بإدانة تصرفات الكيان الإسرائيلي، في ترديد لصوت احتجاجات مماثلة في جامعات أميركية.
وفي فرنسا اعتصم عدد من الطلبة داخل مبنى جامعة "سيانس بو" في العاصمة الفرنسية باريس، تنديدا بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة والمتواصلة منذ سبعة أشهر.
حيث ردد المتظاهرون هتافات داعمة للقضية الفلسطينية، ورفعوا العلم الفلسطيني على النوافذ وفوق مدخل المبنى، وعدد منهم وضعوا الكوفية ذات اللونين الأسود والأبيض التي أصبحت رمزا للتضامن مع غزة.
وطالب المحتجون إدارة الجامعة بإدانة تصرفات "إسرائيل" في ترديد لصوت احتجاجات مماثلة في جامعات أميركية.
استمرار رغم الاعتقالات
وتتواصل التظاهرات في نحو 44 جامعة وكلية أميركية رغم حملات الاعتقال التي تنفذها السلطات المحلية بحق الطلبة والمتظاهرين المساندين لهم، وتهديد إدارات الجامعات بتنفيذ المزيد من الاعتقالات في حال استمرت التظاهرات والاحتجاجات.
ويتسع حراك الطلبة الأميركيّين المؤيّدين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، من لوس أنجلس إلى نيويورك، مرورًا بأوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، حيث نُظّمت تظاهرات واحتجاجات في عدد من الجامعات المرموقة عالميا مثل هارفرد ويال وكولومبيا وبرينستن.
فجوة بين الشعوب الغربية والسياسة المتبعة
ويشير مراقبون للشأن الدولي، إلى أن "خروج المظاهرات المناهضة لسياسة الحكومات الأوروبية وأمريكا الداعمة للكيان الصهيوني، تدل على الهوّة والفجوة الكبيرة بين الشعوب الغربية ورأيها والسياسة المتبعة من قبل هذه الدول في الكثير من الملفات السياسية من بينها موضوع الحرب على غزة".
تطرق مؤسس مركز بروجن للدراسات الدكتور رضوان قاسم، الى اتساع رقعة الاحتجاجات الرافضة للحرب على غزة في الجامعات الامريكية ووصولا الى الجامعات الاوروبية وتأثيرها على السياسة الامريكية المتبعة في دعم الكيان الصهيوني، والتسريع في خضوع حكومة نتنياهو لشروط الهدنة، وإيقاف الحرب قائلا: ربما يكون لهذه المظاهرات سواء في الولايات المتحدة الامريكية او في الدول الاوروبية تأثيرا على الحكومات ولكن لا أعتقد أن هذه الحكومات ستغير سياستها تجاه الكيان الاسرائيلي أو تخفف من دعمها له".
وأضاف الدكتور رضوان قاسم: إن هذه الشعوب ستحاكم حكامها وأيضا ستسأل لماذا هذا الدعم المطلق لهذا الكيان؟ والمهم في الموضوع أن هذه المظاهرات أسقطت التابو "المحظور" الذي كان دائما قائما وهو أن أي حركة ضد الكيان الإسرائيلي يُتهم صاحبها بمعاداة السامية، هذا قد سقط الى غير رجعة وهذا كان مهما جدا في هذا التحركات.
تاريخ الاحتجاجات الطلابية في الغرب
هذه الاحتجاجات الطلابية التي انطلقت في أمريكا على نطاق واسع، واجاحت العديد من الجامعات الأميركية رافضةً العدوان الصهيوني على غزة، تُعيد إلى الأذهان موجة المظاهرات التي شهدتها الولايات المتحدة، خلال أواخر ستينيات القرن الماضي وما تلتها من سنوات.
وكان طلاب الجامعات الأميركية، قد خرجوا في اعتصامات في أكثر من مناسبة، داخل الحرم الجامعي أو خرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب، رفضا لقضايا مختلفة، مثل حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو للمطالبة بحقوق أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية التي ساهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وفي أحيان أخرى حملوا مطالبات التغيير في قضايا ترتبط بسياسات جامعاتهم ونظامها التعليمي.
وكان لبعض تلك الاحتجاجات، والتي اتخذت منحىً دموياً في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي عامة، كما كانت محطة فارقة في مسار النضال من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، وطالت تداعياتها أيضا عمل وسياسات الجامعات الأميركية.
ربيع 1968
تعود أشهر الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت بالولايات المتحدة إلى ربيع عام 1968، وذلك في أعقاب سيطرة أكثر من ألف طالب في جامعة هوارد التي يدرس فيها غالبية الطلاب من ذوي الأصول الأفريقية على المبنى الإداري للمؤسسة.
وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الجامعة، وبتركيز المنهج التعليمي للجامعة على تاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة، وإنشاء نظام قضائي يشمل الطلاب بالإضافة إلى إسقاط الإجراءات التأديبية بحق الطلاب المشاركين في احتجاج سابق.
اعتصامات غرينسبورو
كانت اعتصامات غرينسبورو، التي بدأها أربعة طلاب أميركيين من أصل أفريقي من جامعة نورث كارولينا الزراعية والتقنية، احتجاجا سلميا على تفرقة مقاعد الغداء داخل مقصف وولورث في مدينة غرينسبورو بالولاية، في فبراير عام 1960. وأدت التظاهرات، التي توسعت لتطال المدن والولايات المجاورة، في النهاية إلى إلغاء التفرقة في متجر وولورث في غرينسبورو.
هارفارد 1969
وخلال مظاهرة، في 9 أبريل عام 1969، احتل طلاب قاعة جامعة هارفارد وأخرجوا جميع إداريي المؤسسة من المبنى. وأدى تدخل الشرطة إلى طرد المحتجين، واعتقال أكثر من 300. لكن الاعتصامات ساهمت في النهاية بتغييرات تضمنت إنشاء قسم للدراسات الأفريقية الأميركية.
كينت أوهايو
وفي 7 مايو 1970، في جامعة ولاية كينت بولاية أوهايو، قتلت قوات الأمن أربعة طلاب وجرح تسعة آخرون. وأدى الحدث إلى إضراب وطني للطلاب، وتصاعدت الاحتجاجات وجذبت اهتمام الإعلام الوطني بشكل أكبر نحو الحركة المناهضة للحرب في فيتنام.
وأصبحت حادثة إطلاق النار في كينت ستيت رمزا للانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة التي شهدتها البلاد بشدة خلال حقبة حرب فيتنام.
جامعة كاليفورنيا
وعام 1985، تجمع آلاف الطلاب في ساحة سبرول في حرم جامعة كاليفورنيا بيركلي احتجاجا على علاقات الجامعة التجارية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأدت الاحتجاجات في جامعة كاليفورنيا في النهاية إلى سحب استثمارات مليارية من حكومة الفصل العنصري في يوليو من عام 1986.
وعندما أُطلق سراح نيلسون مانديلا عام 1990، قام بزيارة إلى أوكلاند لتوجيه الشكر لطلاب وأساتذة بيركلي، الذين وصفهم بـ “إخوته وأخواته في الدم”، وذلك تقديرا لدورهم في النضال ضد الفصل العنصري.
جامعة ميشيغان
وفي جامعة ميشيغان لي بولينغر، بدأ طلاب اعتصاما في 17 مارس 1999، للاحتجاج على ظروف العمل السيئة في المصانع التي تتعامل مع الجامعة، والتي كانت تتصدر الجامعات الأميركية من حيث حجم مبيعات الملابس والسلع المرخصة، مما يعني أنها كانت تتحمل مسؤولية كبيرة عن ضمان ظروف العمل داخل المصانع.
ودفعت هذه الاحتجاجات الجامعة إلى لجنة استشارية لمكافحة العمل القسري، وذلك في ربيع السنة ذاتها.
جامعة هارفارد
وعام 2014، تضامناً مع حركة “حياة السود مهمة” وردا على حوادث عنف الشرطة ضد الأميركيين من أصل أفريقي، شارك طلاب كلية الطب بجامعة هارفارد في احتجاج رمزي يسمى “die-in”، حيث استلقى المشاركون على الأرض وتظاهروا بأنهم موتى، وذلك في مركز التعليم الطبي بالكلية.
وجاء هذا الاحتجاج ردا على قرارين قضائيين بعدم توجيه اتهامات جنائية ضد ضباط شرطة متورطين في حادثتي قتل مثيرتين للجدل بحق رجلين أميركيين من أصل أفريقي، وهما مايكل براون في فيرغسون بولاية ميسوري، وإريك غارنر في نيويورك.
وأثارت هاتان الحادثتان غضبا واسعا في المجتمع الأميركي، وأججت الاحتجاجات في إطار حركة “حياة السود مهمة” التي انطلقت للتنديد بعنف الشرطة والتمييز العنصري الممنهج ضد الأميركيين من أصل أفريقي.
الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
وبعد نحو 16 عاما على احتجاجات عام 1968، قاد طلاب الجامعة في عام 1984، احتجاجات مناهضة للفصل العنصري من خلال الضغط على جامعتهم من أجل سحب استثماراتها من جنوب أفريقيا. وتجمّع المتظاهرون عند مدخل قاعة هاميلتون، وهي إحدى نفس المباني التي تم احتلالها في مظاهرات 1968.
تغير المناخ
وفي مارس 2019، نظم طلاب كولومبيا، واحدة من أكبر التجمعات في مدينة نيويورك، خلال إضراب وطني حول تغير المناخ. وتغيب الطلاب في أكثر من 130 مدينة عن الدروس.
استقلال الجزائر
ويظل إضراب 19 أيار 1956 شاهدا على عمق وعي الطلبة أثناء حرب تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، الذين اختاروا التضحية بمستقبلهم العلمي والعملي والالتحاق بركب الكفاح، مما دحر طرحا استعماريا حاول من خلاله المحتل الفرنسي الترويج بأن الثورة التحريرية هي مجرد تمرد لزمرة من الخارجين على القانون.
فبإعلانهم اعتناق مبادئ بيان أول نوفمبر 1954، كان الطلبة الجزائريون قد سجلوا ذات يوم من ربيع 1956 انحيازهم القطعي لشعبهم وحريته، باتخاذهم موقفا مصيريا وترجيحهم الكفة لصالح الواجب الوطني والعمل التحرري.
وقد مثَّل التحاق طلبة الجامعات والثانويات بالعمل السياسي والمسلح قيمة مضافة لجيش التحرير الوطني، حيث مكنهم مستواهم التعليمي وإتقانهم للغة الفرنسية من تقلد مسؤوليات عديدة في هيكلة العمل الثوري والتعريف بمقاصد الثورة المسلحة في المحافل الدولية، الأمر الذي شكل قوة رد وصوتا مضادا لما كانت السلطات الفرنسية تحاول الترويج له من أجل طمس الأهداف الحقيقية والنبيلة للثورة التحريرية.
ومن بين أهم النقاط التي تمخض عنها المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، التأكيد على ضرورة تحمل الطالب الجزائري لمسؤولياته التاريخية تجاه النضال الذي يخوضه شعبه والمشاركة في الحياة السياسية، الأمر الذي منح بُعدا سياسيا وإعلاميا للقضية الجزائرية على المستوى الدولي.