نتائج الوعد الصادق 3 غير المعلنة.. حرب "الـ12 يوما" تعيد إحياء القومية الإيرانية دون قصد

انفوبلس/ تقرير
في الوقت الذي كان يسعى "الكيان الصهيوني" إلى أن تُشعل حربه مع إيران، ثورة شعبية ضد نظام الجمهورية الإسلامية، أتت النتائج بشكل عكسي إذ عززت الهجمات التي شنتها "تل أبيب" ضد طهران مشاعر القومية الوطنية والوحدة في البلاد حتى بين صفوف المعارضة، فكيف أعاد "الاحتلال" إحياء القومية الإيرانية دون قصد؟
وكان تغيير النظام في إيران هو أحد أهداف الحرب بالنسبة لـ"الاحتلال"، إذ خاطب نتنياهو الإيرانيين قائلاً: "نحن أيضاً نمهد لكم الطريق لتحقيق حريتكم".
إحياء القومية الإيرانية
رصدت كتابات غربية عدة كيف أعادت "تل أبيب" إحياء القومية الإيرانية وكيف التف الإيرانيون حول علم بلادهم بينما كانت "إسرائيل" تقصف المواقع النووية في البلاد وتستهدف برنامج الصواريخ الباليستية الطموح لطهران.
وقال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال نشره موقع ميدل إيست آي: "نجح النظام في حشد الأمة بدلاً من تقسيمها، ولو بدافع الغضب القومي من هجوم إسرائيل غير المبرر".
بينما محمد إسلامي، أستاذ مساعد للعلاقات الدولية بجامعة مينهو البرتغالية قال: "يبدو أن إسرائيل نسيت درساً من الغزو العراقي لإيران في عام 1980. فبدلاً من إحداث تغيير في النظام، أدى هذا الغزو إلى حشد الشعب الإيراني خلف الجمهورية الإسلامية باسم القومية، وليس بالضرورة بدافع الحب للنخبة الدينية".
وأضاف إسلامي في مقال نشره موقع ميدل إيست آي جاء تحت عنوان: "لماذا تأتي هجمات إسرائيل بنتائج عكسية بينما يتجمع الإيرانيون حول العلم"، إنه وبدلاً من تأجيج المعارضة الداخلية، أشعلت الضربات الإسرائيلية الأخيرة شرارة تجدد المشاعر القومية — التي لم تركز على دعم النظام، بل على الدفاع عن الأمة.
وتابع: "أقيمت مراسم حداد عامة ونُشرت التعازي عبر الإنترنت. حتى أن بعض من كانوا منتمين سابقاً لحركة "المرأة، الحياة، الحرية" المعارضة بدأوا يُعربون عن تضامنهم مع من يُصوّرونهم الآن "حماة الوطن".
وفي الأحياء العمالية والمناطق الريفية، حيث كافحت حركات المعارضة من أجل اكتساب موطئ قدم، أصبحت هذه المشاعر أقوى.
وأتت محاولة "إسرائيل" لفصل الشعب الإيراني عن دولته بنتائج عكسية. ولم يكن رد الفعل السائد داخل إيران هو الابتهاج أو الانتفاضة، بل الالتفاف حول العلم – وهي ظاهرة مألوفة لدى من يدرسون آليات الصدمة الوطنية والتهديد الخارجي، بحسب إسلامي.
وسعت اللافتات التي تم رفعها في طهران إلى تعزيز القومية بدلاً من نقاط الحديث النظامية، وأشاد المرشد الأعلى الإيراني، الامام علي الخامنئي، الخميس 26 يونيو/حزيران، بما أسماه "الوحدة غير العادية" للبلاد.
وقال في كلمة مصورة، ركز فيها على إيران كأمة لا على النظام الديني الحاكم، ساعياً بوضوح إلى الحفاظ على وحدة الإيرانيين: "أمة قوامها 90 مليون نسمة توحدت وقاومت بصوت واحد، متكاتفين دون إثارة خلافاتهم". وأضاف: "بات جلياً أنه في الأوقات الحرجة، يُسمع صوت الأمة".
ويبدو أن الحرب، قد عززت بعض الدعم المحلي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والحملة التي تشنها الحكومة على المتعاونين المزعومين مع إسرائيل، وحتى الحماس للحصول على قنبلة نووية ــ وهو الأمر الذي تقول الجمهورية الإسلامية إنها لا تسعى إلى تحقيقه.
وأوردت صحيفة "جوان"، القريبة من "الحرس الثوري"، في مقال بعنوان "ما هو منطق انتصارنا" لكاتبه عبد الله كنجي، ثمانية أسباب لإثبات انتصار إيران في هذه الحرب:
1- قاتلنا قوّتَين كبيرتين، ورددنا على كلتيهما.
2- لقد كانوا هم البادئين في الحرب وأول مَن طلب إنهاءها.
3- آخر رمية نفّذتها إيران، وشكّل آخر هجوم لنا أسوأ ضربة.
4- لقد بقيت الصناعة النووية وازدادت القدرة على تثبيتها غداة الحرب.
5- استخدمنا السلاح المحلّي الصنع، ولم نطلب المساعدة من أحد.
6- حوّلنا (دمّرنا) الأراضي المحتلّة إلى ما يُشبه غزة.
7- أعدنا المعارضة الهادفة إلى قلب نظام الحكم والمتماشية مع الصهاينة عشرات السنين إلى الوراء.
8- والأهم من ذلك، أن دماء شهدائنا، ساهمت في تخصيب حبّ الوطن بين الجيل.
وتطرّقت صحيفة "فرهيختكان"، من جهتها، في مقال تحليلي لمحرّرة الشؤون السياسية، كبرى أسوبار، إلى فشل المحاولات الإسرائيلية لإثارة الفوضى والاحتجاجات على النظام، تزامناً مع الهجوم الإسرائيلي، وقالت: "لقد حاول نتنياهو إرباك الأجواء الاجتماعية في إيران وجعْلها ثنائية القطب، وبالتالي نشر الفوضى في البلاد. وكرّر الأسطوانة المشروخة: امرأة، حياة، حرية، داعياً الشعب الإيراني إلى الاستفادة من الهجمات الإسرائيلية والنزول إلى الشوارع.
لقد نزل الشعب الإيراني طبعاً إلى الشوارع، لكن لمعاكسة الهدف الذي دعا إليه نتنياهو تماماً، وذلك من أجل استعراض الوحدة الوطنية للذود عن إيران ولتجديد العهد مع القائد.
أَلَم يكن هذا كافياً لنتنياهو ليفهم الهزيمة؟ إنه يفهم بطبيعة الحال، لكنه يسعى في الأجواء الإعلامية إلى انتحال صفة البطل الفائز، من أجل تضليل الرأي العام وخداعه".
وكتبت صحيفة "إيران" الحكومية، بدورها، في مقال للقائد السابق للقوات البحرية في "الحرس الثوري"، حسين علائي، أن "إسرائيل التي كانت تنوي من خلال الحرب، قلب نظام الحكم السياسي في إيران وفرض سياساتها، لم تَنل غايتها فحسب، بل زادت من كراهية الإيرانيين لها. كما أن إيران لم تُقسّم، وبدلاً من ذلك، تعزّزت الوحدة الوطنية".
وأضافت الصحيفة: "اليوم، وبعد الحرب، يُتوقّع من المسؤولين أن يبادروا إلى نبذ العوامل المقوّضة للتماسك وتعزيز المحاور الثقافية والدينية والوطنية المشتركة والحفاظ على الوحدة التي تحقَّقت. ومن الضروري إدخال تغييرات على القطاعَين الاقتصادي والاجتماعي لاستدامة هذا التماسك والانسجام".
وفي الإطار نفسه، عدّ الاقتصادي بويا جبل عاملي، في مقال في صحيفة "دنياي اقتصاد"، الانسجام الوطني الذي تبلور أثناء الحرب، "أفضل فرصة لتغيير الكثير من سياسات الدولة بما في ذلك الاهتمام بالتنمية السياسية والاقتصادية".
وأضاف: "مع بقاء مروحة واسعة من النشطاء والفاعلين، حتى من خارج النظام، أوفياء لإيران، يبدو أن دور صنّاع القرار قد حان ليُظهروا أن إيران متعلّقة بجميع هؤلاء، وهذا التعلّق يعني أن يكون في مقدورهم العيش كما يريدون في هذه الأرض، وانتخاب مَن يريدون أن يمثّلهم وأن يكون لصوتهم أثر كما هم يريدون في صناعة القرارات وتقرير مصير البلاد".
واعتبر أنه "يتعيّن على أصحاب السلطة أن يُظهروا في أسرع ما يمكن أن هذا التغيير سيحصل، ولن يستمرّ الأمر كما كان سابقاً. إن الانسجام الوطني في فترة وقف إطلاق النار، هو القادر على منع تكرار الأحداث السابقة، والانسجام لن يدوم من دون اقتصاد فاعل ومزدهر ومن دون تجارة مع دول العالم ومن دون نيل موقع رصين في الأسواق الدولية".
وللوصول إلى هكذا موقع، يجب، في ظلّ تغيير النظرة، إيصال المفاوضات إلى النتيجة المنشودة، والإفادة من الأمثلة في العديد من الدول التي سلكت خلال العقود الأخيرة طريق التنمية، في سبيل ترسيخ استقلال البلاد في سياق التعاطي مع جميع دول العالم".
وغصّت شوارع العاصمة طهران، صباح اليوم السبت، بحشود ضخمة من المشيّعين والمعزين، لتشييع عدد من شهداء العدوان الإسرائيلي على إيران، حيث تم تشييع 60 شهيدا منذ الساعة الثامنة صباح اليوم، وبمشاركة من مواكب عزاء عراقية وأخرى من البحرين ودول عربية أخرى، بحسب وسائل إعلام إيرانية.