يسكنونها منذ أكثر من 7 عقود.. اشتباكات مسلحة بعد محاولة عناصر الجولاني نزع سلاح العشائر الشيعية اللبنانية على الحدود

انفوبلس..
خلال اليومين الأخيرين، تصاعدت حدة التوترات والاشتباكات المسلحة بين العشائر الشيعية في المناطق الحدودية اللبنانية السورية من جهة، وعناصر عصابات الجولاني من جهة أخرى، حيث حاولت الأخيرة الدخول إلى المناطق الشيعية ولكن جوبهت بمقاومة باسلة من قبل تلك العشائر، فما تفاصيل ما يحدث؟ وما تاريخ تلك العشائر في مناطق سكناهم؟
وبحجة "ضبط الحدود"، اندلعت اشتباكات بين عناصر الجولاني في سوريا، وعشائر شيعية لبنانية في المنطقة الحدودية الواقعة شمال شرقي لبنان، أسفرت عن سقوط شهيدين لبنانيين على الأقل، واحتجز كلٌّ من الطرفين، شخصين من الطرف الآخر، وذلك بعد أسبوع على فشل مبادرة عشائرية لتقريب وجهات النظر.
وسقط صاروخ، الخميس الماضي، على أطراف بلدة القصر الحدودية مع سوريا في البقاع شرق لبنان جراء اشتباكات داخل الأراضي السورية. وانتشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية السورية ودفع بتعزيزات جديدة، منعاً لتسلل مسلحين من الأراضي السورية.
وقالت مصادر ميدانية، إن القرى السورية التي يسكنها لبنانيون من الجهة السورية، شهدت اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة بين عناصر الجولاني من جهة، وعشائر شيعية لبنانية من آل جعفر وزعيتر ومدلج يمتلكون أراضي زراعية في الداخل السوري بريف القصير، ويقطنون فيها.
وأكدت المصادر، إن الاشتباكات أسفرت عن سيطرة عناصر الجولاني على بعض القرى التي كان يسكنها اللبنانيون في الداخل السوري، والتي تبلغ في مجملها 17 قرية ومزرعة بينها حاويك والسماقيات، ووادي حنا، وبلوزة، وزيتا، وسقرجا، وغوغران، وبرج الحمام، فيما صمدت القرى الباقية بمواجهة عناصر "هيئة تحرير الشام".
وأفادت وسائل مصادر سورية، بأن عناصر الجولاني نفذت عملية تمشيط في قرى ريف حمص الغربي الحدودية مع لبنان، وتركزت العملية في قرى حاويك وبلوزة والفاضلية وأكوم والجرود وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لطرد اللبنانيين الساكنين فيها بحجة قربهم من حزب الله.
وكانت هذه القرى قد شهدت خلال الأسابيع الماضية معارك كرٍّ وفر وتهجير وعودة إلى هذه القرى تحت قوة السلاح، وتمكن عناصر الجولاني من السيطرة على بلدة جرمش الحدودية في الداخل السوري، التي تسكنها أغلبية من عشائر آل جعفر.
وقالت مصادر ميدانية، إن عناصر الجولاني قامت بعد الظهر بقصف صاروخي استهدف البلدات الحدودية، وسقطت قذائف في الداخل اللبناني، كما استخدمت المدفعية والطائرات المسيرة المفخخة في تلك المعركة. وشاركت في الحملة السورية دبابات ومدرعات وطائرات مسيرة، وأسلحة ثقيلة سقطت قذائفها على مناطق مدنية.
وتعود أسباب الاشتباكات في خلفياتها إلى تأجيل اجتماع كان سيُعقد يوم الخميس الماضي في بلدة السماقيات، بين أطراف سورية وممثلين للعشائر لضبط الحدود من الجهة الشمالية، بعدما كانت قد وجهت دعوة لزعماء العشائر من قبل عشائر سورية باسم العليوي، وذلك من أجل التنسيق وضبط المعابر.
وأرسلت السلطات السورية، الخميس، ثلاث مجموعات من القوات الأمنية إلى المنطقة لتنفيذ عمليات اعتقال، مما أدى إلى اشتباك مباشر مع أبناء العشائر المتحصنين داخل القرى الحدودية. وقالت مصادر لبنانية إن القصف المدفعي من الجهة السورية وصل إلى بلدة القصر اللبنانية، مما أدى إلى سقوط جريح وقتيل لبنانيين.
وشهدت المعارك عمليات أسر وأسر مضاد، إذ تمكن عناصر الجولاني من اختطاف المختار غسان نون، وأحمد زعيتر، فيما عرضت العشائر صور أسيريَن من عناصر الجولاني على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيطرت على آلية عسكرية سورية. وأصدرت عشائر الهرمل بياناً طالبت فيه الدولة اللبنانية بالتدخل والجيش اللبناني بحماية البلدات على الحدود اللبنانية السورية.
تاريخ العشائر في هذه الأراضي
قبل أن يتسلم أديب الشيشكلي، مقاليد رئاسة الجمهورية العربية السورية في خمسينيات القرن الماضي، كانت عشيرة آل جعفر اللبنانية تتسلّم مقاليد ملكية عدد من الأراضي الموجودة عقاريًا في الأرض السورية، وهي القرى المتاخمة لبلدة القصير السورية، التي ذاع صيتها بداية الحرب في سوريا بعد دخول حزب الله إليها.
النفوذ في هذه القرى لعشيرتي زعيتر وجعفر، وأكبر هذه القرى الصغيرة نسبيًا، هي حاويك وبلوزة وجرماش التي تمتاز بالغالبية الشيعية وأكوم ذات الغالبية السنية.
ارتدادات سقوط نظام الأسد أثّرت بشكل مباشر على قرية حاويك المتاخمة للحدود السورية، ومنذ نحو شهرين تتوالى الإشكالات في حاويك بين عناصر الجولاني وآخرين من العشائر، الذين لا يفارقون عادة حمل السلاح التي تلازمهم منذ ما قبل تأسيس الدولة السورية الأولى.
الإشكال الأول حصل في 15 كانون الأول/ ديسمبر. وفي التفاصيل، أنه وأثناء مرور المواطن دبلان زعيتر على حاجز تابع لعناصر الجولاني في بلدة حاويك (قرية شيعية لبنانية في الأراضي السورية على حدود الهرمل البقاعية) قام المدعو "طحموش" بالهجوم عليه، وهو في سيارته وذلك لانتزاع مسدس من نوع "زاخاروف" كان يحمله زعيتر.
فتطور الاشتباك بالأيدي إلى اشتباك بالرصاص مع عائلتي زعيتر وجعفر الموجودتين في القرية، الأمر الذي أجبر "طحموش" ومن معه على الهروب من المنطقة.
وكشف مصدر عشائري في القرية، أن "هيئة الجولاني" اتصلت بأحد فاعليات البلدة ويُدعى الدكتور علي زعيتر واعتذرت منه، وأعلنت البراءة من "طحموش"، ووعدت بأنه سينال الحساب والعقاب اللازمين، وسيُطرد من الهيئة لأنه تصرّف من قرارة نفسه.
وأشار المصدر إلى أن الهيئة تتواصل مع كل الفاعليات الشيعية الموجودة في القرى اللبنانية الموجودة عقاريًا في الأراضي السورية. وقد اتفقت معها على عدم تسليم السلاح في الوقت الحالي، ريثما يصدر قرار حصر السلاح بيد الدولة السورية في شهر آذار/مارس المقبل.
وفي اليوم التالي، دعت عشيرة زعيتر الموجودة في بلدة حاويك اللبنانية إلى اجتماع مع "هيئة تحرير الشام"، فلبّت الهيئة الحضور. وعندما وصل أفراد الهيئة وجدوا مسلحًا موجودًا قرب سيارة خارج مكان الاجتماع (وهو مرعي صادق جعفر) فهجموا عليه وانتزعوا منه السلاح لكنه أفلت منهم وبدأ يطلق عليهم النار من المسدس الذي كان في حوزته، وأدى تبادل إطلاق النار إلى إصابة المدعو "أبو حسين زعيتر"، ثم انسحب أفراد الهيئة من المكان وفشل الاجتماع.
وكشف مصدر أمني أن الاتصالات لا تزال جارية بين ممثل الهيئة وممثل آل زعيتر، وهو الدكتور علي زعيتر، من وجهاء المنطقة، ومع الحاج حاتم عبد النبي، وهو من وجهاء السُنّة في منطقة ريف القصير ومن الأغنياء، وصهر عشيرة جعفر من بلدة الشراونة المشهورة في بعلبك.
ولفت المصدر إلى أن الهيئة تعتبر أن بلدة حاويك موجودة على الأراضي السورية، ولذا فإن حمل السلاح غير مرخص لأي مواطن، بل هو محصور بيد القوات التي تدير العملية السياسية الانتقالية، وهذا ما لا تستطيع العشائر حتى اللحظة الاقتناع به، لأنها عبر الزمن كانت ولا تزال تحتفظ بسلاحها وسيطرتها على مناطقها في سوريا ولبنان.
فقد خاضت العشائر معارك مع النظام السوري منذ أيام حكم حافظ الأسد، على خلفية نشر النفوذ السوري عبر الحواجز في الأراضي التي تملكها عشيرة آل جعفر. وتكرر السيناريو أيام حكم بشار الأسد. والجرحى من الطرفين لا يزالون على قيد الحياة، أبرزهم محمد راشد جعفر الذي أُصيب برقبته.
المعضلة إذاً لا علاقة لها بنظام الأسد أو النظام الذي أتى بعده. فأبناء العشائر لطالما اصطدموا أيضًا بالجيش اللبناني، إلى أن خلُصت المواجهات لعقد تسويات تتخللها معارك كرّ وفرّ بين "الجعافرة" والجيش اللبناني في قريتي الشراونة والدار الواسعة الكائنتينِ في لبنان.
إذاً، حاويك وغيرها من القرى اللبنانية الكائنة في الجغرافيا السورية أمام اختبار صعب، وأسئلة معقدة، وتجاوز الاختبار مرهون بحكمة أهل الأرض أحفاد السلطان زين مرعي جعفر المقاوم الأول للاستعمار.
وأصدرت عائلات وعشائر وأهالي البقاع الشمالي، بياناً، أمس الجمعة، اعتبرت فيه أن "ما يجري على حدودنا مع سوريا من اعتداءات على أراضينا وعمليات عسكرية وعمليات أسر للمواطنين العزل من قبل عناصر هيئة تحرير الشام، يعيدنا الى حلم الرهان والتمسك مجدداً بخيار الدولة وحمايتها". وناشد البيان، المسؤولين اللبنانيين "للتدخل السريع في التواصل مع رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع والقيادة الجديدة، التي كان لبنان أول من باركها عبر اجتماع رسمي وودي ترأسه رئيس (حكومة تصريف الأعمال) نجيب ميقاتي".