استعمال صدام حسين الأسلحة الكيميائية في استعادة الفاو عام 1988.. جريمة أضرت بالجيشَين العراقي والإيراني
انفوبلس/ تقرير
في مثل هذه الأيام من عام 1988، استعاد الجيش العراقي السابق شبه جزيرة الفاو في محافظة البصرة جنوب البلاد من قبضة القوات الإيرانية بعد سيطرتها عليها مدة عامين، وذلك خلال حرب الخليج الأولى، بعد استخدام المقبور صدام حسين غازات الأعصاب والغازات السامة، مخلّفاً آثار جسيمة بالجيشَين العراقي والإيراني.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ذكرى استعادة شبه جزيرة الفاو باستعمال الأسلحة الكيميائية والأضرار التي لحقت بالطرفين
*استعادة الفاو
معركة استعادة الفاو عملية عسكرية نفذها الجيش العراقي السابق في 17 نيسان 1988 خلال حرب الخليج الأولى لإخراج الجيش الإيراني من شبه جزيرة الفاو بعد سيطرة إيران للمنطقة لمدة عامين.
أُطلق على العملية اسم رمضان مبارك لتوافق العملية يومها مع أول أيام شهر رمضان، شملت العملية العسكرية التي نفذها الجيش العراقي السابق في الفاو قبل شروق شمس يوم 17 نيسان ثلاثة مراحل استطاعت القوات العراقية من خلالها استعادة كامل شبه جزيرة الفاو في حوالي 35 ساعة.
تُعرف مدينة الفاو التابعة لمحافظة البصرة على أنها منطقة ساحلية (شبه جزيرة) وتمثل المركز الإداري لقضاء الفاو، تقع في الجنوب الشرقي من محافظة البصرة، وتمثل أقصى نقطة في جنوب العراق وتطل على الخليج العربي وعلى ضفاف شط العرب، وتبعد المدينة عن مركز البصرة 90 كيلومترا.
يذكر بعض من الخبراء العسكريين أن العراق تلقّى نصائح خارجية للإعداد والتخطيط للمعركة بينما اتهمت إيران دولة الكويت بالسماح للعراقيين باستخدام جزيرة بوبيان كمعبر لعبور قوات الجيش العراقي. كما شاركت الهليوكبترات المسلحة الأمريكية في قصف المواقع الإيرانية في الفاو.
و"واشنطن" عن طريق (CIA) و(DIA) دعمت بغداد بالمعلومات الدقيقة عن مواضع الإيرانيين في قاطع الفـاو وصاحَبَت القيادة العراقية في إدارة تفاصيل هذه المعركة، وأنّ خبراء مصريّين شاركوا بإعداد الخطة وتمحيصها وكانت لهم لمساتهم عند الإشراف على تنفيذها.
*الأسلحة الكيميائية
وخلال عملية استعادة الفاو، استخدم الجيش العراقي السابق بأمر من المقبور صدام حسين الغازات السامة والاسلحة الكيميائية من غازات الأعصاب، لإفقاد المدافعين القدرة على استخدام الأسلحة، أو السيطرة على القوات، في حادثة وصفها الكثيرون بالجريمة والتي أضرت بالجيشين العراقي والإيراني بشكل جسيم.
وبحسب خبير فإن طرق استخدام ونقل الجيش العراقي السابق للأسلحة الكيماوية كانت متعددة. "واعتمدت على حشو ذخائر تقليدية (مدافع، قاذفات صواريخ، طائرات) لنشر العوامل الكيميائية، وفي بعض الأحيان، كان يتم توزيع براميل تحتوي أسلحة كيميائية في مناطق مختلفة، وحين تأتي موجة بشرية إيرانية يتم قصفها بالطائرات لتنفجر بعد انسحاب الجيش العراقي منها.
"لا يمكن معرفة العدد الكلي للضحايا الإيرانيين والعراقيين نتيجة الغازات السامة والاسلحة الكيميائية"
بحسب وثائق مجلس الأمن أنتج العراق في الفترة بين 1981 و1991 ما يقرب من 3850 طناً مترياً من غاز الخردل والتابون والسارين وغاز الأعصاب. تمت تعبئة 3300 طن منها في 130 ألف قطعة سلاح، استخدم منها 101 ألف.
*عبيد صدام يستذكرون
أعادت رغد، ابنة الرئيس العراقي المقبور، صدام حسين نشر مقطع فيديو من زيارة والدها إلى منطقة الفاو بأعقاب المعركة. مقطع الفيديو نشرته رغد الطاغية صدام حسين على صفحتها بمنصة أكس (تويتر سابقا)، قائلة بتعليق: "في 17-4-1988 تم تحرير مدينة الفاو، في عمليات رمضان مبارك، التي سطر بها الجيش العراقي الباسل بقيادة والدي الرئيس الشهيد صدام حسين أروع قصص البطولة والفداء".
تُعد الحرب العراقية الإيرانية من أطول الحروب النظامية في العهد الحديث، حيث استمرت 8 سنوات وأدت لمقتل مئات آلاف العسكريين من الجانبين، فضلا عن التكلفة المادية الباهظة التي تكبّدها البلدان.
ورغم قساوة هذه الحرب، فإن عملية (الفجر 8) كما أطلق عليها الإيرانيون والتي سيطروا فيها على الفاو في 11 فبراير/شباط 1986 كانت من أقسى المعارك وأشدها، حيث استغرق العراق أكثر من عامين بعدها لإعادتها.
*سقوط الفاو
ويصف رئيس أركان الجيش العراقي السابق الفريق الأول الركن نزار الخزرجي في كتابه (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 مذكرات مقاتل) أرض الفاو بأنها رخوة وسبخة وذات مستوى مياه جوفية عالية، إذ تصبح عند تساقط الأمطار أشبه بالمستنقعات، وتغمر المياه الضحلة أجزاءً كبيرة منها، عدا المناطق المحاذية لشطّ العرب حيث تمتد بساتين النخيل على شريط طويل، يتراوح عرضه بين كيلومتر وكيلومترين.
تُعد سيطرة إيران على الفاو من الأشد الأحداث وقعا على العراقيين طيلة الحرب بين البلدين، حيث تعرضت القيادة العسكرية العراقية لخدعة من القوات الإيرانية، بحسب ماجد القيسي مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والإستراتيجية.
ويضيف القيسي -وهو الذي عمل قبل 2003 ضابطا برتبة لواء ركن- أن إيران عمدت إلى التحشّد في منطقتين، الأولى في قاطع القرنة شرق البصرة وهو المخادع، وآخر تجاه الفاو وهو ما كانت الاستخبارات العسكرية العراقية قد أشارت إليه على أنه الهدف الإيراني الحقيقي.
وعن الكيفية التي سيطرت بها ايران على الفاو، يعود القيسي ليؤكد أنهم استطاعوا صناعة جسر عسكري على الأراضي الإيرانية ثم عمدوا إلى جره بالآليات العسكرية والزوارق باتجاه شط العرب واستخدامه في عبور المشاة والآليات تجاه الفاو، في وقت كانت القوات العراقية المرابطة في المكان آنذاك قليلة وغير قادرة عسكريا على رد الهجوم.
وأشار إلى أن الجسر كان شبه غاطس وغير واضح للقوة الجوية العراقية.
أما قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني العراقي الفريق الركن رعد الحمداني فيشير في كتابه "قبل أن يغادرنا التاريخ" إلى أنه وبعد ترقب عسكري استمر شهرا كاملا وفي تمام الساعة 10 من مساء يوم التاسع من فبراير/شباط 1986 شن الإيرانيون هجوما واسعا من منطقة كشك البصري شمالا حتى ميناء الفاو جنوبا، حيث قدرت أعداد القوات المهاجمة بنحو 50 ألف جندي إيراني.
ورغم كل ما حدث فإن القيادة العسكرية العراقية العليا ظنت أن الهجوم على الفاو كان للخداع فقط، بحسب الحمداني، مما أدى في نهاية المطاف وفي ليلة 12-13 فبراير/شباط إلى سقوط مقر الفرقة 26 للجيش العراقي التي كانت متمركزة في منطقة المملحة بالفاو.
أما الخبير العسكري الضابط في الجيش العراقي السابق مؤيد سالم الجحيشي فيشير من جانبه إلى أن إيران استغلت قناعة العراق بأن القوات الإيرانية كانت ترمي الاندفاع نحو الوسط العراقي، حيث إن العاصمة بغداد كانت تبعد عن الحدود العراقية الإيرانية قرابة 140 كيلومترا، انطلاقا من محور محافظة واسط المسمى عراقيا ببدرة وجصان.
ويضيف أن العراق اعتقد أن الفاو جغرافيا لم تكن تسمح للإيرانيين باستهدافها بسبب الفاصل الطبيعي المتمثل بشط العرب، فضلا عن أن الفاو لم تكن ضمن خط المعارك بين الجانبين طيلة السنوات السابقة لاحتلالها.
وفي شهادته التي أوردها الخزرجي في كتابه يقول "هكذا ضاعت الفاو، ورغم أن المخادعة هي مبدأ من مبادئ الحرب، فإن المخادعة التي تعرضت لها قواتنا في الفاو كانت من العيار الثقيل ونُفذت على مستوى دولي، ساهمت معلومات وخرائط الاستخبارات الأميركية المسربة في تحقيقها، لكن كان بالإمكان إجهاض هذه المخادعة الكبرى لو تحرر ذهن هيئتي الاستخبارات والعمليات في الأركان العامة من القناعات المسبقة".
*لحظة تاريخية
في غضون ذلك، يشير الحمداني في كتابه إلى أن "الفاو شكّلت معركة المنعطف في الحرب العراقية الإيرانية عند سقوطها بيد إيران وعند تحريرها في عمليات رمضان في 17 نيسان/أبريل 1988".
ويضيف أن القيادة العراقية لم تقتنع بأن الهجوم على الفاو كان الهدف الرئيسي للإيرانيين إلا بعد 5 أيام على بدء اكتساح الإيرانيين للمدينة، وأن قرابة 1500 جندي عراقي كانوا قد وقعوا في الأسر حتى 13 فبراير/شباط 1986.
محاولات عديدة نفذها الجيش العراقي والحرس الجمهوري من أجل استعادة السيطرة على الفاو بعد سقوطها بأشهر، إلا أنها لم تفلح في التقدم كثيرا وفق الحمداني، بعدها وثّق الحمداني أن القيادة العراقية ومنذ أغسطس/آب 1986 بدأت الإعداد لخطة طويلة الأمد لاستعادتها وتجنب الخسائر الكبيرة التي كانت قد منيت بها القوات العراقية.
استمرت سيطرة الإيرانيين على الفاو أكثر من عامين، ولم تتمكن القوات العراقية من استعادة الفاو إلا في 17 أبريل/نيسان 1988، في عملية أطلق عليها العراقيون "رمضان مبارك" حيث تزامنت استعادة الفاو مع بداية الشهر.