الشبوط يغيب عن المائدة ويطفو بالأطنان على نهر الفرات.. نفوق "غريب" يهدد الثروة السمكية وانفوبلس تتقصى الأسباب
انفوبلس/ تقارير
ما زال المسؤولون والباحثون يحققون في نفوق أطنان من سمك الشبوط الذي يعيش في المياه العذبة جنوبي بغداد، حيث غطَّت الأطنان من السمك "الفضي اللون" سطح نهر الفرات في الأيام القليلة الماضية، مما كبَّد مزارعي الأسماك خسائر فادحة. في حين كانت محافظة بابل أشد المتضررين وسط مخاوف من تضرر الثروة السمكية بالتلوث الهائل في نهر الفرات.
*بابل الأكثر تضرراً
في بادئ الأمر، استبعد مسؤولو الزراعة تسميم الأسماك عمداً بعد انتشار شائعات عن عمل غير قانوني لم تتحدد طبيعته، لكن الأسباب الحقيقية لم تتضح في البداية.
وكانت المزارع السمكية الأكثر تضرراً هي في محافظة بابل إلى الجنوب من بغداد حيث ألقى المزارعون أسماكهم النافقة في نهر الفرات في مطلع الأسبوع.
وقال صاحب مزرعة أسماك يدعى محمد علي حمزة الجميلي في المسيب، "العمال الذين يعملون هنا ما يقارب عشرة إلى ثمانية عمال، بالنسبة لهم قعدوا بعد ما عندهم عمل. الأسماك تُقدر بالأطنان، طلعناها حتى تعجز بعد ما تقدر تطلع وهاي مصاريف يومية بالإضافة إلى أنه خسرنا تعب سنة كاملة، عمال وعلف، بالنسبة لنا خلينا عمال جدد حتى تطلع السمك الميت من الأقفاص".
وقال الجميلي، "نطالب الدولة بتعويض كافة المزارعين سواء مجاز أو غير مجاز حتى يقدر ينتج سمك. إحنا بالنسبة لنا تضررنا مثل ما تشوف ضرر كبير".
*مرض بكتيري فتّاك
ولا يزال سبب نفوق السمك بلا تفسير، إذ يقول الصيادون إن السبب هو تلوث المياه بينما يقول مسؤولو الزراعة إن ذلك يرجع لمرض تعفن الخياشيم، وهو مرض بكتيري فتاك ينجم عن انخفاض مستوى الأوكسجين في الماء.
وقالت وزارة الزراعة في بيان لها، إن المرض ينتشر سريعا وسط أسماك الشبوط بسبب الكثافة العالية للأسماك في الأقفاص وإن تراجع تدفق المياه في نهر الفرات أسهم في ذلك أيضا.
وأضافت، إن الساعات الثماني والأربعين الماضية لم تشهد حالات نفوق جديدة. وذكرت جريدة الصباح الرسمية أن اختبارات ستُجرى خارج البلاد لمحاولة معرفة سبب نفوق الأسماك.
*سبب النفوق بحسب وزارة الزراعة
وقال وكيل وزير الزراعة مهدي ساري الجبوري، إن "قرب المسافات بين الأقفاص العائمة بالإضافة إلى كثافة التربية الموجودة في هذه الأقفاص، هذه كانت أحد الأسباب بالإضافة إلى ركود المياه الموجودة نتيجة انخفاض مناسيب المياه الواردة إلينا في نهر الفرات من تركيا، وبالتالي أصبح نهر الفرات في تلك المناطق على شكل بحيرة ومياه راكدة بها فتسبب كل هذا بنقص الأوكسجين ونفوق هذه الأعداد الكبيرة من الأسماك".
ويزيد ارتفاع درجة الحرارة وإقامة سدود على نهري دجلة والفرات وزيادة الأنشطة الزراعية، الضغط على موارد المياه الشحيحة في العراق.
ويتدفق نحو 70 في المئة من موارد المياه للعراق من دول مجاورة، وينبع نهرا دجلة والفرات من تركيا.
*تقطيع أوصال الفرات
ويتهم العراق، تركيا، وبدرجة أقل سوريا، بتقطيع أوصال نهر الفرات بإقامة سدود كهرومائية عليه تحد من تدفق الماء وتضرُّ بقطاع زراعي عراقي يعاني بالفعل بسبب حروب دامت عقودا إلى جانب العقوبات والإهمال.
وتمثل واقعة نفوق الأسماك مؤشرا على زيادة التلوث ومشكلات المياه في العراق الذي يكافح من أجل توفير إمدادات المياه النظيفة لا سيما في جنوب البلاد.
وفي البصرة على بُعد حوالي 500 كيلومتر إلى الجنوب الشرقي من بغداد، يعاني نهر شط العرب، حيث يلتقي دجلة والفرات، من التلوث مما يهدد أرواح ما يربو على أربعة ملايين نسمة.
*ليس النفوق الأول
وشهد العراق عام الفين وثمانية عشر حادثة مماثلة وقعت في محافظة بابل وسط البلاد عندما تفاجأ مربّو الأسماك بنفوق الآلاف من أسماك "الكارب" دون أن يتمكنوا من معرفة السبب، وقد رجّح بعضهم يومها وقوف فيروس أو مواد كيماوية خلف ما جرى.
وفي العام الماضي بلغ إنتاج العراق من الأسماك نحو ثمانمائة ألف طن من مزارع مجازة وغير مجازة. وتراجع إنتاج العام الجاري إلى نحو أربعمئة ألف طن أو أقل بسبب قلة الأمطار والجفاف. ووسط هذه الأزمة تكشف الأرقام الرسمية أن التصحر اجتاح الأراضي العراقية بنسبة تسع وثلاثين في المئة.
كما أعلنت السلطات العراقية العام الماضي، فتح تحقيقاً لتحديد أسباب نفوق أطنان من الأسماك في نهر العز بمحافظة ميسان، بسبب شح المياه وارتفاع نسبة الملوحة.
*عودة الأسماك مرهون بمناسيب المياه
بدوره أشار رئيس شعبة النُّظُم الطبيعية في مديرية بيئة ديالى يوسف سعدي، أنه "تم تشديد الإجراءات وتنفيذ حملات توعوية في مناطق متفرقة لمنع الصيد الجائر للأسماك في أنهر ديالى عبر السموم والصعق بالكهرباء لضمان عدم نفوق الأحياء المائية ومن بينها الأسماك الصغيرة".
وبحسب المتحدث باسم مديرية الزراعة في محافظة ديالى محمد المندلاوي فإن "المديرية تسعى الى إطلاق إصبعيات من الأسماك في المسطحات المائية في المحافظة ومنها بحيرة حمرين حال تحسن مناسيب المياه لدعم الثروة السمكية".
*الشبوط يغيب عن المائدة
وفي محافظة ديالى، تشهد الثروة السمكية تراجعا غير مسبوق منذ سنوات جراء الجفاف الذي ضرب الأنهار والبحيرات بقساوة وانعكس حتى على أحواض تربية الأسماك ودفع أصحابها إلى العزوف عن مهنتهم واللجوء إلى مهن أخرى.
وعلى الرغم من أن تناول السمك يُعد تقليدا أسبوعيا بالنسبة للآلاف من السكان، إلا أن معظم الأسماك المحلية الشهيرة غابت عن المائدة في المدينة ولم يبقَ سوى السمك التجاري والذي يُعرف محليا بـ"الكارب".
وتُقدر نسب التراجع في الثروة السمكية في ديالى مؤخرا بنحو 90% وفقا لرئيس شعبة الثروة السمكية في مديرية زراعة ديالى عباس المعموري.
وقال المعموري في تصريح له تابعته شبكة انفوبلس، إن "ديالى كانت تضم أنواعا مختلفة من الأسماك بينها الشبوط والبني والخشني فضلا عن الكارب الذي تتم تربيته في الأحواض".
وأضاف، إن "معظم الأسماك النهرية اختفت الآن بعد ردم البحيرات وجفاف الأنهر وبقي الكارب فقط في الأسواق، بعدما كانت ديالى تُصدِّر أسماكا لمناطق مختلفة".
*ردم البحيرات
وبحسب أرقام مديرية الموارد المائية فإن أعداد بحيرات تربية الأسماك التي تم ردمها بلغت أكثر من 200 بحيرة نتيجة الجفاف وللحد من هدر المياه.
من جهته قال رئيس شعبة الدواجن والأسماك في المستشفى البيطري في ديالى أرشد مجيد، إن "إنتاج وتسويق الأسماك في ديالى خلال العام الماضي 2023 بلغ أكثر من 400 طن من أسماك حقول التربية فقط وهي كمية قليلة مقارنة بما كانت تسجله ديالى عندما كانت مناسيب المياه مرتفعة".
وبين مجيد في حديث له، إن "الأسماك التي كانت تنتجها ديالى سابقا تصل الى 1000 طن سنويا وربما أكثر بالإضافة للأسماك المحلية التي يبيعها الصيادين بعد صيدها من الأنهر وبحيرة حمرين".
وأوضح، إن "أحواض تربية الأسماك الآن معدودة وفقط على جانبي نهر دجلة من جهة ناحية جديدة الشط بعدما كانت حتى في نهر ديالى ولكنها اختفت بعدما انخفضت مناسيبه إلى مستويات غير مسبوقة واضطر مربي الأسماك الى العمل في مهن أخرى عندما تحولت مهنتهم الى خاسرة".
*تلوث "كارثي" يهدد أنهار العراق
يواجه العراق الذي يعاني من الجفاف، إضافة إلى أزمات أخرى أنتجتها عقود من صراعات دمّرت بناه التحتية، تلوثاً كارثياً في مياه أنهاره، لأسباب أبرزها تسرّب مياه الصرف الصحي، والنفايات الطبية.
ويؤكد مسؤولون أن المؤسسات الحكومية نفسها تقف خلف جزء من هذا التلوث البيئي، بينما تكافح السلطات المختصة لمواجهة هذه الآفة التي تهدّد الصحة العامة في العراق. ويحصل نحو نصف سكان العراق فقط، على خدمات مياه صالحة للشرب، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.
ويرتفع خطر التلوث في العراق مع الازدياد المطرد لشحّ المياه نتيجة الجفاف والتغيّر المناخي، وخلافات سياسية تتعلق بتوزيع حصص المياه بين بلاد الرافدين ودول الجوار. ويزداد تركّز التلوث في الأنهار توازياً مع انخفاض مناسيب المياه.
ويقول المتحدّث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، إنه بالإضافة إلى القطاع الخاص، الغريب في موضوع التلوث في العراق، أن غالبية المؤسسات الحكومية هي من تقوم به. ويضيف أن من بينها دوائر المجاري (التي) تلقي كميات كبيرة (من مياه المجاري) في نهري دجلة والفرات، من دون أن تمرّ بمعالجة تامة أو معالجة بسيطة.
ولفت المتحدث إلى، أن "أغلب المستشفيات القريبة من النهر تلقي فضلاتها وتصريف مياه الصرف الصحي مباشرة فيه وهذا أمر خطير وكارثي".
وتتسبب المنشآت الصناعية كذلك في تلوث المياه، وبينها مصانع مواد بتروكيميائية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الأنشطة الزراعية، من خلال مياه البزل التي "قد تحتوي على سموم مرتبطة بالسماد"، وفقاً للمتحدث.