العنف الأسري في العراق.. حلول ترقيعية وقوانين تنتظر التشريع
انفوبلس/..
عندما نتيقن من أن معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية تكمن بالبحث عن اسبابها ومعالجتها، نعرف أن المعالجات الحكومية لهذه الظواهر في العراق، ومنها ظاهرة العنف الاسري، لا تعدو كونها حلولاً مؤقتة، لا ترتقي لمرتبة الحلول الجذرية، ألتي إن لم تجتث الظاهرة بشكل نهائي، فعلى الاقل تحد منها.
وإلى جانب أنواع العنف الاخرى، شكلت ظاهرة العنف الاسري في العراق بعد الاحتلال مشكلة كبيرة. وعزت المحامية “شهلاء الفتلاوي” أسباب هذه الظاهرة إلى “الفقر والمخدرات والبطالة وأعمال العنف التي يشهدها العراق منذ نحو عقدين،” مؤكدة في حديث صحفي أن “أحد أكثر الاسباب، التي رصدت في الآونة الأخيرة وتدفع الزوج إلى تعنيف زوجته أو أطفاله، هو تدهور الاوضاع المعيشية في ظل غياب فرص العمل، مما له تأثير نفسي على الافراد”.
ووصفت الاكاديمية والباحثة في الشأن الاجتماعي “ندى العابدي” الحلول الحكومية لهذه الظاهرة بأنها “ترقيعية”، مؤكدة على أهمية اقتلاع المشكلة من جذورها. ولتحقيق ذلك طالبت العابدي أولاً بالقضاء على المخدرات والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، متسائلة “كيف يكون راتب البرلماني عشرة أضعاف المتوسط، وهناك أشخاص يأكلون من القمامة في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم ؟”.
تمت معالجة تعنيف 754 حالة من النساء، و233 من الرجال، و55 من الاطفال، إضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة، ورصد ومتابعة 22 طفلاً هارباً، فضلاً عن انقاذ 22 من كبار السن وأربعة أطفال من التعنيف
السجلات الرسمية تتحدث
وأكدت احصائية حديثة لمجلس القضاء الاعلى تسجيل 32 ألف دعوى عنف أسري في البلاد خلال عام ونصف مضى، منها أكثر من 22 ألف دعوى سجلت في العام الماضي، و10 آلاف دعوى في الاشهر الستة الاولى من هذا العام، من بينها 1733 دعوى مسجلة في رئاسة محكمة استئناف بغداد الرصافة. أما عام 2020 فقد انقضى بتسجيل 15 ألف حالة.
وتنوعت الشرائح المستهدفة بالعنف الاسري، لكن الغالبية العظمى منها كانت ضد النساء حيث بلغت القضايا المسجلة ضدهن عام 2021 نحو 19 ألف دعوى، و2622 دعوى ضد كبار السن، أما الأطفال فقد بلغت دعاوى العنف ضدهم 1141 دعوى.
من ناحية اخرى ذكرت تقارير صحفية محلية إن “الشرطة المجتمعية تلقت عبر الخط الساخن 1162 مناشدة، وتمت معالجة تعنيف 754 حالة من النساء، و233 من الرجال، و55 من الاطفال، إضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة، ورصد ومتابعة 22 طفلاً هارباً، فضلاً عن انقاذ 22 من كبار السن وأربعة أطفال من التعنيف”.
ويقسم المختصون أنواع العنف المنزلي الذي تتعرض له النساء والأطفال وكبار السن إلى العنف الجسدي والعنف اللفظي والعنف الاقتصادي، ألذي يشمل الحرمان من الموارد، وكذلك الحرمان من التعليم والخدمات الصحية، وأنواع أخرى كثيرة.
ضرب الطفل في القانون العراقي
ومازالت القوانين العراقية تتعامل مع ضرب الاطفال، سواء في البيت أو المدرسة، على أنه حق يبيحه القانون، ويدخل في باب تأديب الآباء والمعلمين للاطفال، وفق ما جاء في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي.
وتنص هذه المادة على أنْ (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالاً للحق تأديبُ الآباء والمعلمين ومن في حكمهم للأولاد القصر.)
ووفق هذه المادة، أفلت كثير من الآباء والمعلمين من العقاب، حيث أنهم لم يتذرعوا بها فقط، بل تمادوا فيها إلى درجة كبيرة. وفي نيسان/إبريل الماضي تداولت وسائل التواصل قضية معلم في مدرسة ابتدائية، عاقب 20 تلميذاً دفعة واحدة بالضرب المبرح لأنهم لم يحفظوا الدرس، وحطم أسنان تلميذ في الحادية عشرة، لأنه صرخ متألماً من الضرب.
وحيال مثل هذه النصوص القانونية، لا تملك الشرطة من حلول غير أن توقّع المتسبب بالضرر على تعهد وإجراء مصالحة بين الطرفين، وتلزم الطفل الهارب من البطش بالعودة إلى البيت إذا كان احد الوالدين متسبباً بالضرر، دون البحث عن احتمالية تكرار هذا الفعل، والنتائج المحتملة له.
ويرى الناشط الاجتماعي “محمد شكر” إن “حالات العنف ضد الاطفال ازدادت بصورة مخيفة”، وذلك بسبب “العنف داخل المجتمع العراقي وسيطرة مشاعر اليأس والصعوبات الاقتصادية،” مضيفاً “ان ما نراه هو حالات الضرب العنيف المسجلة فقط، في حين ان أي اعتداء جسدي على الطفل مهما كان بسيطاً قد يتسبب له بأضرار نفسية دائمة.”
قانون الحماية من العنف الأسري
ولا تمثل الارقام المعلنة سوى نسبة ضئيلة من مجموع حوادث العنف الاسري، حيث لا تصل أغلبها إلى المحاكم، فبحسب الناشطة “نورة العبيدي”، فإن “العدد المسجل هو أقل بكثير من الاعداد الحقيقية، لأن أغلب النساء المعنفات يحجمن عن تقديم شكاوى بسبب الضغوط العائلية”.
ودفعت هذه الاوضاع ناشطات اجتماعيات السبت الماضي لإطلاق مناشدة عاجلة إلى العالم، دعون فيها إلى ممارسة ضغوط على الحكومة العراقية من اجل الاسراع بتشريع قانون حماية الأسرة.
ولم تنصف السلطات هذه الشرائح لحد الآن بتشريع قانون يستوعب المتضررين من حوادث العنف المنزلي، حيث تحول التجاذبات السياسية بين الاطراف الحاكمة دون مصادقة مجلس النواب على (مشروع قانون الحماية من العنف الأسري).
وصوت المجلس على مسودة المشروع في الرابع من آب/أغسطس 2020، وأودع في أدراج المجلس إلى جانب بقية المشاريع التي نوقشت وصوت عليها، ثم طواها النسيان.