الفحص الطبي لإجازة السوق.. "مسكن آلام" يهدد بتفكيك العوائل وخلافات عشائرية في الانتظار!

انفوبلس/ تقرير
واجه الكثير من المواطنين في المراكز الطبية لإجراء فحص المخدرات للراغبين بإصدار إجازة سوق في العراق، مفارقات "خطيرة" قد تؤدي الى مشاكل عائلية وعشائرية في الوقت القريب بعد أن ظهرت نتيجة فحوصاتهم "إيجابية"، حيث يبدو أن العديد من العراقيين سيكتشفون أنفسهم "مدمني مخدرات" دون علمهم، فما القصة التي شغلت الرأي العام منذ صباح اليوم الخميس؟ وما تداعيتها؟
وتُمنح إجازة السوق لمن أكمل 18 عاما، بشرط أن تؤيد لجنة طبية متخصصة تعينها وزارة الصحة لياقته الصحية، وأن يجتاز الاختبار الفني في قيادة المركبة وقوانين المرور وفق نوع الإجازة التي يروم الحصول عليها، ويجب أن لا يكون قد صدر حكم قضائي بمنعه من قيادة المركبة وفقا للقسم 3 من قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004، على أن يدفع طالب الإجازة عشرة آلاف دينار عراقي كرسوم، وفقا للمادة 19 من الملحق (أ) التابع للقانون نفسه.
وينص قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004 المعدل في القسم 21 منه على أن السائق غير الحائز على إجازة سوق "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر كل من قاد مركبة بدون إجازة سوق".
*قصة فحص المخدرات
خلال العام الماضي 2024، فرضت وزارة الداخلية ومديرية المرور العامة فحص المخدرات كفحص إضافي مع فحص النظر قبل الحصول على إجازة السوق، وبينما تم وضع لجان فحص النظر في السابق في داخل مواقع المرور، أجبر فحص المخدرات على إعادة مواقع الفحص واللجان الى العيادات الطبية بعد أن كان في السابق الأمر مختصراَ.
وقامت اللجان الطبية بفتح حجز إلكتروني عبر منصة أور، وعادةً ما يعطي موعدا يبعد حوالي أسبوع من موعد التقديم على حجز الفحص الطبي، لكن شهود عيان أكدوا أن ما يُعرف بـ"العارضحالجية" الذين ينتشرون في أبواب اللجان الطبية يتمكنون من منح الحجز باليوم ذاته، في عملية تلاعب جديدة وبوابة إضافية للاستغلال.
هذا القرار لاقى ترحيبا وانتقادا بين المواطنين، حيث يراه البعض أنه عبئًا إضافيًا يزيد من التكاليف ويؤخر الإجراءات، في وقت يعاني فيه الكثيرون من صعوبات اقتصادية ومعيشية. فيما يؤكد آخرون أن ذلك سيحد من استخدام المخدرات ومنع السائقين المتعاطين من التجول في الشوارع وبالتالي حصول حوادث قد تسبب الموت.
تقول الجهات الرسمية، إن إدخال فحص المخدرات يأتي في إطار الجهود المبذولة للحد من حوادث السير وضمان قيادة آمنة، خاصة مع تزايد حالات تعاطي المخدرات بين الشباب وانتشارها في المجتمع العراقي، كما يهدف الفحص إلى التأكد من أن السائقين لا يشكلون خطرًا على أنفسهم أو على الآخرين أثناء القيادة.
وبحسب حديث مديرية شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الداخلية سابقاً، فإن عملية ردع التعاطي من خلال فحص منتسبي القوات الأمنية ستشمل باقي الوزارات والمؤسسات الحكومية، ومن ضمنهم المعلمون في المدارس والمتقدمون على إجازات السوق وحيازة السلاح، وهو ما حدث فعلاً خلال الأسابيع الماضية.
قال محمد العلواني، الناشط العراقي المهتم بمحاربة المخدرات والكشف عن مصادرها، إن "فحص المخدرات لا بد أن يشمل جميع شرائح المجتمع العراقي وألا يقف عند جهة معينة، لأن المجتمع العراقي تأثر كثيراً بهذه الظاهرة القاتلة"، مؤكداً أن "الفحص لا بد أن يشمل الموظفين وفي كل الوزارات والهيئات، وليس غريباً، بل من الطبيعي المطالبة بأن يتم فحص حتى الوزراء وأعضاء مجلس النواب، وحماياتهم، وألا يكون أي أحد أكبر من هذا الإجراء المهم".
لكن الجدل الدائرة حالياً هو ما بعد الخضوع للفحص، الذي أصبح يتطلب من كل مواطن يرغب بإصدار إجازة سوق دفع 40 الف دينار للجان الطبية المحددة مسبقا من قبل مديريات المرور والتي تبلغ 5 لجان في مواقع مختلفة في بغداد، وبعد دفع الـ40 الف دينار سيتم إجراء فحص النظر وكذلك منح المواطن علبة لجمع عينة الإدرار لغرض إخضاعها لفحص المخدرات.
إذ اكتشف العديد من المواطنين، نساء ورجالا وكبار بالسن، أنهم "مدمنو مخدرات"، حيث ظهرت النتيجة "إيجابية" دون معرفة الأسباب، مؤكدين أن هذا سيسبب ضررا كبيرا لهم ولعوائلهم لاسيما وأن المجتمع العراقي محافظ وملتزم بالعادات والتقاليد.
وأكد عدد من المواطنين أنهم واجهوا هذه الحالة فعليًا، كما يقول المواطن أحمد سمير (35 عاما)، وهو أحد الأشخاص الذين ذهبوا لاستخراج إجازة سوق لزوجته، وخلال فحص المخدرات أبلغوه أن نتيجة زوجته إيجابية وهي مدمنة مخدرات، الأمر الذي دفعهم للدخول بصدمة "شديدة" كادت أن تؤثر حتى على العلاقات العائلية، قبل أن يكتشف العديدون ممن أبلغوهم بأنهم مدمنون، عاملا مشتركا بينهم وهو أنهم "يتناولون مسكن آلام!".
كما تبين أيضا أن اختبار وزارة الصحة واللجان الصحية المحددة من قبل دوائر المرور، سيخرج النتيجة إيجابية في عينة الإدرار لكل من يتناول مسكنات أو أنه خضع لعملية جراحية في وقت قريب اضطرته لأخذ مسكنات آلام قوية.
وفي هذا السياق، قالت السيدة نورية (45 عاما)، "لا أعلم كيف سأعود إلى منزلي وقد علم أفراد عائلتي بأن نتيجة فحص اختبار تعاطي المخدرات الخاص بي "إيجابي"، داعية وزارة الصحة إلى "الخروج بتصريح رسمي يبرر ما يحصل للحفاظ على سلامة الأسر العراقية". وأضافت، إنها طوال حياتها تشكي من "روماتيزم" مما يلزمها بأخذ المسكنات للاستمرار بعملها وتقليل الألم.
بينما يقول الشاب أحمد، وهو طالب مرحلة أولى جامعة، إن "هذا أول اختبار إجازة سوق لي، وقد ظهر إيجابيا واني لم أخذ أي مسكن للآلام وإنما أجريت عملية لإحدى ساقي قبل أشهر من الاختبار".
الجدير بالذكر أن وزارة الصحة لم تخرج بأي تصريح رسمي أو تعليق حتى اللحظة (وقت كتابة التقرير)، حول فشل اختبار فحص المخدرات الخاص بإجازة السوق، مما سيؤثر سلباً على العوائل العراقية والعلاقات الزوجية، وقد يؤدي الى خلافات عشائرية في الوقت القريب.
ومن المعروف أن العديد من مسكنات الآلام وكذلك أدوية شلل الدماغ وأمراض الجملة العصبية تحتوي على مواد تصنف على أنها قابلة للإدمان إذا ما أُخذت بكميات كبيرة كما أنها لا يتم صرفها إلا بوصفة من طبيب، ومن الأمثلة على ذلك مسكن الآلام الترامادول، وعلى ما يبدو أن الفحص الطبي لا يفرق بين المخدرات ومسكنات الآلام على الإطلاق، وهذا ما سيجعل حوالي نصف العراقيين "مدمنين" كونهم يتناولون مسكنات الآلام بكثرة ولا سيما من قبل كبار السن ومرضى المفاصل.
وتفتح هذه الظاهرة الباب على مدى تماهل وعدم الشعور بالمسؤولية من قبل اللجان والجهات المختصة على هذا النوع من الفحوصات، فالفحوصات المتبعة ليست تؤدي لحرمان الناس من استصدار إجازات السوق وتؤخرهم فحسب، بل قد تؤدي الى انهيار العلاقات العائلية بسبب النتيجة الخاطئة للفحص وتثير الشكوك بين أفراد العوائل.
لمن يستفسر عن مواقع لجان الفحص الطبي للمتقدمين للحصول على إجازة السياقة أو تجديدها، فقد حددت مديرية المرور العامة في 29 كانون الثاني يناير الماضي، 5 مراكز صحية في بغداد لإجراء الفحص الطبي الخاص بإجازة السوق وأن يكون التقديم عبر منصة أور حصرا، وهي: "( مركز صحي فخري آل الدين جمال في شارع النضال (صباحاً)، العيادة الطبية الاستشارية الصباحية الثانية في مدينة الصدر في ساحة 55 (صباحاً مساءً)، العيادة الطبية الاستشارية في الصليخ (صباحاً ومساءً)، العيادة الطبية الشعبية في الإسكان مقابل كلية المأمون (صباحاً ومساءً)، العيادة الطبية الشعبية في إسماعيل ناجي في منطقة العلاوي (صباحاً ومساءً)".
ولم يتوقع أكثر المتشائمين أن يصبح العراق واحدا من مناطق انتشار وتجارة وتعاطي المخدرات في وقت كان فيه من البلدان القليلة البعيدة نسبيا عن هذا الخطر. واصطفت اليوم تلك الآفة جنبا إلى جنب "الإرهاب" كي يصبحا آلة للقتل وتمزيق فئات مختلفة من المواطنين من دون تمييز، رغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لمطاردة واستئصال تلك الآفة والمتعاملين معها.
وفي مايو/أيار الماضي 2024، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها "تهديد إرهابي"، مشيرا إلى أنها "وضعت استراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات".