طلاب يقعون في فخ الاحتيال.. تزايد نشاط صفحات الأسئلة "الوهمية" قبيل الامتحانات النهائية

انفوبلس/ تقرير
في كل عام وقبل بداية الامتحانات الوزارية، تبدأ "صفحات الأسئلة المزيفة" في العراق بالظهور، إذ يقوم بعض الأفراد أو الجهات بإنشاء صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي أو مواقع ويب تدَّعي أنها تنشر أسئلة الامتحانات الرسمية (مثل امتحانات نهاية العام أو الامتحانات الوزارية) قبل موعدها، مما قد يدفع الطلبة لإهمال الدراسة الشاملة والاعتماد على هذه التسريبات. فكيف تعالج وزارة التربية الأمر؟ وما رأي المختصين؟
وشهد العام الماضي إغلاق صفحات إلكترونية كانت تروّج وتبيع الأسئلة العشوائية بأسعار باهظة، وتوهم الطلبة بأنها وزارية، إذ تم إلقاء القبض على مالكيها ومحاسبتهم قانونياً بالتنسيق مع الجهات الأمنية إذ إن مثل هذه الصفحات "المزيفة" تُربك حسابات الطلبة قبل الامتحانات.
كما وأثار تسريب الأسئلة، غضباً واسعاً في السنوات الأخيرة، التي شهدت فضيحة "مدوية" عندما تسربت أسئلة امتحان مادة الرياضيات للصف الثالث المتوسط قبل سبع ساعات من موعده، ما دفع الوزارة إلى تأجيل الامتحانات.
ويعمد العراق كل عام على قطع الإنترنت في أيام الامتحانات الوزارية للصف الثالث المتوسط والسادس الإعدادي، كوسيلة لتجنب تسريب الأسئلة والغش، بعد تكرار حالات تسريب أسئلة الامتحانات قبل موعد إجراء الامتحان، حيث يتم قطع الإنترنت من الساعة الـ4 فجرا وحتى الـ7 صباحا وعلى مدى نحو أسبوعين لحين انتهاء الامتحانات.
صفحات الأسئلة المزيفة
وبحسب مدرسين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإن مشكلة انتشار "صفحات الأسئلة المزيفة" في العراق، تُوهم الطلاب بحصولهم على الأسئلة الحقيقية، مما قد يدفعهم إلى إهمال الدراسة الشاملة والاعتماد على هذه التسريبات الوهمية، وكذلك تخلق هذه الشائعات حالة من الفوضى والارتباك بين الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين، وفي بعض الحالات، قد تهدف هذه الصفحات إلى الاحتيال المالي عن طريق طلب مبالغ مالية مقابل الحصول على هذه "الأسئلة".
إذ يؤكد المدرس صالح جبار، أن "وزارة التربية قد أعلنت أنها بدأت استعداداتها الخاصة بالامتحانات الوزارية وهو شيء إيجابي لكن في الوقت ذاته عليها أن تنسق مع مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تزويدها بالمعلومات التي تسهم بالقبض على مروّجي الأسئلة الامتحانية المزورة التي تُنشر من قبل تلك الصفحات".
ويضيف، إن "هذه الصفحات تُربك حسابات الطلبة الساعين الى النجاح لذلك ندعوهم إلى التركيز على المناهج والمقررات الدراسية بعيداً عن المرشحات وغيرها، لأنها قضايا تجارية في أكثر الأحيان والبعض يصور الأسئلة الوزارية على أنها بعبع يجب الحذر الشديد منه مع الواقع يشير الى أن الطالب المجتهد لا يحتاج الى مرشحات من تحقيق النجاح".
وأمس الثلاثاء، أعلنت وزارة التربية تشكيل فريق فني خاص لمتابعة ورصد الصفحات والمجموعات التي تُروّج لأسئلة وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع قرب انطلاق الامتحانات العامة للمراحل الدراسية. وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة كريم السيد، إن "أسئلة الامتحانات الوزارية أعدّت من المنهج المقرر بالكامل، مع مراعاة المستويات المختلفة للطلبة والفروقات العلمية بينهم، وتم الحفاظ على سرّيتها التامة، بحسب الصحيفة الرسمية". وتابع، إن " الخطوة تأتي في إطار تعزيز نزاهة الامتحانات الوزاريَّة وحماية الطلبة من التضليل".
وستبدأ الامتحانات الوزارية لمرحلة السادس الابتدائي يوم 11 من الشهر الحالي، والثالث المتوسط يوم 20 من الشهر نفسه، ومن ثم تعقبها امتحانات السادس الإعدادي خلال حزيران المقبل.
على الصعيد ذاته، يشيد المدرس محمد حسن بتشكيل فريق فني في وزارة التربية لرصد المروّجين والصفحات الوهمية بمواقع التواصل الاجتماعي والتي تقوم بنشر أسئلة ومرشحات بهدف إرباك الطلبة خلال فترة الامتحانات للمراحل المتوسطة والثانوية للعام الدراسي 2024-2025". ويتابع، إن "الطلبة يجب أن يُدركوا أن الأسئلة الامتحانية الوزارية يتم إعدادها من المنهج المقرر وتراعي مستويات الطلبة والفروقات العلمية، مع الحفاظ على سريتها وهي حالة يجب مراعاتها في جميع الظروف لكي لا يكون هناك أي تسريب لها تحت عنوان المرشحات".
ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للكثير من حالات الاحتيال، لذلك وجه مجلس القضاء الأعلى، باتخاذ الإجراءات القانونية الشديدة بحق مرتكبي جريمة تسريب الاسئلة الوزارية وبيعها وأنا أطالب بتطبيق تلك الإجراءات بحق مرتكبي جريمة نشر ما يسمى مرشحات الاسئلة الوزارية لأنها لا تقل خطرا عن تسريب الأسئلة، بحسب حديث المحامي قاسم حميد.
ويقول حميد، إن أكثر الطلبة في الوضع الحالي يتابعون عددا من الصفحات في وسائل التواصل وينظرون لها على أنها صفحات موثوقة ولكنها في حقيقة الامر تعمل على نشر أسئلة ليست حقيقية ويحاولون خداعهم بهذه الطريقة لذلك يجب عليهم الانتباه الى ما سيواجهونه من عملية احتيال الكتروني"، مطالبا بـ"ضرورة اتخاذ خطوات إجرائية سريعة من أجل تدارك الوضع حتى لا يقع الطلبة في فخ تلك الصفحات المزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تكثر من نشر أسئلة على أنها مرشحات ومنها ستأتي أسئلة الامتحانات الوزارية".
كيف يتم التعامل مع هذه المشكلة في العراق؟
يؤكد مسؤول حكومي خلال حديثه لشبكة "انفوبلس"، أن معالجة هذا الأمر يمكن في قيام وزارة التربية والجهات التعليمية الأخرى بشكل دوري في التوعية بمخاطر هذه الصفحات وتحذير الطلاب وأولياء الأمور من تصديقها، وكذلك قيام الجهات الأمنية بمتابعة هذه الصفحات ومحاولة تحديد هوية المسؤولين عنها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ويضيف، إن على الطلاب وأولياء الأمور تجاهل أي صفحات أو مصادر غير رسمية تدَّعي امتلاكها لأسئلة الامتحانات، والاعتماد على المذاكرة والتحضير الجيد هو السبيل الحقيقي للنجاح في الامتحانات، فضلا عن متابعة المواقع الرسمية لوزارة التربية والقنوات الإعلامية المعتمدة للحصول على المعلومات الصحيحة، إضافة الى ذلك إبلاغ الجهات المختصة أو وزارة التربية عن الصفحات المشبوهة.
و"صفحات الأسئلة المزيفة" هي مشكلة موجودة في العراق (وفي العديد من الدول الأخرى) وتستدعي الحذر وعدم الانجرار وراء محتواها المضلل، وكذلك التركيز على الدراسة والاعتماد على المصادر الرسمية هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الظاهرة، وفقاً للمسؤول.
لكن في المقابل وبعيدا عن الصفحات الوهمية شهدت السنوات الأخيرة وخصوصا في حقبة مصطفى الكاظمي، تسربت أسئلة أكثر من مادة دراسية في الامتحانات الوزارية، من بينها اللغة العربية والتاريخ واللغة الإنكليزية، ما أدى إلى تدخّل السلطات الأمنية والقضائية، وقام جهاز الأمن الوطني باعتقال موظفين في وزارة التربية بعد اتهامهم ببيع الأسئلة إلى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن نتائج التحقيقات معهم لم تظهر أبداً.
وتمثل أزمة تسريب الأسئلة في العراق، تحدياً نفسياً للطلبة، وتؤثر على نتائجهم، وبالتالي قبولهم في المعاهد والكليات، وفقاً لعدد من الطلبة، وقال أحدهم حينها إن "الفساد في وزارة التربية هو السبب وراء تسريب الأسئلة، والتي يتم بيعها للطلبة من أبناء العوائل الغنية، أو أبناء المسؤولين".
ويبين الناشط المدني أيهم رشاد، أن "تسريب الأسئلة قد يحدث في كل امتحانات مقبلة، لأن الفساد لا يزال مستمراً، والمتورطين بلا عقاب، لأنهم يتبعون جهات حزبية وسياسية"، موضحاً أن "الطريقة التي استخدمتها وزارة التربية لمكافحة التسريب كانت قطع الإنترنت، لكنها لم تنجح، لأن تسريب الأسئلة عادة ما يحدث قبل موعد الامتحان بساعات، ما يعني أن القائمين على حفظ الأسئلة، أو من ينقلونها إلى المدارس هم من يقومون بهذا الخرق".
الى ذلك، وعد الخبير القانوني سالم حواس، ان تسريب اسئلة الامتحانات جريمة مخلة بالشرف، إذ قال إن "التسريب يعني عدم الحفاظ على سرية الاسئلة الامتحانية بغية الاطلاع على محتواها لأسباب مادية او معنوية او شخصية وتمريرها لبعض الطلبة بغير وجه حق". واكد حواس ان "هذا الفعل تنطبق عليه احكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 التي تصل عقوبتها للعزل والفصل في هذا القانون وقانون الخدمة المدنية وكذلك قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل في باب خيانة الأمانة".
وأضاف، إن "نظام الامتحانات العامة رقم 18 لسنة 1987 ألزمت اللجنة الدائمة للامتحانات التي يرأسها وكيل وزارة التربية بوجوب ضمان كتمان اسئلة الامتحانات ومسؤولية اعضاء اللجنة الامتحانية بالتضامن". وبين، إن "القرار رقم 132 لسنة 1996 يعاقب بفقراته المتعددة بالحبس والسجن كل من سرب او أفشى او ذاع او تداول الاسئلة الامتحانية وكذلك عاقب الناقل والمغلف والمترجم واعتبر القرار ان هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف".
وأوضح، إن "القرار رقم 57 لسنة 2000 جعل تطبيق القرار 132 سارياً على المعاهد والكليات لوزارة التعليم العالي اسوةً بوزارة التربية". وقال انه "من المعيب جداً في ظل دولة كالعراق ان تتفاقم يوم بعد آخر الجرائم الاخلاقية وفقدان بوصلة الضمير والرسالة التربوية".