بيت متجاوز يهز البصرة.. من بصمة استغاثة إلى فيديو إذلال وتجميد سرايا السلام: قصة موظف واجه السلاح لأنه طبق القانون

انفوبلس/..

لم تكن بصمة صوتية قصيرة وجهها موظف بلدي في البصرة إلى محافظها سوى الشرارة التي كشفت واحدة من أخطر حلقات الصراع الصامت بين سلطة القانون وسطوة النفوذ. ففي منطقة المعقل، إحدى أرقى مناطق البصرة وأكثرها حساسية من حيث العقارات والأسعار، تحول إجراء إداري روتيني لإزالة تجاوز إلى قضية رأي عام هزت الشارع العراقي، وانتهت بتجميد سرايا السلام ستة أشهر، وإقالة موظف حكومي.

أثير العبيدي، مسؤول تجاوزات منطقة المعقل، لم يكن شخصية سياسية ولا صاحب نفوذ، بل موظف نفذ ما تمليه عليه وظيفته عندما إزالة بيت فارغ متجاوز على أملاك الدولة. غير أن ما لم يكن في حسبانه، أن هذا البيت يعود لرجل دين صدري، الشيخ قصي الأسدي، وهو حوزوي وإمام جمعة ومسؤول في سرايا السلام، قرر شغل منزل متجاوز في قلب منطقة راقية.

بعد تنفيذ الإزالة، وجد العبيدي نفسه في مواجهة مفتوحة. في بصمته الصوتية التي انتشرت لاحقاً، ناشد محافظ البصرة أسعد العيداني حمايته، مؤكداً أن أقرباءه يحيطون منزله منذ يومين خشية هجوم متوقع. 

وقال بوضوح إنه استنفد كل السبل، حتى مركز الشرطة لم يعد ملاذاً آمناً، إذ فوجئ بأن أتباع التيار الصدري سبقوه إليه، في رسالة غير مباشرة مفادها أن ميزان القوة لا يميل لصالح الموظف.

فيديو فجر الجدل

الأخطر لم يكن التهديدات، بل ما وثقه فيديو انتشر على نطاق واسع. في المشهد، يظهر شخص يعرف نفسه بأنه من سرايا السلام، يستدعي العبيدي إلى موقع البيت المهدوم، ويصطحب مجموعة من الأشخاص، أحدهم يرتدي ما يشبه “بوكس حديد”.

يقف الموظف وحيداً أمام جمع غاضب، يستجوب، ثم يضرب، بينما ترفع كاميرا الهاتف لتصوير الإهانة “كي تكون عبرة له ولغيره”، بحسب ما قيل في الفيديو.

لم يكن الاعتداء عشوائياً أو انفعالياً، بل بدا مدروساً استدراج، تصوير، تبرير، ثم تعميم الرسالة. الأخطر في المشهد كان محاولة تبرير الضرب عبر اتهام العبيدي بأنه وصف البيت المتجاوز بأنه “بيت دعارة”، وهي تهمة خطيرة تُستخدم كثيراً في العراق كسلاح لتدمير السمعة وشرعنة العنف. العبيدي نفى تلك التهمة، لكن النفي لم يمنع الضرب الجماعي، ولم يوقف بث الفيديو.

النتيجة المباشرة كانت صادمة اذ ان أثير العبيدي خسر منصبه، وصدر قرار بإعفائه، في خطوة فسرها كثيرون على أنها عقوبة للضحية.

الغضب الشعبي، وتسارع تداول الفيديو، دفع محافظ البصرة أسعد العيداني إلى التحرك سريعاً. وأعلن أنه تواصل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مؤكداً أن الأخير “لا يقبل بالتجاوز”، وأن المسيء “سيُعاقب”. 

هذا الاتصال مثل نقطة التحول الأبرز، إذ سرعان ما صدر قرار من الصدر بتجميد سرايا السلام في البصرة وواسط لمدة ستة أشهر، وغلق مقراتها، إلى حين وضع حلول تمنع تكرار “الإساءات والخروقات التي تمس بسمعة المجاهدين”.

تجاوز الخطوط الحمراء

بيان الصدر حمل نبرة غير معتادة، إذ شدد على أن سمعة سرايا السلام “أهم عنده من وجودها”، في إشارة واضحة إلى أن ما جرى تجاوز الخطوط الحمراء، حتى داخل البيت الصدري.

فتح تحقيق

في المقابل، كشف مصدر في سرايا السلام أن الفصيل فتح تحقيقاً داخلياً حول ملابسات الفيديو، مؤكداً أن “أصل الفعل مرفوض ومجرّم”. لكن تسريب بصمة صوتية منسوبة إلى قائد سرايا السلام في البصرة، محمد الرويمي، أعاد إشعال الجدل، إذ حذر فيها من “هدم بيوت الصدريين دون إيجاد بدائل”، ودعا أبناء التيار إلى منع تكرار حادثة هدم بيت الشيخ قصي في أي قاطع، وهو ما اعتبره مراقبون تهديداً مبطناً وتناقضاً مع قرار التجميد.

القضية، في جوهرها، لم تعد تتعلق ببيت متجاوز، ولا حتى باعتداء فردي، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لهيبة الدولة. كيف يمكن لموظف بلدي أن ينفذ القانون إذا كان الثمن تهديد حياته، وضربه علناً، ثم إقالته؟ وأي رسالة تُبعث لبقية الموظفين عندما يعاقب من يطبق التعليمات؟