تجربة منافذ التجارة التسويقية لبيع المواد الغذائية.. هل حققت أهدافها؟ وما آراء المواطنين والمختصين حولها؟
انفوبلس/ تقرير
رغم مرور أكثر من عام على افتتاحها، لا تزال المنافذ التسويقية التابعة لوزارة التجارة تواصل عملها بغية حصول المواطنين على طبق بيض أو غيرها من المواد الغذائية التي يتم بيعها لهم بأسعار تختلف عما يُباع في الأسواق بأسعار مرتفعة بسبب خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على آراء وزارة التجارة والخبراء والمواطنين حول هذه التجربة
وارتفعت أسعار المواد الغذائية ثلاثة أضعاف، دون أن تُجدي الحلول الحكومية نفعاً في عودة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه، وفي محاولة من جانب الحكومة للسيطرة على السوق، تعرض المنافذ التسويقية المواد الغذائية بأسعار مدعومة.
ويقول المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، إن "هناك منفذا تسويقيا للوزارة في كل محافظة، أما في بغداد فلدينا منفذ في الرصافة وآخر الكرخ، والوزارة أبوابها مفتوحة للجميع وتتعامل مع نحو 14 شركة من القطاع الخاص"، مشيرا الى أن "الفارق في أسعار المواد الغذائية بين منافذ وزارة التجارة والأسواق يقدر بنحو 10 بالمئة، وأكثر المواد الغذائية التي تعرضها المنافذ هي الرز والبقوليات".
ويلفت حنون إلى أن "أغلب المتسوقين من المنافذ الحكومية هم من المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية وذلك لوجود خصم لهم إذ تُباع الأشياء لهم بسعر أقل وفقا لبطاقات خاصة"، مؤكدا وجود "إقبال كبير من شركات القطاع الخاص للعمل مع الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية، إحدى تشكيلات وزارة التجارة، لتسويق المواد الغذائية للمواطنين بأسعار معقولة، وبدورها تعمل الوزارة على دفع هذه المواد لمنافذها التسويقية".
وكان مجلس الوزراء قد وجه وزارة التجارة نهاية العام الماضي بفتح منافذ تسويقية لبيع مختلف المواد الغذائية بأسعار مدعومة، وعلى الرغم من نجاح هذه التجربة، بنظر اقتصاديين، لكنها تبدو غير كافية لاستقرار الأسواق العامة بسبب قلة أعداد مراكز التسويق.
*المنافذ التسويقية بادرة جيدة ولكن!
ويصف الخبير الاقتصادي ورئيس قسم المحاسبة بجامعة الإمام جعفر الصادق، سالم سوادي، أن "المنافذ التسويقية بادرة جيدة لتوجيهات الحكومة للارتقاء بجانب الدعم العام للأسعار، وقد جاءت نتيجة التقلبات التي حدثت في أسعار صرف الدولار وأثرت على حياة الأفراد محدودي الدخل، وكذلك بشكل مباشر أثرت على نسب التضخم في الاقتصاد الوطني".
ويتابع "لم تسهم المنافذ الحكومية حاليا بشكل كبير ينعكس على الاقتصاد المحلي، ولكن كلما كثرت أعدادها يكون تأثيرها أكبر في استقرار الأسعار، ولابد من وجود هذه المنافذ في المناطق الشعبية بالعاصمة بغداد وتحديدا ذات الكثافة السكانية المرتفعة".
ويبين "سيكون لهذه المراكز دورا فاعلا لو كانت موجودة بمناطق أخرى أيضا تسهل وصول المواطنين لها، فبإمكانها الدخول بمنافسة سعرية بين القطاع الخاص من خلال تدخل الحكومة في هذا الإطار".
ويردف سوادي "الاقتصاد العراقي هو اقتصاد سوق، ويفترض أن تكون آليات القطاع الخاص فاعلة بدون تدخل الحكومة، لكن وجود مشكلة في عرض أسعار الصرف بين الرسمية والسعر الموازي خلق مشكلة عدم قدرة المواد في المحافظة على سعرها بسبب الاختلاف بين السعر الرسمي الأجنبي مقابل العملة المحلية".
يشار إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصل إلى أقصاه بسبب خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى عوامل أخرى، حيث ارتفع سعر اللحوم من 15 ألف دينار للكيلو غرام الواحد إلى 20 ألف دينار، كما تضاعف سعر طبقة البيض إلى سبعة آلاف دينار في حين كان سعرها 3500 دينار.
ويشرح الخبير الاقتصادي حيدر جودي، أن "المنافذ الحكومية قدمت خدمة لشريحة واسعة، ولكن كان من الممكن تفعيل الأسواق المركزية لتصبح منفذا لنشر منتجات وزارة التجارة، كما يمكن أن تكون مصادر المواد الغذائية المعروضة واضحة، وأن تعمل المنافذ على توسيع أنشطتها التجارية".
ويعرب عن أمله في "فتح الأسواق المركزية من جديد أمام المواطنين، خصوصا وأن البنية التحية لهذه الأسواق موجودة ويمكن تطويرها وإعادة الحياة لها من أجل تلبية حاجات الناس، ومن أجل أن يسود عامل المنافسة في السوق، والذي يصب بصالح الطبقات الاجتماعية الهشة".
وعلى الرغم من أن الهدف من المنافذ التسويقية هو زيادة العرض وتقليل الطلب للحافظ على استقرار السوق، لكنها لم تحقق سوى أثر محدود بسبب قلتها وبعدها عن كثير من مناطق العاصمة بغداد.
وتوضح المواطنة زهراء الموسوي، أن "كثيرا من المنتجات الموجودة في المنافذ مفيدة بسبب انخفاض أسعارها وجودة منتجاتها وحاجة العائلة العراقية إليها، مشيرة الى أن “أغلب العائلات العراقية محدودة الدخل وتحتاج إلى تأمين الغذاء بأسعار معقولة أو مدعومة، بل أن حتى العائلات من الطبقة المتوسطة تبحث عن مواد غذائية أقل سعرا لكون متطلبات الحياة توسعت، لذا لابد من تأمين احتياجات العائلة قبل كل شيء".
وبرزت مشكلة سعر صرف العملة الأجنبية في العراق مقابل العملة المحلية منذ العام 2020 عندما أعلنت الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي عن خفق قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي من 1200 دينار مقابل الدولار الواحد إلى 1450 ديناراً مقابل الدولار الواحد.
من جهته يرى المحلل الاقتصادي ملاذ الأمين أن الحكومة قادرة على السيطرة على الأسعار في الأسواق من خلال تنويع مفردات البطاقة التموينية وتضمينها مواد إضافية، وزيادة كمياتها.
وطالب الأمين بتشجيع الفلاحين والمزارعين على زيادة المساحات المزروعة من خلال الدعم المادي وتوفير البذور والأسمدة وتطوير الخطط الزراعية والإروائية، إضافة إلى دفع مستحقات الفلاحين المالية للسنوات السابقة.
هذا وقد عمقت الأزمة الأوكرانية من معاناة شريحة واسعة من العراقيين خلال الأعوام الماضية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية –خاصة الطحين وزيت الطبخ والسكر- بشكل كبير في بلد يواجه نسبتي فقر وبطالة عاليتين.
*وعود جديدة
ومنتصف الشهر الجاري، أعلن وزير التجارة أثير داود الغريري، عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحنطة، وفيما بين أن الخزين الغذائي يكفي لستة أشهر، أكد خروج العراق من قائمة الدول الأكثر تضخماً بأسعار المواد الغذائية.
وقال الغريري، إنه "ستتم خلال شهرين إعادة افتتاح الأسواق المركزية"، لافتاً الى "قرب افتتاح منافذ لبيع المواد الإنشائية بسعر مدعوم والسيارات بسعر الصنع بالاتفاق مع شركات عالمية".
وأشار وزير التجارة الى "تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحنطة"، لافتاً الى أن "الخزين الغذائي يكفي لستة أشهر". وأضاف أن "العراق خرج من قائمة الدول الأكثر تضخماً بأسعار المواد الغذائية"، مؤكداً "المضي بتطبيق برنامج أتمتة البطاقة التموينية لاستبعاد غير المستحقين".