توريد الغاز الإيراني حسب الطلب العراقي وليس وفق مزاج طهران.. انفوبلس تسرد الحقيقة "المغيّبة" في هذا الملف
انفوبلس/ تقرير
مع استعداد العراق لدخول فصل الصيف ومع بدء ارتفاع درجات الحرارة، عاودت أزمة تذبذب معدل ساعات تجهيز الكهرباء، في بغداد وعدد من المحافظات، حيث صرح مسؤول في وزارة الكهرباء أسباب التراجع الى تقليص إمدادات الغاز الإيراني للعراق إلى النصف، فيما نفى المتحدث باسم الوزارة هذه المعلومات، مؤكدا قرب مضاعفة الغاز المورّد للبلاد.
ويستهدف العراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز خلال السنوات الخمس المقبلة، وفق تصريحات وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، الشهر الماضي.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على الحقائق "المغيّبة" في ملف توريد الغاز الإيراني إلى العراق والإحصائيات التي تخص الكهرباء
تناقلت وكالات ومواقع إخبارية محلية، خبراً نقلاً عن مسؤول في مقر وزارة الكهرباء، عن أن أسباب تراجع معدل تجهيز مناطق العاصمة بغداد، بالكهرباء يعود إلى تخفيض الجانب الإيراني لإمدادات الغاز إلى العراق.
وقال المسؤول، إن "جملة من الأسباب، ساهمت بتراجع واضح في معدل تجهيز المناطق بالكهرباء منذ يوم أمس ولغاية اليوم، تعود إلى قيام الجانب الإيراني بتخفيض معدل إمدادات الغاز للعراق إلى معدل النصف"، لافتاً الى أن "اتصالات جرت بين المسؤولين في الوزارة والجانب الايراني، أسفرت عن تعهد الأخيرة بإعادة الإمدادات لمستوياتها خلال يومين".
*نسبة الغاز المتدفقة تزداد بحسب ذروة الأحمال
لكن المتحدث باسم الكهرباء، أحمد موسى قال إن "الحديث عن نقص في إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق مغلوط وغير صحيح، بل هناك زيادة في الإمدادات الإيرانية ستدخل العراق خلال الأيام المقبلة"، لافتاً الى أن "نسبة الغاز المتدفقة، ستزداد بحسب ذروة الأحمال وبالتزامن مع دخول البلاد في فترات ارتفاع درجات الحرارة".
وأضاف، إن "الأيام المقبلة ستشهد زيادة في توريد الغاز الإيراني للعراق، لتصل الى 50 مليون متر مكعب مع ذروة الأحمال الصيفية"، مشيرا الى أن "التذبذب الحاصل يرتبط بزيادة الاستهلاك من خلال زيادة الطلب على المنظومة، الأمر الذي أدى الى تراجع في ساعات التجهيز عن ما كانت عليه في الأيام السابقة"، مبينا أن "بغداد تسجل معدل تجهيز للكهرباء من 18 الى 20 ساعة في اليوم الواحد، وتصل ساعات التجهيز الى أكثر من هذا المعدل في بعض المحافظات".
وأوضح موسى، أن "الوزارة، ومع دخول البلاد في ذروة الأحمال الصيفي، ستعلن الجاهزية الكاملة للمحطات والخطوط والشبكات"، موضحا أن "الزيادة في الطلب على الكهرباء ستؤثر في ساعات التجهيز".
وشهدت مناطق مختلفة من العاصمة بغداد خصوصاً في جانب الرصافة منها، تراجعاً واضحاً بمعدل تجهيز الكهرباء، لاسيما في أوقات النهار، وذلك بحسب ما تم رصده من قبل العديد من المختصين.
ويواجه العراق انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، خاصة خلال ذروة موسم تكييف الهواء في الصيف، الأمر الذي أدى في السابق إلى اضطرابات مدنية واحتجاجات دامية.
*العراق يوقع عقدا لاستيراد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات
أعلنت وزارة الكهرباء العراقية الشهر الماضي، توقيعها عقدا لتوريد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات. الوزارة ذكرت في بيان لها إن وزيرها زياد علي فاضل وقَّع عقد توريد الغاز مع شركة الغاز الوطنية الإيرانية لمدة 5 سنوات، وبمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يوميا، وتتفاوت كمياته حسب حاجة المنظومة لصالح إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.
وأشارت الوزارة إلى أن "ذلك يهدف لإدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية وسد حاجة الكهرباء".
*لبَّت احتياجاتنا في أصعب الظروف
كما ذكر وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل أنه بموجب هذا العقد سنستمر في شراء الغاز من إيران للسنوات الخمس المقبلة. وقال إن "محطات الطاقة لدينا بحاجة ماسَّة إلى الغاز الإيراني لإنتاج الكهرباء"، مشيرا الى أن "تجربة السنوات الماضية أظهرت أن إيران شريك اقتصادي جيد للعراق ولبَّت احتياجاتنا في أصعب الظروف".
فيما أعلن نائب وزير شؤون النفط والغاز الإيراني مجيد جغني، تصدير نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 15 مليار دولار إلى العراق منذ تموز/ يوليو 2017 بموجب عقدي غاز مع العراق.
وفي وقت سابق من مارس/آذار الماضي، وافقت الإدارة الأميركية على منح بغداد إعفاءات جديدة لدفع مستحقات إيران المالية مقابل شراء الغاز المصدر للعراق لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية. وتم توقيع الاتفاق بعد تذليل العوائق التي حالت دون دفع العراق ديونه لإيران.
وعام 2017، بدأت إيران تصدير الغاز إلى العراق، وفقا لعقد يلزمها بتوريد ما متوسطه 25 مليون متر مكعب يوميا.
الجدير بالذكر أن العراق يعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني المستورد لحوالي ثلث إنتاجه من الكهرباء، وذلك لتزويد محطات الطاقة الحرارية بالوقود في المقام الأول.
وطرح العراق خلال مارس (آذار)، جولتين لتراخيص استكشاف الحقول النفطية والغازية؛ الأولى شملت أكثر من 10 حقول نفطية وغازية غرب العراق، والثانية 13 حقلاً وموقعاً استكشافياً تقع على الحدود الغربية للبلاد، والتي ستمكن العراق من إنتاج أكثر من مليار و500 مليون قدم مكعب من الغاز.
يذكر أنه في شباط الماضي، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في تصريحات أن العراق "سيصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال ثلاث سنوات"، مشدداً على أن الاستثمار في الغاز المصاحب للنفط والغاز الطبيعي "نابع من قناعته" لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية.
يملك العراق احتياطات من الغاز تقدر بـ131 تريليون قدم مكعب، محتلاً بذلك المرتبة الـ11 عالمياً حسب وكالة الطاقة الأميركية، إلا أن ضعف البنى التحتية قلّص القدرة الإنتاجية اليومية إلى النصف، لتسجل نحو 1.5 مليار قدم مكعب من الغاز المصاحب.
النصف المتبقي يُترك ليحترق في الهواء، مسبباً خسارة بملايين الدولارات، ويزيد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، في بلد مهدد بحدوث أزمة حقيقية جراء تغير المناخ، وفق الأمم المتحدة.
وبحسب تقرير أعدَّته منصة "ستاندرد أند بورز" العالمية، طالعته "انفوبلس"، فإن العراق الذي يهدف إلى التوقف عن حرق الغاز بحلول عام 2028، قام بحرق أكثر من 17.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2022، وهي ثاني أعلى كمية على مستوى العالم، بعد روسيا مباشرة، وفقًا لبيانات البنك الدولي".
أكبر مشاريع إنتاج الغاز تقودها "شركة غاز البصرة"، وهي مشروع مشترك بين الحكومة العراقية التي تملك 51 في المائة، وبين كلّ من "شل" (44 في المائة) و"ميتسوبيشي" اليابانية (5 في المائة). بالإضافة إلى هذا المشروع الضخم، فإن الإنتاج المتبقي يتم من خلال بعض المحطات الصغيرة المنتشرة في جنوب البلاد.
يحتاج العراق إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية حتى يسد احتياجاته من الكهرباء، في حين ينتج حالياً 27 ألف ميغاواط، عبر محطات تعمل غالبيتها على الغاز، ولكن الطاقة الإنتاجية تنخفض في بعض الأحيان إلى 17 ألف ميغاواط.
جدير بالذكر أن نفقات وزارة الكهرباء منذ العام 2003 ولغاية العام 2021 تجاوزت 80 مليار دولار بحسب ما صرّح بذلك خبراء في حينها، بالإضافة إلى تخصيصات الوزارة في موازنتيّ عاميّ 2022 و2023، ما يرفع الرقم إلى نحو 100 مليار دولار خلال 20 عاماً.
والعراق بلد غني بالموارد النفطية لكن بنيته التحتية متهالكة نتيجة عقود من الحروب وفساد مزمن. ويشهد العراق انقطاعات متكررة للكهرباء بفعل هذه البنية التحتية المتردية، وفقا لوكالة فرانس برس.