ظاهرة انتحار النساء حرقاً في كردستان تتزايد بصورة "مرعبة".. تحقيق بريطاني يفضح ما يجري
انفوبلس/ تقرير
ترى النساء اللواتي يعانينَ من عنف أسري في إقليم كردستان، أن الانتحار حرقاً هو السبيل الوحيد للخروج من تلك الأزمة، التي يقول عنها مختصون إنه لم تنخفض نسبتها رغم وجود مؤسسات حكومية وغير حكومية لحماية حقوق المرأة الكردية لأسباب عديدة منها تزايد التعقيدات الاجتماعية مع اتساع نطاق تكنولوجيا الاتصالات.
وينتشر العنف الأسري في المناطق الكردية بحيث أصبح تسجيل حالات ارتكاب أعمال عنف مختلفة بحق الزوجات والشقيقات أمراً يومياً. وتؤكد إحصائيات مديرية متابعة العنف ضد النساء التابعة لوزارة الداخلية في الإقليم أن مؤشر العنف ضد المرأة في تصاعد.
* تحقيق بريطاني يفضح
سلط تحقيق لصحيفة "تليغراف" البريطانية على ارتفاع معدلات محاولات الانتحار حرقا بين النساء في إقليم كردستان العراق، مشيرا عبر رصد عدد من الحالات التي تتلقى العلاج إلى أن الألم الناجم عن الحروق يوازيه ألم داخلي يُغذيه شعور العجز والعنف المنزلي.
وظهرت سيدة تدعى سروة (29 عاما) وهي أم لطفلين، بشفاه متقرحة للغاية مع ضمادات تغطي جسدها من الرأس إلى القدمين، وبحسب التقرير، فإنها حينما وصلت مصابة إلى المستشفى كانت رائحة الكيروسين تفوح من جسدها.
ونقلت الصحيفة عن ممرضات أن سروة تعتبر أحدث ضحايا تفشي ظاهرة الانتحار في إقليم كردستان والتي حصدت أرواح الآلاف من النساء خلال السنوات الأخيرة، في "اتجاه مرعب" يعتبر خبراء أن دافعه هو الشعور بالعجز والعنف المنزلي.
وقالت رئيسة الممرضات بمستشفى الحروق في السليمانية، نيجار مارف (52 عاما)، إن حالات كثيرة تصل "مع حروق من الرأس إلى القدمين"، مضيفة أن الأُسر خوفا من "العار" تقول إن الواقعة عبارة عن حادثة خلال طهي الطعام.
وعملت مارف لأكثر من 20 عاما في المستشفى الواقع شمالي العراق، وقالت إن "سروة" وصلت في سيارة إسعاف وتفوح منها رائحة الكيروسين، موضحة: "عادة ما تغمر النساء ملابسهن بالوقود المستخدم للتدفئة والطهي، ويشعلن النار في أنفسهن".
وتابعت: "هذه محاولة انتحار بالتأكيد، نقعت جسدها في الكيروسين، وكانت الحروق أعمق بكثير من أن تكون ناجمة عن انفجار".
"مأساة" مألوفة
استمر صحفيو "تليغراف" في المستشفى بالسليمانية على مدار أسبوع تقريبا، وأوضح تقريرهم أن العاملين هناك يرون أن "مأساة سروة مألوفة للغاية".
خلال هذا الأسبوع، وصلت 3 حالات لنساء مصابات بحروق متوسطة، وفي بعض الأحيان، وفق ممرضات، لا تعيش الأغلبية لأكثر من بضع ساعات بعد حوادث كهذه.
محاولات الانتحار أودت بحياة أكثر من 11 ألف امرأة في إقليم كردستان منذ العام 1991
وأشارت "تليغراف" إلى أن التقديرات تشير إلى أن محاولات الانتحار أودت بحياة أكثر من 11 ألف امرأة منذ حصول إقليم كردستان على الحكم الذاتي عام 1991، وذلك رغم عدم وجود بيانات موثوقة؛ لأن بعض الضحايا لم يصلن إلى المستشفى، وهو ما يعني تسجيل أكثر 330 كل سنة وقرابة 30 حالة في الشهر الواحد.
وتتفاقم تلك الظاهرة في محافظة السليمانية بشكل خاص، التي تمتلك وحدة حروق متخصصة هي الوحيدة من نوعها في جميع أنحاء العراق، وفق التقرير، الذي لفت إلى أنه في كثير من الحالات تظل النساء عالقات وسط أسر مسيئة بلا مكان يلجأن إليه لطلب الدعم.
ووصفت "تليغراف" هذا الواقع بالقول: "هذا مجتمع محافظ يبقى فيه العنف المنزلي خلف أبواب مغلقة". كما أشار التقرير إلى أن النساء يتزوجن في سن مبكرة عبر زيجات مدبرة وغالبا في قرى جبلية نائية، ولا يحصلن إلا على القدر القليل من التعليم والصحة.
وتشير أرقام صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن النساء في العراق يواجهن مستويات عنف منزلي متصاعدة، حيث ارتفع معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 125 بالمئة بين عامي 2020 و2021، ليصل إلى أكثر من 22 ألف حالة.
"رسالة"
وأشار خبراء وفق التحقيق، إلى أن معظم حالات الانتحار تكون بلا تخطيط، وأوضح أستاذ علم السموم بجامعة إدنبره، مايكل إدلستون، "أعتقد أن هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى مرحلة لا يمكنهم فيها إيجاد مخرج آخر. يتعلق الأمر بطريقة توضح فيها للناس مدى انزعاجك وضعفك". وتابع: "الحروق التي تصيب الشخص هي بمثابة رسالة".
كما ان جونا (35 عاما)، وهي ناجية وافقت على الحديث عن واقعة إضرام النار في نفسها، في موقف نادر، حيث قالت إنها أقدمت على ذلك في يونيو 2023.
واضافت الأم لولدين عمرهما 16 و12 عاما، إن "زوجي كان ينعتني بكلمات سيئة للغاية ... لم يدرك ما كان يفعله بي، وأردت أن أجعله يفهم ذلك ويتصرف بشكل أفضل في المستقبل"، مضيفة: "لم أفكر بطريقة عقلانية".
وفي دراسة للمجلة الدولية للطب النفسي عام 2012، قال أكثر من ثلثي النساء المشاركات في الاستطلاع وعددهن 54 تم التواصل معهن خلال تلقيهن العلاج في مستشفى السليمانية، إن المشاكل العائلية والزوجية كانت السبب وراء ذلك.
وكشفت بيانات مستشفى السليمانية أن نحو ثلث النساء البالغ عددهن 4935 سيدة دخلن المستشفى بإصابات حروق منذ عام 2007، توفين متأثرات بجروحهن. وتتراوح أعمار النسبة الأكبر منهن (88 بالمئة) ما بين 15 و45 عاما.
وبحسب الناشطة المدنية سوزان عارف رئيسة منظمة "تمكين المرأة العراقية" التي تتخذ من مدينة أربيل مقرا لها، فإن ظاهرة حرق النساء "موجودة في الإقليم" ولم تنخفض نسبتها رغم وجود مؤسسات حكومية وغير حكومية لحماية حقوق المرأة الكردية. والسبب -في رأيها- ناتج عن التصور الخاطئ لدى المجتمع في ضعف المرأة التي لم تجد حماية لها على الصعيدين العائلي والقانوني.
وأضافت سوزان أن الكبت والحصار المفروض على المرأة في بعض المجتمعات الكردية حالها حال المجتمعات الشرقية الأخرى، قد يبرر لها الإقدام على الانتحار وإنهاء حياتها بطريقة بشعة وهي الانتحار حرقا.
ووفق الناشطة المدنية فإن الخلل في عدم انخفاض نسبة ظاهرة القتل حرقا بإقليم كردستان وخاصة بين النساء، هو ضعف التحقيقات القضائية.
وتابعت أنه في العديد من حالات الانتحار التي سببها الأب أو الزوج أو الشقيق أو العشيرة، والتي تغذيها أسباب اجتماعية وكان يفترض أن يعاقب عليها القانون، تغلق أغلب التحقيقات ملفاتها بعبارة "القضاء والقدر".
وتوافق الباحثة والناشطة في مجال المرأة شهرزاد العبدلي على هذا التحليل، وتقول إن "القتل بالحرق هو الجريمة الوحيدة التي لا تكشف الأثر، وتشير إلى أن هيمنة الرجل وسطوته على المرأة تهين كرامتها وتقلل من قيمتها وإنسانيتها وخاصة في المناطق الشعبية، فتجبرها على الانتحار حرقا، وفي المحصلة فإن الرجل هو السبب إن لم يكن هو الجاني".
وروت شهرزاد قصة رب أسرة في العقد الرابع من عمره أحرق زوجته أمام أطفالها الثلاثة بعدما رفضت الموافقة على زواجه بثانية، وتقول إنها حضرت التحقيقات في هذه الجريمة التي حدثت في أربيل وكان الجاني "الزوج" يصر على أن زوجته حاولت الانتحار حرقا ونتيجة لشدة الحروق توفيت، إلا أن التحقيقات القضائية كشفت من خلال اعترافات الأولاد بأن الزوج هو من أحرقها وأنهى حياتها بطريقة بشعة لإرضاء غرائزه الوحشية.
ويرى أستاذ علم النفس والحالات العصبية في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل عدنان عبد الوهاب أن أساس الانتحار بين الأوساط النسائية في بعض المجتمعات الشعبية والقروية في إقليم كردستان هو الضغط النفسي على النساء والفتيات بسبب التقاليد الاجتماعية أو المشاكل العائلية المتراكمة، وليست وليدة لحظة الغضب فقط.
وتابع عبد الوهاب أن الاستعداد للانتحار يأتي أيضا بسبب الاكتئاب واليأس وانهيار المعنويات نتيجة الظروف الحياتية أو المعيشية الصعبة، ونتيجة العواطف الحساسة للمرأة، إذ إن "أغلب أبطال مسلسل ظاهرة الانتحار حرقا ليس في إقليم كردستان فحسب بل في جميع أنحاء العالم، هم من النساء المرأة، وأن أعمارهن تتراوح بين 16 و30 عاما".