عصابات الغش تسبق بخطوة.. "حرب استخباراتية" مستعرة بين وزارتي التربية والتعليم وأساليب الغش في الامتحانات.. تعرّف على تفاصيل الملف
انفوبلس..
في كل عام تتطور فيه أساليب وزارة التربية والقوات الأمنية لمكافحة الغش في الامتحانات الدراسية، تتطور فيه أساليب الغش بوتيرة أسرع ما يضطر الحكومة في كل عام إلى اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل كقطع الإنترنت في محاولة منها للسيطرة على الظاهرة المستشرية لدرجة وصولها إلى مرحلة طرح أجهزتها وأساليبها كإعلانات مموّلة على مواقع التواصل الاجتماعي.
إعلانات مغرية
عند تصفحك في فيسبوك وانستغرام وغيرها في فترة ما قبل الامتحانات، فغالباً سيصادفك إعلان ممول يقول: بشرى سارة، عرض خاص، بأسعار تنافسية، ونتائج مضمونة 100%، سماعة بوكس الأصلية، سماعة فيزا كارت، سماعة لحمية ومغناطيسية، سماعة ضد التشويش، مع عروض ومفاجأة أخرى.
تلك المقدمة الإعلانية المغرية ليست لسماعات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من ضعاف السمع كما يتبادر للأذهان، وإنما عروض انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لصفحات وكروبات توفر سماعات للغش الامتحاني وتلقى رواجاً لافتاً بالتزامن مع موسم الامتحانات النهائية، زبائنها من ضعاف التجربة العلمية والدراسية، والمفاجأة هنا "حل الأسئلة مجاناً".
وفي الواقع، فإن منظومات الغش متوفرة بشكل كبير، وتأتي معها حزمة من "الخدمات"، مثل فرق لقراءة أجوبة الامتحانات وبثها على المشتركين، وفرق تشويش على الأجهزة التي تستخدمها وكالات الأمن الوطني والاتصالات العراقية لكشف الغش، كما أن الأجهزة تأتي بأشكال مختلفة ومموهة لتسهيل الغش.
حملات أمنية
وبين فترة وأخرى تلقي القوات الأمنية على المتجارين بأجهزة الغش، وتعثر مع المعتقلين على منظومات حديثة متكاملة، لكن "عدم احتفاظهم بسجلات للزبائن" يعقّد عملية تتبع المشترين ومنعهم من الغش، وفقاً لمصدر في جهاز الأمن الوطني.
وقال المصدر، إن المروجين للأجهزة يشغلون عناصر تقوم بالحصول على الأسئلة فور توزيعها على الطلبة، ومن ثم حلها، وبث الحل للطلبة مقابل مبالغ كبيرة.
ويعاقب القانون المدرسي العراقي الطلاب المتلبسين بالغش، بالحرمان من أداء الامتحانات، ويعتبرون راسبين بكل المواد ويُجبرون على إعادة العام الدراسي.
وتستخدم دوريات مشتركة من جهاز الأمن الوطني العراقي، وهيئة الإعلام والاتصالات، أجهزة لكشف الترددات التي يستخدمها "مسهِّلو الغش" واعتقالهم.
فشل في قطاع التعليم
أستاذ اللغة العربية في جامعة بغداد الدكتور صالح العلوي يرى أن تراجع مستوى التعليم في العراق كان أحد الأسباب لتفشي تلك التقنيات الخطيرة، معتبرا أن "الحاجة ولّدت اختراعها مع وجود طلبة كسالى وتفشٍ لحالات الغش في الامتحانات مما دفع هذه الشركات أن توفر ما يلبّي حاجة سوق الغش فما يعنيها الربح وليس التعليم".
وأضاف العلوي، ما يلزم هو كيفية مواجهة هذه الظاهرة. لكن التساؤل الذي يطرحه العلوي، في مسألة التصدي لهذه الشركات ومواجهة الدعوة لها عبر قنوات التواصل الاجتماعية مع وجود وسائل دفاع حكومية ضعيفة مقابل مكافحة لظاهرة الغش نفسها.
مشيراً الى أن "الحد من ظاهرة الغش في المدارس والكليات والمعاهد في العراق غير ممكنة بسبب الفساد الموجود في قطاع التعليم والظروف التي يعيشها الطالب، فالمشكلة تتوسع حدّتها بعد أن بلغت أكثر من 40%".
العلوي تطرق لعجز وزارتي التربية والتعليم العالي في العراق عن مواجهة خطر الغش الدراسي سيما مع عجز حكومي واضح للتصدي لحملة ترويج سماعات الغش وغيرها.
مستطرداً بالقول، كيف لمراقب امتحاني أن يتجاوز تلك التقنية الذرية بالحجم مع وجود ثمانين طالباً ويمتحنون في نفس القاعة ومتلاصقين في جلوسهم؟
ويتابع، الظاهرة خطيرة ومتفشية ومرتبطة بالأوضاع الداخلية والسياسات الخاطئة وكذلك بأجندة خارجية ودول إقليمية لاسيما في الخليج وخططها لتدمير التعليم في العراق.
حرب استخباراتية
وبحسب سوق بيع وشراء تلك السماعات فإن أسعار أجهزة الغش الإلكترونية تتراوح بين 300_400 دولار للنماذج الأكثر تطوراً.
الى ذلك وصف تدريسي في إحدى المدارس الواقعة بجانب الكرخ ببغداد إجراءات مراقبة الطلبة في الامتحانات بــ"الحرب الاستخباراتية" ويقول "نضطر لتفتيش آذان الطلاب وملابسهم الخارجية. وأضاف ساخرا، ربما سنضطر فيما بعد لإجراء الامتحانات للطلبة بالملابس الداخلية فقط، مطالبا الحكومة بضرورة اتخاذ خطوات لإيقاف استخدام الأجهزة التي توضع داخل الأذن.
وسماعات الغش الامتحاني عبارة عن جهاز دقيق جدا مصحوبة بمكبر صوت، حجمه أصغر من حبة الأرز، ويوضع داخل الأذن، ويتصل لاسلكياً بجهاز مثل الهاتف، يمكن من خلاله تشغيل أي تسجيلٍ صوتي.
حملة تفتيش
ويوم الخميس الماضي، أطلقت وزارة التربية العراقية، بالتعاون مع جهاز الأمن الوطني، حملة لتفتيش المحال المتخصصة ببيع أجهزة الغش الإلكتروني، وذلك في إطار سعيها للحد من ظاهرة الغش في امتحانات السادس الإعدادي.
وأكد مدير عام تربية الرصافة الأولى، فلاح القيسي، على أن الوزارة اتخذت خطوات جادة لضمان سير الامتحانات بسلاسة ونزاهة، شملت تهيئة جميع المراكز الامتحانية وتوفير كافة مستلزمات الراحة للطلبة، من قاعات امتحانية مروراً بالمراوح وتوزيع المياه، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.
وأشار إلى أن امتحانات هذا العام تتميز بقلة الخروق، وذلك بفضل التخطيط الجيد وتهيئة جميع المستلزمات اللوجستية لضمان بيئة امتحانية مناسبة للطلاب.
وأوضح القيسي، أنه تم التنسيق مع جهاز الأمن الوطني للقيام بحملة على المحال المشبوهة التي تبيع أجهزة الغش، مؤكداً على أن الوزارة ستتخذ عقوبات صارمة بحق أصحاب هذه المحال في حال ضبط أي أجهزة غش لديهم.
ولفت القيسي إلى وجود تعاون مع وزارة الاتصالات لقطع الإنترنت لساعتين قبل بدء الامتحانات، وذلك لمنع الطلاب من استخدام الإنترنت للغش.
كما تم تدريب الملاكات المكلفة بالمراقبة على التعامل مع الطلاب باحترام وتفهّم، مع التأكيد على ضرورة الابتعاد عن أي تدخل في سير الامتحانات أو تعريض الطلاب لأي ضغوط.
قطع الإنترنت
وضمن السياق وفي مطلع العام الحالي، كشف موقع متخصص بأخبار الشبكة الخاصة الافتراضية، أن العراق شهد أعلى عدد من عمليات قطع الإنترنت في العالم خلال العام 2023، نتيجة لعمليات "الغش" في الامتحانات
وأظهرت دراسة أجراها موقع "توب تين VPN" أن العراق شهد قطع الإنترنت عنه 66 مرة خلال العام، معظمها خلال فترة الامتحانات لمنع الغش من قبل الطلاب.
وأوضح التقرير، أن قطع الإنترنت في العراق، إلى جانب دول أخرى، كلف أكثر من مليار دولار من النشاط الاقتصادي.