قطاع سياحي "متردي" وفنادق "خاوية".. كيف يضيّع العراق 8 مليار دولار سنويًا؟
انفوبلس/..
لعلّ الأرقام هي أفصح لسان يشرح بوضوح حالة أي قطاع أو مجال.. وبينما يعد القطاع السياحي في العراق أكثر القطاعات "تخلفًا" وفق ما يعترف به مسؤولون ويؤشره مختصون، تعكس تقارير قطاعية مختصة، صورة أولية عن مدى تخلف القطاع السياحي في العراق، حيث بلغت نسبة إشغال الفنادق الخمسة نجوم في العاصمة بغداد خلال العام الماضي 2022 ما معدله 22% فقط، في بلد يعد من أبرز البلدان التي تمتلك مختلف المقومات السياحية بجميع أنواعها الدينية والحضارية والجغرافية وما يتعلق بها من مناظر طبيعية.
قلة عدد فنادق الخمس نجوم في العراق وبغداد وعدم بناء أخرى جديدة منذُ ثمانينيات القرن الماضي جعلت الكثير من الأجانب يقيمون في العراق لعدة أيام
تقرير أصدره المركز العراقي الاقتصادي السياسي، برئاسة رئيسه وسام حدمل الحلو، كشف عن مدى تردي القطاع السياحي في العراق، مبينًا في بيان، أنّ "الوضع السياحي بشكل عام والقطاع الفندقي على وجه الخصوص يشهد نسبة إشغال متدنية رغم التحسن النسبي عن العام الماضي والنسب التشغيلية في بعض الفنادق لا توازي أجور ورواتب العاملين فيها".
وأضاف أنّ "إهمال الحكومات المتعاقبة للقطاع السياحي وغياب الخطط الفعلية لزيادة نسبة السياح في العراق وفرض شروط شبه تعجيزية تمنع رعايا الكثير من الدول من الحصول على الفيزا العراقية تسببت بقلة ما يدخل من عملة صعبة وتراجع إشغال الفنادق عامةً وفنادق الخمس نجوم بشكل خاص".
وأوضح الحلو أنّ "قلة عدد فنادق الخمس نجوم في العراق وبغداد وعدم بناء أخرى جديدة منذُ ثمانينيات القرن الماضي قللت الخيارات بالنسبة للراغبين بالإشغال وجعلت كثيرًا من الأجانب يقيمون في العراق لعدة أيام فقط خاصة من يأتون لمحافظات البلاد البعيدة بسبب عدم توفر فنادق مناسبة في تلك المحافظات ما يحتم ضرورة بناء فنادق مؤهلة".
وتابع، "كنا نعول على الحكومة الجديدة ومجلس النواب بإعادة هيئة السياحة والآثار إلى وزارة سيادية مستقلة واختيار وزير كفوء ومختص يدير كفتها يضع النقاط على الحروف ويساهم مع كوادر متخصصة بكتابة استراتيجيات حقيقية للنهوض بواقع السياحة والفنادق في العراق الذي يمتلك الكثير من المواقع الآثارية والمراقد المقدسة والمناطق ذات الطبيعة الخلابة التي يمكن تطوير البنى التحتية وإعادة تأهيل البعض منها، والترويج عنها بطريقة حضارية غير مستهلكة تعيد الروح للسياحة في العراق، مستدركًا "لكن للأسف ما زالت المحاصصة جاثمة على هذا القطاع إذ يتم الاستعانة بأشخاص غير معنيي بهذا الملف وتسليمهم المواقع العليا".
وأفصح الحلو عن نتائج استبيان أجراه المركز لعدد من مدراء الفنادق الخمسة نجوم في العاصمة بغداد حيث جاءت نسبة الإشغال في هذه الفنادق خلال 2022: "فندق بابل (روتانا) نسبة الإشغال (38%) من مجموع 300 غرفة، فندق بغداد الدولي نسبة الإشغال (30%) من مجموع (170) غرفة، فندق المنصور نسبة الإشغال (25 %) من مجموع (262) غرفة، فندق فلسطين نسبة الإشغال (9 %) من مجموع (348) غرفة، فندق عشتار شيراتون نسبة الإشغال (6%) من مجموع (207) غرفة".
وفق ذلك، يمكن القول إنّ متوسط الإشغال للفنادق الخمسة نجوم في العاصمة بغداد عمومًا أقل من 22%، ما يعني تم إشغال 279 غرفة من أصل 1287 غرفة، ومقارنة بإحصائية المركز للعام الماضي، فإنّ نسبة الإشغال عمومًا كانت 20.7%، أي أنها لم ترتفع إلا 1.3% فقط خلال العام 2022.
سياحة العراق مقارنة بمصر
مصر التي تمتلك نحو ألفي موقع أثري فقط، استقطبت خلال النصف الأول من العام 2022 4.9 مليون سائح، أما في عام 2021 فقط سجلت دخول 8 ملايين سائح من جميع دول العالم، وبإيرادات تجاوزت الـ10 مليار دولار، أي بواقع إنفاق لكل سائح يبلغ أكثر من ألف و300 دولار.
بالمقابل، فإنّ العراق الذي يمتلك أكثر من 12 ألف موقع أثري وتصل إلى 25 ألف موقع أثري غير منقب، لم يستقطب سوى 107 آلاف سائح، بحسب أرقام كشفت عنها هيئة السياحة والآثار، ما يعني 1% فقط مما تستقطبه مصر سنويًا، بالرغم من كونه يمتلك 10 أضعاف المواقع الأثرية والسياحية مما تمتلكه مصر.
وفيما يتعلق بالإيرادات، فإنّ الـ107 آلاف سائح، تسببوا بدخول 8 ملايين دولار فقط إلى خزينة الدولة كإيرادات سياحية في 2021، وهو ما يصفه مدير عام دائرة المرافق السياحية في هيئة السياحة عبد القادر سعدي الجميلي بأنها "قفزة نوعية غير مسبوقة" حيث كانت الإيرادات في الأعوام السابقة لا تتجاوز المليوني دولار.
وتتربع السياحة الدينية على عرش السياحة في العراق، ويستقبل العراق ملايين الزائرين سنويًا إلا أنهم عادةً ما يدخلون بتأشيرة مجانية ودون استخدام الفنادق أو الإنفاق على الطعام والشراب ولا سيما في الزيارة الأربعينية، لتوفير جميع هذه الخدمات مجانًا من قبل المواكب الحسينية ومؤسسات الدولة التي توفر حتى النقل المجاني في هذه المناسبات.
يمتلك العراق أكثر من 12 ألف موقع أثري وتصل إلى 25 ألف موقع أثري غير منقب
ووفقًا لعدد السائحين في العراق عام 2021 وقيمة الإيرادات المتحققة، فإنّ الدولة تحصل على قرابة 75 دولارًا من كل سائح، ووفقًا للمقومات السياحية التي يمتلكها العراق مقارنة بمصر التي تسجل خلال العامين الماضيين ما معدله 9 ملايين سائح سنويًا، فأنّ تمكن العراق من استقطاب هذا العدد من السائحين سنويًا سيحقق نحو 700 مليون دولار، بالإضافة إلى الإنفاق الآخر الذي سينفقه السائحون وبواقع 800 دولار على الأقل، سيدخل إلى البلاد 7.2 مليار دولار، ليكون مجموع ما يدخل إلى العراق من السائحين قرابة 8 مليار دولار سنويًا، وهي نسبة تعادل 10% من حجم موازنة الدولة، وستتسبب بإنقاص مساهمة النفط في الموازنة إلى 86% فقط بدلًا من الـ96%، وترفع الإيرادات غير النفطية لتسجل 14% من حجم الموازنة.