نسمع كثيرا عنها ولا نعرف التفاصيل.. كيف جفّف صدام حسين أهوار الجنوب؟ وما هي الآثار البيئية لتلك الجريمة؟.. تعرف على تفاصيل القصة الكاملة
انفوبلس..
وصفت الأمم المتحدة، تجفيف أهوار العراق، بواسطة صدام حسين، بأنه "كارثة إنسانية وبيئية مأساوية" على قدم المساواة مع إزالة الغابات في غابات الأمازون المطيرة، والتي تم وصفها من قبل مراقبين آخرين باعتبارها واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في القرن العشرين، فكيف قام النظام السابق بتجفيف الأهوار؟ وما هي تفاصيل القصة كاملةً؟
لم يتردد نظام صدام حسين أبداً في تدمير مصادر الثروة المائية للأهوار، حيث قام مبكراً (منذ العام 1985) بخطوات لتجفيفها، كمقدمة لمشروع أكبر، أدى إلى تدمير هذا المستنقع المائي الشاسع. فقد كشف الدكتور جيمس يراز نكتون، الأستاذ في قسم الجغرافيا في جامعة كامبريدج البريطانية، عن قيام السلطات العراقية بأعمال هندسية جديدة لتجفيف ما تبقى من مياه أهوار الحويزة المتاخمة للحدود العراقية ـ الإيرانية في العام 1985.
وبعدما انطلقت شرارة انتفاضة الشعب العراقي في العام 1991، التي زعزعت نظام صدام حسين آنذاك، وبعد قمع الانتفاضة في جميع المحافظات، بقيت الأهوار منتفضةً، بسبب صعوبة وصول القوات العسكرية للنظام إليها، وكلّف صدام حسين صهره حسين كامل وعزت الدوري بالإشراف على الهجوم على الأهوار والقضاء على المنتفضين. وقد كلَّف الدوري ضابطين كبيرين لتنفيذ هذه العملية، هما إياد فتيح الراوي وعبد الواحد شنان آل رباط. وكانت مهمة فتيح الراوي تصفية مدينة العمارة، ومهمة آل رباط استعادة مناطق الأهوار. وهذا الأسلوب اتُخذ أيضاً في مدينتي البصرة والناصرية، ولكن تحت إمرة ضباط آخرين. ولكن في مدينة العمارة، توجد أهوار متصلة بإيران من جهة، وبمدينة الناصرية من جهة أخرى، مما جعل الحكومة تركز عليها قبل البدء بالهجوم. وأعلنت مكبرات الصوت الحكومية من خلال طائرات مروحية بأن مدينة العمارة ستُضرب بالغازات الكيميائية، مما أدى إلى مغادرة الكثيرين من المنتفضين إلى مناطق الأهوار، وقُدِّروا في حينها بنحو مائة ألف شاب. وفي منطقة الأهوار، خاض جيش النظام معركة كبيرة مع المنتفضين، خصوصاً تلك المعركة التي جرت في قرية الشطانية والتي استخدم فيها الجيش نحو 150 كيلوغراماً من قذائف النابالم المحرّمة دولياً، وأُصيب فيها قائد الحملة آل رباط بنيران المنتفضين، واستُخدمت الطائرات المروحية في جمع مئات الشبان، هم وزوارقهم، من خلال شِباك المروحيات. وقد أسفرت الاعتقالات وعمليات القتل العشوائي إلى اختفاء أكثر من 50 ألف مواطن من أبناء المنطقة، بعضهم اقتيد إلى السجون، والبعض الآخر غادر إلى إيران.
في حقبة التسعينيات وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية قام النظام الحاكم بحملة هندسية واسعة ومبرمجة لتجفيف أهوار الجنوب العراقي وقد اشترك جيشه بكل قدراته التنفيذية على مستوى الجهد الهندسي وإمكانيات دوائر الرَّي، وقد رافق ذلك إجلاء قسري لسكان القرى الواقعة ضمن المشروع بالقوة وهدم البيوت والقتل والقصف المدفعي وقد تم تنفيذ هذا المشروع بإنشاء سدود ترابية لمنع تدفق المياه من الأنهر التي تغذّي الأهوار ومن ثم توجيهها لتصب في نهر الفرات عند القرنة وتحويل مجرى الفرات من موقعه الحالي شرق الناصرية إلى مجرى المصب العام أو ما عُرف بنهر صدام حسين الذي كان في الأصل مبزلاً للمياه المالحة إلى خور الزبير فالخليج، بالإضافة إلى إنشاء سدّة ترابية بين قضاء المدينة ومحافظة الناصرية لمنع تدفق مياه الفرات إلى هور الحمَّار بواسطة الروافد مع سدود ترابية داخل الأهوار نفسها لتسهيل تجفيفها بسرعة. هذه العملية أدّت إلى تحطيم نظام حياة بيئي استمر أكثر من 5000 سنة وتقليص مساحة الأهوار التي كانت تمتد إلى 15000-20000 كيلومتر إلى أقل من 2000 كم2 وتدمير الأهوار المركزية بنسبة 97% وتحولت إلى أراض جرداء ما صاحبه انخفاض مجموع السكان من 400.000 مواطن إلى حوالي 85000 مواطن، أما الذين نجوا وأصبحوا تحت ضغط الإبادة فتم تهجيرهم إلى المدن وجاءت هذه العملية مع انخفاض شديد في منسوب نهري دجلة والفرات عقب إنشاء السدود في كل من سوريا وتركيا بالإضافة إلى حروب صدام المزمنة سواء كانت في الداخل أو الخارج.
يقول الخبير بالشؤون المائية الدكتور حسن الجنابي في مقال له عن تجفيف الأهوار وجفافها، إن تغيير نظام الحكم الصدامي في عام 2003 سمح بتسليط الضوء على الكارثة الإنسانية والبيئية التي حلَّت بمناطق الأهوار وسكانها إثر تجفيفها المتعمد من قبل النظام وكشف هول الجريمة، إنسانيا وبيئيا واقتصاديا. لكن الخراب الشامل للبلاد وتدمير المدن والحواضر والموانئ والمحطات، وسنوات المقاطعة الاقتصادية، وحجم التعسف والانتهاكات وأعداد القتلى في الحروب والسجون، والتهجير ومآسي استخدام السلاح الكيمياوي ودراما الاحتلال وغير ذلك “خفَّف” من هول جريمة التجفيف، خاصة وأن السلطة السابقة كانت قد كثفت برامج امتهان إنسانية سكان الأهوار من المعدان وتحشيد الرأي العام ضدهم، وتعمدت إذلالهم ونعتهم بأوصاف مُهينة، خلقت معها موقفا عاما هو، في أحسن الأحوال، غير مكترث بمصير الأهوار وسكانها، وقد شمل عدم الاكتراث واليأس والعجز عن فعل أي شيء سكان الأهوار أنفسهم.
ويضيف الجنابي: بعد إسقاط النظام الصدامي عام 2003 أُتيحت الفرصة للحكومة الجديدة للعمل على إعادة إنعاش الأهوار ومعالجة آثار التجفيف، لكن هول الكارثة وهشاشة الوضع العام، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، مضافا لها قلة المعرفة والخبرة وتشتتها، أسهم بعرقلة تطبيق النوايا الصادقة لدى النظام الجديد وتحويلها الى برامج إنعاش حقيقية للأهوار، بمعنى استعادة وضعها شبه الطبيعي قدر الإمكان مع تقديم خدمات تهدف الى تحقيق حالة من الاستقرار للسكان، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة مباشرة بالأهوار، كالصيد والألبان والإنتاج الحيواني والمواد الاولية الضرورية للحياة وغيرها. فبعد حماس العامين الأول والثاني بعد التغيير، واللذَين شهدا عودة آلاف النازحين واللاجئين والمشردين الى أماكنهم في الاهوار ومحيطها، ووضع أُسس علمية وأولويات ومشاريع مدروسة، وتأسيس مركز مختص لمتابعة الإنعاش، انتهى الأمر الى متاهات ووزارة دولة بلا رصيد معرفي او مهني او فني، وصراعات وخلافات وصرفيات في غير محلها، ومشاريع ثانوية ووجاهات وترضيات، ضاعت معها بوصلة العمل باتجاه تحقيق العدالة البيئية والاجتماعية، وبقي نظام الاهوار نظاما هشّاً غير قابل للاستدامة، واعتمدت قرارات مرتجلة أبقت الاهوار حبيسة إجراءات تشغيلية لا تمت بصلة الى الوعي البيئي المعاصر او التنوع الإحيائي، وأُهملت قضايا مصيرية مثل حصول المواطنين على ما يكفيهم من الغذاء، وتوفير مستلزمات معيشتهم واحترام تقاليدهم، وغير ذلك من الخدمات الكبرى التي تقدمها الاهوار لسكانها وسكان المدن والقرى المحيطة بها، دون ذكر الأبعاد التاريخية والثقافية والانثروبولجية والسوسيولوجية والايكولوجية لمنطقة رطبة تغطيها المياه كانت مساحتها تبلغ مرة ونصف بقدر مساحة لبنان، وتقع على أطراف الصحارى الكبرى القاسية، وكانت قد شهدت نشوء أولى الحضارات الإنسانية، ومازالت تمثل محطة كبرى في طريق التطور الانساني المعاصر، خاصة في بواكيره الاولى، كالاستقرار والهندسة والكتابة والصيد وتقاليد العبادة والملاحم وغيرها، وهي منطقة متفردة هيدرولوجيا وايكولوجيا ولا مثيل لها في غرب القارة الآسيوية.
ويتابع: يمكن وصف حال الأهوار اليوم بأنه كارثي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، خاصة بجوانبه الانسانية، فالجفاف دمر، ويدمر، وسائل عيش عشرات الآلاف من العوائل. لأن الماء هو العنصر الأوحد الذي يديم الحياة وينعشها في الأهوار، ويحفظ كرامة السكان، ويمنعهم من التسول والجوع والنزوح، وقد أصبح شحيحا وبصورة مفاجئة، وتمثل هذه الشحة تهديدا مباشرا لتجمعات سكانية وقرى يسكنها مواطنون فقراء عُزل من وسائل الحياة الاخرى، لا يملكون سوى إرادتهم في الحياة وزوارق عتيقة وجواميس تُبقيهم على قيد الحياة الكريمة، يعيشون يومهم ويرتبط مصيرهم بقرارات يتخذها غيرهم دون علمهم، وما هو أكثر حزناً وإيلاماً في وضعهم الحالي، أنه لا بديل لديهم للنزوح إليه من أماكنهم الحالية، كما حصل أثناء تجفيف الأهوار في ظل النظام السابق، حيث لجأوا الى مزارع ومبازل الرضوانية والإسحاقي والمسيب واليوسفية وفروع وقنوات المشاريع الأخرى المتفرعة من الفرات ودجلة. فاليوم بالإضافة الى خراب وجرائم الإرهاب في تلك المناطق، فإن إيرادات نهر الفرات تقلصت الى حد قد لا تؤمّن معه مياه الشرب في قادم الأيام، فضلا عن إسناد المسطحات المائية والأهوار التي تمثل لهم خط الحياة الأوحد. فالظروف المناخية القاسية والاحترار المناخي المتمثل بارتفاع معدل درجات حرارة سطح الارض، والزحف الصحراوي السرطاني القادم الى أعماق وادي الرافدين، بسبب انعدام الفيضانات الربيعية المعهودة للنهرين، الناتج أساسا عن إنشاء سلسلة السدود الكبرى في تركيا وسوريا والعراق، وتقلُّص الغطاء الأخضر، إضافة الى انتشار الفقر وانعدام إمكانيات المقاومة لدى السكان للبقاء في موطنهم، نتيجة انعدام البرامج الإغاثية الساندة من مياه ومأوى ومأكل ورعاية صحية ومشاريع للحفاظ على الثروة الحيوانية جعلت المنطقة برمتها تحتضر اقتصاديا.
الأثر البيئي والبشري
إن تجفيف هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 20.000 ألف كيلومتر تُعد من أغنى مناطق البلاد بالتنوع الإحيائي والبيولوجي وأكبر نظام بيئي للمسطحات المائية في الشرق الأوسط مثلت أكبر الكوارث البيئية في العالم، حيث إن سرعة التغيرات التي حدثت في بيئة الأهوار يمكن مقارنتها على حد تعبير أحد الخبراء مع سرعة إزالة الغابات في منطقة الأمازون أو تجفيف بحر آرال ففي أقل من عقد واحد من الزمان تم تجفيف أكبر مجمع مائي للمياه العذبة في العالم بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالتنوع الحيوي وانقراض مجموعة من الحيوانات المتوطّنة في الأهوار بالإضافة إلى التغيرات الكبيرة التي لحقت بالمناخ وانخفاض نسبة التبخر والرطوبة الجوية وقد شهد نظام الأمطار في المنطقة تغيرات كبيرة وازدادت نسبة العواصف الترابية وحدث انخفاض كبير في إعداد الأبقار والجاموس في منطقة الأهوار كما أن الحالة الصحية والمناعية للأعداد المتبقية من الحيوانات قد تردت بسبب نقص العلف الأخضر.
وتؤلف الأراضي المغطاة بالمياه مساحة شاسعة في أرض جنوب العراق وتؤمن هذه البيئة المكان المناسب لتجمعات مهمة من الحياة البرية المستوطنة والمهاجرة ولكون هذه البيئة المائية محاذية للمحيط الصحراوي فان لذلك تأثيراً كبيراً على الحد من التصحر في المنطقة ومن الأمور المهمة التي تلعبها الأهوار دخولها كحلقة أساسية في الهجرة الداخلية بين القارات للطيور والأسماك بالإضافة إلى أن هذه البيئة من المسطحات المائية التي تحتوي على إرث طبيعي استثنائي ومخزون جيني مهم وعالمي.
إن بيئة الأهوار المغطاة تماما بالنباتات الطبيعية حيث نبات القصب في وسط الأهوار بعده يأتي نبات البردي والذي ينمو في حواف الأنهار والأهوار الموسمية وهناك بعض النباتات التي تتحمل الملوحة العالية ولكل نوع من هذا التنوع النباتي فوائده وأهميته البيئية كما أن له استخداماته الخاصة من قبل السكان.
أما الحياة الحيوانية فإن الأهوار تتضمن تنوعا حيوياً كبيراً ومكاناً للتكاثر ونقطة تجمع للهجرات بين غربي سيبيريا - قزوين- النيل حيث سجلت الدراسات المسحية وجود 134 نوعاً من الطيور والحيوانات النادرة تعرضت بعد عمليات التجفيف إلى الضغط البيئي ويعتقد الخبراء الآن أنها انقرضت من المنطقة تماماً.
إن تجفيف الأهوار لعب دوراً مؤثراً في تغير الأحوال المناخية التي لها تأثير على الأحوال الزراعية والحياة البشرية حيث أن الجداول التي تحدد العناصر المناخية تثبت الأثر الواضح للسنوات العشر ما بعد مرحلة تجفيف الأهوار التي تخص المعدلات الشهرية والسنوية لدرجات الحرارة ومعدلات الحرارة العظمى والرطوبة النسبية حيث تجد الفروقات الكبيرة فمعدلات الحرارة للسنوات العشر التي سبقت التجفيف كانت 23,9 مْ أصبحت في التسعينيات 25,17 مْ ومعدلات الحرارة العظمى كانت 31,6مْ أصبحت 33,2 مْ ومقدار الرطوبة كانت 61% أصبحت 41% وكل هذا يعود إلى أن الرياح الشمالية الغربية السائدة في المنطقة أصبحت تجري على أرض جافة فلا رطوبة فيها لكي تكون الضابط في عدم ارتفاع درجات الحرارة.
فضلا عن أن تدمير البنى البيئية أدّى إلى تهجير القسم الأكبر من سكان عرب الأهوار وتمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحرمان السكان من التعايش وقد عانى السكان من عمليات تهجير واسعة ضمن حملات قامت بها الحكومة حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 85000-100000 إنسان من عرب الأهوار يقيمون حاليّاً ضمن ما تبقى من مناطقهم الأصلية وبمن فيهم 10% يعيشون على الطريقة التقليدية بينما تبقى حوالي 100000- 200000 مهجرين داخليّاً ضمن الرقعة العراقية وحوالي 100000 يعيشون لاجئين بيئيين خارج العراق حيث أن عرب الأهوار هم سكان بلاد ما بين النهرين قد طوروا حياة فريدة معتمدين على المياه فهم يمتلكون ثقافة موحدة ولغة موحدة وديناً وعادات مشتركة لذا فإنهم بوضوح مجموعة إثنية ودينية وهذه الأعمال الوحشية أدّت إلى إبادة عنصر حضاري وإرث تاريخي كبير.
مركز دولي يقيّم حجم الكارثة
في عام 2015، قدّم المركز الدولي للدراسات الشرق أوسطية، اوراقاً وتقييماً مختلفاً لما حدث بالأهوار، خلال جلسة نقاشية دارت لساعات.
واعتمد حزب البعث الحاكم آنذاك، اسلوب التدمير النهائي لتلك البرك المائية الساحرة، وهذا ينمُّ عن عداء طائفي كان ينتهجه صدام ضد الطائفة الشيعية. يقول برنارد نتزشمان، الباحث في هذا الشأن، "إن ما جرى بالأهوار جريمة بشعة تجب محاكمة منفذيها".
الأهوار، هي أكبر مسطح مائي جنوب غرب آسيا، متكونة من التقاء نهري دجلة والفرات وتقع بالقرب من الحدود العراقية ـ الايرانية ، كانت موطناً لعرب الاهوار الذين تُطلق عليهم تسمية (المعدان)، وهي ثقافة فريدة من نوعها، تعتاش على صيد السمك النهري النادر وتربية الجاموس وزراعة القصب. المستشرقون الغربيون، في كثير من الاحيان يصفون هذا المكان بالرومانسي، ويشيرون في كتبهم ومؤلفاتهم الى أن هذه المناطق مذكورة حتى في كتبهم المقدسة، وفقاً لبحوثهم واستنتاجاتهم.
في ربيع عام 1991، شنَّ نظام صدام حملة منسقة لتجفيف مياه الاهوار وتدمير قرى المعدان، وبحلول عام 1994، بات ما يقرب من 3000 كليومتر مربع من الاراضي الرطبة جافاً، ويُقدر بنحو 200 ألف شخص فقدوا منازلهم. تُعدّ الاهوار ايضاً، الخط الامامي للحرب العراقية ـ الايرانية، وتشكل مشهداً صعباً لاسيما من ناحية القتال بين الطرفين آنذاك.
وفي نهاية الحرب، كانت القوات العراقية قد اعتمدت على السدود لمنع وصول المياه الى الاهوار مما أدى الى تجفيفها، ليتيح بذلك تقدم القوات لملاحقة أهالي المكان بتهمة انتمائهم لإيران او إيوائهم مقاتلين إيرانيين، وفقاً لبحوث مركز الدراسات للشرق الاوسط.
قرب نهاية الحرب، اعتمد نظام صدام أسلوباً جديداً في تدمير الاهوار، فتم تعيين علي حسن المجيد، ابن عمّ صدام حسين، والمسؤول عن حملة الأنفال، بالإشراف على إنشاء حاجز وقائي حول الاهوار، وتدمير القرى وترحيل سكانها، مما أهلكت قطعان الجاموس وحظر الصيد، فحتى البيئة كان صدام يعتبرها عدواً له، ويجب التغلب عليها.
أصبحت الأهوار المعقل الاخير للمناهضين لحكم صدام، التي على إثرها سحق صدام آلافاً من المدنيين بحجة إثارتهم الشغب والانقلاب عليه. وتكشف الوثائق الداخلية في يوم 29 آذار الماضي الصادرة عن مركز الدراسات للشرق الاوسط، أن مدن الجنوب كانت تشتعل غضباً بعد قرار صدام بتجفيف الأهوار، وكان مبرره الوحيد هو عدم استخدام هذه الاهوار كغطاء للجنود الايرانيين الذين كانوا يسعون الى الإطاحة به في تسعينيات القرن الماضي ايضاً.
بعد عامين من قمع الثورة الجنوبية ضد النظام، عاد علي حسن المجيد الى تجفيف الاهوار مرة اخرى، وحرق القصب ودمر كل البُنى التحتية البسيطة لذلك المكان.
المجيد أشرف فيما بعد على مراسيم افتتاح ما يُعرف باسم "نهر صدام"، إذ صوّر الأمر على أنه انتصار للبراعة التقنية العراقية، بعد أن تأكد من إزالة المعدان وصياغة زراعة جديدة هناك يشرف عليها شخصياً.
الوثائق الداخلية للمركز البحثي، التي عرضها في إطار النقاش حول اسباب تجفيف الاهوار، كشفت ايضاً، أن صدام لم يكن له سبيل سوى تخريب هذه الارض وتحويلها الى أراضٍ صالحة للزراعة بعيدة عن سلطة المعدان، لأنه كان يعتبرهم غير متحضرين، ولكنهم أظهروا عناداً رهيباً ضده، لكن في النهاية رضخوا لسلطته.
صدام قرر مشروعاً أسماه وقتذاك، بقانون نقل المعدان الى المدن في نيسان عام 1992. وادَّعى صدام بهذا القانون، تحويل هذه المناطق من ريفية الى حضرية من خلال كهربتها وتغيير نمط عيشها، لأنه اعتمد على تقارير طبية كانت تشير الى تفشي مرض البلهارسيا نتيجة عيش السكان في أماكن قريبة من الحيوانات.
في نهاية المطاف تبنى المعدان سياسة صدام الاخيرة وتخلوا مضطرين عن اسلوب عيشهم في هذه المناطق، ممهدين الطريق بذلك لصدام الذي مارس كل هذه الأفعال لتحقيق أحقاده الطائفية غير العقلانية الناتجة عن دكتاتوريته، لمكافحة التمرد الحاصل هناك.
تدمير الاهوار لم يبدأ في عام 1991 او حتى في عام 1980، بدأ قبل قرن تقريباً، كانت الاهوار ومازالت منطقة بلا جنسية برغم هويتها المعروفة، وفقاً لجيمس سكوت الباحث في مركز دراسات للشرق الاوسط.
يقول سكوت، "قديماً كانت هذه المناطق تُستخدم لتهريب العبيد والمنشقين ويتسيّدها قُطاعُ الطرق في مطلع القرن العشرين، كما بدأ العثمانيون والبريطانيون، برسم خرائط عن هذه المنطقة بوصفها المنجم الرئيسي للزراعة، لأنها تمثل حجر الزاوية في سياسات التنمية بالعراق من ناحية الزراعة.
بحلول منتصف القرن العشرين، كانت السدود والقناطر والقنوات في العراق وسوريا وتركيا تعمل على إعاقة تدفق المياه الى الاهوار، مما تسبب بكارثة بيئية بين عامي 1968 و1984، وتقلصت الأهوار بذلك الى الثلث.